|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 480
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 18,076
|
بمعدل : 2.74 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
melika
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 29-11-2006 الساعة : 08:40 PM
ولما صرع (واضح التركي) وهو غلام لأحد أصحاب الحسين، بعد أن قاتل قتال الأبطال استغاث بالحسين، فأتاه أبو عبدالله (ع) واعتنقه فقال واضح ـ وهو يطوي آخر اللحظات من حياته مفتخراً ومباهياً ـ : مَن مثلي وابن رسول الله (ص) واضع خده على خدي. ثم فاظت نفسه الطاهرة.
فالإمام (ع) يضع خده على خد غلام حبشي أو تركي قتل بين يديه دفاعاً عن الاسلام، كما وضع خده فيما بعد على خد ولده علي الأكبر (ع)، فهل هناك قائد يتواضع هكذا لأصغر جندي من جنوده منزلة، ويحنو عليه كما يحنو على ولده الحبيب.
4 ـ الوفاء بالعهد والوعد:
كما جرت عادة قادة الثورات أن ينسوا أو يتناسوا ما قطعوه على أنفسهم لجنودهم من الوعد، عند اشتداد الظروف، ويرفضوا الوفاء بما تعهدوا به عند إقبال البلاء وتفاقم الأمور، ولكن الإمام الحسين (ع) كان عند وعده وعهده، يهمه أن تنتصر الفضيلة، وإن خسر هو ناصراً ومعيناً.
فقد جاء رجل إلى الحسين (ع) يدعى (الضحاك بن عبدالله المشرقي) وقال للإمام ني أقاتل عنك ما رأيت معك مقاتلاً، فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حلّ من الانصراف. فقال له الحسين (ع): نعم فخبأ (الضحاك) فرسه في بعض الخيام، ولما رأى خيل أصحاب الحسين تعقر صار يقاتل راجلاً، ولما بقي الحسين وحده قال للإمام: إني على الشرط.
فقال الحسين (ع): نعم، أنت في حل إن قدرت على النجاة. فأخرج فرسه من الفسطاط وركبه وهرب ونجا بنفسه!.
5 ـ احترام الحسين لوشيجة القربى:
من الطبيعي أن يغفل المرء في ذروة المواجهة الساخنة، وفي حالات المعاداة الشديدة، قضية الرحم ووشيجة القربى، أو تسول له نفسه أن يتجاهلها، وبخاصة إذا كان الطرف الآخر دنيء النفس ساقط الشخصية.
ولكن الحسين (ع) يرى للرحم،ولوشيجة القربى منزلة أعلى مما يتصور.
فهذا (شمر بن ذي الجوشن) الشرس الحاقد على الحسين (ع) يسعى إلى أن يشتت أصحاب الإمام ويفرقهم عنه ويثنيهم عن نصرته في محاولة ماكرة. وذلك بإعطاء الأمان لبعض من تربطه بهم وشيجة القربى من إخوة الإمام، كالعباس بن علي وإخوته، لكونهم من (بني كلاب) من جانب الأم والشمر من بني كلاب أيضاً.
فيتقدم إلى معسكر الحسين ويصيح بأعلى صوته: أين بنو أختنا؟ أين العباس وإخوته؟ فيعرض عنه العباس وإخوته ولا يجيبونه، فيقول الحسين (ع): ((أجيبوه ولو كان فاسقاً)).
فيقولون له: ما شأنك وما تريد؟
فيقول: يا بني أختي أنتم آمنون، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد.
فيقول له العباس في رد صاعق: لعنك الله ولعن أمانك، اتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له، وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء وأبناء اللعناء.
6 ـ عدم استغلال النساء كترس حماية:
جرت العادة أيضاً في أغلب الثورات على استخدام المرأة كترس حماية في أفضل التقادير، إن لم تستخدم كوسيلة للترفيه.
ولكن الحسين (ع) تعالى بالمرأة، ووضعها في مكانها اللائق بها، واحترم شأنها، وراعى أحاسيسها، ولم يصطحب معه النسوة إلا ليبلغن نداء الثورة المقدسة إلى مسامع العالم، مع منتهى المحافظة على الحشمة والاتزان، والعفة والوقار. ولهذا لم يرض بأن يدخلن إلى ساحة القتال، والتعرض بالحرب للرجال.
فحين رُمي برأس (وهب بن عبدالله الكلبي) إلى جهة الحسين (ع) أخذت أمه رأسه ومسحت عنه الدم والتراب، ثم أخذت عموداً وخرجت لتقاتل، فأقبل الحسين (ع) كي يردها إلى النساء والخيام، فأخذت بجانب ثوبه وقالت: لن أعود أو أموت معك، فقال الحسين:
((جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيراً، ارجعي إلى النساء رحمك الله)).
أو أنه قال لها: ((ارجعي يا أم وهب، أنت وابنك مع رسول الله (ص)، فإن الجهاد مرفوع عن النساء)).
7 ـ المحافظة على العواطف ومراعاة الأحاسيس:
إن مراعاة الأحاسيس والعواطف أمر يكاد تفقده غالبية العمليات الثورية التي ترى الأمور العاطفية مانعاً في طريق نجاحها.
ولكن الإمام الحسين (ع) راعى المشاعر والعواطف لأنه نهض من أجلها فكيف يتجاهلها؟
فحين خرج ((عمرو بن جنادة الأنصاري)) يستأذن الحسين لمقاتلة الأعداء، وهو ابن إحدى عشرة سنة، وممتلئ قوة وحماساً، وذلك بعد أن قُتل والده في نفس المعركة، فأبى الحسين (ع) أن يأذن له وقال:
((هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الأولى، ولعل أمه تكره ذلك))!
فقال ذلك الغلام: إن أمي أمرتني. فأذن له، فما أسرع أن قُتل، ورُميَ برأسه إلى جهة الحسين، فأخذته أمه ومسحت الدم عنه، وضربت به رجلاً قريباً منها، فمات، وعادت إلى المخيم، فأخذت عموداً وأنشأت تقول:
إني عجوز في النسا ضعيفه خاوية بالية نحيفه
أضربكم بضربة عنيفه دون بني فاطمة الشريفه
فردها الحسين إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجلين.
8 ـ العفو عن العدو:
جرت عادة المتخاصمين على أن لا يصفح أحدهم عن الآخر ولا يعفو إلا ما ندر، أما إذا كان الطرف الآخر عاملاً قوياً من عوامل المشكلة فالعفو يبدو حينئذ أبعد منالاً.
ولكن الإمام الحسين (ع) عفا في كربلاء حتى عمن كان سبباً في نزوله في أرض كربلاء، وعدم التمكن من التوجه إلى الكوفة، أو العودة إلى مكة، وبالتالي مواجهته جيوش الأعداء.
فالحر بن يزيد الرياحي الذي جعجع بالحسي، ورفض كل عروض الحسين، كالذهاب إلى الكوفة، أو العودة إلى المدينة، أو سلوك طريق آخر غير هذا وذاك، رغم إحسان الحسين (ع) إليه، وإنقاذه وجيشه من العطش المهلك، الحر هذا عندما يؤوب إلى رشده، ويندم على ما فعل، ويعتذر إلى الحسين، ويطلب منه (ع) أن يغفر له جريمته، يستقبله الحسين (ع) بصدر رحب، ويقبل معذرته، ويرحب به، ويعفو عنه، بل ويقلده وساماً خالداً، بعد أن قاتل دون الاسلام، ودافع عن حياض الشريعة، إذ يقول وهو يؤبنه بعيد استشهاده، وقد سار إليه، ووقف عند جثمانه وهو صريع:
((ما أخطأت أمك إذ سمتك حراً، فأنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة)).
9 ـ الهداية لا إراقة الدماء:
كما جرت عادة أصحاب الثورات على أن ينطلقوا ـ إذا اشتد عليهم الأمر ـ من موقع الانتقام، ويشتد فيهم التعطش إلى دماء الأعداء، فلا يكون همهم إلا إزهاق النفوس، وإراقة المزيد من الدماء.
إلا أن نهضة كنهضة الحسين (ع) لا يمكن أن تنطلق من هذا المنطلق، وتتورط في مثل هذه الحالة، فنهضة الحسين (ع) نهضة هداية وإيقاظ، وبخاصة مع الذين غرهم الطغاة.
ولهذا فإن الحسين (ع) أبى في الدرجة الأولى أن يبدأ بالقتال إلى جانب الإكثار من النصح والوعظ والتذكير والتحذير.
فحين يحاصره الحر في أثناء الطريق يقول زهير بن القين: يابن رسول الله! إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا ما لا قبَل لنا به، يجيبه الإمام (ع) قائلاً: ((ما كنت أبدأهم بالقتال)).
ثم عمد إلى نصيحتهم ووعظهم والتعريف بنفسه لهم.
ويحدثنا التاريخ بأنه (ع) بقي يرشد ويعظ، ويذكر وينبه طوال مدة النهضة بدء من خروجه من المدينة المنورة وحتى أخر اللحظات من حياته الشريفة وقبيل استشهاده.
وقد سجل التاريخ كل مواعظه وخطاباته وكلماته مع الأفراد والجماعات مما يدل على أنه لم يألُ جهداً ولم يدخر وسعاً في الإيقاظ والتوعية، والإرشاد والهداية، رغبةً في إيقاف الأمة على واجباتها الدينية والسياسية، وتجنباً من إراقة الدماء.
وحتى عندما كان يضطر للمقاتلة كان يقتل بهدف الدفاع، ويكتفي بالقدر اللازم من دون رغبة في إزهاق النفوس.
10 ـ لا إكراه على المناصرة:
لقد ترك الإمام الحسين (ع) في نهضته الباب مفتوحاً أمام من يحب مناصرته أو لا يحب، فلم يكره ـ على خلاف أغلب الثورات في الحياة البشرية ـ أحداً ولم يرغمه على الانخراط في جماعته، والانضواء تحت رايته.
ففي ليلة عاشوراء يقف في أصحابه ويقول:
((ألا وأني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وأني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يطلبونني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري)).
ويجيبه أصحابه وإخوته وأبناؤه بإعلان النصرة الصادقة له عن طواعية ورغبة، وشوق إلى الشهادة عظيم.
وها هو أحد أصحابه (محمد بن بشر الحضرمي) عندما يبلغه خبر أسر ابنه عند حدود الري يقول: عند الله أحتسبه ونفسي، ما أحب أن يؤسر وأبقى بعده.
فلما يسمع الحسين (ع) مقالته هذه، قال له:
((رحمك الله، أنت في حل من بيعتي، فاذهب واعمل في فكاك ابنك)).
فيقول بشر: أكلتني السباع حياً إن أنا فارقتك يا أبا عبدالله.
فقال له الإمام (ع): إذن خذ هذه الأثواب والبرود (وكانت الأثواب خمسة قيمتها ألف دينار) واعطها ابنك محمداً يستعين بها في فكاك أخيه.
هذه النقاط ما هي إلا نماذج من الدروس الأخلاقية في النهضة الحسينية اتسع المجال لذكرها هنا.
* الشيخ جعفر الهادي
|
|
|
|
|