العين الثالثة لا تُبصر... ج 1
أشهر مضت وهم يحلقون في أودية سحيقة من شك ويقين ، يبدأون
التفكير معا ًثم يصل بهم الأمر أحيانا ًإلى الصياح وتبادل التهم ،بل
وتوزيع العيوب في جهود الآخرين .
اعتبروا ذلك تحديا ًجما ًلهم ، وليس من البطولة ترك الحال على ما
هي عليه .
إن بزاتهم البيضاء ومقبضي فحص النبضات ، والزجاج الذي يحيط
أعينهم لم يهيء أيا ً منهم إلى هكذا اختبار .
منذ ذلك الوقت الذي دخل فيه هذا المريض الفريد من نوعه ، والأشياء
تزحف نحو عالم مجهول متشابك لم يستطيعوا له فهما ً؛ وقتئذ كانت
الأجواء بظاهرها كما هي سلفا ًشمس مشرقة ونسيم دافئ ، وخضرة
خالبة وطبيعة آسرة .
أهي البداية أم أنها مسك ختام النهاية؟!...
مامعنى أن يكون هذا المريض معافى ًولامعافى ً؟!...
مامعنى وجود عينيه ؟!... إنه يقلبهما ويحرك رمشيه ويستدير بهما
نحو الصوت ... بيد أنه لايرى !!... مفتوحتان ؛ نعم وما فيهما عيب
يُذكر ؛ واسعتان ؛ بل وجميلتان ولكن ؟!... كل هذه السمات لم تهب
لحاملهما الرؤية .
ذهول غريب مستغرق يلف المساحات الشاسعة في المشفى ، الجميع
يمضي إلى عمله وهو مطرق مفكرحائر .
العين الثالثة لا تُبصر... ج2
جلسات كثيرة كانت تُعقد تحت خيمة الاختصاصات المنوعة ، نظريات
تُطرح وتُناقش أكوام من الملفات القديمة فُتحت وبُعثرت أوراقها في
الأرشيف المظلم ، كتب ومجلدات وحضارات نُفض عنها غبار الزمن
حتى البرقيات لم تجدمن يُفرغ لكتابتها لأعدادها الهائلة والتي فاقت
الحد المعقول ، كان الجميع لديه الكثير ليعمله . وصل الأمر إلى أن
العرافين والمشعوذين والسحرة عُقدت لهم جلسة منظمة وعلى مناضد
تُركوا ليقولوا ماعندهم ويتبجحوا ويهزوا أرجلهم بفخر وتفوق .
كل هذا لم يتح أويفرض شيئا ًجديدا ً، ولاحتى خيط للجرجرة يتمسك به
أحدهم أو يتمشدق به من باب الكذب هروبا ً
كانت هناك خطوة رغم خطورتها إلا أنها ليست أخطر من الداء العجيب
النادر ... حق لهم أن يطرحوها للنقاش فالغاية تبرر الوسيلة !!...
فحتى القردة والفئران والجرذان أصبحت دون فائدتها المعرفية والعلمية.
العين الثالثة لاتبصر...ج3
فلا مناص من اللجوء للمبعدين ، المؤذين للجمع البشــــــري ، الآنــــــــفين من
الجماعة ؛ فغاية الأمر الاكتشاف وتحقيق التقدم البشري وبسواعد الإنسان .
هاهو أحد هؤلاء المغضوب عليهم ؛ فمابالك بهيئته وثيابه الرثة ، وثلة القــــوم
التابعين لخطاه وهويرشقهم بوابل تفوهاته ، لقد قدموا إليه علهم يرجون صلاحا ً
ويخبرهم عم ماعجز وا عنه هم المتصدرون .
لم يمانع فحالته في نظرهم مزرية لاتقبل الأخذ والعطاء ، بأقل وقت توصلوا
لاتفاق ، ثم جاءوا به إلى مكان المريض المعجزة.
حدق فيه ماطاب له الوقت ، من كل الجهات ، من قريب من بعيد، أطفأالضوء
ثم أشعله ، رفع الأغطية ثم طرحها ؛ أفعاله وحركاته مع الحالة أثارتهم .
بعد ذلك خرج من هناك تاركا ًإياهم ومريضهم فاغرين الأفواه ،وسرعان ما
تنبهوا للوقت الثمين وتبعوه رأسا ًحتى أنهم تراطموا عند البوابة .
تنحنح مرة أو مرتين وجر نفسا ًعميقا ًومابرح ليقول :" العين الثالثة لاتبصر".
لم يثر ذلك نأمتهم ... فتصوروا أنه يهذي أو يكلم نفسه ... فأعاد ذلك عليهم
بحدة مؤكِدة : " مريضكم ... معجزتكم ... حالتكم يطلق عليها ؛ العين الثالثة
لا تُبصر " !!
العين الثالثة لاتبصر ...ج4
وهنا تم تصديقه وحل اللغز أخيرا ً... بعدها دب النشاط في المكان مرة
أ ُخرى .
وتهافت المتهافتون وتكلم المتكلمون وتوافد المصورون والصحافيون
وأحيلت الحيوية بدلا ًعن التكاسل والخمول إلى رفقة ما .
ورغم أنه استطاع بعدذلك أن يغادر دون عناء ، أو حتى مجاملة بالبقاء
غير أن ذلك جعله يتابع الأحداث عن كثب .
ثم مرت الأيام بليل ونهار ، حر وبرد ، صحو ومطر ، زفرات وشهيق ...
بكاء وتصفيق ؛ وفيما كان يمر أحدهم في شارع كبير متحضر تشمخ على
جانبيه الأبنية السامقة ، والأعمدة الراسخة لمح فيما لمح مركزا ًمن
مراكز العلاج والذي أ ُخبر عن استحداثه بعدها للفائدة والأهمية .
ومازالت بحوثه وتقاريره واكتشافاته تتوالى :" مركز بحوث العين الثالثة
لا تبصر "؛ فليس هناك مايمنع المشاهدة والاستبصار .
أظفارلاتنتشب ... ج2
يالتيني أصرخ في هوة نفسي ، وأعود لأستخرج المحار والذهب من أعماق
المحيط أو إسفاف المنجم المتوهج في ظلمة الصخر المتكسر.
الشمس تدور... الهلال ينفخ نفسه كالبالون ثم ينفجر في أيام الشهرالأخيرة
وأنا أرقبه والضياع يرقب إيناسيفيض من هذا المد والجزر... أهل الرقـــيم
خرجوا ليبحثوا ودخلوا ليُبحث َعنهم ولايعرفوننا أونتعرف عليهم .
ذلك السبع لوينقض على رئتي يحطمها ويكتم أنفاسي ويستـــريح ... لو أنه
يهمش كبدي فلا أبلل بعدها محجريّ ... لوأنه يقضم عظام رقبتي فلا أستدير.
بدت الدماء تفورمع صوت الوداع الأحمر خلف التلال ... وحين تفور الأرض
يوما ًسترجم الحشايا والأفخاخ وقتئذ بحجارة مسومة من احجار اعتراف ...
مذبحة الأقلام الفضية ... الرقبة ... ج 1
كالبندول تتحرك بأي اتجاه ، ذات اليمين وذات الشمال ، من سماتها تعيين النواحي الأربع
وعندها تعرف الأقدام خطاها.
وليس ذلك فقط بل هناك ميزات أ ُخرى فهي تعطي إيعاز الأوقات للديكة لتوزيع الهزيـــــــع
الليلي الأخير بين الهابين المساهمين ، وتشخص أنواع الرياح المارة في الفترة المتنــقلة
لليوم البشري الغائم والمشمس .
هي أيضا ًمسؤولة عن أسعار اللحوم في الثلاجات ونسبة الصلاحية فيها ؛على أن لايكون
فيها لحم بشري آدمي متفسخ يجب أن لا نلفت النظر لذلك إيه ؟!...
رسمها هو طويلة جدا ً وبفقرات هكذا تمنى أن تكون رجل ُمافي زمن ٍما.
فالشكل ليس بغريب على بني المخلوع عن عرشه ؛ وشكلها ليس بغريب على الأكثرين ...
إنهم يرونها حقيقة وهم يحدقون بها بإنعام للبصر ، كل يرى في ضميرها شيءما غيرأنهم
لن يوافقوا على منح الفرشاة التي رسمتها تمثالا ًبرونزيا ً ذي رقبة مطلية بالذهب ...