في شهر محرم الحرام ـ الجزء الثالث ـ
في جزئنا هذا سوف نتابع الملاحم الخالدة سطرها أبي الأحرار سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين مع أهل بيته وأصحابه النجباء تلك البطولات التي لم يسطر التاريخ عنها في إي من حقبه التاريخية القديمة والحديثة.
فمن المعروف أن الثوار أفكارهم تكون على الدوام نقيض أفكار وأراء الحكام المتسلطين على رقاب الشعب ولهذا هنا يصل الجانبين إلى مفترق طرق تنتهي بالمواجهة ولا تبنى فكرة أو عقيدة إلا بتسطير الدماء الزكية التي تكون عربون لنشر المبادئ والأفكار التي يحملونها.
فكيف ونحن في مدرسة من أعظم المدارس إلا وهي مدرسة أبي الثوار سيدي ومولاي الحسين(ع) الذي علم كل ثوار العالم معنى رفض الظلم ومهادنة والرضوخ للباطل وشعاره المعروف الذي أصبح شعار كل ثائر وهو يقول روحي له الفداء ((هيهات هيهات منا الذلة)) ومقولة غاندي المشهورة (تعلمت من الحسين كيف أن أكون مظلوماً فأنتصر)والتي بهذه المقولة بنى دولة الهند التي تعتبر أحدى دول العالم المتقدمة اقتصاديا وفي مصاف الدول الكبرى من هنا بقت واقعة الطف وألقها المتجدد على مدى الزمان ولم تنطفئ هذه الجذوة المتألقة منذ (1400)سنة لأنها كانت تخاطب ضمير كل ثائر وإنسان شريف في العالم وتحاكي كل الأمم في كيفية الانتصار على الظلم وبالدم وبالتالي أصبح أبي الأحرار رمز وشعار لكل الأمم في كيفية مقارعة الطغيان والطاغوت ممثلة بالحكام المتسلطين على رقاب الشعوب.
ومن هنا يأتي بعض الكتاب والمفكرين من الأنعام والدواب(أجلكم الله)من الذين وصفتهم سابقاً ويقول أن الحسين خرج وثار ضد يزيد لطلب الحكم ولنأتي إلى هذه النقطة ونفندها جملةً وتفصيلا.
فالحسين وفي مقولته والتي تردد من قبل الموالين والمعروفة من قبل القاصي والداني يقول(ع) ((والله أني ما خرجت لا أشرا ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر وأقيم حدود الله التي عطلها يزيد))لأن الانحراف في الدين المحمدي قد استشرى فيه وبواسطة بنو أمية والذين جاءوا واعتنقوا الإسلام بعد فتح مكة وهم من الطلقاء ويحملون بين جنبيهم كل قيم الجاهلية الأولى وصعدوا إلى الحكم بمسلسل طويل معروف ويحتاج إلى وقفة طويلة وهذا ليس موضوعنا لكن صعدوا بأساليب وطرق كلها بعيدة عن خلق الإسلام والدين وتحت سياسة التهديد والترغيب وبقيادة معاوية وبنو أمية جميعاً الملعونين أبد الدهر ومقولة معاوية المعروفة في تصفية خصومه بالسم(أن لله جنوداً من عسل)وتمت البيعة ليزيد الفاجر بطرق يندى لها الجبين من طرق غادرة ومشبوهة وهذا مصداق لقول سيدي ومولاي أمير المؤمنين أبا الحسن علي بن أبي طالب(ع)بقوله ((والله أن معاوية ليس بأدهى مني ولكنه يفسق ويفجر ونفسي تأبى ذلك))وهذا خلق أهل البيت جميعاً ولهذا عندما جلوس الطاغية يزيد على كرسي الحكم أرسل اللعين يزيد كتاب إلى والي المدينة الوليد بن عتبة بين أبي سفيان لأخذ المبايعة من الحسين(ع) وبالقوة فأرسل إلى مروان بن الحكم(لعنه الله) فأشار إليه أن يأخذها وإذا تطلب الأمر قتله،عند ذاك أرسل إلى الحسين وعرف الحسين بالأمر فأرسل إلى بني هاشم وأحس بالمكيدة ومع أخيه العباس فقال ((كونوا معي فإذا دخلت فأجلسوا على الباب فإن سمعتم صوتي قد علا فأدخلوا عليه)).
وذهب أبا عبد الله روحي له الفداء إلى بيت الوالي وطلب منه مبايعة يزيد عند ذلك قال أبي الأحرار مقولته المشهورة والت يتردد صداها على مدى التاريخ والتي درساً لكل الثوار والأحرار في العالم وقال لمروان الذي علم بنيته الغدر((إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة،بنا فتح الله وبنا ختم،ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق،ومثلي لا يبابع مثله،ولكن نصح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة))المصدر : مقتل الحسين للمقرّم ص 144،وإعلام الورى : ج 1 ص 435 .وهذا هو كان المنطق الصحيح لأمامنا روحي له الفداء كأمام زمانه ومثل هذه الخطوة في مبايعة يزيد تكتب عليه مثلبة تجاه دين جده وتجاه الإسلام والمسلمين عند ذلك خرج الحسين بيت الوالي ولم يأخذ االوليد بن عتبة بنصيحة اللعين مروان فوبخ مروان الوالي عند ذلك قال له (والله يا مروان ما أُحب أنِّ لي في الدنيا وما فيها وأنّي قتلت الحسين.سبحان الله!أقتل حسيناً أن قال لا أبايع؟والله أنّي أظن من يقتل الحسين يكون خفيف الميزان يوم القيامة)البداية والنهاية ج 8/ص 147
ومن هنا نلاحظ مكانة الحسين(ع) التي يعرفها أعداؤه وما قول عمر بن سعد(لعنه الله) عندما نصحه الحسين بعدم الإثم بسفك دمه فقال شعره المعروف :
فو الله ما أدري وأني لحائر.......أفكر في أمري على خطرين
أأترك ملك الري والري منيتي........أم أرجع مأثوماً بقتل الحسين
وفي قتله النار التي ليس دونها.......حجاب، وملك الري قرة عيني
المصدر: سيرة الشهداء الحسين بن علي ،عباس محمود العقاد ص47.
فهذا هم الناس وقد وصفهم روحي له الفداء خير عندما قال((الناس عبيد الدنيا،والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه مادرت به معائش هم،فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون ))ويأتيك من هؤلاء الدواب(أجلكم الله) الذي يحلو لي أن أسميهم من مدعين الفكر والعلم ويقولون من هذه الترهات عن واقعة الطف والتي ما أنزل الله من سلطان ولكي أكمل الحجة عليهم سوف أورد لهم كلام من أعداء الحسين وكيف يعرفون ويقرون بمنزلته العظيمة وهي :
يروى أن يزيد أشار على أبيه معاوية أن يكتب للأمام الحسين أن يصغر له نفسه فقال معاوية (وماعسيت أن أعيب على الحسين والله ما ارى للعيب فيه موضع).
المصدر: أعيان الشيعة للشيخ محسن الأمين.ج 4 ص 146.
يحكى أن رجل من حاشية معاوية أراد الذهاب إلى المدينة فحب معاوية أن يصف الحسين فقال للرجل : إذا دخلت المسجد النبوي ورأيت حلقة حول رجل له سمات الوقار والهيبة والإمامة ويتحلق الرجال حوله عند رجله وكأن الطير فوق رؤوسهم فهذا هو الحسين.
المصدر: عباس محمود العقاد سيرة سيد الشهداء الحسين بن علي.
وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص وهو من ألد الأعداء لأهل البيت يقول وكان جالساً في ظل الكعبة ومر من أمامه الحسين فقال عمر : هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز.
المصدر: بحار الأنوار/ج10/ص83.
فلماذا هذا العناد والتحجر في فكر المعاندين والمكابرين في شرح ثورة الحسين التي كان قيامها يمثل مسيرة التحول في الدين الإسلامي من دين الطلقاء والجاهلية الذين أرادوا أن يسيروه الطلقاء من بني أمية ولكن الثورة الحسينية سارت به إلى الدين المحمدي الخالص لوجه الله تعالى فهذا أبي الأحرار يقول ((أن كان في قتلي أصلاح لأمة جدي فيا سيوف خذيني))فهذا الدم الزكي والطاهر بكل قيمه العالية والسامية كان يمثل في بقاء الدين الصحيح كما أراد جده وأبيه(عليهم السلام أجمعين)فالحسين كان يعرف باستشهاده فعند وصوله إلى كربلاء سأل (ع)عن اسم المنطقة فقيل له ك كربلاء،عندئذ دمعت عيناه وهو يقول ((اللهم أني أعوذ بك من الكرب والبلاء))ثم قال ((ذات كرب وبلاء،ولقد مر أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين وأنا معه فوقف،فسأل عنه فأخبر باسمه فقال:ههنا محطّ ركابهم،وها هنا مهراق دمائهم،فسئل عن ذلك فقال : ثقل لآل بيت محمد ينزلون ها هنا))وقبض الإمام الحسين(ع)قبضة من ترابها فشمّها وقال((هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرائيل رسول الله أنني اُقتل فيها،أخبرتني أم سلمة))مجمع الزوائد : ج 9 /ص 192 ،الأخبار الطوال ص 235،والحيوان للدميري ج1/ص60.
ومن هنا فيجب أن نكون حسينيون بالفكر والمبدأ لا بالكلام لأن ثورة أرادت بالإنسان وعلى مستوى العالم الأنعتاق من رقبة الذل والاضطهاد وعدم الرضوخ للظلم والباطل فهذا هو إصلاح الذي جاء به أبو الأحرار روحي له الفداء وليس كتابة الشعارات واللافتات وإقامة مجالس العزاء بل المنبر الحسيني يجب إن يكون هو الصوت الهادر بالحق والنور المتألق لأفكار ومبادئ ثورة الحسين التي بها أفكار الظلام والفساد وصدقوني عندما نكون حسينيون الفكر ومتسلحين به ترقى أمتنا وبلادنا إلى مصاف أرقى الأمم والدول وتنقشع كل سحب الظلام والفساد وتتضح صورة المجتمع الإسلامي المحمدي الذي كافح من اجله نبينا الأكرم ووصيه علي وأئمتنا المعصومين(صلوات الله عليهم أجمعين) وبه خط سيد الشهداء الحسين(ع) بدمه الزكي ملحمة واقعة الخالدة على مر الأجيال ولنتعلم ونستخرج النفائس العظيمة من ثورة أبي عبد الله الحسين وباستمرار ولتكون قدوتنا على مر السنين أليس هناك مقولة مشهورة نرددها ((كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء))فهذا هو معنى هذه المقولة.
وقد حاولت أن أجمع كل ما عندي لكي انهي هذا المبحث ولكن كلما أغوص في أفكار ثورة الحسين أستخرج الكثير من القيم الخالدة والتي من خلال مبحثي أن أوصلها إلى أخواني وأخواتي في المنتدى وأنشاء الله سوف نغوص في هذا المحيط الجميل الذي ليس له نهاية لأفكار ومعطيات ملحمة عاشوراء في شهر محرم الحرام أن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.