29 - محمد الساعدي (مجموعة حكيميون): الكثير من الروايات المسندة أو غير المسندة تشير إلى أن الأحداث المهمّة قبل ظهور الإمام (عج) تحصل في العراق، ويحصل في هذا البلد الكثير من الفتن والابتلاءات، سؤالي لماذا أغلب هذه الفتن تحصل في العراق؟ وهل هذا عنصر قوة أم ضعف للعراق؟
الجواب: في تصوري أن الأحداث المهمة إنما تقع في مكان معين فبسبب ما يتميز به هذا المكان من مزايا هي التي تجتذب الإرادات الكبرى لكي تتصارع عليه، وشاء الله أن يكون العراق هو أكثر الأماكن تميّزاً من جهات عديدة، ولكن ما من ريب أن العراق كان ولما يزل محظياً برعاية خاصة من قبل مدرسة أهل البيت عليهم السلام، والأحاديث الشريفة في هذا الشأن كثيرة جداً، ولك أن تتأمل في الأسباب التي جعلت مثل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقبل إلى هذا البلد ويتخذه عاصمة له دون غيره من البلدان، فمثل الأمير صلوات الله عليه لا يتخذ قرارات اعتباطية أو لا علاقة لها بأهدافه في تأمين المشروع الرباني وإكمال مهمة الرسالة، بل على العكس كل ما اتخذه من قرارات وكل ما قام به من أفعال ونطق به من أقوال إنما كان مبنياً على وفق متطلبات أهدافه الرسالية، ومن الواضح أن مشروع الرسالة ليس نصوصاً تطلق في الهواء، كما فهمه بعض الصحابة الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله في رزية الخميس: حسبنا كتاب الله، وإنما هي حراك اجتماعي يهدف إلى تغيير المجتمعات كي تنهض بمهمة تجسيد هذا المشروع على الأرض، وهذا الحراك كلما جرى في مجتمع لديه القابلية على تحمل صعاب هذا المشروع، وعلى أرض لها مزاياها الجيوسياسية التي تتيح له تأمين متطلبات عملية تغيير كبرى، كلما كان أكفأ في إحداث الأثر المطلوب، ولهذا وجدنا أن الرسول صلى الله عليه وآله لا يبقى في مجتمع مكة، لعدم صلاحية المكان ومن فيه لمهمة إطلاق المشروع، فهاجر إلى المدينة المنورة التي تتميّز بحاضرة اجتماعية أكثر تقبّلاً لمهمة اطلاق المشروع الرباني، وقد رأينا كيف وُفّق في ذلك، وفي نفس الوقت رأينا ان الحاضرة الإجتماعية المكية هي التي ظلت تعمل على إعاقة ذلك، واستمرت في ذلك تارة باسم جبهة المشركين، وأخرى بجبهة المهاجرين، فكليهما عملا على هذه الإعاقة، إذ حاربت الأولى ونكثت الثانية في حدث السقيفة بعهدها على إدامة المشروع، وكان ما كان أن بقيت الرسالة في شكل مشروع تم إطلاقه، ولكنه لا زال يبحث عن المجتمع الذي يحمل أعباءه، وما من ريب أن المجتمع الذي يبلّغ الرسول صلوات الله عليه وآل بانه لا يحتاج إلى توجيهه ويكفيه منه ان ترك الكتاب فيهم، هو مجتمع أعجز من أين يفكّر بهمّ المشروع، وهكذا بقي الأمر قرآن فاعل اللفظ والحروف معطّل المحتوى والمفاهيم، وكانت مهمة أمير المؤمنين عليه السلام يعنوانه إماماً أن يعمل على إدامة المهمة ووقع الإختيار على العراق منذ ذلك اليوم، بالرغم من أن له تجربة وسابقة مع المجتمع اليمني حينما أرسله الرسول صلوات الله عليه وآله إلى اليمن وبقي مدة كبيرة هناك، ولكنه لم ينتخبه لكي يبذر فيه بذار تأمين هذا المشروع، وكان العراق هو المختار لهذه المهمة.
وقد سار الأئمة عليهم السلام من بعده على نفس المنوال، ومن خلال روايات عديدة وبمصاديق كثيرة أحاط الأئمة صلوات الله عليهم المجتمع العراقي أهمية بالغة، وصبروا على العديد من الآلام والغصص من أجل أن يعي هذا المجتمع ذاته، وأعطت هذه السياسة لبناتها الأولى وترعرعت مئات الكوادر والنخب التي استوعبت المشروع، وبالرغم من عظمة القمع الذي تعرّض له هؤلاء من قبل بني أمية وبني العباس على وجه الخصوص، إلّا إننا بدأنا نلمس مع أواسط العصر العباسي أن التشيّع بدأ يقلب الموازين الاجتماعية، ومع أن هذه الفترة سيطر فيها التوجّه الناصبي بشكل رسمي على المحافل المرتبطة بالدولة العباسية، إلّا أن سياسة القمع في عهد المتوكل والواثق والمعتمد العباسي في خصوص قضية الإمام الحسين عليه السلام يظهر لنا أمران، أولهما أن التمدد الشيعي باتجاه القواعد الشعبية كان قد بلغ مدى كبيراً جداً، وإلا لما احتاج المتوكل ونظرائه إلى كل تلك الإجراءات من أجل الحيلولة عن زيارة الحسين عليه السلام، فالتشدد إنما جاء فبسبب الاتساع الشعبي في تبنّي هذه القضية، وثانيهما أن الممانعة الاجتماعية ضد تلك الأنظمة كانت كبيرة جداً، وهذا هو الذي يفسّر شدّة القمع الذي تعرّض له شيعة أهل البيت عليهم السلام، لأنهم لو مارسوا سياسة القبول بما لدى الآخر لما تعرضوا إلى كل ذلك العنت، ولكن رفضهم لهذه الأساليب واستعدادهم لتحمل الضريبة المترتبة لى هذه الممانعة هو من حقائق تلك المرحلة، حتى بات من الواضح أن قطاعاً كبيراً من كرخ بغداد على سبيل المثال قد حسم فيه الوجود لمصلحة هؤلاء، فيما سارت الكوفة باتجاه ثابت نحو حسم الولاء لأهل البيت عليهم السلام بعد أن كانت في أعمها الأغلب لها ولاء مختلف، وتظهر لنا عصور العهد العباسي المتأخرة أن التشيع قد ضرب بأطنابه بشكل عميق في الفرات الأوسط، بالشكل الذي بدأ يؤثر في القرار السياسي، بل ويصنع ذلك القرار في العديد من الأوقات، وقد أسهم هذا التوسع في تفكيك قاعدة بني العباس، وقد ساعد فساد هؤلاء على ذلك إلى حد كبير.
من الطبيعي أن هذه المظاهر تبتدأ صغيرة ولكنها ككرة الثلج حينما تقطع التاريخ، ومع هذا الاتساع شهدنا موجات من القمع حاول فيها طغاة السياسة أن يقفوا حائلاً دون هذا الوعي، وتعرض المجتمع إلى الكثير من أصناف البلاء، ولكن القدر المتيقن أن البلاء لم يفتّ في عضده، بل كان يدفعه باتجاه التأكيد على الذات، فيما كانت شرائحه الأكثر وعياً تسير بمراحل متقدمة من وعي الذات، وما رأيناه في أزمنتنا المعاصرة من موجات البلاء لا يمكن أن يبرر إلّا بحيوية هذا المجتمع، وإلّا لو تعرض أي مجتمع في العالم لبعض مما تعرض له هذا المجتمع لوجدناهم راضخين مستسلمين لتلك الإرادت الطغيانية التي مرت على العراق.
وها نحن شهود على ما جرى في عهد المجرم صدام ثم ما رأيناه من الحرب الطائفية التي شنّت علينا بعد سقوط النظام وقد رأينا أن مجتمعنا لم يستسلم رغم شدة الهجمات وقساوتها، بل أصبح أكثر وعياً، وأكثر نضجاً للمهمات المطلوبة منه، ولعلّي لا أخطئ التقدير لو قلت إن مطالعة مجريات الزيارة الأربعينية بلغة العالم الإجتماعي تكشف أن التغيير الاجتماعي في العراق قد قطع أشواطاً هائلة، برغم قسوة ومرارة الظروف التي مرت عليه، لا سيما مرارات خيبة الأمل من الواقع السياسي من بعد سقوط المجرم صدام، وما من شكّ أن الاستجابة التعبوية التي أبداها المجتمع العراقي سجّلت رقماً قياسياً تاريخياً لم يسبق إليه أي مجتمع، بصورة فاقت كل الأرقام التي حشّدتها القدرات التعبوية الغربية إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولك أن تتامّل في هذه الحشود الهائلة التي يجتذبها قبر الحسين عليه السلام بهذه الطريقة بحيث تذوب فيهها كل خلافاتها وكل حالات الإتكالية والتهاون وعدم الصبر لتتحول إلى مرجل هائل من الحركة والحيوية، أقول لو قدّر لنا أن نتأمّل اكثر من ذلك فسنرى أن هذا المجتمع لا يحتاج إلّا إلى القائد الذي يخرج مارد الشوق لتحقيق مشروع أئمة الهدى صلوات الله عليهم، ولو رأينا ما صنعه قبر الحسين عليه السلام بهذا المجتمع، ترى ماذا سيصنع ابن الإمام الحسين عليه السلام والآخذ بثأره صلوات الله عليه؟
لا شك أن هذه النتيجة التي وصلنا إليها تظهر أن البلاء والعنف الذي وسم العراق والذي لم يتبق منه إلا ثمالة كأس من الأيام كان بمثابة مدرسة تربى فيها هذا المجتمع، وقد ظهر بحمد الله كفوءا في تحمل استحقاقات هذا الامتحان، ولا يضيرك بعض الصفحات الاجتماعية التي قد تخل بهذا المشهد ولكن الصورة العامة تبرز تفوقاً كبيراً جداً، من هنا نعرف أي حكمة كانت تقف وراء انتخاب الإمام المنتظر للعراق ولمجتمعه في أن يكون هو الحاضن الرئيسي لمشروع حكومة العدل الإلهية، من خلال اتخاذ العراق عاصمة له، ومن بعده عاصمة لكل العالم.
أعود وأقول أن الأحداث المهمة في التجربة التاريخية لا تحصل إلا في الشعوب التي تتحمل مسؤوليتها التاريخية، ومعه يمكن القول بأن الحاجة لمعرفة جواب سؤالكم حول ما إذا كان هذا البلاء عنصر قوة أو عنصر ضعف للعراق؟ فها قد رأيت أن البلاء أنتج عظمة شعب وجلّاها على مرأى الأشهاد، بالرغم من أن الحكومات التي تعاقبت عليه كانت مجتهدة في أن تبقي هذه العظمة بعيدة عن الأنظار، وتوهّمت حينما فتحت السجون والمقابر أن تخفي هذه الإرادة أو تمسخها إلى إرادة خانعة أو راكعة أمام أدوات القمع، وما دروا أن من تربى على دروس كربلاء لا يمكن إذلاله؟
30 - قيس حسين (سؤال إلى الموقع الألكتروني): ان الرواية التي تذكر اليماني وتقول بأنه أهدى الرايات وتدعو الى النهوض اليه، وتذكر أن الملتوي عليه مستحق للنار؛ هل يعني هذا إن الرايات الاخرى هي رايات ضلالة ؟
مثلاً: إن راية الخراساني مرفوعة الى جنب راية اليماني، وليست تحت راية اليماني، وهذا يعني أن الخراساني واتباعه ملتوين على اليماني وغير ناهضين اليه، وقد رفعوا راية جنب رايته.
الجواب: اليماني أهدى الرايات الثلاثة وهي راية الخراساني والسفياني، ولا يعني ذلك أن يكون هو أهدى أهل زمانه، ولكنه أهدى بالنسبة لبقية الرايات، وقد أوضحنا معنى ذلك في كتابنا راية اليماني الموعود، وفي الجزء الثاني من كتابنا: علامات الظهور، ولا يعني ذلك بالضرورة أن يكون غيره مضل، فما خلا السفياني الذي لا شك في ظلاله، فإن الخراساني ممدوح في هداه، وكيف لا؟ وجيشه يوصف بأن فيه نفر من أصحاب القائم عجل الله فرجه الشريف كما هو صريح حديث الإمام الباقر عليه السلام.[1]
اما حالة الإلتواء المشار إليها في الرواية، فالمراد بها من حضر في مكان جيشه ومحل حركة رايته، لا في كل الأماكن، ومن الواضح أن اليماني والخراساني سيقبلان من مكانين مختلفين باتجاه الكوفة، فالخراساني سيقبل من سمرقند الواسطية وهي منطقة في حدود محافظة واسط على الحدود الإيرانية، بينما يقبل اليماني من مناطق وسط وجنوب العراق، وسيدخلان إلى الكوفة معاً، بعد أن يلتقيا في الديوانية.
علماً إن الانخراط في جيش آخر متوافق الأهداف مع جيش اليماني، لا يعني أنه إلتواء عليه، فالعبرة ليست في التعدد، وإنما العبرة في خدمة الهدف وعدمه، فالالتواء هو المعصية أو العمل المضاد.
31 - قيس حسين: س 1:
ما الدليل على أن اليماني هو قائد عسكري, غير الرواية التي تذكر الرايات الثلاث وتقول: "فيكون البأس من كل وجه ويل لمن ناوءهم"
الجواب: قادة الرايات ليسوا بالضرورة قادة عسكريون، بل في غالب الأحيان تكون القيادة العسكرية خاضعة لقيادة دينية أو سياسية، ومن الواضح أن الروايات التي سمّت قائد جيش الخراساني بشعيب بن صالح، إنما أشارت في عين الوقت أن الخراساني ليس قائداً عسكرياً، وإنما هو أكبر من ذلك، ولكن ما من ضرورة ليكون غير عسكري، غير أن من المتيقن أن من يتصدى لعمل من هذا القبيل تكون له خبرته الميدانية في المعارك، فالحديث عن البأس الذي يكون من جوانب هذه الرايات إنما يحكي تمرّساً في التعامل مع الميدان.
32 - قيس حسين: أليس من الممكن أن يكون اليماني هو المرجع الأعلى في ذلك الزمان، حيث تصفه الرواية بأنه أهدى الرايات، ونحن نعلم بأن أهدى الرايات حتى خروج اليماني هي المرجعية، فلماذا يتم الفصل بين المرجعية واليماني فقط عند الظهور المقدس من قبل المفكرين؟
الجواب: سبق لي أن أشرت إلى أن الهدى المتحدّث عنه متعلق بالرايات وليس بأهل زمانه، ولذلك ما من دليل على أنه هو أهدى أهل زمانه، وفي الجزء الثاني من علامات الظهور قلنا بأن هذا العبد الصالح إما أن يكون مرجعاً أو محتاطاً أو مقلداً للمرجعية، وذلك في مجال تغطية عمله العسكري من الناحية الشرعية، لأن ذلك من لوازم الهدى، على انه لا توجد أي ضرورة كي يكون هو المرجع الأعلى، إذ يكفي لكي يؤمّن الهدى المطلوب إطاعته للحاكم الشرعي، وعدم خروجه من دون المستند الشرعي، ولا أعتقد أن المفكرين يتعمدون الفصل بين المرجعية واليماني، ولكن طبيعة المتتبع للروايات يبقى محدد في طبيعة ما يؤدي إليه النص، ولهذا أعود وأقول ما من ضرورة لكي يكون مرجعاً كما أن احتمال العدم غير قائم.
33 - أبرار الأسدي (مجموعة حكيميون): سماحة الشيخ هل الإمام حاضر معنا؟ فقد نقل أحد الاخوة أن مراجع الدين يلتقون بالإمام روحي لمقدمه الفدا.
الجواب: لا شك أن الإمام صلوات الله عليه حاضر في كل أوضاعنا، ولحضوره نمطين الأول هو حضور المراقبة للأعمال الخاصة، أي أن أعمال الموالين المنتظرين صغيرها وكبيرها تعرض عليه كما ورد في روايات كثيرة منها ما عن عبد الله بن أبان قال: قلت للرضا عليه السلام (وكان بيني وبينه شئ): ادع الله لي ولمواليك فقال: والله إن أعمالكم لتعرض عليّ في كل خميس. (بصائر الدرجات: 450 ج9 ب6 ح8).
وكذلك المراقبة في الأعمال العامة كما في حديث الإمام الباقر عليه السلام فقد قال وهو يتحدث عن طبيعة الإمام: فإذا قام بالأمر رفع الله له في كل بلد مناراً ينظر إلى أعمال الخلائق. (بصائر الدرجات: 256ـ257 ج9 ب9 ح6).
أما الحضور الآخر فهو المشاركة والتدخل في الحياة العامة لحماية مصالح المهمة الربانية المعلّقة بذمته، فغيبته لا تعني أنه منقطع عن الحياة العامة، ولكنه غير معروف فيها.
وفيما يتعلق باللقاء مع المراجع فهذا توفيق عادة ما يكتمه من يراه بأبي وأمي، إما لأن لياقة لقاء الإمام روحي فداه تطلب ذلك، أو لأن التحدّث بذلك قد يجلب عليهم ما لا يحبون، ولكن القدر المتيقن أنه ليس من الضروري أن يلتقوا به بأبي وأمي، والعكس صحيح أيضاً.
34 - Mustafa Albadran (مجموعة حكيميون): جماعه اليماني أحمد بن الحسن يذكرون أحد الروايات ويحتجّون بها وينسبونها إليك.. هو أنك قلت في أحد المحاضرات أن اليماني يخرج من شرق مكه يعني العراق وبالتحديد البصرة ...سماحة الشيخ ..أي المصادر يذكر هذه الروايه؟ وماهو رايكم؟
الجواب: هذه ليست أول كذبة ينقلها أنصار هذا الدعيّ عني، ولم يسبق لي ولو لمرة أن قلت بأن اليماني الموعود سيخرج من شرق مكة، ومحاضراتي جميعها مسجلة وموجودة على الموقع الشخصي أو على موقع جامع براثا، نعم هناك رواية تشير إلى أنه سيقبل ومعه نفر من أهل البصرة، والمراد بالبصرة هي البصرة القديمة والتي تشمل عموم المنطقة الجنوبية، وهذه المعية تشير إلى أن بعضاً من قادة جيشه هم من أهل هذه المناطق، لا أنه من اهل البصرة، وإلّا لصرّح بذلك، وكل ما نعتقد به إنه سيقبل إلى الكوفة من المناطق الجنوبية والوسطى في العراق، وهي المعلومة المترشحة من كون الطريق الوحيد المفتوح له باتجاه الكوفة هو هذا الطريق، باعتبار ان الطريق الشمالي الممتد من الكوفة إلى بغداد سيكون بيد السفياني، والطريق الشرقي الممتد من الكوت إلى الكوفة عبر الديوانية سيكون بيد الخراساني، ولا يبقى له إلا الطريق الجنوبي، طبعاً هذا بعد استبعادنا أن يكون قادماً من خارج العراق، لأن الحدود إبّان خروجه ستكون من الجهة الجنوبية بيد نظام ناصبي هو الذي يقتل صاحب النفس الزكية لاحقاً، والغربية ستكون بيد السفياني، فيما الحدود الشرقية ستكون بيد الخراساني، وذلك على تفصيل يراجع في الجزء الثاني من كتابنا علامات الظهور.
***
السؤال الآخر اتباع المدعو أحمد بن الحسن هنا في استراليا ..يقولون أن أحمد بن الحسن هو ابن الإمام ووصيّه؟ وأن المهديين من ولد الإمام (عج) 12 مهدياً، وأن احمد بن الحسن هو أول المهديين، وأن روايات أهل بيت عليهم السلام نصّت عليه، ماهو ردّك على هذه الشبهات.
الجواب: سبق أن أوضحت طبيعة هذه التخرّصات في جوابنا الموجود على الرابط التالي:
ولكن سأمر مروراً سريعاً عند هذه الكلمات، كل إنسان يستطيع أن يدّعي أنه أي شخص يريد، ولكن لن يتمّ قبول إدعائه إلّا بالدليل، وهذه البنوّة المدّعاة للإمام روحي فداه من أين أتى بها رجل معروف بأنه عامي من صيامرة البصرة وعائلته معروفة في منطقة الخاص بالبصرة بهذا اللقب؟ فمن أين ثبت أن للإمام صلوات الله عليه ولد حتى نستطيع أن نقبل بنقاش أن فلاناً هو ولده؟ فمن دون دليل دامغ على ذلك سيكون الحديث عن بقية القضايا سالب بإنتفاء موضوعه، خاصة وأن هذه المواضيع هي مورد ريبة في أصلها، وموارد الريبة لا شك من وجوب التحرّز الشديد إزائها.
أما حكاية أن يكون هو وصي الإمام صلوات الله عليه، فأين الإمام بأبي وأمي حتى يكون له وصي؟ وأين حجّته على ذلك؟ وأين الدليل الذي يستدل به على أنه التقى بالإمام صلوات الله عليه حتى يوصيه؟
وقد تقدّم منا الكلام في الجواب المتقدم حول ضعف رواية الوصية وحكاية المهديين التي يحتجّ بها سنداً، فهي مروية بسند عامي، ومتنها أقرب إلى العامة منه إلى الخاصة إذ يستعير من رواية عامية أن الإمام بأبي وأمي اسمه اسم النبي واسم أبيه اسم أبي النبي صلوات الله عليه وآله، وي مضعّفة لديهم قبل أن تكون مرفوضة لدينا.
كما وأشرنا إلى أن المراد بالمهديين هو الذين سيستخلفون من بعد الإمام المنتظر صلوات الله عليه على هذا الأمر، وهم كل الأئمة عليهم السلام الذين لم تسمح الظروف السياسية والاجتماعية التي أحاطت بحياتهم أن يقوموا بأمر إقامة الحق وإزهاق الظلم والجور، فيرجعون إلى الحياة من بعد الإمام بأبي وأمي ضمن مفهوم الإمامية عن الرجعة، وعلى ذلك روايات عديدة هي مورد إجماع الطائفة الشريفة.
أما الحكاية المضحكة بأن هذا الدعي هو أوّل المهديين فهل قتل الإمام روحي له الفدا حتى نرى المهدي من بعده؟ ولو فرضنا جدلاً وفرض المحال ليس بمحال أن أول مهدي اسمه أحمد فمن الذي يقول أنه أحمد بن سالم بن كاطع؟ إن كل هذه الإدعاءات الفارغة إذ تقدّم بلا أدنى دليل إنما تعرب عن الخواء العقائدي لدى جميع هؤلاء الذي اتبعوه، أما هو فما من ريب أنه كذّاب مفتر على الأئمة صلوات الله عليهم، والإمام عليه السلام على وجه الخوص فضلاً عن الأمة، وإن العاقبة للمتقين.
35 - منتظر القريشي (مجموعة حكيميون): لقد لاحظت أن الإيرانيين أكثر تعلّقاً بالإمام (روحي فداه) منّا نحن العراقيون, فيدعون له، ويتصدّقون عنه لسلامته، ويتحدّثون معه ويشكون حالهم له، وكأنهم يخاطبون شخصاً حاضراً أمامهم, يراهم ويروه, سماحة الشيخ .. هل هناك أسلوب معين وآداب خاصة لمخاطبة الامام المهدي عجل الله فرجه؟
الجواب: لا شك أن عشاق الإمام صلوات الله عليه يتواجدون في كل مكان من دون حصر لإيران أو العراق، ولكن مما لا شك فيه إن مظاهر العشق في الجمهورية الإسلامية أكثر من أي مكان بسبب أن المنهج التربوي المعتمد بشكل عام في الجمهورية الإسلامية يحثّ على ذلك ويدفع بإتجاهه، وهذا المنهج تتوافق عليه الحوزة العلمية ومؤسساتها، والهرم السياسي فيها، والجهاز التنفيذي، فضلاً عما يلحظ في الصفة الديموغرافية للمجتمع الإيراني، فهو بصورته العامة يتبنى العقيدة المهدوية، ومع سنوات طويلة من التربية المستقرة على هذا النحو وجدنا أن العلاقة العاطفية تتعاظم يوماً من بعد آخر، ومن المعلوم أن العراق يفتقر إلى المواصفات الموجودة في الجمهورية الإسلامية، فلا حكومته مهتمة، ولا حوزته متفقة على هذا المجال، إذ إنها خرجت للتو من معركة الوجود التي كان النظام المجرم صدام قد شنّها عليها، وتأثيرها من حيث الإمتداد الشعبي والمؤسساتي ليس كتأثير الحوزة العلمية في إيران، كما وأن الوعي الثقافي في العراق من حيث المجموع لا يمكن أن يضاهى بما في إيران، إذ يكفي أن نطالع نسب الأمية في محافظاتنا لنكتشف حجم الدمار الثقافي الذي ورثناه من عهد النظام المجرم، والذي لم تبال بإصلاحه الحكومات التي تعاقبت على العراق من بعد السقوط، هذا ناهيك عن التنوع العقائدي والمتناقض الذي يحياه المجتمع العراقي، والذي أنتج غربة للمنهج التربوي عن قضية الإمام المنتظر روحي فداه، ولكن ما من شك أن هناك نهضة تربوية هائلة في المجتمع العراقي يمكننا مشاهدة آثارها في طبيعة الزيارة الأربعينية على سبيل المثال، وما نتمنى من الله أن يوفقنا في مسعانا ومسعى جميع عشاق الإمام المنتظر صلوات الله عليه للمزيد من نشر الوعي المهدوي في أوساط هذا الشعب الكريم.
أما عن أسلوب مخاطبة الإمام صلوات الله عليه، فمما لا شك فيه أن طرق التواصل والمخاطبة مع الإمام روحي فداه كثيرة جداً وتتباين من شخص لآخر، ولكن القدر المتيقن أن الأئمة صلوات الله عليهم أشاروا إلى أساليب محددة، تبرزها لنا جملة من الزيارات والأدعية الخاصة بالإمام صلوات الله عليه كما هو الحال في دعاء الفرج ودعاء الندبة ودعاء العهد، أو تقدّمها جملة من التعاليم السلوكية التي أمرنا بأن نتخذها سبيلاً لإيجاد هذه العلاقة وتنميتها، بالطريقة التي تليق بعلاقة مع مثل الإمام صلوات الله عليه، ولكن هذه الأساليب وإن كانت تنطوي على الصورة الفضلى لذلك، ولكنها ليست من النمط الحصري، بحيث أنها لو لم تتيسر بين يدي المنتظِر لسبب أو لآخر فإنه لا سبيل لغيرها، بل الأصل أن يتواصل المنتظر مع الإمام صلوات الله عليه بأي طريقة تبرز طبيعة ولائه، وما من ريب أن هذه الطبيعة تتفاوت من شخص لآخر، إذ تبتدأ بما يشعر به الإنسان العادي تجاه إمام زمانه، وتمتد لتعطينا الصورة الوجدانية العظيمة التي تبرزها أشواق الإمام الصادق عليه السلام لحفيده المنتظر صلوات الله عليه، وهي أشواق سيقت لكي نراها، وأبرزت لكي نرتقي بأشواقنا لمستواها، وبعواطفنا إلى لهيب الوجد الذي يستعر فيها، إذ يروي سدير الصيرفي قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وداود بن كثير الرقي وأبو بصير وأبان بن تغلب (وهم كبار أصحابه) على مولانا الصادق عليه السلام فرأيناه جالسا على التراب، وعليه مسح خيبري مطرف بلا جيب مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرّى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغير في عارضيه، وأبلى الدمع محجريه، وهو يقول: سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وابتزّت منّي راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصائبي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد بفناء الجمع والعدد ، فما أحس بدمعة ترقأ من عيني، وأنين يفشا من صدري.
قال سدير فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل، فظننا أنه سمت لمكروهة قارعة، أو حلّت به من الدهر بائقة، فقلنا: لا أبكى الله عينيك يا بن خير الورى من أية حادثة تستذرف دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟ قال: فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد منها خوفه..[1] (إلى آخر الخبر).
ونستطيع أن نجمل بعضاً من الآداب التي يمكن الإلتزام بها في مجال مخاطبة الإمام صلوات الله عليه، مع الإلماع سلفاً إلى أن المخاطبة ليست هي الهدف، بل هي وسيلة لهدف أكبر منها، وهو نيل رضا الإمام صلوات الله عليه والذي ما من شك أنه هو الوحيد الذي يؤمّن رضا الله سبحانه وتعالى.
أوّلاً: لا يمكن للمرء أن يُحسن الخطاب ما لم يعرف من هو المخاطَب؟ وما هي خصوصياته ومزاياه؟ إذ أن عدم معرفة من نخاطب سيؤدي إلى إمكانية إساءة الأدب معه، أو عدم الاهتمام بمخاطبته أصلاً، أو أن نتورط في أساليب غير لائقة للمخاطبة، وبالتالي قد نفقد ما نسعى إليه غير واحد، وهي كما تعلم غير مطلوبة في أمر كالأمر الذي نتحدث عنه، بل هي معيبة وآثمة إن تمّت مع أئمة الهدى صلوات الله عليهم، ولهذا ترى القرآن الكريم ينبّه المؤمنين إلى هذه الخصوصية حينما يطالبهم بخطاب خاص مع رسول الله صلوات الله عليه وآله لأنه ليس كأحدهم، كما نرى ذلك في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون* إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم* إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}[2]
وعليه فإننا معنيون حينما نريد أن نفكّر بمخاطبة الإمام صلوات الله عليه، أن نعرف من هو الإمام، وهنا تارة نعرفه كإمام كبقية الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، وأخرى نعرفه كإمام لزماننا فيه خصوصيات إمام الزمان من غيبة وطول عمر والأمل بملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً وعلامات ظهوره، وما إلى ذلك من خصوصيات له صلوات الله عليه متلهفاً للمعرفة ومستوعباً لها كلما احتاج لأن يتعمّق بهذه المعرفة، فالإمام بحر لا ينضب، ومن يريد أن يخوض في البحر عليه أن يهيأ مستلزماته.
ثانياً: لا يمكن للخطاب أن يكون دقيقاً في التعبير عما في داخل المخاطِب من دون أن يكون المخاطِب مدركاً لما يريد من خطابه، ومستوعباً له، وإلّا سيكون الخطاب أشبه بالعابث أو اللاهي عمّا يريد، ولذلك يجب أن نحدد لماذا نريد أن نخاطب الإمام روحي فداه؟ وحينما نشخّص بشكل دقيق الذي نريده، علينا أن ننتبه إلى مستلزمات ومتطلبات ما نريد، وإلّا سيكون الخطاب عبثياً، فتارة يكون الخطاب خطاب المحتاج إلى من يحتاج إليه، وأخرى يكون الخطاب خطاب المحب لحبيبه، وثالثة يكون الخطاب خطاب العاشق لمعشوقه، ووفق درجة الخطاب سيتحدد واجب الوصول إلى هذه الحالة، فالكل يمكن أن يكون محتاجاً، ولكن ما من ضرورة لكي يكون المحتاج محبّاً، فقد يحتاج حتى العدو، والإمام كريم في تلبية الحاجة لمن يطلبها منه، ولكن قلّة من هؤلاء المحتاجين من يكون محبّاً، والحبّ كما تعلم درجات، فهناك من يقول بأنه محبّ ولكن لا يذكر حبيبه إلا في وقت حاجته، ومنهم من لا يفارق الحبيب ذكر قلبه وعقله، ولكنه في أعماله قد يكون مغضباً لمحبوبه ويتخلّف عن القاعدة المعروفة: و(كل محب لما يهوى الحبيب حبيب) والصنف الأقل من هؤلاء هو الذي يتحرّى حبّ حبيبه في كل مكان فيلتزم بواجبات الحب ويؤدي فرائضه، ولكن هذا الصنف يبقى بحاجة إلى العلاقة المتبادلة، فلو قاطعه المحب فقد يقطع به أيضاً، أما الصنف الثالث من المخاطبين فهو خطاب العشّاق الذين لا يهمهم إلّا المعشوق، فتراهم مؤرقي الأيّام مسهدي الليالي، لا همّ لهم إلا همّه، ولا فرحة لهم إلّا فرحته، ولا شغل لهم إلّا به، يحضرون محافل الناس ولكن أفكارهم بعيدة عنهم وقلوبهم منشغلة بمعشوقهم، وهذه الأنماط الثلاثة يمكن لنا تلمّسها في دعاء الندبة بوضوح.
ثالثاً: مما لا ريب فيه إن المخاطِب كلما كان له سمعة طيبة لدى المخاطَب كلما كان أقدر على نيل رضاه، والعكس صحيح أيضاً، فمن كانت لديه يد بيضاء عند أحد من الناس، لا بد وأن نجد لمعروفه السابق معه وقعاً طيباً لو أنه خاطبه بأي أمر من الأمور، والعكس صحيح أيضاً، فمن كانت له سابقة سيئة أو كان على حال سيء عند مخاطَبه، فمن الطبيعي أن لا نجد لخطابه نفس الوقع لصاحب السابقة الحسنة، وعليه فإننا حينما نريد أن نخاطب الإمام صلوات الله عليه يجب أن ننظر إلى أنفسنا أولاً، هل هي جديرة بهذا الخطاب؟ فإن اكتشفنا أنها ليست بذاك، فما علينا إلّا أن نتأدّب بين يدي إمام زماننا روحي فداه، وهنا إما أن نتجه للإصلاح الفوري ثم نخاطبه، أو أن نقدّم ما يشفع عنده حتى لو كانت سوابقنا لا تمكّننا من جلب عنايته، والقرآن يقدّم لنا كلا الأمرين أثناء النظر إلى ذلك فتارة يطالب بأن نقدّم بين يدي مخاطَبنا صدقة وهو ما عنيناه بالسابقة الطيبة كما في قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم}[3]، وأخرى طالبنا بأن نبتغي في خطابنا الوسيلة التي ترضي من نخاطب وتستجلب عطفه، فبعد أن طالب الله سبحانه المؤمنين أن يقولوا التي هي احسن وحذرهم من نزغات الشيطان لأنه عدو، فقال: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}[4] طرح عليهم أن يتلافوا ما يلمّ بهم من خطايا وما يسرفوا به على أنفسهم فقال جلّ وعزّ من قائل: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}[5]، وعليه فإن المطلوب منّا أن نقدّم بين أيدي سبيلنا لخطاب الإمام صلوات الله عليه كل ما يدخل على قلبه السرور والرضى من الأعمال الصالحة، وأما إذا ما أسرفنا على أنفسنا فإن ابتغاء الوسيلة إليه فيما يرضيه ويبعد سخطه عنا هو السبيل الذي دعينا لاتباعه، ولا أجد سبيلاً أفضل وأوقع على قلبه بابي وأمي من ذكر أحزانه ومشاطرته إياه فيها، فدمعة جدّته الصديقة الزهراء صلوات الله عليها وابنتها العقيلة الطاهرة عليها السلام، فضلاً عن دمعة الحسين بأبي وأمي هي أسرع السبل في نيل رضاه، فوالله إن الدمعة التي وصفت بأن القطرة منها تطفئ نار جهنم لكفيلة بنيل رضا الإمام روحي فداه حتى لو احتطب الإنسان بكل ذنوب الدنيا على ظهره، نعم يجب أن لا يكون ذلك مدعاة للتسامح في الذنوب، فنيل الرضا إنما يكون مع عدم الإصرار على مقارفة الخطايا.
هذا موجز لطرق مخاطبة الإمام صلوات الله عليه، أما طرق التواصل معه فهو أمر آخر ويحتاج إلى حديث آخر.
36 - عدنان فرج الساعدي (مجموعة حكيميون): تضارب الروايات، والرمزية التي غالباً ما تكون في مضمونها والخاصة بعلامات الظهور لإمامنا الحجة المنتظر أرواحنا له الفداء جعلت البعض لا يكترث، وغالباً ما يتحدّث على أنها ضعيفة، والآخر يصححها ويجعلها من المسلّمات، وبصراحة أكثر الخطباء على المنابر مختلفون في رؤيتهم وأخبار العلامات عن الإمام عجل الله فرجه واحداً يناقض الآخر مما قد يكون سبباً أحياناً في عدم الاهتمام من البعض كما أشرنا.
الجواب: حينما نتحدث عن علامات الظهور فإنما نتحدّث عن جهة حدّثت عنها في زمن ماضي، وهذه الجهة واحدة من اثنتين، فإما أن تكون الجهة معصومة، وإما أن تكون خلية من العصمة، وما من شك بأن الجهة غير المعصومة لا حجية فيها، فقد تصيب وقد تخطأ، وعادة ما لا ينظر إليها إلا من خلال الاستئناس بها في حال تعاضدها مع خبر المعصوم صلوات الله عليه، كأن يتحدث المعصوم عليه السلام عن أمر بصورة مقتضبة، ويأتينا أثر من أحد الصحابة أو التابعين فيتحدث عن الأمر بصورة فيها شيء من التفصيل، عندئذ يتم الاستئناس بهذا التفصيل، أو اعتماده وفقاً لطبيعة ما يتم التحدث عنه.
والمشكلة تتمحور في حديث المعصوم عليه السلام، وإني في الوقت الذي أحذّر من يتحدثون عن العلامات الواردة عن طريق المعصوم صلوات الله عليه بلغة التضعيف والتصحيح أو التشكيك والتأكيد، بأن هذه الطريقة إن لم تقترن بعلم يحتجّ به بين يدي الله غداً فأخشى أن يقعوا في محرم رد حديث المعصوم بأبي وأمي أو تكذيبه أو التقليل من شأنه، وذلك لأن هذا الأمر هو عملية علمية في غاية التعقيد، ولعل من تابع طريقتنا في محاكمة روايات اليماني في الجزء الثاني من كتاب علامات الظهور يجد أن الأمر أكثر تعقيداً مما يتصوره الكثيرون الذين يتلقفون الروايات ويؤكدون أو يضعّفون بجسب أمزجتهم لا بحسب الأدلة الشرعية والآليات المعتمدة في هذا المجال.
ومع تأكيدي أن ثقافتنا الشعبية المهدوية تحوي أحاديث كثيرة عن علامات الظهور مما لا نجد لها مستنداً شرعياً، كما أن هذه الثقافة حوت الكثير من حديث العامة مما لا علاقة له بأئمة الهدى صلوات الله عليه، خاصة وأن واحداً من أهم الكتب شهرة بين يدي الناس عن العلامات وأقصد كتاب الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس رضوان الله عليه كل ما فيه مما رواه العامة عن علامات الظهور، اللهم إلّا ما ندر، ولكن يجري اعتماده على نطاق واسع جداً بين الناس، لأن غاية السيد ابن طاوس ان يستدل بحديث أهل السنة على قضية الإمام صلوات الله عليه، وقد نبّه إلى ذلك في غير موضع من كتابه إلّا أن غالبية من طالعوه لم يقرؤوه بالطريقة التي أرادها السيد ابن طاووس، وإنما قرؤوه باعتباره تأليف احد علماء الطائفة الكبار، وحسبوا أن ما فيه هو حديث أهل البيت عليهم السلام، في حال أنه حديث غيرهم، وبالتالي هو من الصنف الذي لا يمكن الاحتجاج به.
إن استطراداً سريعاً في تتبع مراحل العملية العلمية للتعامل مع هذه الروايات يكشف لنا خطورة الاتجاهات التي عمد إليها بعض أو بعض الخطباء في التعامل مع هذا الموضوع، إذ أن الباحثين تواجههم الرواية فيضعونها في ميزان البحث تحت مجاهر متعددة، أولها المصدر الذي نقل الرواية، إذ لا يكتفي الباحث لمجرد وجود سند في الرواية ليتفحص هذا السند، وإنما ثمة مرحلة قبل ذلك وهو التأكّد من الجهة التي نقلت الرواية بسندها ومتنها إلينا، وهذه العملية في بعض الأحيان مضنية جداً للباحثين، لأنها تحتاج إلى تيقّن بأن ما تم نقله عن المحدّث الفلاني قد وصلنا بطريقة طبيعة وصادقة، حتى إذا ما انتهى الباحث في ذلك يتم التعامل مع السند الذي يربط بين المصدر الذي نقل الرواية وبين المعصوم الذي تحدّث بنص الرواية، ويتم فحص كل رجل من رجال هذا السند تارة لوحده للتعرف على خصوصية وثاقته في ضبط الأخبار من عدمه، وصدقه في نقل الخبر من ، ينظر إلى هؤلاء الرجال بعنوانهم صلتهم بمن سبقهم من الرواة ومن لحق بهم، فهل أن فلاناً الذي روى عن فلان، هو بالفعل يروي عن فلان أو لا؟ وهل عاصره فسمع منه؟ أو نقل إليه نقلاً، لأن محض المعاصرة لا تقتضي القول بوحدة المكان، فقد يكون الراوي للخبر موجود في بغداد والناقل له في سمرقند وهما في وقت واحد، ولهذا فإن المعاصرة لوحدها هنا لا تكفي للقطع، وهذه الأبحاث التخصصية لو انتهت من الحكم على سند الحديث بالصحة أو الوثاقة أو الاعتبار أو الحسن او الضعف لوجه من وجوه التضعيف، وكل ذلك يجري ضمن بحث اختلف عليه الباحثون في شأن طبيعة المنهج الذي يجب ان يعتمد في محاكمة الروايات التي تتعلق بالعلامات، فهل يتم التعامل مع الروايات الواردة في شأن العلامات بطريقة منهج التشدد السندي بنفس مقدار التشدد الذي نتعامل فيه مع الروايات الفقهية؟ أو يجري التعامل وفق منهج التسامح في أدلة السنن؟ أو الجمع بين المنهجين في حال وجود قرائن دالة على الحكم على الرواية وهو الذي اخترناه في أبحاثنا، عند ذلك يتم التعامل مع النص، وهنا يتم التعامل تارة على أساس مفرداته وطبيعة القرائن المرتبطة به، وأخرى في طبيعة إنسجامه مع أحاديث المعصوم الأخرى، فقوة السند لوحدها ليست حاكية بالضرورة عن اعتماد النص، وإنما يجب أن يقارن بغيره، فقد يكون النص من نصوص التقية، أو ما إلى ذلك، وفي بحث المفردات والقرائن يجري البحث عما إن كان الإمام صلوات الله عليه يتحدّث بلغة رمزية كما هو غالب روايات علامات الظهور، أم يتحدّث بلغة مباشرة كما هو غالبية الأحاديث الفقهية، ولكل طريقة حديث هناك آليات معقدة لتفكيك نصوصه ومحاولة فهم مراد المعصوم عليه السلام منها.
إن هذا الاستطراد السريع ينطوي في مضمونه على علوم متعددة يجب التخصص فيها قبل الخوض في هذه الروايات، وأنا أعجب من العديد ممن قرأت لهم في شأن العلامات الطريقة المؤسفة التي تعاملوا فيها مع حديث أهل البيت عليهم السلام، مما أوصلهم إلى عدة تناقضات هربوا منها بطريقة زادت تفاسيرهم غموضاً وتناقضاً.
أما الذين يشككون فإن التشكيك هو أسهل الأعمال العلمية، لأن كل إنسان يستطيع أن يشكك بأي شأن حتى لو كان التشكيك بالشمس في رابعة النهار، والتشكيك من جهة ليس علماً أصلاً بقدر ما هو طريقة من طرق الجدل، وما من ضرورة ليكمن وراء هذا التشكيك أي نمط من العلم، نعم بعض التشكيك ينطوي على حجج علمية، وهذا الصنف هو الذي يجب أن نهتم به ونرفع اشكالاته، أما التشكيك المبني على طريقة إدخال الأمزجة الذوقية[1] في الحكم على الأمور العلمية خاصة المتعلقة بالروايات الشريفة فإنه ينطوي على خطر الوقوع في تكذيب المعصوم عليه السلام، وهو إلى العبث أقرب منه إلى التعامل الجاد مع قضايا جادة، مما يستوجب على الأخوة الذين يعتريهم الشك لسبب أو لآخر مراجعة المختصين لحسم الجدل النفسي أو العقلي في مثل هذه المسائل.
أما عدم الاهتمام فإن الإنسان المؤمن مدعو أساساً إلى أن يتثقف بشأن هذه العلامات، لأن التثقّف بها يمنع عنه شبهات الأدعياء على الأقل، وهو واجبه الإنتظار والإستعداد، ومن أدرك حظه كان سبّاقاً، أما من تخلّف عن ركب السبّاقين المتأهبين دوماً فإنه يحرم نفسه من كرامة السبق إلى الفضائل.
37 - قيس المهندس (مجموعة حكيميون): يبدو من خلال روايات أهل البيت عليهم السلام أن دور اليماني توجيهي للأمة أكثر من كونه عسكري، فما هو رأي سماحتكم بذلك؟
الجواب: على العكس من ذلك فإن روايات أهل البيت عليهم السلام بشأن هذا الرجل، حينما أطلقت مصطلح الراية على هذا العبد الصالح إنما أشارت إلى الدور العسكري الذي سيقوم به، لا سيما وأن الإشارة إليه جاءت إلى مصاف رايات عسكرية اقليمية كبرى، ناهيك عن الأعداد التي ستخرج معه ويشار لها في أحد الروايات، ولا يمنع أن يكون له دور توجيهي للأمة قبل خروجه كمقاتل لابن آكلة الأكباد، أو بعد إتمامه لمهمة الإنقاذ للعراق من إجرام السفياني بمعية راية السيد الخراساني، بل ربما هو المؤكد لأن وصفه بأوصاف الدعوة إلى الحق والصراط المستقيم والإمام صلوات الله عليه يؤكد هذه الصفة أيضاً، فهو موجّه، أو له سطوة توجيهية، ثم يمرّ الشيعة بظرف استثنائي فيعمد لحمل السلاح من أجل إنقاذهم.
38 - قيس المهندس (مجموعة حكيميون):هل ان راية اليماني هي راية الحق الوحيدة في الساحة قبيل الظهور كما تدل الروايات، وبذلك تكون راية الخراساني راية ضلال! لكونها رفعت بمعزل عن راية اليماني، والرواية تقول الملتوي عليه مستحق للنار؟
الجواب: سبق لي أن أشرت إلى أن الإلتواء هو معصية الملتوي ومعاندته لمن يلتوي عليه، ولا يوجد أي إيحاء بأن العمل في مسلك واحد عبر رايتين يستلزم إلتواء أحدهما على الآخر، لا سيما إن كانا في بقعتين جغرافيتين مختلفتين، وظروف الإنضباط العسكري تستلزم إثنينيتهما، فاليماني في العراق، والخراساني في إيران، واليماني صاحب قوات غير منظمة لأنه ليس بصاحب دولة، بينما الخراساني صاحب جيش منظم لأنه صاحب دولة.
على أن من المؤكد أن راية السيد الخراساني هي راية هدى أيضاً، لا سيما وأن رواية الإمام الباقر عليه السلام الموثّقة تشير إلى أن نفراً من أصحاب القائم روحي فداه سيخرجون في ظل راية الخراساني إذ يروي جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام صلوات الله عليه قوله ضمن حديث طويل عن العلامات الممهدة لظهور الإمام عليه السلام: يبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة، وعدّتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك، إذ أقبلت رايات من قبل خراسان، وتطوي المنازل طياً حثيثاً، ومعهم نفر من أصحاب القائم.[1]
وقد أوضحنا سبب التمايز بين الرايتين في الهدى في كتابينا راية اليماني الموعود وكذا في الجزء الثاني من علامات الظهور، وقلنا بأن حركة اليماني تخرج ولا همّ لها إلّا نصرة الإمام صلوات الله عليه، وهي مجردة في خروجها من الأبعاد الوطنية أو المناطقية وما شاكلها، بينما الخراساني لكونه صاحب دولة مكلّف شرعاً بحفظها وأداء مسؤولية الرعاية لرعيته، فيخرج لأن هناك تهديد للأمن القومي على سبيل المثال لدولته، مما يجعله يخرج تأدية للتكليف الشرعي المناط به، والله العالم بحقيقة الأحوال.