|
شاعر
|
رقم العضوية : 65231
|
الإنتساب : Apr 2011
|
المشاركات : 2,027
|
بمعدل : 0.41 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
روح الكلم
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 05-08-2011 الساعة : 03:36 AM
من كتاب الفاظ السلوك الخلقي في القران الكريم
أتى
الأ تْيُ في اللغة : المجيء باستقامة . والأتو لغة فيه([1]( قال الشاعر([2])
ياقـــــــوم مالــي وأبا ذؤيب كنت إذا أتوتـــــــــه من غيب
يشمُ عِطفـــــــــي ويبُزُ ثوبي كأنني أربــــــــــــــــــته بريب
والأتِيُ : النهر الصغير يسوقه الرجل إلى أرضه , وكل مسيل سهَلته .يقال : أتَّيْتُ للسيل فأنا أؤتيه إذا سهَلت سبيله من موضع إلى موضع , ليخرج إليه الماء.([3]) قال علقمة بن عبدة في وصف ناقته([4]) :
تَسْقِي مَذانبَ قد زالت عَصِيفتُها حَدُودها من أتي َ الماء مطَمُومُ
وأتَتِ الشجرة أكُلها : أعطته في سهولة وسخاء . وأتت الماشية : نمت , ومنه قيل : تأتَّى الأمر : سَهُل , ومأتاه : جهته التي يسهل إتيانه منها([5]) . كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخرا([6]ً):
خَطَاب ُمَفْصَلَةٍ فَرَاجُ مُظْلِمَـــــة إ ن هاب مُفظِعة أتَّى لهــا بابا
إذاً فهذا اللفظ يدل أصلا على المجيء باستقامة , ولما كانت الاستقامة في السير والمجيء تدل على السهولة واليسر فقد استعمل هذا اللفظ , للدلالة على العطاء بسهولة ويسر . مع احتفاظه بمعناه الأصلي . وقد فرق بين المعنين بفونيم صوتي , تمثل بمد الهمزة عند دلالته على العطاء , وبقاء الهمزة من دون مدَ عند دلالته على المجىء . قال ابن السكيت : ( وقد أتيته وأتوته ...ويقال قد آتيته إذا أعطيته . وقد أتيته إذاجئته )([7]) يقــــــال : ( أتيته أتْياً وأُتيا وإتيّاً وإتياناً ...ويقال : أتوته أتواً لغة في أتيته ).([8]) ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم أربعا ًوستين وخمسمئة مرة .ثلاثون وثلاثمئة منها في آيات مكية , وأربع وثلاثون ومئتان في آيات مدنية([9]) . حاملاً دلالتين أساسيتين هما :
المجيء والعطاء فضلا عن دلالات مجازية أُخر اقتضتها السياقات المختلفة التى ورد فيها هذا اللفظ . وقد ذكر الدامغاني من ذلك ستة عشر وجها ([10]). ونظراً لإيثار البحث الإيجاز , فسيقصر حديثه على بعض تلك الدلالات التى تدل على سلوك خُـلقي يمارسه الإنسان في حياته , ولما كان هذا اللفظ قد ورد في سياقات مختلفة في القرآن الكريم , فقد أفضى به ذلك إلى الدلالة على سلوك خلقي مرغوب فيه , وسلوك خلقي مرغوب عنه.
والسلوك الخلقي المرغوب فيه يتمثل بإيتاء المال . أي : إعطاءه . ويرى عبد الفتاح لاشين أن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله , لأن الإعطاء له فعل مطاوع, لأنه يقال : أعطاني فعطوت , في حين لايقال : آتاني فأتيت . وإنما يقال : فأخذت , والفعل الذي له مطاوع كما يذكر أضعف في إثبات مفعوله من الفعل الذي لا مطاوع له([11]) . ولم تقتصر دلالة الإيتاء في القرآن الكريم على الأشياء الحسية بل اتسعت دلالته , لتشمل كل ما فيه خير ونفع للإنسان مثل الكتب السماوية , والملك والحكمة , والأجر والثواب . وفي هذا كله أسند الإيتاء إلى لفظ الجلالة تبارك وتعالى , لأنه مصدر العطاء , والمتفضل على عباده بكل شيء . قال تعـــــالى : )وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ( (آلعمران : 180), وقال تبارك اسمه : )وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ(( النور :33 ) وكان الحق تبارك وتعالى قد حض المؤمنين على التصدق وبذل المال للمحتاجين من ذوي القربى واالمساكين قبل أن تفرض الزكاة . قال تعالى : )فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ((الروم : 38) فالله هو الرزاق فهو صاحب المال الأول تفضل به على بعض عباده فتنة وابتلا ءً لهم , لينظر من يلتزم بأوامره ونواهيه ومن أوامره تعالى أنه قد أمر بإيتاء فئات من الخلق من ذلك المال وسماه حقا لهم , ومن أولئك المحتاجين من ذوي القربى والمساكين وابن السبيل . إحسانا إليهم , وهذا الإيتاء خارج عن الزكاة كما يرى المفسرون , لأن الآية نزلت قبل وجوب الزكاة([12]) .وقد مدح الله عباده المؤمنين الذين ينفقون المال على حبه سواء أكان ذلك الإيتاء واجباً كالزكاة أم غير واجب قال تعالى : )وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ((البقرة :77) أي مع حب المال والشح به كما قال ابن مسعود . ( أن تؤتيه وانت صحيح شحيح , تامل العيش وتخشى الفقر , ولاتمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا)([13]) . وقيل : على حبَ الله , وقيل على حب الايتاء يريد أن يعطيه وهو طيب النفس بإعطائه . وقدم ذوي القربى ؛ لأنهم أحق([14]) . قال(r) : ( صدقتك على المسكين صدقة وعلى ذي رحمك اثنتان , لانها صدقة وصلة)([15]) . فإيتاء المال وبذله للمحتاجين ولاسيما ذوي القربى سلوك خلقي مرغوب فيه . له أثر كبير على المعطى إذ يتخلص من البخل ويطهر نفسه من الشح , وماله من قلة البركة . وعلى المجتمع , أن يسهم في القضاء على السلوك المنحرف الذي قد يؤديه الفقر والحاجة.ومن السلوك الخلقي الحسن الذي حض عليه القرآن الكريم بدلالة هذا اللفظ إتيان البيوت من أبوابها قال تعالى : )يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ((البقرة: 189) قيل : إن سبب نزول الآية أن أناسا من الأنصار كانو إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا ولا دارا من باب , فنزلت الآية تأمر بإتيان البيوت من أبوابها.([16]) قال الزمخشري : ( أي وباشروا الأمور من وجوهها التى يجب أن تباشر عليها ولا تعكسوا )([17]). أما السلوك الخلقي المرغوب عنه الذي أتى متعلقا بهذا اللفظ فهو ذلك السلوك الذي بلغ المدى في الشناعة والقبح ومخالفة الفطرة الإنسانية الذي مارسه قوم لوط (u) قال تعالى:) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ((الأعراف: 80 , 81) قال سيد قطب . عند تفسير هذه الآية : ( وهي فاحشه شاذة قذرة تدل على انحراف الفطرة وفسادها من أعماقها , فالفطرة قد تفسد بتجاوز حد الاعتدال والطهارة مع المرأة , فتكون هذه جريمة فاحشة , ولكنها داخلة في نطاق الفطرة ومنطقها , وأما ذلك الشذوذ الآخر فهو انخلاع من فطرة الأحياء جميعا , وفساد في التركيب النفسي والتركيب العضوي سواء )([18]) .
([1]) ينظر : العين : 8/145 (أتي , أتو) ومقايس اللغة : 1/49,50 ( أتو , أتي ) , ولسان العرب : 1/64 ( أتي ) . ومفردات ألفاظ القرآن: 4(اتي ) , وتاج العروس : 10/7 ( اتو /اتي )
([2]) البيت في العين :8/145 , ولسان العرب :1/64 .
([3]) ينظر : مفردات ألفاظ القرآن: 4(اتي ) , ولسان العرب : 1/64 (أتي )
([4]) المفضليات : 398
([5]) ينظر : لسان العرب : 1/65 (اتي)
([6]) ديوان الخنساء : 155
([7])إصلاح المنطق : 141 , 242 , وينظر : معترك الاقران : 1/526
([8]) لسان العرب : 1/64 , 66 (اتي )
([9])المعجم الفهرس : 6/15
([10]) ينظر : الوجوه والنظائر ل ( الدامغاني ) : 14/16
([11]) ينظر : صفاء الكلمة : 70
([12]) ينظر : التفسير الكبير : 25/102 , وفي ضلال القرآن: 6/459
([13]) الكشاف :1/243 /244
([14])ينظر : الكشاف : 1/244, والتفسير الكبير : 5/215
([15])مسند أحمد:4/214 , وسنن النسائي الكبرى:5/52 .
([16]) ينظر الدر المنثور : 1/204
([17]) الكشاف : 1/262 . وينظر : البرهان في علوم القرآن: 1/41
([18]) في ظلال القرآن: 6/406
|
|
|
|
|