|
شاعر
|
رقم العضوية : 39574
|
الإنتساب : Aug 2009
|
المشاركات : 1,995
|
بمعدل : 0.36 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
زكي الياسري
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:34 AM
النواب: فإذا كان الخطاب متوجها إلى أهل البيت بصيغة جمع المذكر المخاطب، فمن أين تقولون أنها تشمل فاطمة وهي أنثى؟ فتكون خارجة من الآية.
قلت: علماؤكم يعرفون أن ضمير الجمع المذكر إنما جاء هنا للتغليب، وهذا لا ينافي شمول الآية الكريمة لفاطمة (ع). فهي واحدة مقابل أبيها وبعلها وابنيها، فعدد الذكور في الجمع غالب، ولذا جاء الضمير مخاطبا لهم بصيغة " عنكم " و " يطهركم ". وقد أشار إلى هذا ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة / الباب الحادي عشر / الفصل الأول في الآيات الواردة في أهل البيت / الآية الأولى: قال الله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، قال أكثر المفسرين: على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين، لتذكير ضمير " عنكم " وما بعده، انتهى كلامه.
واكثر المفسرين والمحدثين على أن الآية الكريمة لا تشمل زوجات النبي (ص) كما جاء في صحيح مسلم: ج2/237 ـ 238 / روى بسنده عن يزيد بن حيان قال: دخلنا على زيد بن أرقم ـ والخبر طويل وفيه أنه حدثهم ـ عن رسول الله (ص) قال: ألا وإني تارك فيكم الثقلين: أحدهما: كتاب الله، هو حبل الله، من أتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة. وفيه: فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا و ايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها و قومها، أهل بيته: أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده.
ثم هناك روايات كثيرة مروية في كتبكم، واصلة عن طرقكم بألفاظ متعددة ومعنى واحد، على أن آية التطهير تشمل النبي والوصي وفاطمة والحسن والحسين (ع) لا سادس لهم. ولكي تعرفوا ذلك فراجعوا مصادركم المعتبرة عندكم والتي منها:
1ـ كشف البيان في تفسير القرآن للثعلبي، عند تفسيره الآية.
2ـ التفسير الكبير للفخر الرازي: ج6/783.
3ـ الدر المنثور لجلال الدين السيوطي: ج5/199.
4ـ والنيسابوري في المجلد الثالث من تفسيره.
5ـ وتفسير رموز الكنوز لعبد الرزاق الرسعني.
6ـ الخصائص الكبرى: ج2 / 264.
7ـ الإصابة لابن حجر العسقلاني: ج4 /207.
8ـ تاريخ ابن عساكر: ج4 / 204 و206.
9ـ مسند أحمد بن حنبل ج1/331.
10ـ الرياض النضرة: ج2/188 للمحب الطبري.
11ـ صحيح مسلم: ج2/331 وج7/130.
12ـ الشرف المؤبد للنبهاني: ص10 طبع بيروت.
13ـ كفاية الطالب للعلامة الكنجي الشافعي / الباب المائة.
14ـ الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب 23، نقل عن صحيح مسلم وعن شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني عن عائشة أم المؤمنين، ونقل أخبارا أخرى عن الترمذي والحاكم السمناني والبيهقي والطبراني ومحمد بن جرير وأحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وابن منذر وابن سعد والحافظ الزرندي والحافظ ابن مردويه رووا عن أم سلمة أم المؤمنين وعن ولدها عمر بن أبي سلمة وعن أنس بن مالك وسعد بن أبي وقاص وواثلة بن اسقع وأبي سعيد الخدري قالوا: إن آية التطهير نزلت في شأن الخمسة الطيبة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.
15ـ وابن حجر المكي على تعصبه الغريب نقل في كتابه الصواعق /85 و86 / ط المطبعة الميمنية بمصر / عن سبع طرق واعترف بأن الآية الكريمة نزلت في شأن الخمسة الطيبة ولا تشمل غيرهم وذلك في تحقيق عميق وطويل.
16ـ ونقل السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي في الباب الأول / نقل عن الترمذي وابن جرير وابن منذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي وابن أبي حاتم والطبراني وأحمد بن حنبل وابن كثير ومسلم بن الحجاج وابن أبي شيبة والسمهودي، مع ذكر تحقيقات عميقة من أكابر علمائكم، على أن الآية الكريمة لا تشمل غير الخمسة الطيبة الذين شملهم كساء رسول الله (ص) وعرفوا بأصحاب الكساء.
17ـ وفي الجميع بين الصحاح الستة نقل عن الموطأ لمالك بن أنس الأصبحي، وعن صحاح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والسجستاني والترمذي وجامع الأصول.
وفي كلمة أقول: إن عامة علمائكم وأعلامكم من المفسرين والمحدثين والفقهاء والمؤرخين وغيرهم، أجمعوا على أن الآية الشريفة ـ آية التطهير ـ نزلت في شأن محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد وصل هذا المعنى إلى قريب حد التواتر عندكم، والمخالف لهؤلاء شاذ معاند متمسك بأخبار ضعيفة لا اعتبار بها، ولا وزن لها في قبال تلك الأخبار المتكاثرة والروايات المتظافرة.
عودا إلى فدك
فلنعد لما كنا عليه من البحث والحوار، أقول: أنصفونا! هل بعد ثبوت التطهير الإلهي لفاطمة وعلي (ع)، وعلم القوم بأن الله تعالى طهرهما وابنيهما من الأرجاس والمساوئ الظاهرية والباطنية، وعصمهم من كل صغيرة وكبيرة بنص القرآن الحكيم، فهل كان يجدر بأبي بكر أم كان يحق له أن يرد فاطمة، ويرد شهادة الإمام علي (ع) في حقها!!؟ أما كان ردهما ردا على الله سبحانه وتعالى؟!
فكيف يقبل ادعاء جابر بن عبدالله الأنصاري وهو ـ مع تقديرنا لمواقفه واحترامنا له ـ ليس إلا صحابي جليل، ولم ينزل قرآن في شأنه، ولا طهره الله تعالى من الرجس؟! ولكنه يرد فاطمة وعليا (ع) ولا يقبل كلامهما في حق ثابت كثبوت الشمس في وسط النهار!!
الحافظ: لا يمكن لنا أن نقبل، بأن أبا بكر.. وهو ذلك الصحابي الجليل والمؤمن الصديق، غصب فدكا!! أو أنه أخذه من فاطمة بغير دليل!! إذ أن كل إنسان عاقل يعمل من وراء القصد، فالخليفة أبو بكر بعد أن كانت أموال بيت المال تحت تصرفه، ما كان بحاجة إلى فدك وغيرها، حتى نقول انه اخذ فدكا لحاجة إليها، فما عسانا أن نقول فيه إلا أنه أخذها ليحق الحق، ولأنه كان يعتقد بأنها فيء المسلمين.
قلت: أولا: أثبتت فاطمة (ع) في خطبها وكلامها وبإقامة الشهود ، أن فدكا لها وليست فيئا للمسلمين، وأنها نحلة من رسول الله (ص) لها. وقد مر ذلك في حوارنا وهو أمر ثابت عند كل ذي وجدان وذي إنصاف وإيمان.
ثانيا: لم يقل أحد بأن أبا بكر غصب فدكا لاحتياجه إليها، وإنما غصبها ليترك أهل البيت وهم فاطمة وبعلها وابناهما الحسن والحسين ضعفاء ماديا ليس في أيديهما شيء من المال، فأبو بكر وأعوانه كانوا يعلمون أن عليا (ع) غني بالمعنويات وكفته راجحة في الدين والإيمان والعلم والعقل والفضائل والمناقب وما إلى ذلك.
فلو ملك المال واستغنى به إلى جنب الغناء المعنوي، التف الناس حوله ولم يرضوا بغيره، فلذلك غصبوهم فدكا وحرموهم من الخمس الذي خصه الله تعالى في كتابه الحكيم لهم فقال سبحانه: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)(115) الخ.
وقد جعل الله تعالى ذلك ليرفع شأنهم ومقامهم بين الناس فلا يحتاجون ولا يفتقرون إليهم بل يعيشون معززين ومكرمين بالحق الذي جعل الله عز وجل لهم، ولأنه حرم عليهم الصدقات والزكوات فعوضهم بالخمس، ولكن شاء الله... وشاءوا!!
فمنعوهم الخمس بحجة أن الخمس يجب أن يصرف في شراء الأسلحة ولوازم الحرب والجهاد(116).
قال محمد بن إدريس الشافعي في كتاب الأم ص 69: وأما آل محمد الذين جعل لهم الخمس عوضا من الصدقة فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئا قل أو كثر ، لا يحل لهم أن يأخذوها ولا يجزي عمن يعطيهموها إذا عرفهم.
إلى أن يقول: وليس منعهم حقهم في الخمس يحل لهم ما حرم عليهم من الصدقة.
الحافظ: الإمام الشافعي رحمه الله يقول: يجب أن يقسم الخمس إلى خمسة أقسام سهم لرسول الله (ص) وهو يصرف في مصالح المسلمين، وسهم يعطى لذوي القربى وهم آل محمد (ص) وثلاثة سهام تصرف على الأيتام والمساكين وأبناء السبيل.
قلت: أجمع العلماء والمفسرون أن آية الخمس حين نزلت قال رسول الله (ص): أبشروا آل محمد بالغنى. فالآية نزلت في حق آل محمد وتخصص خمس الغنائم لآل محمد (ص).
وكان النبي يقسم خمس الغنائم على آله وأهل بيته، ولذلك فإن رأي علماء الإمامية تبعا لأئمة أهل البيت (ع) هو أن الخمس يقسم إلى ستة سهام سهم الله سبحانه وتعالى، وسهم للنبي (ص) وسهم لذوي القربى. هذه السهام الثلاثة باختيار النبي (ص) ومن بعده تكون باختيار الإمام والخليفة الذي نص عليه، وهو يصرفها في مصالح المسلمين حسب رأيه الصائب، والسهام الثلاثة الأخرى تصرف على الأيتام والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين لا غيرهم، ولكن بعد وفاة رسول الله (ص) منعوا سهم بني هاشم وحقهم من الخمس، كما يصرح بذلك كثير من أعلامكم ومفسريكم في تفسير آية الخمس، منهم: جلال الدين السيوطي في تفسير الدر المنثور: ج3، والطبري في تفسيره، والثعلبي في كشف البيان، وجار الله الزمخشري في تفسيره الكشاف، والقوشجي في شرح التجريد، والنسائي في كتابه الفيء وغيرهم. فكلهم يعترفون بأنه بعد وفاة النبي (ص) حرموا بين هاشم من الخمس، وقد كان رسول الله (ص) يعطيهم في حياته ويقسم الخمس عليهم.
الحافظ: أما تجيزون للمجتهد أن يعمل برأيه؟ ولقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مجتهدين فعملا بنظرهما وهو انضمام فدك لبيت مال المسلمين وصرف حاصله في المصالح العامة، وكذلك الخمس!!
قلت: أولا: من أين ثبت اجتهاد الشيخين؟
هذا ادعاء يحتاج إلى دليل، إذ ليس كل الصحابة كانوا مجتهدين.
ثم إن رأي المجتهد يجزي إذا لم يكن نص بخلافة فإذا كان هناك نص في القرآن واجتهد أحد على خلاف ذلك وهو يعلم بوجود ذلك النص، فقد تبع الهوى وضل عن الحق، ومن حاول توجيه ذلك الاجتهاد مقابل النص فهو ضال أيضا، لقوله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)(117).
ثم لا بد للمجتهد من إقامة دليل معقول على أساس الكتاب والسنة الشريفة على رأيه، فإذا أبدى رأيا من غير دليل معقول وغير مستند إلى القرآن والسنة النبوية، فهو غير مجتهد قطعا.
والمجتهد الذي يجوز للمسلمين أن يتبعوه ويأخذوا برأيه، إنما هو المجتهد الذي يكون مطيعا لله عز وجل عاملا بكتاب الله سبحانه وآخذا بما جاء به النبي الكريم (ص)، ويكون صائنا لنفسه مخالفا لهواه ومجانبا للدنيا وزينتها، فقيها وعالما تقيا، عارفا بأحكام الدين ومصالح المسلمين.
ليت شعري، بأي دليل اجتهادي رد أبو بكر شهادة علي (ع) وهو الذي جعله الله شاهدا على ما جاء به النبي (ص) وكفى به شاهدا.
إذ قال سبحانه: ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (118).
فالنبي (ص) على بينة من ربه والشاهد الإمام علي (ع).
الحافظ: ولكن الروايات تقول: إن رسول الله هو صاحب البينة وشاهده القرآن الكريم. فلا أدري بأي دليل قلتم: بأن الشاهد علي كرم الله وجهه؟
قلت: أعوذ بالله تعالى من أن أفسر القرآن برأيي، وإنما نقلت لكم قول أئمة أهل البيت (ع)، وهو أيضا رأي كثير من أعلامكم ومفسريكم، وهم قد نقلوا في ذلك ما يقارب من ثلاثين حديثا، منهم: أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره روى ثلاثة أحاديث في ذلك، والسيوطي في الدر المنثور، عن ابن مردويه وابن أبي حاتم وأبي نعين الحافظ، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين روى ذلك بثلاثة أسانيد ، والحافظ سليمان القندوزي روى ونقل في الباب 26 عن الثعلبي والحمويني والخطيب الخوارزمي وأبي نعيم والواقدي وابن المغازلي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهما.
والحافظ أبو نعيم روى ذلك عن ثلاث طرق، والطبري وابن المغازلي وابن أبي الحديد ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب 62 من كتاب كفاية الطالب وغير هؤلاء جمع كبير كلهم ذهبوا إلى أن الشاهد في الآية الكريمة هو الإمام علي (ع) وقد قال النبي (ص): علي مني وأنا من علي، وقال الله سبحانه: (ويتلوه شاهد منه) ومع هذا كله، لا أدري بأي وجه شرعي ردوا شهادة علي في حق فاطمة (ع)؟
ردوه بحجة: أنه يجر النفع إلى نفسه!! وهو الذي طلق الدنيا ثلاثا، وكان أزهد الناس فيها، يشهد له ذلك الصديق والعدو.
ولكن الذين حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها وحرصوا على الرئاسة والملك، افتروا عليه واتهموه، وقالوا فيه ما لا يليق إلا بهم.
فتارة قالوا: إنه ثعالة شهيده ذنبه!!
وتارة قالوا: إنه يجر النفع إلى نفسه!
ولكنه كظم غيظه وصبر على مضض، حتى قال (ع) في الخطبة الشقشقية المروية في نهج البلاغة وهي الخطبة رقم 3: فطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ!! فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَذا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً... الخ.
ويقول في الخطبة رقم 5 من نهج البلاغة:... وَ اللَّهِ لَا بْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ!! من هذا الكلام والبيان نعرف مدى انضجاره من الوضع المؤسف وهو في محراب العبادة وفي حال الصلاة نادى: فزت ورب الكعبة!
نعم بهذه الجملة القصيرة عبر عن حقائق كثيرة، وبين انه ارتاح من هموم وغموم كانت متراكمة على قلبه الشريف، من جفاء قوم آخرين وتحريف الدين وتغيير سنن سيد المرسلين!!
ارتاح من هموم وغموم تراكمت على فلبه المقدس من أعمال الناكثين ، وجنايات القاسطين، وجرائم المارقين.
وكم تحمل من الأذى والظلم من الذين كانوا يدعون صحبة رسول الله ومرافقته!!
وكم خالفوه وقاتلوه وسبوه وشتموه ولعنوه على منابر الإسلام وفي مجاميع المسلمين!!
وأنتم أيها العلماء تعرفون كل ذلك، وتعلمون علم اليقين أن عليا كان نفس رسول الله (ص) بنص القرآن الحكيم وحديث الرسول الكريم حيث قال: " من آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن أحب عليا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله ". إن السلف سمعوا ذلك من رسول الله (ص) في حق علي (ع) إلا أنهم أخفوه عن المسلمين وألبسوا عليهم الحقائق وأضلوهم عن سبيل الله وعن الصراط المستقيم!!
وقد آل الأمر اليوم إليكم، فأنصفوا واتقوا الله واليوم الآخر، ولا تتبعوا الهوى واتركوا التعصب لدين الآباء ومذهب السلف، (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)(119)! فإن الناس من العامة ينظرون إليكم ويأخذون بأقوالكم فلا تسكنوا عن بيان الحقائق، انقلوا للناس ما رواه علماؤكم، وحدثوهم بما حدث أعلامكم وكتبوا في كتبهم في شأن الإمام علي (ع) وأهل بيته المظلومين!
من آذى عليا فقد آذى الله
لقد بين كثير من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم، ورووا بأسنادهم عن الرسول (ص) في حق (ع) أحاديث هامة ولكنكم لا تذكرونها للعامة، وتخفوها عنهم، والمفروض بيانها وإعلانها في الإذاعات وخطب الجمعات، وفي الاجتماعات الدينية والمناسبات الإسلامية.
روى أحمد بن حنبل في المسند بطرق عديدة، والثعلبي في تفسيره، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، بأسنادهم عن رسول (ص) أنه قال: " من آذى عليا فقد آذاني، أيها الناس! من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا ".
وروى ابن حجر المكي في الصواعق / الباب التاسع / الفصل الثاني / الحديث السادس عشر / عن سعد بن أبي وقاص عن رسول (ص) قال: من آذى عليا فقد آذاني.
رواه العلامة الكنجي الشافعي أيضا في كتابه كفاية الطالب / الباب الثامن والستون / مسندا عن رسول الله (ص).
وذكرت حديثا آخر عن النبي (ص) أنقله لكم فان استماع حديث رسول الله (ص) عبادة.
روى أحمد بن حنبل في مسنده، والمير علي الهمداني الشافعي في مودة القربى، والحافظ أبو نعيم في كتاب " ما نزل من القرآن في علي "، والخطيب الخوارزمي في المناقب والحاكم أبو القاسم الحسكاني عن الحاكم أبي عبد الله عن أحمد بن محمد بن أبي داود الحافظ عن علي بن أحمد العجلي عن عباد بن يعقوب عن أرطاط بن حبيب عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن علي ابن الحسين عن أبيه الإمام الحسين الشهيد السبط عن أبيه الإمام علي بن أبي طالب (ع) عن رسول الله (ص) قال: يا علي من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنه الله.
وروى السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي ص 6 / الباب الرابع عن الجامع الكبير للطبراني وعن صحيح ابن حيان ـ وصححه الحاكم ـ كلهم عن مولانا أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) قال: من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله.
بعد هذه الأحاديث الشريفة والتفكر في معانيها، انظروا إلى أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار الإمام علي وفاطمة الزهراء (ع) وهتكهم حرمتها، وفكروا في تلك الأعمال الشنيعة والأفعال الفظيعة التي ارتكبها القوم حتى مرضت سيدة نساء العالمين بسببها وتوفيت على أثرها في أيام شبابها، فماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر وعلى كل من آذاها!!
الحافظ: نعم سخطت فاطمة الزهراء بادئ الأمر، ولكنها رضيت بعد ذلك لأنها علمت بأن الخليفة (رض) حكم بالحق، فرضيت عن الشيخين (رض) وعن جميع الصحابة الكرام حين توفيت.
قلت: إنكم تحبون أن تصلحوا بين سيدة النساء فاطمة (ع) وبين من ظلمها في عالم الخيال، ولكن الواقع خلاف الخيال والمقال، فقد صرح أعلامكم وكبار علمائكم مثل الشيخين مسلم والبخاري في صحيحهما فكتبا ورويا عن عائشة بنت أبي بكر: "... فهجرته فاطمة ولم تكلمه في ذلك حتى ماتت. فدفنها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر " (120).
رواه العلامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب، في أواخر/الباب التاسع والتسعون.
وقال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة / 14 و 15 / طبع مطبعة الأمة بمصر: فقال عمر لأبي بكر (رض) انطلق بنا إلى فاطمة فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام!!
فقالت: أ رأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله (ص)، تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: نشدتكما الله! أ لم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي و سخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة فقد أرضاني و من أسخط فاطمة فقد أسخطني؟
قالا نعم سمعناه من رسول الله (ص).
قالت فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي (ص) لأشكونكما إليه.
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله من سخطه و سخطك يا فاطمة ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول: و الله و اللَّه لأدعونّ اللَّه عليك في كلّ صلاة أصلّيها!!(121).
وبعد استماع هذا الأخبار، أرجوكم! استمعوا إلى روايات المحدثين التي تخبرنا عن مدى تعلق النبي (ص) بابنته فاطمة بحيث جعلها كنفسه وقال: من آذاها فقد آذاني فقد آذى الله، وإليكم بعض المصادر المعتبرة لديكم:
وروى أحمد بن حنبل في المسند، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في مودة القربى، وابن حجر في الصواعق نقلا عن الترمذي والحاكم عن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني وهي نور عيني وثمرة فؤادي وروحي التي بين جنبي، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن أغضبها فقد أغضبني.
ونقل ابن حجر العسقلاني في الإصابة في ترجمة فاطمة (ع)، عن صحيحي البخاري ومسلم أن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما أرابها.
وفي مطالب السؤل لمحمد بن طلحة الشافعي ص 16 طبع دار الكتب التجارية / نقلا عن الترمذي بسنده عن ابن الزبير عن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها وينصبني ما ينصبها.
وفي محاضرات الأدباء للعلامة الراغب الاصبهاني ج2 / 214 عن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.
وروى الحافظ أبو موسى بن المثنى البصري المتوفي سنة 252، في معجمه، وابن حجر العسقلاني في الاصابة ج4 / 375، وأبو يعلى الموصلي في سننه، والطبراني في المعجم، والحاكم النيسابوري في المستدرك ج3 / 154، والحافظ أبو نعيم في فضائل الصحابة، وابن عساكر في تاريخه، وسبط ابن الجوزي في التذكرة / 279 / طبع مؤسسة أهل البيت بيروت، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبي / 39، وابن حجر المكي في الصواعق / 105، وأبو العرفان الصبان في إسعاف الراغبين / 171، كلهم رووا عن رسول الله (ص) أنه قال لابنته فاطمة (ع): يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.
وروى محمد بن اسماعيل البخاري في الصحيح في باب / مناقب قرابة رسول الله (ص)، عن مسور بن مخرمة عن رسول الله (ص) أنه قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.
وفي التذكرة / 279 روى سبط ابن الجوزي فقال: وقد أخرج مسلم عن المسور بن مخرمة أن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.
أيها الحاضرون! وخاصة أنتم العلماء فكروا! في ما يحصل من هذه الأخبار وانظروا نتيجتها، أليست صريحة في أن الله ورسوله يغضبان على من تغضب فاطمة عليه؟ وطائفة من الأخبار ـ التي نقلتها لكم عن صحاحكم ومسانيدكم المعتبرة ـ صريحة بأن فاطمة (ع) ماتت وهي ساخطة على جمع من الصحابة منهم أبو بكر وعمر. حتى أوصت أن لا يشيّعاها ولا يصليا عليها!!
فالنتيجة الحاصلة: أن الله ورسوله ساخطين على أبي بكر وعمر، لأن فاطمة (ع) ماتت ساخطة عليهما!!
الشيخ عبد السلام: هذه الأخبار صحيحة ولكن رسول الله (ص) نطق بها حينما سمع أن عليا كرم الله وجهه يريد أن يتزوج بابنة أبي جهل، فغضب رسول الله (ص) وقال: من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله. وكان علي كرم الله وجهه هو الهدف والمقصود من هذه الأحاديث الشريفة!!
خطبة علي (ع) ابنة أبي جهل كذب وافتراء
قلت: يمتاز الإنسان عن سائر أنواع الحيوان بلُبِّه وعقله.
فإذا سمع خبرا فهو لا يقبله إلا بعد ما يمضغه بفكره ويهضمه عقله ولبه، فإذا كان معقولا قبله، وإذا كان غير معقول رده، ولذا قال تعالى في كتابه الكريم: (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)(122).
هذا الخبر وهو خطبة علي (ع) ابنة أبي جهل، وغضب النبي (ص) لذلك ، نقله بعض أسلافكم في كتبهم وأنتم على عاداتكم تلقيتم الخبر وتزنوه بعقولكم حتى تجدوه مردودا غير معقول ولا مقبول عند ذوي الألباب، وذلك لجهات منها:
أولا: اجمع علمائكم وأعلام مفسريكم أن عليا (ع) داخل في من شملتهم آية التطهير، فهو بعيد وبرئ من كل رجس ورذيلة.
ثانيا: أن الله سبحانه جعله في آية المباهلة نفس النبي (ص) كما نقلت لكم أخبارها في الليلة الماضية.
ثالثا: كان علي (ع) باب علم الرسول كما أعلن ذلك هو صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد نقلت لكم أخباره من مصادركم.
فكان (ع) أعلم الأمة بعد رسول الله (ص) بالقرآن وأحكامه وبالإسلام وفرائضه، وكان (ع) أحوط الناس في العمل بالقرآن وأجهدهم في كسب مرضات الله ورسوله (ص)؟ والله سبحانه يقول: (وما كان لكم أن توذوا رسول الله)(123).
ثم كيف قبلت عقولكم أن رسول الله (ص) وهو صاحب الخلق العظيم يغضب على أفضل عباد الله بعده والذي يحب الله تبارك وتعالى كما عرفه حين أعطاه في خيبر، فيغضب عليه لا لشيء سوى أنه أراد أن يرتكب أمرا مباحا، أباحه الله سبحانه في كتابه لكل المسلمين من غير استثناء فقال: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)(124)؟
وعلى فرض أن عليا (ع) خطب ابنة أبي جهل، هل كان يحرم عليه ذلك أم يجوز؟! فكيف تقبل عقولكم أن يغضب سيد المرسلين وصاحب الخلق العظيم على سيد كريم مثل ابن عمه أمير المؤمنين لهذا الأمر المباح المشروع الذي سنه الله تعالى وعمل به هو أيضا (ص)؟
فالنبي صلوات الله وسلامه عليه أجل وأكرم من ذلك، ونفسه القدسية أزكى وأعظم من أن تتأثر بهكذا أمور. لذا فكل إنسان مؤمن وعاقل، يعرف كذب هذا الخبر وأنه افتراء على رسول الله (ص)، وهذا الخبر يحط من شخصيته وكرامته، صلوات الله عليه قبل أن يحط من شخصية الإمام علي (ع) وكرامته.
لذلك أقول: لا شك ولا ريب أن هذا الخبر وضعه بنو أمية لأنهم أعداء النبي (ص) وأعداء علي (ع). وهذا ليس هو رأينا فحسب بل هو رأي بعض أعلامكم أيضا.
فقد نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج4 / 63 / طبع دار إحياء الكتب العربية / تحت عنوان [ فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي (ع) ] قال: وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى... أن معاوية وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (ع)، تقتضي الطعن فيه و البراءة منه، و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير ـ وبعد ما نقل نماذج من أحاديث كل واحد منهم قال ـ: و أما أبو هريرة فروي عنه الحديث الذي معناه أن عليا (ع) خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله (ص)، فأسخطه، فخطب على المنبر و قال: " لاها الله! لا تجتمع ابنة ولي الله و ابنة عدو الله أبي جهل! إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي، و ليفعل ما يريد "، أو كلاما هذا معناه، و الحديث مشهور من رواية الكرابيسي.
ثم قال ابن أبي الحديد: هذا الحديث أيضا مخرج في صحيحي مسلم و البخاري عن المسور بن مخرمة الزهري، و قد ذكره المرتضى في كتابه المسمى " تنزيه الأنبياء و الأئمة " و ذكر أنه رواية حسين الكرابيسي، و أنه مشهور بالانحراف عن أهل البيت (ع) و عداوتهم و المناصبة لهم، فلا تقبل روايته. انتهى كلام ابن أبي الحديد.
إضافة على ما نقلته في الموضوع أقول: الأخبار التي تصرح بأن إيذاء فاطمة (ع) يكون إيذاء للنبي (ص) لا تختص بخبر خطبة (ع) ابنة أبي جهل! بل كما ورد في مصادركم وكتبكم أن النبي (ص) في موارد كثيرة ومناسبات عديدة صرح بهذا المعنى بعبارات مختلفة.
كما نقبنا بعضها. أنقل إليكم الآن خبرا ما نقلته من قبل:
روى أحمد بن حنبل في مسنده، والخواجة بارسا البخاري في كتابه فصل الخطاب، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة الثالثة عشر من كتابه مودة القربى، عن سلمان الفارسي عن رسول الله (ص) قال: حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و الصراط و الحساب، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه و من غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبت عليه و من غضبت عليه غضب الله عليه، ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها عليا (ع) و ويل لمن يظلم ذريتهما و شيعتهما.
فليت شعري! ما هو تحليلكم للخبر الذي نقله جل أعلامكم وأصحاب الصحاح حتى البخاري ومسلم بأن فاطمة (ع) ماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر؟!
الحافظ: هذه الأخبار صحيحة، بل يوجد أكثر تفصيلا وأشمل منها في مصادرنا، وأنا بفضل كلامكم عرفت زيف حديث الكرابيسي في خطبة علي كرم الله وجهه ابنة أبي جهل، وقد كان في قلبي شيء على الإمام علي بسبب هذا الخبر، فزال والحمد لله، وأنا أشكركم كثيرا على توجيهاتكم وتحليلكم للموضوع.
ولكن بقي أمر يختلج في قلبي، وهو أن هذه الأخبار والأحاديث المصرحة بأن إيذاء فاطمة إيذاء النبي (ص) وأن من أغضبها فقد أغضب رسول الله (ص). مقبولة ومحمولة فيما إذا كان غضبها لأمر ديني لا دنيوي، وأنتم تقولون أنها غضبت على أبي بكر وعمر من أجل فدك، إذ إنها ادعت تملكها فرداها ولم يقبلا منها، فكان سخطها لأمر شخصي وهذا أمر طبيعي فكل إنسان إذا أراد شيئا ولم يصل إليه فيتأثر نفسيا ، وكان سخط فاطمة من هذا القبيل، وهي بعد ما عادت المياه إلى مجاريها وسكنت الفورة ، ورضيت بحكم الخليفة وسكتت، ولذلك لما بويع علي كرم الله وجهه بالخلافة وتمكن من استرداد فدك، لم يحرك ساكنا ولم يغير حكم أبي بكر وما استرد فدك وإنما تركه على ما كان في عهد الخلفاء الراشدين قبله. وهذا دليل على أنه كان راضيا بحكم أبي بكر لأنه كان حقا.
قلت: لقد طال مجلسنا وأخشى من أن يتعب الحاضرون ويملوا، فلو توافقون على تأجيل حديثنا إلى غد وفي الليلة الآتية إن شاء الله نستمر في الموضوع.
ـ فأجابوا جميعا: إننا ما تعبنا ولا مللنا بل كلنا شائقون إلى استماع حديثكم حتى نعرف نتيجة البحث ويظهر لنا الحق ـ.
قلت: ما دمتم كذلك وتحبون ظهور النتيجة وانكشاف الحقيقة فأقول:
أولا: الموضوع في الأحاديث النبوية صريحة ومطلقة فتشمل الأمور الدنيوية وغيرها، فلا أدري من أين جاء الحافظ حفظه الله بهذا التفصيل؟
ثانيا: كل علماء المسلمين من الشيعة وأهل السنة قد أجمعوا على أن فاطمة الزهراء (ع) كانت امرأة مثالية، وكانت في أعلا مرتبة من مراتب الإيمان بحيث أنزل الله تعالى في شأنها آيات من الذكر الحكيم وشملتها آية التطهير وآية المباهلة وسورة الدهر، وقد مدحها رسول الله (ص) وعرفها بأنها سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وأنها امتلأت إيمانا، ومثلها لا تسخط لأجل أمر دنيوي ومادي ، بذلك السخط الذي لا يزول إلى آخر حياتها. وهي تعلم بأن كظم الغيظ والعفو عن الخاطئين من علائم الإيمان والمؤمن ليس بحقود، إلا أن يكون السخط من أجل الله تعالى، فإن المؤمن حبه وبغضه في الله ولله سبحانه وتعالى، فكيف بفاطمة وهي سيدة نساء العالمين ـ كما في الحديث الشريف ـ وقد طهرها الله عز وجل من الأرجاس والرذيلة والصفات الذميمة ولقبها أبوها بالطاهرة المطهرة، وهي ماتت ساخطة على أبي بكر وعمر ، كما هو إجماع أهل الصحاح والمحدثين؟ فما كان سخطها إلا لأمر ديني لا دنيوي، وإنها غضبت عليهما لأنهما غيرا دين الله وخالفا كتاب الله كما احتجت عليهما في خطبتها التي مر ذكرها بالآيات القرآنية.
وأما قولك أيها الحافظ: إن فاطمة رضيت فسكتت، لا والله ما رضيت، ولكن حين رأت القوم الخصماء لها لا يلتفتون إلى كلامها ولا يسمعون دلائلها وهم مصرون على باطلهم وظلمهم فسكتت، وما كان لها إلا أن تسكت، ولكن أبدت سخطها عليهم، بأن أوصت إلى زوجها الإمام علي (ع) أن لا يحضر جنازتها وتشييعها أحد ممن آذاها وظلمها، ولا يدع أحدا يصلي عليها.
وأما قولك ـ أيها الحافظ ـ: بأن عليا (ع) حيث لم يرد فدكا إلى أولاد فاطمة. فقد أمضى حكم الخليفة، فهو خطأ، لأنه (ع) ما تمكن من أن يغير ما ابتدعه الخلفاء قبله، فكان (ع) مغلوبا على أمره من طرف المخالفين والمناوئين وهم الناكثين والقاسطين فكانوا له بالمرصاد حتى يأخذوا عليه نقطة خلاف فيكبروها ضده ويجعلوا من تلك النقطة منطلقا إلى تضعيف حكومته الحقة، كما ظهر ذلك في بعض القضايا مثل تغيير مكان المنبر، حيث إن الخلفاء قبله غيروا مكان منبر رسول الله (ص) ونقلوه إلى مكان آخر في المسجد، فلما جاء الإمام علي (ع) وتسلم أمر الخلافة أراد أن يرجع المنبر إلى مكانه الذي كان على عهد النبي (ص) فضج المخالفون له وأحدثوا بلبلة حتى منعوه.
وكذلك مثالا آخر، أراد (ع) أن يمنع الناس من إقامة صلاة التراويح جماعة، لأن النبي (ص) منع أن تقام النوافل جماعة، وإنما تختص الجماعة بالفرائض اليومية وغيرها من الفرائض، وإذا بالمناوئين ضجوا واجتمعوا يهتفون وا سنة عمراه!!
وصلاة التراويح ـ كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ ابتدعها عمر بن الخطاب، وقد عين أُبي بن كعب إمام لأهل المسجد في ليالي رمضان المبارك ليصلي بهم النوافل جماعة، فلما دخل المسجد ورأى الناس امتثلوا أمره، فقال: نعمة البدعة هذه!!
فتركهم علي وشأنهم، لما رأى المنافقين اتخذوا هذا الأمر مستمسكا ضده لخلق الفتن.
وكذلك في الكوفة لما أراد أن يمنعهم من إقامة صلاة التراويح جماعة، فهتفوا ضده، فتركهم!!
فما تمكن علي (ع) في أيام خلافته أن يغير هذه الأمور البسيطة التي لا تنفعهم، فكيف كان يمكن له أن يسترد فدكا وقد انضمت إلى بيت المال؟!
ولكي تعرفوا أن عليا (ع) ما أمضى حكم أبي بكر بل وكل وفوض حكم فدك ومحاكمة فاطمة وخصمائها إلى الله الحكم العدل.
فراجعوا نهج البلاغة / كتابه إلى عثمان بن حنيف ال،صاري وكان عامله على البصرة وهو الكتاب رقم 45.
يقول فيه الإمام (ع) بالمناسبة: "... فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً، وَ لا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَ لا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً، بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ... ".
فهذا كلام الإمام علي (ع) يقول: " وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ "... ومعناه: أنني سوف أطالبهم حقي يوم الحساب... يوم لا تظلم نفس عن شيئا... والحكم يومئذ لله.
وأما سيدتنا فاطمة (ع) فقد قالت لأبي بكر وعمر: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، و لئن لقيت النبي (ص) لأشكونكما إليه ـ وقد مر تفصيل الكلام من رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ـ.
وكما نقل بعض المؤرخين كانت في أواخر أيام حياتها تخرج إلى قبر أبيها رسول الله (ص) وهناك تشكو اهتضامها وتقول: أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين ، و أصبحت الناس عنا معرضين!! ثم تأخذ تراب القبر فتشمه وتنشد:
ماذا على من شم تربة أحمدأن لا يشم مدى الزمان غوالياصبت علي مصائب لو أنهاصبت على الأيام صرن لياليا
فماتت مقهورة مظلومة، في ربيع العمر وعنفوان الشباب، وأوصت إلى علي (ع) أن يغسلها ويجهزها ليلا، ويدفنها ليلا إذا هدأت الأصوات ونامت العيون ، وأوصت أن لا يشهد جنازتها أحد من ظلمها وآذاها.
وامتثل الإمام علي (ع) أمرها وعمل بوصيتها.
ولما وضعها في لحدها وأهال عليها التراب، هاج به الحزن فتوجه إلى قبر رسول الله (ص) يقول: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك... إلى أن يقول:
فإنا لله و إنا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة، و أخذت الرهينة! أما حزني فسرمد، و أما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، و ستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال، و استخبرها الحال، هذا و لم يطل العهد، و لم يخل منك الذكر، و السلام عليكما سلام مودع، لا قال و لا سئم... الخ.
كنت في أواخر حديثي هذا مستعبرا باكيا، وكذلك أكثر أهل المجلس بل كلهم، وكان الحافظ حفظه الله منكسا رأسه إلى الأرض ودموعه تجري ويستغفر الله ويردد الآية الكريمة:
(إنا لله وإنا إليه راجعون)(125).
وبعد ذلك المجلس ما تكلم الحافظ أبدا وإنما حضر المجالس التالية مستمعا لا مناقشا، فكأنه أنصف واقتنع، وكان ظاهر أمره في آخر ليلة حينما وادعني وفارقني، أنه تشيع ـ وإن لم يبد ذلك لمرافقيه وأصحابه ـ.
وبعد دقائق ولحظات وإذا بصوت المؤذن يعلن طلوع الفجر ويؤذن لصلاة الصبح فافترق الجمع وفارقناهم.
|
|
|
|
|