|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 14474
|
الإنتساب : Dec 2007
|
المشاركات : 411
|
بمعدل : 0.07 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
فطومة الحلوة
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 02-04-2009 الساعة : 12:24 PM
... الجـــــزء الســـــابع عشـــــر ...
... بشـــــرى الشفـــــاعة ...
كنت أضج احيانا من الجراحات التي نزلت برأسي وبدني , ولقد كنت غافلا عنها بسبب اندفاعي لمقارعة الذنب وللفرحة التي أعقبتا , وكنت أخشى أن تعيقني عن مواصلة الطريق .
لم نقطع من الطريق إلا قليلا فجلست على الأرض وطلبت من (( حسن )) شيئا من الإستراحة , فرجع إلي وقال : الوقت قليل فلابد من السير بأي نحو كان .
قلت : أما تراني لا أقدر ؟
وكعادته في مواساته لي , تقدم نحوي وقال : ليت تقواك أكثر من هذا بقليل لاستطاع درعك دفع الضربة التي نزلت عليه كسائر الضربات . ألقيت بنظرة على الدرع , والألم قد سلب مني الراحة ثم قلت : العجب لهذا الدرع الذي لم يستطع المقاومة أمام تلك الضربة رغم ضخامته . فأجابني (( حسن )) مباشرة , إنك لم تصم سنة كاملة بعد بلوغك , أما بقية الأيام فإنك ربما أذهبت أثرها بأعمال غير مرضية .
استولت علي الحسرة والندامة والخجل , فأخذ (( حسن )) بيدي وأنهضني من الأرض وقال : لو استطعت الوصول إلى وادي الشفاعة فهنالك أمل في مواصلتك الطريق مشافى وبسهولة .
كان اسم الشفاعة معروف لدي كثيرا ومبعث تفاؤل لي في الدنيا , لذا فقد أسرعت بالسؤال : أين هذا الوادي ؟
فأشار (( حسن )) إلى الأمام وقال : إلى الأمام قليلا , ثم واصل قائلا : إن الشفاعة تتعلق بالقيامة الكبرى لكنك تستطيع الآن أن تفهم إن كنت من أهلها أم لا , فإن بشروك بها فإنك ستستلهم روحية جديدة وتطوي بقية الطريق كل يسر .
كنت أحيط بيدي على رقبة (( حسن )) ونواصل طريقنا بصعوبة بالغة . وحين مسيرنا قلت لـ(( حسن )): لو كنت أستطيع العودة إلى الدنيا لأخبرت أهلها أن خير الزاد التقوى . فهز (( حسن )) رأسه وقال : وهو كذلك بالطبع , ثم سكت ولم أعد أقدر على مواصلة طريقي إذ عم الألم جميع كياني فطلبت من (( حسن )) العون فحملني على كتفيه وسار . وأنا في تلك الحال قلت له : أتستطيع حملي على ظهرك حتى نصل وادي السلام ؟
قال : لا إذن بالدخول لوادي السلام لمن ضربه ذنبه وجرح بدنه , فأدركت أن لا مناص لي سوى أن تدركني الشفاعة وحسن .
أخذنا نقترب خطوة فخطوة نحو وادي الشفاعة يحدونا الأمل , وأحيانا يقشعر بدني ويهتز كياني لئلا تدركني الشفاعة , ولم يكن لدي سوى (( حسن )) الذي يؤنسني في تلك الحالة أخذ المناخ يتحسن شيئا فشيئا فقد انخفضت درجة الحرارة ولم يبقى من الدخان المتراكم في السماء سوى طبقة خفيفة وكنت أتجرع كل أنواع الألم والعذاب بغية الوصول إلى وادي الشفاعة .
أخيرا وصلنا مرتفعا يمر طريقنا من خلاله , فتوقف (( حسن )) وقال : على الطرف الآخر من هذا المرتفع يقع وادي الشفاعة الزاخر بالبركة والخيرات , وعندما وصلنا إلى الأعلى هب نسيم عذب فألقى (( حسن )) بي على الأرض وقال : لنجلس هنا بانتظار بشارة الشفاعة , فإذا ما نلت شفاعة أحد أو بالأحرى شفاعة المعصومين الأربعة عشر ـ عليهم السلام ـ فإن جميع جراحك ستلتئم .
سررت كثيرا لعلمي بأنني كنت من أتباع مذهب أئمة أفضل الشفعاء بالنسبة لي .
خطر على ذهني سؤال أقلقني فتوجهت إلى (( حسن )) فسألته : وذا لم تنفع ؟ وكأن (( حسن )) لم يكن يتوقع مني هذا السؤال فأطرق برأسه , فأعدت عليه السؤال مرعوبا أكثر من ذي قبل : وإن لم ينفعني علاج الشفاعة ؟ فأجابني (( حسن )) وهو مطرق الرأس : حينذاك ستصبح شقيا تعيسا .
اعترتني حالة من الرهبة والإضطراب وأخذت أبكي دون وعي مني , وكعادته في مواساتي ورأفته بي اقترب (( حسن )) مني وقال : لا تبكي , فإننا حيث قطعنا كل هذا الطريق فإننا سنقطع ما تبقى ببركة هؤلاء بفضل منزلتهم عند الله , فلطفهم أكبر من أن يتركونا على هذه الحالة و ...
وهنا قطع كلام (( حسن )) بسلام من أحد المعارف , فالتفتا نحو مصدر الصوت , إنه ذلك الملك المغيث قد جاءني هذه المرة بمرهم الشفاعة لإنقاذي , فقال هذا الملك وهو يسلم المرهم لـ(( حسن )) هذه هدية وهي عبارة عن بشارة بالشفاعة من آل الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ثم ابتعد عنا محلقا بجناحيه , فلم تعد الدنيا تلمني من الفرح وودعت ذلك الملك بعيون مغرورقة بالدموع .
ولما وضع (( حسن )) الدواء على جروحي شعرت وكأن آلامي وضعفي التي كانت تخيم على كياني قد زالت ووقفت على قدمي مباشرة , وفي هذه المرة ترقرقت عيناي بدموع الشوق وصرخت بصوت عال : السلام عليكم محمد وآله الطاهرين الذين يبذلون الشفاعة لمن يحبهم , وإن الله لن يرفض شفاعتهم يوم القيامة أبدا .
لقد كان صوتي جليا قويا بحيث وصل أسماع مجموعة من أهل وادي الشفاعة فجاؤوني يهرعون وقالوا لي : ما الخبر ؟ سمعنا منك صوت فرح لا يطلقه إلا الحائزون على الشفاعة .
فأجتهم والسرور يملؤني : نعم , نعم لقد نلت البشارة بشفاعة آل محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وضمدوا جروحي التي أصابني بها الذنب .
فقال لي أحدهم مهموما : وما عسانا فاعلون ؟ فهل هنالك من يشفع لنا ؟
قلت له : ولم تريدون الشفاعة ؟
قال : لا يؤذن لنا بالعبور .
فسألته متعجبا : ولماذا ؟
قال وهو يبكي : لقد أخبرنا الملائكة بأننا أفلحنا بالوصول إلى هنا , لكننا من الآن فصاعدا بحاجة إلى بشارة الشفاعة ... هنا نادى علي (( حسن )) وطلب مني أن لا أضيع الوقت هدرا .
ونحن نسير سألت (( حسن )): ماهو مصيرهم ؟ فرد علي : لا تفكر بهم , فلكل واحد نصيب من الإنتظار لنيل الشفاعة , فطائفة مثلك تطلب الشفاعة , وآخرون كهؤلاء يطلبون الإذن بالعبور , مثل هؤلاء كانوا قد نسوا الله في الدنيا وأنكروا الشفاعة . وكانوا يتقاعسون عن إقامة الصلاة , لكنهم حيث تعقدت أمورهم أخذوا يفكرون بالشفاعة .
لازلنا نسير في وادي الشفاعة , فألقيت بنظرة نحو أولئك المحتاجين وقلت لـ(( حسن )): ليت الناس جميعا كانوا صالحين في الدنيا بحيث يستغنون عن شفاعة أي إنسان .
نظر (( حسن )) إلي وقال : كلا , ليس كذلك فالجميع بحاجة إلى شفاعة محمد وآله ـ صلى الله عليه وآله ـ, فالبعض يحتاجون الشفاعة لدخول الجنة , وآخرون يمدون أيديهم لنيلها لغرض بلوغ درجات أعلى فيها , فدهشتني الحيرة لهذا الكلام فلم أتكلم بعدها أبدا .
وبعد سكوت قصير واصل (( حسن )) حديثه حول أهل وادي الشفاعة فقال : البعض منهم لم يكونوا يقبلون أعذار أخوتهم المؤمنين , وآخرون لم يكونوا يطعمون المسكين , وطائفة أخرى كانوا يخوضوا باللعب واللهو فكيف يشفع لهم إن لم يذوقوا العذاب لعل رحمة الله تدركهم فيما بعد .
وأخيرا ودعنا وادي الشفاعة وواصلنا طريقنا بمزيد من النشاط والحيوية .
كنت أشعر بأنني أسير بخفة أكثر من السابق , وكأنني أريد التحليق وأصل إلى وادي السلام خلال لحظة واحدة , نظرت إلى الأعلى فلم أجد أثرا للنار , لكن طبقات خفيفة من الدخان كانت تلوح في الأفق لكنها كانت في طريقها إلى الزوال بإطلالة نور أبيض بهيج , وكانت تطل علينا بين الحين والآخر أشجار خضراء زاهية , كنا نطوي طريقنا بسرعة فائقة وقليلا ما كنا ننتبه إلى ما يدور حولنا .
كنا نواصل مسيرنا وإذا بنا نلمح عن بعد بابا يحتشد عنده قوم وقفوا ينتظرون ويحرسها ملائكة شداد أقوياء . وقفت عند الباب دون اختيار وأخذت أراقب الحراس والحشود الواقفة , وبين الحين والآخر يسلم بعض الناس أوراقا خضراء للحراس فيعبرون من الباب , فأدرت بعيني نحو (( حسن )) الذي كان واقفا خلفي ويراقب تصرفاتي , فسألته : ما الذي يحدث هنا ؟
أجابني : هذا خط السعادة فهو آخر نقطة من برهوت .
ثم واصل كلامه بنبرة خاصة : هنا باب الولاية فمن عبرها نال السعادة الأبدية . قلت : وماذا يعني باب الولاية ؟
قال : لا يدخل وادي السلام إلا من تعلق قلبه في الدنيا بمحبة علي ـ عليه السلام ـ وآل النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ, فيمنح مثل هؤلاء بطاقة الولاية ليعبروا من هذا الباب بيسر ويقتربوا من أبواب وادي السلام .
سررت كثيرا لسماعي اسم وادي السلام , لكنني سرعان ما أخذت أفكر ببطاقة الولاية فتوجهت مرعوبا مضطربا إلى (( حسن )) وقلت له : لقد كنت في الدنيا مواليا لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ لكنني لا أمتلك بطاقة الولاية , فأشار بيده إلى يمين الباب وقال : اذهب إلى تلك الخيمة الخضراء , فتوجهت إليها على عجل , فوجدت فيها رجلا يرتدي ثيابا بيضاء حسن الوجه وقد جلس في زاوية منها ويتحدث مع أحد البرزخيين , وكأن ذلك الشخص كان محروما من بطاقة العبور وهو الآن يتوسل للحصول عليها .
قال الرجل ذو الثياب البيضاء لذلك البرزخي : كما قلت لك عليك العودة إلى وادي الشفاعة عسى أن يدركك الفرج وإلا فإن مشكلتك أنت والواقفين في الخارج لا تحل هنا .
غادر البرزخي الخيمة مهموما , فدخلت وألقيت السلام ثم جلست أمام ذلك الرجل العظيم , فرد علي السلام , وقبل أن أبوح بطلبتي تصفح دفترا كان أمامه وكانت رجلاي ويداي ترتجفان , ولكن لم يطل بي المقام حتى امتدت يده نحو وهي تحمل بطاقة خضراء , ولما سلمني إياها تبسم بوجهي وقال : لقد بلغت السعادة فهنيئا لك .
وهكذا مررنا من باب الولاية وخلفنا وراءنا المأمورين ومن لا ولاية لهم .
انتظروني غدًا في آخر جزأين من الرواية
تحياتي
|
|
|
|
|