لعله لا أحد يسلم من اتهام الناس وخصوصا ممن جاء بأمر عجز الناس عن مجاراته أو الاتيان بمثله، مما لا يجدون له تفسيرا انطلاقا من قدراتهم المحدودة. فكل ذي كفاءة مستهدف من قبل الحساد وخصوصا نعمة العلم والتفوق، وقد شخّصت الكتب السماوية هذه الظاهرة وانتقدتها بشدة فالكتاب المقدس يقول : (( لا أخبثَ ممن يحسُد بعينه، ويُحوّل وجههُ ، ويحتقر النفوس)).(1) والقرآن المقدس يقول : ((أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)). وقد تعرض الأنبياء وخلفائهم إلى ضروب من الحسد والأذى أدى بالناس إلى محاربتهم ولربما قتلهم.
فموسى بسط أيدي اسباطه (الإثنا عشر) وأعطاهم آيات عظيمات تجري على أيديهم لردع المنافقين والكافرين ، وهكذا فعل يسوع المسيح حيث أعطى بإذن الرب القدرة لحوارييه (الإثنا عشر) لكي يقوموا بالمعجزات والآيات الباهرات كما نرى ذلك واضحا جليا في إنجيل متى : ((ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ. وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ مَنْ آمَنَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ)). (2)
هذا كله يجري على أيدي الانبياء واوصيائهم من بعدهم على رغم أنف المكابرين والمعاندين ومرضى النفوس الذين لاهم لهم إلا الحسد لإزالة النعم التي يُفيضها الرب على الناس، وإن كان هؤلاء الحساد هم الأفضل فليأتوا بمثل ما أتى به اسباط وحواريو وخلفاء الانبياء من بعدهم. فالغاية الكبرى من هذه المعجزات هي اخبار الناس بوجود الله عن طريق اجراء هذه المعجزات بإذنه وهذا ما تخبرنا به الكتب السماوية كما يقول طوبيا : (( لكي تُخبروا بمعجزاته وتُعرّفوهم أن لا إله قادرا على كل شيء سواهُ)).(3)
فالإمام يقوم بهذه المعجزات ((بيد قديرة وآيات ومعجزات وقوةٍ عظيمةٍ وذراع مبسوطة)). (4) فيد الإمام مبسوطة بإذن الرب الله وحسب المقدار الذي أذن به. يد الامام مبسوطة يتصرف بكل ذرات الكون بأمر الرب يُحيي الموتى ، يُشفي المرضى ، يجعل الحياة تدُب في الجماد يشق البحار ، لابل ان الاكثر من ذلك أن الكتب المقدسة تخبرنا بأن خلفاء الأنبياء يتكلمون كافة السُن المخلوقات. كما نرى ذلك جليا واضحا في أعمال الرسل حيث يقول : (( وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا. فلما صار هذا ، اجتمع الجُمهور وتحيروا، لأن كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلغته.فبهت الجميعُ وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض: كيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي وُلد فيها؟ فرتيون وماديون وعيلاميون ، والساكنون ما بين النهرين، واليهودية وكبدوكية ونتس وأسيّا ومصر ونواحي ليبية نحو القيروان والرومانيون كريتيون وعرب، نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله!فتحير الجميع قائلين بعضهم لبعض : ما عسى أن يكون هذا؟ )) . (5)
فلا يستغرب اي انسان عندما يرى ان هناك نُخبة من البشر تقوم بمعجزات وتجري على يديها الكرامات فهذا مما وهب الرب لخاصته الذين ورثوا الانبياء لكي يستمروا في تثبيت الدعوة بعد رحيل الأنبياء ويكون علامة مُميزة على صدقهم.
من هذا المنطلق اتجرأ واحكي بعض ما جرى معي شخصيا من امور سمِعتها اُذني ورأتها عيني ولم يخبرني بها احد. وقد كنت احجمت ان اذكر طرفا من ذلك وهو كثير عندي لكوني مترجمة . ولكني لما رأيت ان احد الاصدقاء وضع على صفحتي شريط فيديو يتحدث فيه مطران صور وصيدا وهو ذو شخصية مرموقة جدا، يتحدث فيه عن الامام الحسين وفي ختام حديثه قال : (( بأنه قبل بعثة النبي محمد تم العثور على صخرة كبيرة في كنيسة كُتب عليها : كيف ترجو أمة قتلت حسينا ــ شفاعة جده يوم الحساب)). (6) من هذا المنطلق كان لزاما علي أن اروي ما حدث لي شخصيا ولايجوز لي أن اكتمه، وهو مدون في دفتر مذكراتي اليومية.
رسالتي هذه سأبدأها (بالقسم) بأن كل ما جرى فيها صحيح ما عدا تغيير بعض اسماء الشخصيات والاماكن، وذلك لكوني لم اطلب منهم الاذن في الحديث عن هذه الكرامة التي حدثت في عاشر أيام المحرم.
كثيرا ما اُستدعى للترجمة وفي أوقات لربما تكون مزعجة ولكن الحالة قد تكون طارئة . وفي منتصف ليلة من الليالي وكنت نائمة ، رن تلفون المنزل فرفعت السماعة فطلبوا حضوري في المستشفى وفعلا ركبت سيارتي ووصلت في ساعة متأخرة وجدت بنت عراقية من اتراك العراق في حالة يُرثى لها لا تتكلم وقد اطبق فمها بحالة تشنج عجيبة وكانت اختها تقف على رأسها . استمرت الترجمة نصف ساعة ثم غادرت انا واخت المريضة لنجلس في الصالة . سألت هذه البنت (تركمانية) قلت لها ماذا حدث لأختك ؟؟ قالت وهي تبكي : اليوم اخبروها عصرا بأن ابنها الرضيع سوف يموت بعد اسبوع لأنه مصاب بسرطان الدم . قلت لها : (قدر الرب) .
قالت : سبب الانهيار انها ولدت هذا الطفل ثم تمزق رحمها فاضطروا لقلعه فهي اذن لا تستطيع ان تُنجب طفلا آخر وهي بعدها في ريعان الشباب . فتألمت كثيرا . ثم قلت لها : هل تأكد الاطباء من حالة ابنها قالت نعم ولكونه صغير لا يستطيع مقاومة العقاقير السامة القوية . ولذلك فهم الان يعطوه مسكنات للألم وبعد اسبوع سوف يموت ..
تأملت في كلامها كثيرا ثم استدعونا مرة أخرى ، فوجدنا أن الام قد استفاقت وهي بحالة مستقرة نسبيا . فبدأت بتعزيتها ، ولكنها ام وخصوصا انها فقدت الامل في انجاب اطفال مرة أخرى ، إذن فطفلها الحالي هو آخر أمل لها في الحياة .
قلت لها والرب شاهد . وببساطة تامة واستسلام غريب .وكأني انا أم الطفل أحاول التشبث بأي وسيلة من اجل انقاذه.
اختي الطيبة صحيح انا مسيحية ، ولكني تربيت في جنوب العراق وكنت اسمع كثيرا عن معجزات تجري على ايدي ائمة هؤلاء الشيعة وسأذكر لك واحدة منها اعمليها على طفلك لعله يشفى انتي لا تخسري شيئا . انتي ام وقلبك الان يستعر نارا وطفلك البرئ يتلوى من الألم . ناضلي من اجل طفلك ولا تفقدي الامل وجربي اي وسيلة .حتى لو كان (طب العرب).
قالت بلهفة قولي لي ماذا افعل من اجل ابني ؟
قلت لها: يقولون بأن الحسين بن علي بن ابي طالب وهو حفيد النبي لأبنته فاطمة المقدسة يقولون ان الشفاء في تربته.
قاطعتني وقالت بلهفة . نعم لا يوجد اعظم منهم .
قلت لها اليوم هو العاشر من شهر محرم والمساجد الشيعية تُقيم العزاء وتقدم الطعام .. لماذا لا ترسلي اختك لتجلب لكم شيئا من ذلك ؟؟
فقالت لا اعرف شيئا ولا اختي ايضا تعرف شيئا.
قلت لها انا سوف اذهب بسيارتي غدا واجلب لكم من ذلك .
فقالت لي : ولكن انتي مسيحية.
قلت لها : وهل قلت لك اجلب لك التراب من قبر المسيح ؟
سكتت الأم وهي تنظر لي كآخر امل تتعلق به ...
في اليوم التالي ذهبت صباحا إلى مركز اهل البيت الإسلامي في ستوكهولم وكان يعج بالمواسين وقد اتشح المركز بالسواد ،وحكيت للشيخ شيئا من قصة الأم .. فطلب من احد الاخوة ان يجلب له شيئا من طعام الحسين ثم مد يده إلى جيبه واخرج تربة وقال : هذه التربة جلبتها قبل ثمانية أيام من كربلاء فلتجرب الأم ذلك ولكن ..
قولي لها تصوم ولا تفطر إلا على هذا الطعام ثم ترضع ولدها .. واما ولدها المريض فلتخلط شيئا من هذا التراب في الماء وتسقيه ثم ترضعه من حليبها الذي تكوّن من طعام الحسين ..
خرجت من المسجد وذهبت إلى المستشفى ، واعطيت الطعام والتربة للأم واخبرتها بما قاله الشيخ . قالت والدموع تجري من عينيها سافعل كلشيء من اجل ابني ..
خرجت منها ، ومضت الايام ونسيت المسألة وبعد مضي سنتين وبينما كنت اتمشى في احد الاسواق المركزية في العاصمة سلمت علي بنت شابة وبعد تأمل عرفتها وقلت لها أهلا هل انت (فلانة) قالت نعم . فسالتها وانا كلي يأس وحزن لحالة اختها التي كان ابنها يعاني من السرطان وقد تصورته ميّتا.
قلت لها كيف هو حال اختك فلانة ؟ فابتسمت وقالت بخير بخير كثير ، ثم هجمت عليّ وقبلتني من خدي ثم اشارت وقالت: انظري لها تلك هي تتسوق وانظري لهذا الطفل الذي يجري حولها . قلت نعم . قالت هو طفلها المريض .
تعجبت وقلت لها كيف شفى والتقارير تؤكد انه سوف يموت بعد اسبوع ؟
قالت : لقد فعلت الطعام والتربة فعلها ، وبقيت لجنة الاطباء في ذهول مما حصل وإلى هذا اليوم لا يُصدقون ان كل ذلك حصل بفعل تراب وطعام .
ثم اطرقت برأسها وتأملت قليلا وقالت . هل تعرفين شيئا ؟ .. قلت لا . ماهو . قالت لقد كان ابو الطفل يُعارض بشدة ان تأكل زوجته طعام الحسين أو تسقي الطفل المريض خلاصة التراب . لكونه سلفيا متعصبا جدا ويقول ان الشيعة مجانين. ولكن اختي اصرت وبعناد عجيب .. وبعد ان شفي الطفل . قطع زوج أختي بطاقة سفر لي ولاختي وابنه وامه وذهبنا إلى كربلاء هناك حيث رمى زوج اختي بنفسه على الضريح واجهش في بكاء هستيري وهو يقول عذرا لم نعرفكم حق معرفتكم . ثم اعلنا تشيعنا وغير اسم ابنه من عثمان إلى حسين.وتبعتنا في ذلك كل عائلتنا.ثم نادت الطفل : حسين يا حسين تعال اهنا ..
فأتى راكضا ووقف امامي ثم تأمل في وجهي وحضنني فرفعته من الأرض وقد اخذني الذهول واشحت بوجهي لكي لا ترى البنت دمعة انحدرت على خدي.
مستلّ من دفتر مذكرات إيزابيل بنيامين ماما آشوري .
المصادر والتوضيحات ــــــــــــ
1- سفر يشوع بن سيراخ 14: 8
2- إنجيل متى 10: 1. و : إنجيل مرقس 16: 17.
3- سفر طوبيا 13: 4.
4- سفر باروخ 2 : 11 . وهنا نكتة لطيفة جدا وهي أن الكتاب المقدس عبّر عن قدرة الامام بانها محدودة فقال : (وذراع مبسوطة) أي يد واحدة نصف قدرة .. بينما يخبرنا القرآن بأن القدرة الكاملة هي عندما تكون كلتا اليدان مبسوطتان كما في قوله : (بل يداه مبسوطتان) المائدة : 64.
5- سفر أعمال الرسل 2: .4 . كذلك اخبرنا القرآن المقدس أن سُليمان كلم الطير والوحوش والجن والحشرات.
6- من ناحيتي تتبعت هذه الرواية التي ذكرها المطران فوجدتها في كتاب تاريخ الكنائس القديمة في الشرق الأوسط ، للأب مار يعقوب دقي . وكذلك ذكرها العلامة كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي في كتابه ( بغية الطلب في تاريخ حلب ) ج 6 ص 2653 ط دمشق.