جاء في كتاب تفسير الامام الحسن العسكري عليه السلام
جاء في تفسير قوله تعالى : والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [ البقرة :4 ] .
قال الإمام الحسن بن علي عليه الصلاة والسلام: من دفع فضل أمير المؤمنين على جميع من بعد النبي فقد كذب بالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المنزلة ، فإنه ما نزل شيء منها إلا وأهم ما فيه ـ بعد الأمر بتوحيد الله تعالى والإقرار بالنبوة ـ الاعتراف بولاية علي والطيبين من آله . ولقد حضر رجل عند علي بن الحسين فقال له: ما تقول في رجل يؤمن بما أنزل الله على محمد ، وما أنزل على من قبله ، ويؤمن بالآخرة ، ويصلي ويزكي، ويصل الرحم ، ويعمل الصالحات ، ولكنه مع ذلك يقول ما أدري الحق لعلي أو لفلان ، فقال له علي بن الحسين: ما تقول أنت في رجل يفعل هذه الخيرات كلها إلا أنه يقول: لا أدري : النبي محمد أو مسيلمة ؟ هل ينتفع بشيء من هذه الأفعال؟ فقال : لا . فقال : وكذلك قال صاحبك هذا ، كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب من لا يدري : أمحمد النبي أم مسيلمة الكذاب ؟ وكذلك كيف يكون مؤمناً بهذه الكتب، أو منتفعا به ، من لا يدري أعلي محق أم فلان " صفحة 32 الى 33
يوم الغدير ومابعده :وفي تفسير : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [ البقرة : 8] يقول: قال الإمام العالم موسى بن جعفر : "إن رسول الله لما أوقف أمير المؤمنين في يوم الغدير موقفه المشهور " وذكر صاحب (التفسير) هنا أخذ البيعة من الصحابة وأولهم أبو بكر وبعده عمر ، ثم قال : "ثم إن قوماً من متمرديهم وجبابرتهم تواطؤوا بينهم لئن كانت لمحمد كائنة ليدفعن هذا الأمر من علي، ولا يتركونه له ، فعرف الله ذلك من قبلهم ، وكانوا يأتون رسول الله ويقولون: لقد أقمت علينا أحب خلق الله إلى الله وإليك وإلينا ، فكفيتنا به مؤنة الظلمة لنا والجبارين في سياستنا ، وعلم الله من قلوبهم خلاف ذلك من مواطأة بعضهم لبعض، أنهم على العداوة مقيمون، ولدفع الأمر عن مستحقه مؤثرون ، فأخبر الله ـ عز وجل ـ محمداً عنهم فقال : يا محمد، ومن الناس من يقول آمنا بالله الذي أمرك بنصب علي إماماً وسايساً لأمتك ومدبراً ،وماهم بمؤمنين بذلك، ولكنهم تواطؤوا على إهلاكك وإهلاكه ، يوطنون أنفسهم على التمرد على علي إن كانت بك كائنة " الصفحة 41 الى 42
عن قوله تعالى : يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [ البقرة : 9 ] يقول: " قال الإمام موسى بن جعفر عليه الصلاة والسلام : لما اتصل ذلك من مواطأتهم ، وقيلهم في علي ، وسوء تدبيرهم عليه ، برسول الله فدعاهم وعاقبهم ، فاجتهدوا في الإيمان ، وقال أولهم : يا رسول الله ، والله ما اعتددت بشيء كاعتدادي بهذه البيعة ، ولقد رجوت أن يفتح الله بها لي في قصور الجنان ، ويجعلني فيها من أفضل النزال والسكان . وقال ثانيهم : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما وثقت بدخول الجنة والنجاة من النار إلا بهذه البيعة ، والله ما يسرني إن نقضتها أو نكثت بعد ما أعطيت من نفسي ما أعطيت ، وأن لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش . وقال ثالثهم : يا رسول الله ، لقد صرت من الفرح والسرور بهذه البيعة والفتح من الآمال في رضوان الله ، وأيقنت أنه لو كانت ذنوب أهل الأرض كلها علي لمحصت عني بهذه البيعة . ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار من بعدهم من الجبابرة والمتمردين . فقال الله عزوجل لمحمد : يخادعون الله : يعني يخادعون رسول الله بائتمان خلاف ما في جوانحهم ، والذين آمنوا كذلك أيضاً ، الذين سيدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب . ثم قال : وما يخادعون ما يضرون من تلك الخديعة إلا أنفسهم ، فإن الله غني عنهم وعن نصرتهم ، ولولا إمهاله لهم لما قدروا على شيء من فجورهم وطغيانهم ، وما يشعرون أن الأمر كذلك ، وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم وكذبهم وكفرهم ، ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين ، وذلك اللعن لا يفارقهم في الدنيا ، ويلعنهم خيار عباد الله ، وفي الآخرة يبتلون بشدائد عقاب الله " الصفحة 42
فعند قوله تعالى: وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [ البقرة: 53 ] يقول: " لما أكرمهم الله بالكتاب والإيمان به والانقياد له ، أوحى الله بعد ذلك إلى موسى ... يا موسى : تأخذ على بني إسرائيل أن محمداً خير النبيين وسيد المرسلين، وأن أخاه ووصيه علياً خير الوصيين ، لعلكم تهتدون : أي لعلكم تعلمون أن الذي شرف العبد عند الله ـ عزوجل ـ هو اعتقاد الولاية كما شرف به أسلافكم " الصفحة 100
عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم بأنه قال : " أما إن من شيعة علي لمن يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفة ميزانه من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي ، والبحار الثبار ، يقول الخلائق : هلك هذا العبد ، فلا يشكون أنه من الهالكين ، وفي عذاب الله من الخالدين . فيأتيه النداء من قبل الله عزوجل : يأيها العبد الخاطئ الجاني هذه الذنوب الموبقات ، فهل بإزائها حسنات تكافئها، فتدخل جنة الله برحمة الله؟ أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله؟ يقول العبد : لا أدري ، فيقول منادي ربنا عزوجل : فإن ربي يقول: ناد في عرصات القيامة : ألا إني فلان بن فلان ، من أهل بلد كذا وكذا ، وقرية كذا وكذا، قد رهنت بسيئات كأمثال الجبال والبحار ، ولا حسنات لي بإزائها ، فأي أهل هذا المكان لي عنده يد أو عارفة فليغثني بمجازاتى عنها ، فهذا أوان أشد حاجتى إليها . فينادي الرجل بذلك ، فأول من يجيبه علي بن أبي طالب : لبيك لبيك ، أيها الممتحن في محبتي ، المظلوم بعداوتي ، ثم يأتي هو ومعه عدد كثير وجمع غفير ، وإن كانوا أقل عدداً من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات ،فيقول ذلك العدد : يا أمير المؤمنين ، نحن إخوانه المؤمنون ، كان بنا باراً ولنا مكرماً ، وفي معاشرته إيانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعاً ، وقد بذلنا له جميع طاعاتنا ، وبذلناها له . فيقول على : فبماذا تدخلون جنة ربكم ؟ فيقولون : برحمته الواسعة التي لا يعدمها من والاك يا أخا رسول الله ، فيأتي النداء من قبل الله عزوجل : يا أخا رسول الله ، هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له ، فأنت ماذا تبذل له ؟ فإني أنا الحاكم ما بيني وبينه من الذنوب ، قد غفرتها له بموالاته إياك ، وما بينه وبين عبادي من الظلامات فلابد من فصل الحكم بينه وبينهم . فيقول علي : يا رب أفعل ما تأمرني . فيقول الله عزوجل : يا علي ، اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله ، فيضمن لهم علي ذلك ، ويقول لهم : اقترحوا على ما شئتم اعطيكموه عوضاً عن ظلاماتكم قبله . فيقولون : يا أخا رسول الله تجعل لنا ... ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيوتك على فراش محمد رسول الله . فيقول علي: قد وهبت ذلك لكم . فيقول الله عزوجل : فانظروا يا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي بن أبي طالب فدى لصاحبه من ظلاماته ، ويظهر لكم ثواب نفس واحد في الجنان من عجايب قصورها وخيراتها : ثم قال رسول الله : أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم المعدة لمخالفي أخي ووصيي علي بن أبي طالب " الصفحة 48 الى 49
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافضاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين