التحضّر وتنمية الطاقات الشبابية الكامنة يربط كثير من الخبراء، بين شرط تنمية طاقات الشباب وتحضّر المجتمع، بمعنى، لا يمكن تحقيق التحضّر من دون إعطاء الاهتمام المطلوب للشباب، وهنا تبدو المعادلة بين نجاح الشباب ونحاح الشعوب غاية في الدقة والاهمية، بمعنى أوضح، الشباب الواعي المتطور يدفع الشعب برمته الى مساحات التطور وبؤر الثقافة والوعي. خلاف ذلك، لن يكون هناك تحضّر او تطور في المجتمع، لذا يتفق الجميع على أن الشباب يشكلون الفئة الأهم في المجتمع، وتُعد المجتمعات التي تقل فيها نسبة الشباب في تكوين النسيج المجتمعي، آيلة للزوال أو الانقراض، وقد يحدث الزوال او الانقراض، من خلال إهمال او تهميش شريحة الشباب، ومن ثم انتشار اليأس والخمول وقلة الانتاج وما الى ذلك، من عوامل تؤدي، مع التراكم الزمني، الى ركل المجتمع الخامل جانبا، ووضعه قرب حافة الانقراض، أو العيش في هامش الحياة، كما هو حال الشعوب المتخلفة. ويرى المختصون أن الشباب ينشطون في محاور ثلاثة هي: الاول: محور الدراسة الثاني: محور العمل الثالث محور الترفيه. هذه المحاور هي التي تشكل بيئة جيدة، ومناسبة، وصالحة لاستثمار طاقات الشباب المتنوعة، وفي حال توجيهها وتحريكها في المسارات الصحيحة، فإنها بطبيعة الحال لا تخدم الشباب وحدهم، بل تصب في تنشيط حركة المجتمع في جميع المجالات الفكرية والسلوكية معا، ومنها الجانب الانتاجي المتنوع، وبهذا تكون الفوائد شاملة وموزعة على مجالات الحياة كافة. بيد أن الاستثمار الامثل لمواهب وطاقات الشباب، عبر المحاور الاجرائية الثلاثة المذكورة اعلاه، يتطلب تخطيطا وبرمجة في جانبين أساسيين هما: - وضع التصورات المطلوبة والمناسبة لهذه المحاور من لدن جهات مختصة. - وضع السبل العملية الكفيلة بتحويل الطاقات الشبابية الى منجز. وهذا الامر يتطلب بدوره جهدا كبيرا، لا تستطيع القيام به سوى المؤسسات التي تتمتع بقدرات تمويلية كبيرة، وهنا يبرز دور الحكومة في هذا المجال، أي أن المؤسسات الحكومية هي الاقدر على استيعاب طاقات الشباب، بسبب توافر عناصر التمويل والتخطيط ومنافذ الاستيعاب وما شابه، ولن يلغي ذلك دور المؤسسات الاهلية الداعم للحكومات، أي أن المؤسسات والمنظمات الاهلية الخاصة بتطوير الطاقات الشبابية، لابد أن تؤدي دورها على الوجه الامثل، لكن دورها هذا لن يكون رئيسيا في هذا المجال، بل الدور الرئيسي يتعلق أولا وأخيرا بعنصر المبادرة الحكومية قبل غيره. يشير الواقع –في مجتمعنا العراقي- الى ضعف الجهد الحكومي، فيما يتعلق باستثمار طاقات الشباب، وثمة نوع من الفوضى تعاني منها المؤسسات الحكومية المعنية بهذا المجال، يدل على غياب الخطة الحكومية الواضحة، لتفعيل الانشطة الشبابية وامتصاص طاقاتها، والسبب يبدو واضحا في البطالة التي يعاني منها السشباب العراقي، علما ان الوفورات المالية ورؤوس الاموال كثيرة، تنتشر في عموم العراق، حتى الاهلية منها، لكن غياب التخطيط السليم والتنفيذ السليم ايضا، يجعل من الجهد الحكومي مشوها في هذا المجال، وبالتالي فإننا سنؤكد وجود حالات اخفاق في التعامل الحكومي مع ملف الشباب، وعدم وضع الحلول الواقغية الكفيلة لمعالجة البطالة، والتعويل شبه التام على المشاريع الحكومية التي لا تستطيع وحدها أن تستوعب طاقات الشباب الذي يعيش في مقتبل العمر، ويشعر أن لدية من النشاط والمواهب والطاقات الكثير، فلا يصح ان نحول هذه الطاقات الى مجموعة من الموظفين الخاملين في الدولة عبر ما يطلق علية بالبطالة المقنعة، ليصبحوا عبئا عليها بدلا من أن يكونوا عناصر دعم لها في الجانب الاقتصادي وسواه. إذن لابد أن تكون هناك مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في استيعاب الشباب، لكن هذا القطاع لن ينهض من دون معاونة الدولة له، في مجالات عدة، منها تشريع القوانين التي تساعد اصحاب القطاع الخاص على الاستثمار الصحيح، لانها بالتالي تستطيع ان تستوعب الكثير من الشباب، ويمكنها ان تمنح فرصا كثيرة لهم، لاظهار مهاراتهم وخبراتهم المكتسبة من الدراسة او غيرها. التفاعل ينبغي أن يكون تبادليا بين الدولة والقطاع الخاص، وهذا دور الحكومة، عليها أن تخطط بصورة سليمة لدعم القطاع الخاص، وتجعله الظهير الاقتصادي الاهم الذي يساعدها على تفعيل الفئة الشبابية، وتحويلها من فئة خاملة تشكل عبءا على المجتمع، الى فئة فاعلة منتجة ماهرة تتقدم بالمجتمع الى امام. بهذا المعني من واجب الحكومة أن تحتوي الشباب، ليس بمعنى تجميد طاقاتهم بالبطالة المقنّعة، بل الاحتواء السليم الذي يحول الطاقة الكامنة للشباب من حالتها المؤذية الى حالتها المنتجة، فالبطالة قنبلة موقوتة يمكن ان تتفجر في أية لحظة، بسبب فتح نوافذ الاخطاء والانحرافات امام الشباب، فمن لايجد مجالا لتفريغ طاقته في المسار الصحيح سيضطر لتفريغها في مجال خاطئ بل وخطير. لهذا ينحرف الشباب العاطلون، ويصبحون مجرمين ومتعاطين للمخدرات، ومنتمين الى العصابات والمافيات، وهي ظواهر تظهر على السطح بين حين وآخر، كما هو الحال مع عصابات الخطف والسرقة والمساومة والابتزاز والقتل وما شابه، حيث تطالعنا الاخبار بين حين وآخر عن عدد من حالات الخطف والهجوم على الصاغة او المصارف، وهذه كلها من نتائج البطالة، والتعامل الحكومي غير السليم مع ملف الشباب. لذا ينبغي على الحكومة اولا، والمعنيين الآخرين ثانيا، التنبّه الى خطورة إهمال شريحة الشباب، نكرر هنا إنهم قنبلة موقوتة وطاقات كامنة يمكن أن تنفجر في أية لحظة على نفسها وعلى الآخرين من المجتمع، والسبب دائما هو الفشل الحكومي في التعامل مع هذا الملف، الامر الذي يتطلب إهتماما أكثر وأدق، ودراسة علمية عملية تنهض بواقع الشباب.