صورة المرأة في كربلاء
كيف تجلّت صورة المرأة الزينبية عملياً في كربلاء؟
وما هي الرسالة التي أدّتها وبلّغتها وأرادت أن توصلها للمرأة المسلمة؟
وأين تكمن مواطن جمالها؟
وكيف تبني المرأة شخصيتها من خلال عاشوراء؟
رسالة المرأة في كربلاء عندما نتحدَّث عن النموذج النسائي في كربلاء يتبادر إلى الذهن مباشرة دور السيدة زينب (ع) وما قدَّمته من عطاءات وتضحيات وصبر، وما واجهته من أذى ومصاب أليم وفاجعة، تنحني أمامها الإنسانية إجلالاً وإكباراً... لقد جسدت (ع) نموذج المرأة الرسالية الداعية التي حملت همَّ الدعوة والتبليغ وكانت القدوة ليس للنساء فقط وإنما للرجال أيضاً لأن المبادئ والشعارات التي انطلقت من خلالها لتخاطب الشرائح الاجتماعية كافة هي موجهة للإنسان، الإنسان الذي اختاره اللَّه تعالى كي يكون خليفته على الأرض ويسعى للصلاح بين الأمم والشعوب.
- التمهيد للثورة كثيرات هنَّ النساء اللواتي عبرن ساحة كربلاء وجاهدن فيها ودفعن بأزواجهنَّ وأولادهن إلى نصرة الإمام الحسين (ع).. فأول عمل جهادي قامت به المرأة في كربلاء أنها مهدت لهذه الثورة بأن خرَّجت من أحضانها رجالاً شجعاناً، ربتهم على حبِّ الإسلام وتعاليمه، وغذَّتهم على القيم والأخلاق، وغرست في أعماقهم معاني التربية الروحية والجهادية عملياً، وحبَّ اللَّه تعالى...
فلولا وجود المرأة الصالحة من أين لنا برجالات كربلاء الذين خلدوا بصماتهم على جبين الزمن؟ ولولا وجود المرأة القرآنية التي خالط القرآن لحمها ودمها، من أين لنا هذه الأفواج تلو الأفواج والقوافل تلو القوافل من الشهداء الزاحفة للقاء اللَّه تعالى؟ ونعني بالمرأة القرآنية التي قرأت وفهمت وتدبرت وحفظت آيات اللَّه تعالى وجسدتها عملياً في حياتها وعلمتها لأهل بيتها نساءاً ورجالاً فاستحقت ذلك اللقب القدسي وكانت جديرة أن تخرج مع الإمام الحسين (ع) في ثورته.
- حفظ الثورة يُحدثنا التاريخ، أنه قد سُئِل الإمام الحسين (ع) لِمَ يُخرج النساء معه، فقال: «شاء اللَّه أن يراهنَّ سبايا» وكان (ع) يعلم أن نساءه تسبى ولكنه كان يعلم أيضاً أن هؤلاء النسوة سيحفظن الثورة وأن لهنّ دوراً مهماً في نشر رسالة الإسلام ومسيرته.
نماذج نسائية في كربلاء
- السيدة طوعة: إذا أردنا أن نتصفح التاريخ ونبحث عن سيرة النساء المجاهدات اللواتي خُلدت مآثرهن نابضة بالحياة والعطاء، لطالعتنا مسيرة السيدة الجليلة طوعة التي آوت مسلماً بن عقيل الذي خذله أهل الكوفة وقاموا بمطاردته وتسليمه إلى السلطة الطاغية، وفي هذه اللحظات الحاسمة حين قلَّ الناصر والمعين وإذا بالسيدة طوعة تؤوي مسلماً بن عقيل في دارها.
لم تجبن أمام السلطة الطاغية وجبروتها.. إن حبّها للإمام الحسين (ع) دفعها لأن تقف هذا الموقف ليخلد التاريخ ذكراها في صفوف النساء المجاهدات وتكون قدوة لغيرها على طريق حفظ الرسالة والدفاع عن مجاهديها..
- دلهم بنت عمرو: مع نموذج نسائي آخر ... فيه إخلاص الزوجة التي دفعت زوجها للالتحاق بالإمام الحسين (ع) بعد أن لمست منه الخوف والتقاعس عن نصرة الإمام (ع) وهي دلهم بنت عمرو زوجة «زهير بن القين» حيث كان زوجها لا يرغب بالالتحاق بركب الإمام الحسين (ع) وكان يتهرب من أن يجمعه مع الإمام مكان، إلى أن اضطر إلى أن ينزل مع الإمام في مكان واحد، فدعاه إليه، تقول الرواية: «وبينما زهير وجماعته على طعام صنع لهم إذ أقبل رسول الحسين (ع) يدعو زهيراً إلى خيمة أبي عبد اللَّه.. ثم توقف زهير عن الإجابة، غير أن امرأته دلهم بنت عمرو حثته على السير إليه وسماع كلامه، فمشى زهير إلى الحسين وما أسرع أن عاد إلى أصحابه فرحاً قد استبشر وجهه وأمر بفسطاطه ونقله فحول إلى جهة سيد شباب أهل الجنة وقال لامرأته إلحقي بأهلك، فقالت زوجته أسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدِّ الحسين (ع)».
نستنتج مما تقدم دور هذه المرأة في حث زوجها على الجهاد.. ودور الزوج أيضاً بتأثير من زوجته في حث أصحابه على نصرة الإمام الحسين (ع) وكم هو كبير يقين هذه المرأة بأن زوجها لن يرجع وسيلتحق بقافلة الشهداء وتمنت عليه أن يذكرها يوم القيامة عند المصطفى (ص).. وهذه الرواية ترشدنا وتعلمنا أن العلاقة الزوجية المبنية على الإيمان والرضا والتقوى تكون لِلَّه وفي سبيل اللَّه.
- أم وهب: كثيرات هنَّ نساء الطف اللواتي قدمن أولادهنَّ وأزواجهنَّ في سبيل نصرة الإمام الحسين.. وإذا أبحرنا أكثر في التاريخ يطالعنا نموذج الأم الصابرة المؤمنة والتي يقف القلم عاجزاً عن الإحاطة بقوَّة وكمال شخصيتها.. حيث تذكر لنا كتب السيرة وتحدثنا عن «أم وهب» التي قالت لولدها وهب بن عبيد اللَّه بن حباب الكلبي «قم يا بني فانصر ابن بنت رسول اللَّه» فقال لها: «أفعل يا أماه ولا أقصر إن شاء اللَّه»...
تقول الرواية: فانطلق وقاتل قتالاً شديداً ثم رجع إلى أمه سالماً وقال لها: يا أماه أرضيت عني أم لا؟ فقالت أمه: ما رضيت حتى تقتل بين يدي الإمام الحسين (ع) ابن بنت رسول اللَّه (ص) ثم رجع إلى المعركة فقطعت يداه فما كان من تلك الأم إلاَّ أن حملت عمود خيمة وأقبلت نحو ولدها تحثه على القتال من جديد وهي تقول له: فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول اللَّه، ولما استشهد ذهبت إليه امرأته وصارت تمسح الدم والتراب عن وجهه، فبصر بها شمر فأمر غلاماً له فضربها بعمود على رأسها فقتلها، وكانت أول امرأة تقتل في معسكر الإمام الحسين (ع)...
- أم عمرو بن جنادة الأنصاري: ننحني مرة أخرى إجلالاً وتعظيماً واحتراماً أمام الإيثار كل الإيثار والإيمان المطلق، والولاء الحسيني الحقيقي أمام امرأة استشهد زوجها في المعركة وحين رأت قلة أنصار الحسين (ع)، وسمعته يردد «أما من مغيث يغيثنا؟ أما من ناصر ينصرنا؟ أما من ذاب يذب عنا»؟ جاءت إلى صبي لها لم يبلغ الحلم بعد، وهو عمرو بن جنادة الأنصاري وقالت له: ألم تسمع باستغاثة سيدك الحسين؟ فألبسته لامة الحرب وقالت له: يا بني أخرج وقاتل بين يدي ابن رسول فخرج الغلام، واستأذن الحسين في القتال، فأبى الحسين أن يأذن له، وقال: هذا غلام قتل أبوه في المعركة، ولعلَّ أمه تكره خروجه.
فقال الغلام: إن أمي هي التي أمرتني بذلك..
فبرز الغلام إلى الحرب وقاتل، فما أسرع أن قتل، فاحتز رأسه ورُمي به إلى جهة معسكر الحسين (ع) فأخذت أمه الرأس، ومسحت الدم عنه، وهي تقول: «أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني».
هذه المرأة بعد أن غمرتها السعادة بشهادة ابنها، عادت إلى المخيم، فأخذت عمود خيمة أو سيفاً وحملت على القوم وهي تقول: «أنا عجوز في النسا ضعيفة، خاوية بالية نحيفة، أضربكم بضربة عنيفة، دون بني فاطمة الشريفة».
- أم البنين: وترتقي المرأة في كربلاء.. ويعلو شأنها.. وتزداد جمالاً روحانياً.. وقداسة تقربها من منازل الشهداء.. نلتقي مع أم البنين.. التي قدمت أولادها الأربعة «عثمان، عبد اللَّه، جعفر والعباس» بين يدي الإمام الحسين (ع).. ولما دخل بشر بن حذلم المدينة المنورة لينعى الإمام الحسين (ع) التقى بأم البنين «وهي أم العباس» فلم تسأل عن أولادها الأربعة وإنما سألت عن الإمام الحسين (ع) أهو حيٌّ أم لا؟ وهنا يبرز الدور الذي لعبته أم البنين (رض) في حثِّ أولادها على نصرة أخيهم الإمام الحسين (ع) والبقاء معه إلى الرمق الأخير..
لقد تجلَّى الإيثار بأبهى حلله في كربلاء... ترى! ما هو السر في ذلك؟ ألم تكن نساء الطف كغيرهن من النساء يمتلكن الأحاسيس والمشاعر، وحب أولادهن وأزواجهن وحبَّ الحياة ورغد العيش؟ بلى! لكنهن تميزن بالتقوى وحب اللَّه تعالى والتعلق بالآخرة... أدركن أن الإسلام في خطر ما دفعهن للثورة مع الإمام وتقديم أولادهن وأزواجهنّ... فأحبهن اللَّه تعالى ورضي عنهن، وأحسن مثواهنَّ.
ولا تحرمونا من أطروحاتكم الكريمة و المفيدة
*أخوكم العراقـي*