|
مــوقوف
|
رقم العضوية : 11782
|
الإنتساب : Nov 2007
|
المشاركات : 1,892
|
بمعدل : 0.30 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
ذو النفس الزكية
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 14-10-2008 الساعة : 01:13 AM
لم يَبْتَدِع عُمر رضي الله عنه ذلك ، وما كان عمر رضي الله عنه ليَبْتَدِع ، بل لا يُعرف في الصحابة مُبتدِعاً .
وما فعله عمر رضي الله عنه يُعتبر من السياسة الشرعية لا من التشريع ، وبينهما فَرْق .
ما هو الفرق بين التشريع وبين السياسة الشرعية ؟
التشريع : هو سنّ أمر لم يكن في شريعة الإسلام ، كأن يأتي أحد فَيَسُنّ ويُشرِّع للناس الحج لغير مكة ، كالحج إلى كربلاء أو إلى النجف !
أو فَرْض خُمس في أموال الناس ، ونحو ذلك !
والسياسة الشرعية : أن يأخذ الناس بالحزم في أمر مشروع .
وهذا باب واسع عند أهل العلم ، بل عند العقلاء .
فللحاكم أن يأخذ الناس بالسياسة الشرعية ، ويُلزِمهم بأمر رآهم توسّعوا فيه ، ولهذا أصل في السنة النبوية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الوصال في الصيام ، فقال له رجال من المسلمين : فإنك يا رسول الله تواصل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين ، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصَلَ بهم يوماً ، ثم رأوا الهلال ، فقال : لو تأخر لزدتكم ، كالمنكل بهم حين أبوا . رواه البخاري ومسلم .
ومثل ذلك ما يُفرض على الناس من عقوبات إذا تساهلوا في أمر كان لهم فيه سَعة .
بل للحاكم العفو عن الحدود في سِنيّ المجاعات ، وهذا ما عمِل به عُمر ، والرافضة تعيب عُمر رضي الله عنه بذلك !
عابوا عُمر بأنه تَرَك إقامة الحدود عام المجاعة !
وتلك شَكَاة ظاهر عنك عارها أبا حفص !
فإن الحدود تُدرأ وتُدفع بالشُّبُهات ، والمجاعة شُبهة أن الجائع ما دَفَعه على السرقة إلا الجوع .
وهذا موافق لِهَدْيِه عليه الصلاة والسلام :
كما أن هذا له أصل في الشريعة ، فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ماعز رضي الله عنه وقد اعترف ماعز بما اقترف .
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له : لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت . رواه البخاري .
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يُلقنه ، وهو مع ذلك يُردّه .
وكان عُمر رضي الله عنه يقول : لأن أُعَطِّل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أُقيمها بالشبهات
ولم يَنْفَرِد عمر رضي الله عنه بهذا ، فقد جاء هذا عن معاذ وعبد الله بن مسعود وعقبة بن عامر أنهم قالوا : إذا اشتبه عليك الحدّ فادرأه . رواه ابن أبي شيبة .
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإذا وجدتم للمسلم مَخْرَجاً فخلوا سبيله ، فإن الإمام إذا اخطأ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة . رواه ابن أبي شيبة .
ومن باب السياسة الشرعية إلزام الناس بالطلاق الثلاث ، أي بإيقاعها .
وهذا ليس تشريعا ، فإن التشريع لو أن أحداً قال : يُزاد طلقة رابعة – مثلا – فإن هذا هو التشريع .
أما إلزام الناس بأمر مشروع فهذا ليس من باب التشريع ، وإنما هو من باب السياسة الشرعية ، والناس إذا رأوا أنه ضُيِّق عليهم في أمر كان لهم فيه سَعة كان أدعى للزّجر .
وهذا الذي ذَهَب إليه عمر رضي الله عنه .
قال ابن عباس : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم . رواه مسلم .
وهذا قد وافقه عليه الصحابة وهم مُتوافرون .
كما أن عمر رضي الله عنه لم يزعم نسخ العمل بالثلاث أن تكون واحدة ، وإنما أخذ بذلك .
وهذا كالذي يأخذ بأمر واحد من كفارة اليمين ، أو يَصرف الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية .
فالذي يُكفِّر عن يمينه بالإطعام ، ويلتزم هذا لا يُعتبَر مُشرِّعاً ، وإنما أخذ ببعض ما شُرِع ، وتركه لبعض ما فيه اختيار .
وكذلك الذي يصرف الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية [ أهل الزكاة ] لا يُعتبر مُعطّلاً لما شرعه الله ، وإنما أخذ ببعض ما له فيه خيار .
وكذلك القول بالنسبة للطلاق الثلاث ، وما اختاره عُمر رضي الله عنه فيها .
وقد أذِن لنساء بني إسرائيل الخروج إلى أماكن العبادة ، ثم مُنِعن لما توسّعن في الزينة والطِّيب .
قالت عائشة رضي الله عنها : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : فقلت لعمرة : أنساء بني إسرائيل منعهن المسجد ؟ قالت : نعم . رواه البخاري ومسلم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من المساجد لما أحدثن وتوسعن في الأمر من الزينة والطيب وحسن الثياب . ذكره النووي في شرح مسلم .
قال ابن حجر في موضوع آخر مشابه : وفائدة نهيهن – أي النساء – عن الأمر المباح خشية أن يَسْتَرْسِلْن فيه فيُفضي بهن إلى الأمر المحرَّم لضعف صبرهن ، فيستفاد منه جواز النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى ما يحرم . اهـ .
وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم عندما تلاعب الناس بالطلاق ، فقد أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا ، فقام غضبانا ، ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله ؟ رواه النسائي .
ثم إن اعتبار الثلاث واحدة له أصل في السنة ، ففي قصة الملاعنة أن الرجل طلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن شهاب : فكانت تلك سنة المتلاعنين . رواه البخاري .
|
|
|
|
|