عن جابر بن عبدالل الأنصاري (رض) قال : قال رسول الله (ص) : " المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، و كنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً و خلقاً ، تكون له غيبة و حيرة ، يضلُ فيها الامم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، يملؤها عدلاً و قسطاً ، كما ملئت جوراً و ظلماً " ./فرائد السمطين للجويني المجلد 2 الباب 16 ص 335 طبع بيروت 1398 هـ .
و جاء ايضاً في فرائد السمطين بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) : ". . . و من ولده ( أي علي عليه السلام ) القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلاً و قسطاً ، كما ملئت ظلماً و جوراً ، و الذي بعثني بالحق بشيراً ، ان الثابتين على القول بامامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر .
فقام اليه جابر بن عبدالله الأنصاري فقال : يا رسول الله (ص) و للقائم من ولدك غيبة ؟ فقال (ص) : اي و ربي ليمحص الله الذين آمنوا و ليمحق الكافرين ، يا جبر ان هذا لأمرٌ من الله ، و سر من سر الله ، مطوية عن عباده ، فإياك و الشك ، فان الشك في امر الله كفر . " / فرائد السمطين : آخر الجزء الثاني ، و اخرجه ينابيع المودة ص 489 مع اختلاف ببعض الفاظه ، و نقله في المناقب للخوارزمي الحنفي .
اما معنى الغَيبة : فنريد بها الاسلوب الذي يتبعه الامام لاحتجاجه عن الناس ، فله صورتان :
الصورة الأولى : و هي الصورة المتعارفة في اذهان الناس و التي تقول : ان المهدي يختفي بجسمه عن الأنظار فهو (ع) يرى الناس و لا يرونه – الا في بعض الحالات التي تكون هناك مصلحة في ظهوره على بعض الناس من اجل توجيههم او انذارهم - .
الصورة الثانية : و هي صورة خفاء العنوان و التي تقول : ان الناس يرون الامام المهدي (ع) بشخصه من دون ان يكونوا عارفين او ملتفتين لحقيقته .
و يظهر من كلام كبار العلماء و الذي سندوه ببعض الروايات ان الصورة الثانية هي الأصح اذ ورد ان الامام يحضر بعض الاماكن فقد ورد الحديث عن النائب الثاني الشيخ محمد بن عثمان العمري انه قال : " و الله ان صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس و يعرفهم ، و يرونه و لا يعرفونه " .
و لعل السبب في ذلك عدم كشف شخصه ( سلام الله عليه ) .
سبب الغيبة :
لقد علَّل بعض من كتب عن المهدي المخلص في بيان سبب الغيبة بان الظروف القاسية التي كان يعيشها المجتمع في ظل العباسيين ، من قتلٍ و نهبٍ و سجنٍ و إرهاب هي التي دعت الامام المهدي إلى الغيبة .
و ذكر البعض مميزاً بين الغيبة الكبرى و الصغرى بأن الغيبة الصغرى – و التي استمرت حوالي السبعين عاماً- كان سببها الحكم الظالم في ذلك الوقت ، أما الغيبة الكبرى- و التي هي مستمرة الى يومنا هذا بل الى أن يأذن الله تعالى – فجاءت لتمحيص الناس و تمييزهم المؤمن من الكافر من الفاسق الخ . . . و قد قيل غير ذلك مما يطول الكلام بذكره .
فهل هذه اسباب الغيبة ؟! و لبيان ذلك لابد من مقدمة صغيرة .
فنقول : صحيح ان الوضع الذي كان في عصر الامام الحسن العسكري و ولده الحجة ( عليهما سلام الله ) و انصارهم كان لا يحتمل ، فمن قتلٍ الى سجنٍ الى تشريدٍ الى تجويع ٍ الى تخويفٍ .
إلا أن هذا كله لا يستدعي ان يغيب الامام عن أنظار الناس لانه عاش ذلك و عرفه و صبر عليه من خلال سيرة اجداده الكرام حيث انه : ما منهم إلا مقتول أو مسموم .
و الإجابة عن سبب الغيبة تقتضي بيان أمرين :
الأمر الأول : إن التخطيط الالهي اقتضى الغيبة ، و بمعنى آخر كانت مشيئة الله سبحانه و تعالى و حكمته ان يغيب القائد الأخير عن انظار أمته و جماعته لفترةٍ معينة من الزمن ، و هذه الغيبة هي سرٌ من الأسرار الغيبي التي لا يعلمها إلا الله عز و جل و من ارتضى ...
أما السبب الواقعي للغيبة فلا نعلمه ، نعم نستفيد ظناً و لا دليل على ذلك بأن الامتحان و الاختيار و ان لا يكون لأحد في عنقه بيعة هي بعض اسباب الغيبة اما السبب الحقيقي فهو سرٌ من أسرار الله تعالى و لهذا نجد الرواية عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) و التي نقلها عبد الواحد بن محمد الميدايني عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد (ع) يقول :
إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها ، يرتاب فيها كل مُبطل .
فقلت : و لم جعلت فداك ؟
قال : لأمرٍ لم يؤذن لنا في كشفه .
قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟
قال : وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر- من خرق السفينة ، و قتل الغلام ، و إقامة الجدار – لموسى (ع) إلا وقت إفتراقهما . يا بن الفضل : إن هذا الامر أمرٌ من أمر الله تعالى ، و سرٌ من أسراره ، و غيبٌ من غيب الله ، و متى علمنا أنه عز و جل حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله و أقواله كلها حكمة ، و إن كان وجهه غير منكشف لنا .
/ منتخب الأثر : باب 28 ص 271 عن كمال الدين .
و في رواية اخرى عن محمد بن محمد بن عصام الكليني عن اسحاق بن يعقوب محمد بن الحسن المهدي (ع) ، في آخر التوقيع الوارد عن أحمد بن عثمان العمري ، يسأله عن هذا الأمر أجاب (ع) : " إن الله عز و جل يقول : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤءكم " .( سورة المائدة/ آية 101 ) .
فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ، و لا تكلفوا علم ما قد كفيتم ، و أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم و السلام عليك يا إسحاق بن يعقوب الكليني و على من اتبع الهدى "
و بالتمعن بهاتين الروايتين نجد أن الامامين عليهما السلام يريدان من أتباعهما و من السائلين عدم الخوض نجد أن الامامين عليهما السلام يريدان من أتباعهما و من السائلين عدم الخوض في هذا الأمر ، و أرجع ذلك إلى علم الله تعالى و حكمته ، بل إن الامام الصادق (ع) قد ضرب مثالاً توضيحياً عن عدم كشف هذا السر الغيبي كما انه لن يكشف سر خرق السفينة و قتل الغلام و اقامة الجدار لموسى (ع) إلا بعد انقضاء الأجل المضروب من الحكيم ( عز و علا ) لهذا الأمر .
و تأكيداً لمسألة الغيبة و أنها من الغيبيات و الاسرار حديث النبي الذي دار بينه و بين نعثل فراجع ما تقدم .
الأمر الثاني : فإذا كانت الغيبة مخطط لها منذ زمن النبي (ص) و هي سرُ من اسرار الله تعالى فلماذا تنقسم الى صغرى و كبرى ؟!
نقول : إن الغيبة الصغرى تعبر عن المرحلة الاولى من إمامة المهدي (ع) ، فقد قدر لهذا الامام- كما يرى بعض الكتاب المعاصرين- أن يستتر عن المسرح العام و يظل بعيداً باسمه عن الأحداث و إن كان قريباً منها بقلبه و عقله .
و الغيبة الكبرى من دون الصغرى تكون صدمة كبيرة للقواعد الشعبية في الامة الاسلامية لأن هذه القواعد إعتادت ان تكون متصلة دائماً بقيادتها الشرعية و الرجوع لها في كل الأمور ، و هذا يعني أن الغيبة الكبرى من دون الصغرى فراغ دفعي هائل يعصف بالكيان الشعبي .
فكان لا بد من التمهيد لهذه الغيبة الكبرى لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج ، و تكيف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها و كان هذا التمهيد هو عبارة عن الغيبة الصغرى و التي اختفى بها الامام المهدي عن المسرح العام غير أنه كان دائم الصلة بقواعده ىالشعبية و ذلك عن طريق وكلائه و نوابه الثقاة من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه و بين الناس المؤمنين بخطه الامامي .
و قد استغل مركز النيابة عن الامام في غيبته الصغرى اربعة ممن اجمعت تلك القواعد الشعبية من تقواهم و ورعهم و نزاهتهم التي عاشوا ضمنها .
و كانوا على الترتيب فاذا مات احدهم خلفه الآخر بأمر من الامام المهدي و هو كما يلي :
1-عثمان بن سعيد العمري .
2-محمد بن عثمان بن سعيد العمري .
3-ابو القاسم الحسين بن روح .
4-ابو الحسن علي بن محمد السمري .
و هؤلاء النواب كانوا همزة الوصل بين الناس و الامام المهدي فكانوا يحملون اسئلة و مشاكل الناس إلى الامام و يحملون الأجوبة و الحلول من الامام إلى الناس ، و لقد وجدت القواعد الشعبية بهذه النيابة العزاء و السلوة عن فقدهم الامام مباشرة ، و كانوا يلاحظون توقيعات الامام و خط يده منذ اول نائب و حتى الأخير و استمرت هذه الغيبة الصغرى حوالي سبعين عام و كان السمري هو آخر النواب حيث أعلن عن قرب أجله حيث أخبره الامام عن بدء مرحلة الغيبة الكبرى و انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى ، و كان ذلك عام 329 هـ ، و كان عمر الامام المهدي آنذاك اربع و سبعون عاماً قضى منها اربع سنين و نصف مع والده و تسعة و ستون عاماً و نصف العام في غيبته الصغرى و كان آخر حديث له : " و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم ، و انا حجتة الله عليهم . . . " .
و تميزت الغيبة الكبرى عن الصغرى ان لا أشخاص معينون بالذات للوساطة بين الامام القائد و شعبه .
فتبين مما تقدم ان الغيبة الصغرى كانت مهمتها تحصين الامة تدريجياً عن الصدمة و الشعور بالفراغ الهائل الذي يسببه غياب الامام القائد .
و إذا عرفنا الغيبة و زمنها فيأتي السؤال متى تنتهي هذه الغيبة و متى يظهر الامام المهدي (ع) ؟
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين