تمهيد:
عندما نقرأ التراث نجد أن قضية الإمام المهدي (عج) من المتواترات بين المسلمين بمختلف فرقهم ومذاهبهم ونقلها أئمة الحديث وصححوها وان اختلفوا في تطبيق هذه الأحاديث المتواترة على مصاديقها وكان الإجماع معقوداً على أن المهدي من قريش من بني هاشم من أهل البيت وشذّ من أنكر أحاديث الإمام المهدي ومنهم ابن خلدون في المقدمة. ولما انتشرت مقدمته عني بالرد عليها جملة من علماء مدرسة الخلفاء منهم الشيخ عبد المحسن العياد في كتابه (الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الوارد في المهدي) والشيخ احمد بن صديق المغربي في كتابه (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون).
وفي بحثنا هذا المحاولة لرد على مقولته في انكار أحاديث الإمام المهدي (عج).
نصّ مقالة ابن خلدون:
( اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في اخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خروج الدجال أو ما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره وأن عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل أو الدجال ينزل من بعده فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته ويحتجون في الشان بأحاديث خرجها الائمة وتكلم فيها المنكرون لذلك وربما عارضوها ببعض الاخبار وللمتصوفة المتأخرين في أمر هذا الفاطمي طريقة أخرى ونوع من الاستدلال وربما يعتمدون في ذلك على الكشف الذي هو أصل طرائقهم. ونحن الان نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا الشان وما للمنكرين فيها من المطاعن ومالهم في إنكارهم من المستند ثم نتبعه بذكر كلام المتصوفة ورأيهم ليتبين لك الصحيح من ذلك إن شاء الله تعالى فنقول: إن جماعة من الائمة خرجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي وأبو داود والبزاز ابن ماجة والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وابي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وام سلمة وثوبان وقرة ابن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء بأسانيد ربما يعرض لها المنكرون كما نذكره إلا أن المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم على التعديل فإذا وجدنا طعنا في بعض رجال الاسانيد بغفلة أو بسوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث وأوهن منها ولا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق إلى رجال الصحيحين فإن الإجماع قد اتصل في الامة على تلقيهما بالقبول والعمل بما فيهما وفي الإجماع أعظم حماية وأحسن دفعا وليس غير الصحيحين بمثابتهما في ذلك فقد تجد مجالا للكلام في أسانيدها بما نقل عن أئمة الحديث في ذلك ).
مناقشة مقولة ابن خلدون:
في البدء نود أن نسجل بعض الملاحظات على ما جاء في كلامه منها ، أولاً : اعتراف بن خلدون بان المشهور بين الكافة من اهل الإسلام على مر الاعصار انه لابد من ظهور رجل من أهل البيت (عليهم السلام) وبهذا يعتبر رأية مخالفاً للمشهور.
ثانياً: ذكر أن جماعة من الأئمة اخرجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي وابو داود والبزاز وابن ماجة والحاكم والطبراني وابو يعلى الموصلي واسندوها إلى جماعة من الصحابة وهذا اعتراف اخر منه بان أئمة الحديث اخرجوا تلك الحديث.
ثالثاً: قوله (وما للمنكرين فيها من المطاعن وما لهم في إنكارها من المستند) وفي هذه العبارة يعني نفسه حيث لم نقف على من أنكر أخبار المهدي بعد تواترها وانتشارها كما اعترف هو بنفسه.
في بحثنا هذا نرد على مقولة ابن خلدون هذه ويكون البحث في ثلاثة مجالات :
المحور الأول :شخصية ابن خلدون وأثرها في مقولتة هذه .
المحور الثاني : انتشار أخبار المهدي في الصحاح و المسانيد والسنن تنتهي إلى مجموعة كبيرة من الرواة .
الثالث: القاعدة التي اعتمدها في رد الروايات ( تقديم الجرح على التعديل مطلقا ).
شخصية ابن خلدون.
عُرف ابن خلدون مؤرخاً وليس محدثاً، له باع وصاحب إبداع في التاريخ حتى قرن اسمه بالتاريخ وفلسفة التاريخ بما خطه في مقدمة تاريخه.
ولكن لم يعرف عنه بأنه محدث فلم يصنف بالحديث ولم يهتم لحملة، لذا فان رام البحث في علم الحديث فقد خرج عن اختصاصه وميدان عمله ووقع بأخطاء وهنات يكون فيها ملوماً ومتهماً في بعض الأحيان، ولعل طبيعة شخصية ابن خلدون وموقفه من مظاهر عصر انعكست على بحثه في دراسة روايات الإمام المهدي، ويمكن ان نسجل قضيتين لها الاثر الكبير على ذهنية ابن خلدون في دراسته هذه أخرجته عن البحث الموضوعي إلى التصعب المقيت وهي:
1 ـ عدائه لاهل البيت عليهم السلام: حيث عرف ابن خلدون بعدائه لأهل البيت عليهم السلام قال في مود عن أهل البيت عليهم السلام : وشذ أهل البيت (عليهم السلام) في مذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به.
وقال في كلامه عن الشيعة: ان علياً هو الذي عينيه صلوات الله وسلامه عليه بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقله الشريعة بل اكثرها موضوع أو مطعون في طريقة أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة.
2 ـ في القرن الثامن نشطت حركة التصوف في العالم الإسلامي والمغرب العربي واكتسحت الحياة الثقافية والعلمية والاجتماعية وكان من اثار الحركة الصوفية في العالم الإسلامي ادعاء المهدوية عند اكثر اقطاب الصوفية وفي تلك الحقبة الزمنية من تاريخ المغرب الذي ينتمي اليه ابن خلدون ظهر العديد من ادعياء المهدوية يشير اليهم ابن خلدون في المقدمة.
ويظهر من انه اراد ان يعالج ظاهرة اجتماعية سلبية متفشية في زمانه ونقدها وتوجيهها وهي ادعاء المهدوية لدى الصوفية فبدل ان يرد على ادعائهم عمد إلى انكار فكرة المهدوية ليقطع الطريق امام الادعياء والتقت تلك الرغبة بالحقد الظاهر والنصب الصريح لاهل البيت في وصفهم بانه اصحاب بدع .
فكان انكار ابن خلدون استجابة لرغبة واظهاراً لعقيدة وموقف فاسد فأثر في ذهنية وجعلته يجمع الادلة والقرائن ويؤسس قواعد واهية في الجرح والتعديل في انكار فكرة الإمام المهدي (عج).
وبعد هذا نذكر مناقشة مختصرة لابن خلدون والرد على مقالته تلك.
منهج ابن خلدون.
اتبع ابن خلدون منهجاً انتقائي في رده لاخبار المهدي وبنى بحوثه على قاعدة تقديم الجرح على التعديل مطلقاً ثم اخذ يبحث عن ادنى طعن برواة أخبار المهدي ليسقطها عن ثبوتها وفي ردنا نبحث في الامور التالية:
أ ـ أخبار المهدي تنتهي إلى مجموعة كبيرة من الرواة.
ب ـ نقلها اصحاب الكتب المعتبرة من الصحاح والسنن والمسانيد عند أبناء العامة.
ج ـ دراسة قاعدة تقديم الجرح على التعديل مطلقاً.
أ ـ أخبار المهدي (عج) والرواة.
بعد التتبع في الاخبار وجدنا ان أحاديث الإمام المهدي تنتهي إلى مجموعة كبيرة من الرواة وهذا يعد تواتراً واسعاً حيث ان اهم الرواة الذين حملوا حديث رسول الله (ص) نقلوا لنا تلك الأحاديث ووصلت بطرق متعددة وباسانيد معتبرة وصحيحة، نذكر فيما يلي الرواة من الصحابة وغيرهم الذين تنتهي اليهم أحاديث المهدي (عج).
1 ـ علي بن أبي طالب (ع).
2 ـ الحسين بن علي(ع).
3 ـ عبد الله بن عباس.
4 ـ جابر بن عبد الله الانصاري.
5 ـ عمار بن ياسر.
6 ـ حذيفة بن اليمان.
7 ـ عثمان بن عفان.
8 ـ طلحة بن عبيد الله.
9 ـ عبد الرحمن بن عوف.
10 ـ ام سلمة.
11 ـ ام حبيبة.
12 ـ عبد الله بن مسعود.
13 ـ عبد الله بن عمر.
14 ـ عبد الله بن عمرو بن العاص.
15 ـ أبو سعيد الخدري.
16 ـ أبو هريرة.
17 ـ انس بن مالك.
18 ـ عوف بن مالك.
19 ـ ثوبان مولى رسول الله (ص).
20 ـ قرة بن اياس.
21 ـ علي الهلالي.
22 ـ عبد الله بن الحارث بن حمزة.
23 ـ عوف بن مالك.
24 ـ عمران بن حصين.
25 ـ أبو الطفيل.
26 ـ جابر الصدفي
27 ـ جابر بن سمرة.
ب ـ أئمة الحديث عند أبناء العامة واخبار المهدي.
نقل أئمة الحديث جملة من الأحاديث من أبناء العامة وصححوها نذكروا جملة منهم للاحتجاج وتأكيداً على شهرة وتواتر أحاديث المهدي.
1 ـ عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني اليماني (126 ـ 211هـ).
اخرج في مصنفة احد عشر حديثاً تنتهي إلى ابي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله الانصاري وعبدالله بن عباس وعلي بن أبي طالب وابي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن مسعود.
2 ـ محمد بن يزيد بن ماجة الربعي القزويني (209هـ ـ 273هـ).
روى سبعة أحاديث في سننه باب خروج المهدي حكم الهيتمي والحاكم النيسابوري بصحتها.
تنتهي تلك الأحاديث بطرق مختلفة ومتعددة إلى عبد الله بن عباس وثوبان وابي سعيد الخدري وعلي وانس بن مالك وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي.
3 ـ سليمان بن الاشعث بن اسحاق الازدي السجستاني (202هـ ـ 275هـ) ذكر في سننه كتاب المهدي حيث ذكر فيه اثنى عشر حديثاً عن النبي بسنده عن سمرة بن جندب وعبد الله وعلي وام سلمة وابي سعيد الخدري
4 ـ محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي (209هـ ـ 297هـ).
روى أربعة أحاديث في ثلاثة أبواب وحكم على صحة ثلاثة منها وحسن الرابع تنتهي جميعها إلى عبد الله بن عباس وأبي سعيد الخدري وابي هريرة
5 ـ احمد بن محمد بن حنبل الشيباني ( ت:241هـ).
روى في مسندة أحاديث عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وابي سعيد الخدري .
6 ـ محمد بن حبان بن احمد بن حبان التميمي البستي (270هـ ـ 354هـ).
روى عدة روايات في نزول عيسى بن مريم وخروج الإمام المهدي (عج) تنتهي إلى عائشة وعبد الله وابي سعيد الخدري وابي هريرة وابن مسعود.
7 ـ سليمان بن احمد بن ايوب بن مطر اللخمي الطبراني (260هـ ـ 360هـ) روى في المعجم الكبير والاوسط والصغير تسع عشرة رواية في الكبير بأسانيد متعددة تنتهي إلى عبد الله بن مسعود
8 ـ محمد بن عبدالله الحاكم النيشابوري (ت:405)
روى اكثر من سبع روايات في مستدركه وصحح أربع منها يرويها باسناده عن أبي سعيد الخدري وام سلمة
9 ـ أبي بكر بن أبي شيبة في المصنف.
10 ـ الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتاب المهدي وكتاب حلية الاولياء.
11 ـ نعيم بن حماد في كتاب الملاحم والفتن.
12 ـ الدار قطني في الافراد.
13 ـ أبي يعلى الموصلي في الافراد.
14 ـ البزاز في مسنده.
15 ـ البيهقي في دلائل النبوة.
16 ـ محمد بن سند في الطبقات.
17 ـ ابن مندة في تاريخ أصفهان.
18 ـ البارودي في معرفة الصحابة.
19 ـ ابن عساكر في تاريخه.
20 ـ ابن الجوزي في تاريخه.
21 ـ الحارث بن أبي اسحاق في مسنده.
22 ـ أبو الحسن الحربي في الاول من الحريات.
23 ـ تمام الرازي في فوائده.
24 ـ ابن جرير في تهذيب الاثار.
25 ـ أبو بكر بن المقري في معجمة.
26 ـ أبو عمر الداني في سننه.
27 ـ أبو غنم الكوفي في كتاب الفتن.
28 ـ الديلمي في مسند الفردوس.
29 ـ أبو الحسين بن المناوي في كتاب الملاحم.
30 ـ أبو بكر الاسكاف في فوائد الاخبار.
31 ـ يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده
وغيرهم.
وبعد هذا لا يبقى شك في انتشار أخبار الإمام المهدي (عج) في أهم مصادر السنة المعتمدة التي يطلق على بعضها عندهم الصحاح والسنن تصل إلى حد التواتر في كل طبقة من طبقات المحدثين وفي كل بلد من البلاد الإسلامية في الكوفة وصنعاء والشام وقزوين وخراسان ونيشابور وسجستان واصفهان والشام ومصر والاندلس وغيرها. ولا يتكرها الا متعصب عنيد وكذاب عتديد.
كما جمع جملة من المحدثين أخبار الإمام المهدي (عج) في كتاب خاص لكثرتها وشهرتها وانتشارها وتواترها وتعدد طرقها منهم أبو بكر بن أبي خيثمة والحافظ أبو نعيم الاصفهاني والسيوطي وابن حجر وابن كثير والمتقي الهندي ومرعي بن يوسف الحنبلي ومحمد البرزنجي والشيخ محمد السفرار نبي ومحمد بن جعفر الكتاني والشيخ القنوجي وغيرهم.
جـ ـ تعارض الجرح والتعديل.
قال ابن خلدون: (المعروف عند أهل الحديث ان الجرح مقدم على التعديل، فاذا وجدنا طعنا في رجال بعض رجال الاسانيد بعفلة أو بسؤ حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث وأوهن منها
فقد اعتمد ابن خلدون على هذه القاعدة بشكل مطلق واخذ يبحث عن ادنى طعن برواة أحاديث المهدي المنتظر يسيقط الاحتجاج بها ويسهل له الحكم بان فكرة الإمام المهدي المنتظر من الموضوعات المختلفة.
ولما كانت المقدمات التي اعتمدها في بحثه هذا خاطئة فان ما صدر منه من حكم في هذه القضية باطل ايضاً، فقاعدة تقديم الجرح على التعديل مطلقاً ليس كما بينه استغفالاً للقراء وانما للاعلام فيها تحقيقات مغصلة ودقيقية ومسؤولة.
قال تاج الدين السبكي: الحذر كل الحذر ان تفهم ان قاعدتهم الجرح مقدم على التعديل على اطلاقها، بل الصواب ان من ثبتت امامته وعدالته، وكثر مادحوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره، لم يلتفت إلى جرحه
وقال ايضاً: قد عرفناك ان الجارح لا يقبل منه الجرح، وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على ذلك، وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة، وابن أبي ذئب وغيره في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في احمد بن صالح ونحوه. لو اطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا احد من امام الا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون
وقال الذهبي في ترجمة الحافظ أبي نعيم احمد بن عبد الله الاصفهاني ما نصه: كلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لاسيما اذا لاح لك انه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه الا من عصم الله، وما علمت ان عصرا من الاعصار سلم اهله من ذلك، سوى الانبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس
ونقل ابن حجر العسقلاني نص قول الذهبي في كتابه لسان الميزان
وقال الشعراني في مقدمة الميزان: قدم جمهورهم التعديل على الجرح وقالوا: الاصل العدالة والجرح طارئ لئلا يذهب أحاديث الشريعة، كما قالوا ايضاً: ان احسان الظن بجميع الرواة المستورين اولى وكما قالوا ان مجرد الكلام في شخص لا يسقط ما رواه فلا بد من الفحص عن حاله، وقد اخرج الشيخان لخلق كثير ممن تكلم الناس فيهم ايثاراً لاثبات الادلة الشرعية على نفيها، ليجوز الناس افضل العمل بها فكان في ذلك فضلاً كثير للامة افضل من تجريحهم كما ان تضعيفهم للأحاديث ايضاً رحمة للامة، بتخفيف الامر بالعمل وان لم يقصد الحفاظ ذلك، فانهم لو لم يضعفوا شيئاً من الأحاديث وصححوها كلها لكان العمل بها واجباً وعجز عن ذلك غالب الناس فاعلم ذلك
وقال النسائي محققاً تلك المسألة: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة، ولهذا كان مذهب النسائي ان لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه
بعد ما تقدم من كلمات أعلام أبناء العامة يتضح ان القاعدة التي اطلقها ابن خلدون في تقديم الجرح على التعديل مطلقاً ليست تامة بل لو التزم بها لما يبقى احد من المحدثين يعتمد عليه بل حتى رؤساء المذاهب كالشافعي وأبي حنيفة ومالك وابن أبي ذئب واحمد وغيرهم. وما من عالم الا وقد طعن فيه الطاعنون.
وضع العلماء قواعد وفوائد للتعارض وعلاجه منها:
ـ ان الجرح مقدم على التعديل اذا كان مفسراً وقد رجّحه جماعة من الاصوليين كالرازي والامدي وصححة ابن الصلاح ونقله الخطيب عن جمهور العلماء.
وقد يكون الجرح المفسر لا ينهض بالمعارضة اذا كان المعدل مدحه مدحاً مفسراً يعد مدحه من المراتب العالية كما اذا قال: الجارح ليس بشيء وقال المعدل: صدوق امام في القراءة كما هو الحال في عاصم بن أبي النجود كما سيأتي.
اما اذا اطلق الجرح وكان التعديل مفسراً راجحاً يقدم التعديل قطعاً.
ـ يقدم التعديل على الجرح اذا زاد عدد المعدلين، وهو قول البخاري ومذهبه في نقل الرواية عن بعض الرواة الذين فيهم طعن، والنووي في التقريب قال: إن زاد المعدلون في العدد على المجروحين قدم التعديل
وقال القاسمي وهذا القول وان ضعف فهو المتجه ثم نقل قول النسائي المتقدم
ـ وذهب آخرون إلى انه لا يصار إلى الجرح أو التعديل الا بمرجح فقد حكى ذلك ابن الحاجب عن ابن شعباني من المالكية نقل هذا القول السيوطي في تدريب الرواي أيضا.
ـ ان التعديل هو المقدم وقد نقل ذلك عن الطيب الطبري من الشافعية وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وابي يوسف والشوكاني من الزيدية مع نقل اقوال من تقدم.
ـ وذهب اخرون الترجيح يكون للاحفظ وقد نقل هذا الإمام البلقيني
وتفصيل هذه الاقوال وتطبيقاتها بغاية السعة والتفصيل ولكن مما تقدم يظهر ان القول في المسالة فيه شيء من التفصيل وليس كما ادعى ابن خلدون في تقديم الجرح على التعديل مطلقاً.
خلاصة البحث:
1 ـ ان أحاديث الإمام المهدي منقولة عن مجموعة كبيرة من الطرق وهذا يعني انها من المتواترات.
2 ـ ان أحاديث الإمام المهدي مشهورة نقلها جماعة من أئمة الحديث عند أبناء العامة مثل عبد الرزاق الصنعاني وابن ماجه وابو داود الترمذي وابن حنبل والطبراني والحاكم النيسابوري وابن أبي شبة وابو نعيم الاصفهاني وابن حماد والدارقطني والبزاز والبيهقي وغيرهم.
3 ـ حكم بصحتها الترمذي والحاكم النيشابوري والهيثمي وغيرهم.
4 ـ ان مقولة ابن خلدون مخالفة للمشهور دفعه لذلك عداؤه لأهل البيت (عليهم السلام) ورده على الصوفية.
5 ـ ان قاعدة تقديم الجرح على التعديل مطلقاً التي اعتمدها ابن خلدون ليس تامة وانما فيها تفصيل بل حذر العلماء من العمل بها على مطلقها كالسبكي والنسائي والذهبي والشعراني وغيرهم.
6 ـ ان قول ابن خلدون قول اجتهادي بلا دليل بل الدليل على خلافه ، إذن لا يمكن قبوله على إطلاقه لما عرفت من الخلل في منهجه الذي اتبعه في دراسته هذه وأخيراً ندعو من الله تعالى أن يوفقنا لخدمة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وان يجعلنا من أنصار المهدي المنتظر (عج).