|
مــوقوف
|
رقم العضوية : 22371
|
الإنتساب : Sep 2008
|
المشاركات : 11
|
بمعدل : 0.00 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
الحسن(عليه السلام) في مدرسة النبوة
بتاريخ : 17-09-2008 الساعة : 12:51 AM
امتازت السنوات القليلة التي عاشها الحسن (عليه السلام) في كنف جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله) قبل عروجه إلى الرفيق الأعلى، أنها كانت بمثابة حجر الأساس في بناء شخصيته كما أنها الفترة المشرقة والذهبية في حياة الإمام الحسن (عليه السلام) في الالتصاق برسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن قرب.
فالحب المتميز لم يكن من جانب الرسول (صلّى الله عليه وآله) فقط بل كان الإمام الحسن (عليه السلام) أشد حباً وتعلقاً بجده وهذا ما يظهر بوضوح في اهتمام الحسن (عليه السلام) في المداومة على رؤية جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله) والالتصاق به أكبر مدة فحينما كانت الزهراء (عليها السلام) تأخذ الحسنين (عليهما السلام) إلى بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيأتياه وهما في شوق شديد إليه فيتسابقا في الوصول إليه، فإذا وصلا إليه ضمّهما وقبّلهما وأجلسهما في حجره فيجلس الحسن (عليه السلام) على فخذه الأيمن والحسين على فخذه الأيسر فيشعران بالأمان والحنان والعطف. بل إنه في بعض الليالي التي كانت تأتي بهما الزهراء (عليها السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيمكثان طويلاً فتضطر فاطمة (عليها السلام) إلى العودة إلى البيت وحدها، ويبقى الحسنان مع جدهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيتوسدا اليدين الكريمتين لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويناما إلى جنبه (صلّى الله عليه وآله).
ولعل من الصور الرائعة في حجم الصلة الوثيقة بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وابنه الحسن (عليه السلام) يذكرها بعض الرواة وهي عبارة عن دروس تربوية ذات درجة كبيرة من الأهمية منها: عن البهي قال: تذاكرنا من أشبه الناس بالنبي (صلّى الله عليه وآله) من أهله، فدخل علينا عبد الله بن الزبير فقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم إليه الحسن بن علي (عليهما السلام) رايته وهو ساجد فيركب رقبته (أو قال ظهره) فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.(38)
أما عن الجانب العلمي في علاقة الحسن (عليه السلام) بجده (صلّى الله عليه وآله)، فلقد كان (عليه السلام) وعلى صغر سنه، يأتي إلى مجلسه (صلّى الله عليه وآله) فيصغي بسمعه إلى حديث جده (صلّى الله عليه وآله) وهو يبث رسالة الله في الناس، وبعد أن يستمع الحسن (عليه السلام) إلى ما قاله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ينطلق مسرعاً إلى أمه فاطمة (عليها السلام) فيخبرها بلسان فصيح صادق كلّ ما دار في حديث الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع الناس، فيأتي الإمام علي (عليه السلام) فتخبره فاطمة (عليها السلام) بحديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المجلس فيسأل الإمام علي (عليه السلام) عن الذي أخبرها بذلك، فتقول: ابنك الحسن (عليه السلام).
فتخفّى عليّ (عليه السلام) يوماً في الدار ليستمع إلى ما يقوله الحسن (عليه السلام) من كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فدخل الحسن (عليه السلام) وقد جاء من مجلس الرسول (صلّى الله عليه وآله) فأراد أن يلقي لوالدته الزهراء (عليها السلام) فارتج عليه الأمر، فعجبت أمه من ذلك فقال الحسن (عليه السلام): لا تعجبي يا أماه فإن كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني فخرج علي (عليه السلام) إليه فضمه وقبّله.
ومن جهة ثانية نرى أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان منذ صغره يتلقى علوم الوحي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وذلك من خلال الأسئلة عن أمور عديدة، منها ما ذكره الإمام الصادق (عليه السلام) انه: (بينما الحسن (عليه السلام) يوماً في حجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ رفع رأسه فقال: يا أبة ما لمن زارك بعد موتك؟ قال: يا بني من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنة ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنة)(39).
فالزائر الذي يستحق الجنة في هذه الأماكن الشريفة هو الذي يعمل بما أمر الله تعالى ويترك ما نهى الله عنه ويكون عارفاً بحق أهل البيت (عليهم السلام)، مؤمن بكل ما جاءوا به..
وقد تركت التربية النبوية التي نهل من ينبوعها الإمام الحسن (عليه السلام) آثار على سلوكياته وهناك شواهد عديدة تكشف تجسيدات التربية النبوية في حياة الإمام (عليه السلام) غير أننا نختار منها هنا ما يرتبط بالفترة الأولى من عمر الإمام (عليه السلام) والتي كان فيها ملاصقاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ففي الجانب الأخلاقي هناك قصة جميلة يتداولها أصحاب السيرة والمؤرخون وهي أن الحسنين (عليهما السلام) مرّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن فأخذا (عليهما السلام) في التنازع وكانا صغيرين لم يتجاوزا العقد الأول من السنين يقول كلّ واحد منهما للآخر: أنت لا تحسن الوضوء. فقالا: أيها الشيخ كن حكماً بيننا يتوضأ كل واحد منّا فتوضأ، ثم قالا: أينا يحسن؟ قال: كلاكما تحسنان الوضوء. ولكن هذا الشيخ الجاهل ـ وهو يشير إلى نفسه ـ هو الذي لم يكن يحسن، وقد تعلم الآن منكما وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدكما.(40)
وهناك قصة ثانية توضح الأثر العلمي لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شخصية ابنه الحسن (عليه السلام) يروي هذه القصة أحد حواريي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان يقول:
(بينما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجماعة من أصحابه، إذ أقبل إليه الحسن فأخذ النبي (صلّى الله عليه وآله) في مدحه، فما قطع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كلامه حتى أقبل إلينا أعرابي يجر هراوة له، فلما نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم، وإنه يسألكم عن أمور، وإن لكلامه جفوة.
فجاء الأعرابي فلم يسلّم وقال: أيكم محمد؟
قلنا: ما تريد؟ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): مهلاً.
فقال: يا محمد لقد كنت أبغضك ولم أرك والآن فقد ازددت لك بغضاً.
فتبسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وغضبنا لذلك، وأردنا بالأعرابي إرادة، فأومى إلينا رسول الله أن اسكتوا.
فقال الأعرابي: يا محمد إنك تزعم أنك نبي، وأنك قد كذبت على الأنبياء، وما معك من برهانك شيء.
فقال له (صلّى الله عليه وآله): وما يدريك؟ قال: فخبّرني ببرهانك.
قال (صلّى الله عليه وآله): إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي فيكون ذلك أوكد برهاني. قال: أو يتكلم العضو؟ قال (صلّى الله عليه وآله): نعم يا حسن قم. فازدرى الأعرابي نفسه، وقال: ما يأتي، ويقيم صبيّا ليكلّمني.
قال (صلّى الله عليه وآله): إنك ستجده عالماً بما تريد.
فابتدره الحسن (عليه السلام): مهلاً يا أعرابي:
ما غبـــــياً ســــألت وابن غبي بل فقـــــيهاً إذن وأنت الجهول
فإنّ تك قد جهــــلت فإنّ عندي شفاء الجــهل ما سأل السؤول
ونجراً لا تقسّــــــمه الــــدّوالي تراثاً كـــــان أورثـــــه الرسول
لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك وخادعت نفسك، غير أنك لا تبرح حتى تؤمن أن شاء الله.
فتبسم الأعرابي وقال له هيه:
فقال له الحسن (عليه السلام): نعم، اجتمعتم في نادي قومك وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهل، وخرق منكم فزعمتم أن محمداً صنبور ـ أي لا خلف له ـ والعرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثأره، وزعمت أنك قاتله، وكان في قومك مؤنته، فحملت نفسك على ذلك، وقد أخذت قناتك بيدك تؤمّه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك وعمي عليك بصرك، وأبيت إلا ذلك، فأتيتنا خوفاً من أن يشتهر وإنك إنما جئت بخير يراد بك. أنبئك عن سفرك، خرجت في ليلة ضحياء، إذ عصفت ريح شديدة، اشتد منها ظلماؤها وأظلت سماؤها، أعصر سحابها، فبقيت محر غماً كالأشقر، إن تقدم نُحِر، وإن تأخر عُقر، لا تسمع لواطئ حسّاً، ولا لنافع نارٍ جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، تقطع محجّةٍ وتهبط لجّة، في ديمومة قفر، بعيدة القعر، مجحفة بالسّفر، إذا علوت مصعداً ازددت بعداً، الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرّت عينك، وظهر دينك وذهب أنينك.
قال الأعرابي متعجباً: من أين قلت يا غلام هذا؟ كأنك كشفت عن سويداء قلبي، ولقد كنت كأنك شاهدتني وما خفي عليك شيء من أمري وكأنه علم الغيب.
ثم قال الأعرابي للحسن (عليه السلام): الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. فأسلم الأعرابي وحسن إسلامه، وعلّمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شيئاً من القرآن فقال: يا رسول الله ارجع إلى قومي فأعرّفهم ذلك؟ فأذن له (صلّى الله عليه وآله) فانصرف إلى قومه ثم رجع ومع جماعة من قومه فدخلوا الإسلام، وكان الناس إذا نظروا إلى الحسن (عليه السلام) قالوا لقد أعطي ما لم يعط أحدٌ من الناس.(41)
هكذا هو الحسن بن علي (عليهما السلام) يتحدث عن لسان رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكيف به وقد نهل من معارف النبوة وتغذى من آداب الرسالة، فصار يقارع بذلك عقول الرجال على صغر سنه، بعد أن يفصح بأبلغ بيان دلائله ويكشف بأوضح بصائر صحيحه، لا سيما وأنه عاش في ظل الوحي ومعدن التنزيل، فلا شك في كونه يسير على خطى السلوك المحمدي ولقد قال جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله) فيه: (حسن مني وأنا منه).
|
|
|
|
|