نفسي .. ومعشوقتي أبديّة .. مذ وعيتُ وأنا لك خادم مطيع ، وفي مرضاتك درجتُ وعلى هواك كبُرت ، ومن مناهلك الفيّاضة سقيت حدّ الثُمالة من صديد الأمل والتسويف .. ولا زلت تشتاقين للخوالي من أيّام ومجالس ونحن على أعتاب الرّحيل ، مع علمنا بأنّ غاية المرء حُسنَ عقله ..
وكم ضُرب لنا من أمثال ، وكم نهاك العقلُ عن التمادي سعيا وراء السراب ، والأمل الزّائف ..
إيها يا نفس.. كم سايرتك وجاملتك ، وكم تهتُ في مراميك ، وأنقدت حالما في رياض أحلامك ، وكم كان لصوت النّهى لك وفيك من محكم المواعظ . وفي كلّ مرّة كنت لنداء النّصح كارهة ، تبتدعين لشقوتك فتوى من مراء ، أوإعتذار من حلوم الصبا . فمتى ترعوين أم متى تنتهيـن ..؟
هل عند سكرة الأنفاس ، أم حين تبلغين التراقي ..؟ لحظة لا ينفع معها مال ولا بنون . أم لحظة لا تنفع فيها الحسرة ولا الندامة . كما كنت ولازلت أكاشفك عن إحسان وإجمال وإفضال ، أملا في الرّشاد والعزوف عن مطيّة الآماني والأمل الخاسر .. هـــــــــا وقد أيقنّا بأنّ العقل مغنما والإعراض عن مفاتن الدنيا لنا أسلم .. أراك تكابرين وأنت تسايرين العمر بكثرة وقارة ، وحسن مقالة وجميل فضال . ومع ذلك أسعدُ وأمنّي القادم من أنفاس بأنّك هجرتي المساقط ، وربّما سلمت للعقل المقاليد والزمام ، وأعيش معك لحظات من لذّة الدّهر، نقاء وصفاء حيث تطعمين من كمال الإيمان وطُهر، وتقنعين بزاد من العفّة والكفاف ، وأشعر معها بالهوى منك يُصرع ، وبصولة من غنى اللبيب تقودها مواهب العقل الرشيد . لحظة أصبح معها الملاك ، وأنت ملكُ العقل وجارية البصيرة .
رفيقة الدّرب أنت والمصير .. أراك ومع أوّل إمتحان تحنّين لزمان وطبع جُبلت عليه ، وتصبين بأعنّتك نحو النّحوس لتتكئين على عكاز له من معدن التسويف ، وتأملين في الإرتوى من مجاري السراب . وصاحبك العقل يُناديك بلهفة المشفق ..": هلمّ إليّ ولا يغرنّك بالحقّ الغرور .. فبرفقتي تحسنُ الرويّة ، ويُطلبُ الكمال وموارد الخير وحُسنَ الحليَّة ، ومعي أشرفُ مزيّة ، والثوب الذي لا يُبلى من نسج البذل ، وبذل النّدى . ومنّي عيظةُ الأدب وعينُ البصيرة والتبصرة ، وأنا الشرف الكريم وأنا الدّين وأنا الحياة ، ومورد النجاة ..
فأين يُتاه بك وكلٌّ صديق ما عقل ، فأغتنم مهلك وتيقّظ من غفلتك ، وتأهّب لرّحيل إلى دار إقامتك الأبديّة . فمن أين لك بالعمارة والزّينة ، لطيب المقام ، وكيف لنا بحسن المآل ويُسر العبور، ولا مؤونة ولا زاد .. إلاّ أنشودة عاشق من عطر الولاية ، أنذرها حبوا في الحضرة القدسيّة لمحمّد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلّم - ضمانة بني حواء ، وأشباح له وأسباط من غيث الغفران والنعماء ، آل الأعراف ، هم الأمل والرّجاء .. لكلّ من كانت بضاعته دمعة وفاء على أمّ الخطوب وما أنتجت من أزراء ، ثمّ بيعة للأمل القائم مقمرُ الظلماء " أرواح العالمين له فداء " .
ثــــــمّ
سألت الدار تنبئني عن الأحباب ما فعلوا ** فقالت لي أناخ القوم أيام وقد رحلـوا
فقلت أين أطلبهم وأي منازل نزلـــــــــوا ** فقالت بالقبور وقد لقوا والله ما فعلوا
أناس غرهم أمل فبادرهم به الأجل فنــوا ** وبقي على الأيام ما قالوا وما عملوا