ابو فراس الحمداني ، أمير وفارس وشاعر لايشق له غبار. اسرته حكمت امارة حلب وجوارها في الثلث الاخير من عمر الدولة العباسية. كانت لها مواجهات وحروب مع دولة الروم على حدودها. وقد اشتهر شاعرنا بانه فارس قائد في هذه الحروب ، وسقط اسيرا في احداها وقضى مدة في أسره الى ان تم افتدائه في مبادلة اسرى.
نظم هذه القصيدة الرائعة في اسره
أراك عصي الدمع
أراك عصي الدمع شيمتـك الصبـر
أما للهوى نهـي عليـك و لا أمـر
بلى أنـا مشتـاق و عنـدي لوعـة
ولكـن مثلـي لا يـذاع لـه ســر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهـوى
و أذللت دمعا مـن خلائقـه الكبـر
تكاد تضيء النـار بيـن جوانحـي
إذاهـي أذكتهـا الصبابـة والفكـر
معللتي بالوصـل و المـوت دونـه
إذا مت ظمآنـا فـلا نـزل القطـر
حفظـتُ و ضيعـتِ المـودة بيننـا
و أحسن من بعض الوفاء لك العـذر
و مـا هـذه الأيـام إلا صحـائـف
لأَحرفها مـن كـف كاتبهـا بشـر
بنفسي من الغادين في الحـي غـادة
هواي لهـا ذنـب و بهجتهـا عـذر
تروغ إلى الواشيـن فـيَّ و إن لـي
لأذنا بهـا مـن كـل واشيـة وقـر
بـدوت وأهلـي حاضـرون لأننـي
أرى أن دارا لست من أهلهـا قفـر
و حاربت قومي في هـواك و إنهـم
و إياي لولا حبـك المـاء والخمـر
فإن كان ما قال الوشاة و لـم يكـن
فقد يهدم الإيمـان مـا شيـد الكفـر
وفيت و فـي بعـض الوفـاء مذلـة
لآنسة فـي الحـي شيمتهـا الغـدر
وقور و ريعـان الصبـا يستفزهـا
فتأرن أحيانـا كمـا يـأرن المهـر
تسائلني مـن أنـت و هـي عليمـة
و هل بفتى مثلي علـى حالـه نكـر
فقلت كا شائت و شـاء لهـا الهـوى
قتيلـك قالـت أيهـم فـهـم كـثـر
فقلت لهـا لـو شئـت لـم تتعنتـي
ولم تسألي عني و عندك بـي خبـر
فقالت لقد أزرى بـك الدهـر بعدنـا
فقلت معاذ الله بـل أنـت لا الدهـر
و ما كان للأحـزان لـولاك مسلـك
إلى القلب لكن الهوى للبلـى جسـر
و تهلك بين الهـزل و الجـد مهجـة
إذا ما عداها البيـن عذبهـا الفكـر
فأيقنت أن لا عـز بعـدي لعاشـق
و أن يدي ممـا علقـت بـه صفـر
و قلبت أمـري لا أرى لـي راحـة
إذا الهم أسلانـي ألـح بـي الهجـر
فعدت إلى حكـم الزمـان و حكمهـا
لها الذنب لا تجزى به و لي العـذر
كأنـي أنـادي دون ميثـاء ظبـيـة
على شـرف ظميـاء جللها الذعـر
تجفَّـل حينـا ثـم تـدنـو كأنـمـا
تنادي طلا بالواد أعجـزه الحُضـر
فـلا تنكرينـي يابنـة العـم إنــه
ليعرف من أنكرته البـدو والحضـر
ولاتنكرينـي إننـي غيـر منـكـر
إذا لا زلت الأقدام و استنزل النضـر
و إنـي لـجـرار لـكـل كتيـبـة
معـودة أن لا يخـل بهـا النصـر
و إنـي لـنـزال بـكـل مخـوفـة
كثير إلـى نزالهـا النظـر الشـزر
فأظمأ حتى ترتوي البيـض و القنـا
و أسغب حتى يشبع الذئب و النسـر
ولا أصبح الحـي الخلـوف بغـارة
ولا الجيش ما لم تأتـه قبلـي النـذر
و يـا رب دار لـم تخفنـي منيعـة
طلعت عليها بالردى و أنـا الفجـر
و حي رددت الخيـل حتـى ملكتـه
هزيما و ردتني البراقـع و الخُمـر
و ساحبـة الأذيـال نحـوي لقيتهـا
فلم يلقهـا جهـم اللقـاء و لا وعـر
و هبت لها ما حـازه الجيـش كلـه
و رحت و لم يكشف لأثوابهـا ستـر
و ما حاجتي بالمـال أبغـي وفـوره
إذا لم أفر عرضي فلا وفـر الوفـر
أسرت و ما صحبي بعزل لدى الوغى
ولا فرسي مهـر و لا ربـه غمـر
ولكن إذا حم القضاء علـى امـريء
فليـس لـه بـر يقيـه ولا بـحـر
وقال أصيحابـي الفـرار أو الـردى
فقلت همـا أمـران أحلاهمـا مـر
ولكننـي أمضـي لمـا لا يعيبـنـي
و حسبك من أمرين خيرهـم الأسـر
يقولون لي بعـت السلامـة بالـردى
فقلت أمـا والله مـا نالنـي خسـر
و هل يتجافى عني المـوت ساعـة
إذا ما تجافى عني الأسـر و الضـر
هو الموت فاختر ما علا لـك ذكـره
فلم يمت الإنسان مـا حيـي الذكـر
ولا خير فـي دفـع الـردى بمذلـة
كمـا ردهـا يومـا بسوءتـه عمـر
يمنـون أن خلـو ثيابـي و إنـمـا
علـي ثيـاب مـن دمائهـم حمـر
و قائم سيفـي فيهـم انـدق نصلـه
و أعقاب رمحي فيهم حطم الصـدر
سيذكرنـي قومـي إذا جـد جدهـم
و في الليلـة الظلمـاء يفتقـد البـدر
فإن عشت فالطعن الـذي يعرفونـه
و تلك القنا و البيض و الضُّمر الشقر
و إن مـت فالإنسـان لا بـد ميـت
و إن طالت الأيـام وانفسـح العمـر
ولو سد غيري ما سددت اكتفـوا بـه
و ما كان يغلو التبر لو نفق الصفـر
و نحـن أنـاس لا توسـط عندنـا
لنا الصدر دون العالميـن أو القبـر
تهون علينـا فـي المعالـي نفوسنـا
ومن خطب الحسناء لم يغلها المهـر
أعز بني الدنيا و أعلـى ذوي العـلا
و أكرم من فوق التـراب ولا فخـر