قراءة في رواية
( وللذكر مثل حظ الأنثيين)
للكاتب الروائي عقيل إكرام
بقلمي جعفر ملا عبد المندلاوي 9-8-2023
تبدو الصورة مألوفة ومعتادٌ عليها في كل المجتمعات البشرية ، فثلاثية الموت والوصية والوارثين ، تفرض نفسها لربما بشكل أكبر في المجتمعات الاسلامية ، وأما في المجتمع العربي فتأخذ هذه الثلاثية أبعاداً أخرى تشغل الحيّز الواقعي بشكل أكبر ، ليس بسبب ضبابية النصاب والحظوظ وإنما بسبب الجشع والأنانية التي تتركز في بعض النفوس ، مما يجعلها تفشل في الاختبار الانساني وتنجرف مع النفس الى مهاوي الخسران .
تلك الثلاثية الأزلية ستتصارع دائما مع ثلاثية أخرى تقابلها تتمثل بقيم اجتماعية ودينية وقانونية تتفاعل معها تأثراً وتأثيراً ، وبتلك الثلاثية المترابطة يفتح لنا الأديب والقاص الأخ عقيل إكرام أبواب روايته (وللذكر مثل حظ الأنثيين) الى عوالم انسانية تجيش بها محطات العمر وتتأرجح بين حالات النفس وعوالمها ، بإسلوب شيّق وبقلم أديب محنك بجزالة ألفاظ وبنية محبوكة ينسج تلك الصور الجميلة بتناسقها وترابط احداثها ، وما ان بدأت بقراءتها حتى اتيت على آخرها خلال بضع ساعات وكم كنت سعيدا وفخورا به وبروايته ، إذ أعاد بي الذاكرة الى الزمن الجميل والى اجواء تلك البيوت الطينية البريئة التي تمخضت عن جيل بل أجيال من العلماء والأدباء والشعراء والفضلاء ، تلك هي مندلي مدينة الطيب والابداع .
فينتقل بنا وينقلنا الى تلك الأجواء الدافئة التي تبدو على بيوت الأثرياء بينما تنخرها الأطماع والتصارع في المشهد الخفي للصورة . فالمال والحرص واللهاث خلف مغريات الدنيا تدع الانسان يقع ضحية أهوائه والانغماس في الاثم بدلاً من أن ينعم بها وبملذاتها ، وربما لا يسعده الحظ أن يضحك آخراً .
والرواية بما حملته من محطات ومواقف وانفعالات ومشاعر متعددة انطوت على جملة من القيم الدينية والاجتماعية - على الاقل- وفق قراءتي المتواضعة لهذا النص الروائي ترتقي بالانسان وتحفظ له كرامته؛ فمن القيم الدينية نلتقط بعضها :
فأولاها وتعد من أرقاها هي تلك الجزيئة من الثقافة العلوية التي غرزها في الانسان قوله عليه السلام ( المال في الغربة وطن) ومنها استل كاتبنا رشحة من رشحاته بقوله ص133 (المال عزة وكرامة ووطن لمن لا وطن له) . وثانيها التي تُعدُّ من الحدود الشرعية التي وضعها الله تعالى لنا والمتمثل بما جاء في ص118 ( لا يحق للحفيد أن يرث إذا مات والده قبل جده بوجود الأعمام والعمات).
واما بالنسبة للقيم الاجتماعية فهي كثيرة تلك التي وضع الكاتب فيها النقاط على الحروف كدروس أخلاقية تُبنى المجتمعات بها ، فمن ذلك ما اشار اليه ص102 (المرأة بلا كرامة لا قيمة لها ) ، وفي قيمة عليا أخرى يذكرنا الكاتب المتألق بالروابط الاسرية والمحبة والتآلف فها هو في ص46 يقول (نحن أخوة واتمنى ألّا يكون هذا المال سبباً في تشتتنا وزرع الفرقة والكراهية في نفوسنا) ، ثم ينتقل بنا الى أجواء الحكمة والتعقل في حل الخلافات والملابسات فالانسان اذا غضب تكلم الشيطان عن لسانه دون ان يدري ، ففي ص154 يشير كاتبنا ( لا تسترد الحقوق بارتفاع الاصوات وكثر الاحتجاجات إنما بالتفكير والعمل ) .
ولم ينس الكاتب أن يؤشر لبعض السلبيات الاجتماعية التي تنخر في جسد المجتمع وتعمل على تفكيكه وتزايد الأمراض والمشكلات والحذر من الوقوع فيها ففي ص120 يشير الى الانانية المفرطة وحب الأنا التي تتحكم ببعض الأشخاص بما يجعله وحشا مفترسا كقوله
كبرت وترعرعت وأنا أحصل على أي شيء أحبه وبأية وسيلة لا يهم من يتضرر أو يحزن ، المهم أن أكون أنا سعيد) ، وفي ذات الوقت يذكرنا بأن السبب الرئيسي لانحراف الشباب هو المال ،وخصوصا أموال السحت ، ففي ص165 يقول (المال مع الشباب نقمة وليست نعمة) . واما الخيانة فكانت محورا آخر تنبّه لها الكاتب ولعواقبها الوخيمة على الفرد والمجتمع على حد سواء ففي ص213 يشير الى أن (الخيانة مرة ؛ وتكون أكثر مرارة عندما تأتي من أقرب الناس اليك) .
ومن ضمن القيم الاخلاقية والسلوكية التي انطوت عليها الرواية والتي تتوافق مع الفطرة السليمة - فضلا عن القيم الدينية - تستدعي ان يأنف الانسان منها ويبتعد عنها ولا يمارسها لآثارها السلبية المترتبة عليها كالغش والتزوير والخداع والحيل والرشوة للحصول على المآرب الشخصية !
ومن جملة ما تنبّه لها كاتبنا هي تلك الرواسب الجاهلية التي ما زالت تتحكم في بعض المجتمعات في بلادنا وفي غيرها من البلدان تلك الرواسب الخاصة بمكانة المرأة ودورها في المجتمع بعكس ما اراد الله تعالى لها ففي ص221 يقول (أما المرأة فلا يحق لها أن تخطأ ، كأنها ليست بشراً ، وإن أخطأت لا يغفر لها) .
ولم ينس كاتبنا في هذا الجو المفعم بالمشاعر المتضادة أن يفتح باباً للأمل وفسحة للعيش بعيدا عن المنغصات ، فتأمل ص122 (مهما يكن حزنك عميقاً فإن هناك أشياء كثيرة تُفرح وتُسرّ) .
وكما يقال في آخر كل مقال ، وختامه مسك ، ومسك مقالنا ومضة التقطناها من ثنايا الرواية الشيقة وجدتها من اجمل الصور وأكثرها جمالا حيث يقول كاتبنا الأنيق (( كدت أقع وأنا أتعثر بأفكاري)) يا لجمالها وجمال صورتها الأدبية .
(وللذكر مثل حظ الأنثيين ؛ رواية للكاتب المتألق عقيل إكرام – طبع أولى 2023 من مؤسسة أروقة المصرية بواقع 237 صفحة)