في الحديث الصادر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم:
((أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج))(بحار الأنوار ج77 ص143، تحف العقول ص37)
ومن زاوية عرفانيَّة فللانتظار أيضاً مستوى رفيع من العرفان والروحانيَّة حيث صار "أحبَ الأعمال إلى الله" فمستوى مستوى الشهيد في سبيل الله .
(( ... قال أمير المؤمنين عليه السلام : انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله ، فإن أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجل انتظار الفرج ... و المنتظرُ لأمرنا كالمتشحِّطِ بدمه في سبيل الله ))(بحار الأنوار ج52 ص123)
بل هناك أحاديث تؤكِّد على أنَّ "انتظار الفرج من الفرج" بل "انتظار الفرج من أعظم الفرج".
((... عن محمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام قال سألته عن شئٍ من الفرج فقال أليس انتظار الفرج من الفرج ؟ إنَّ الله عزَّ و جلَّ يقول فانتظروا إنِّي معكم من المنتظرين))(بحار الأنوار ج52 ص128)
وهذا المعنى من الانتظار قد اكتسب قسطاً من القدسية والاعتبار بحيث صار من علائم الإخلاص الحقيقي والتشيُّع الصادق ومن مميزات الدعاة إلى دين الله سراً وجهراً و قد ورد في الحديث :
((..أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا..))(بحار الأنوار ج36 ص387)
السرُّ في أهميَّة الانتظار:
إنَّ مفهوم الانتظار، أعني انتظار فرجِ الله، هو في الواقع يندرج تحت اسم من أسماء الله تعالى أعنى الكاشف كما في الدعاء :
((يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين ويا كاشف الكرب العظيم))(بحار الأنوار ج86 ص323) ((يا كاشف الغم))(بحار الأنوار ج36 ص205) ((يا كاشف الكرب العظام))(بحار الأنوار ج86 ص235).
وعلى ضوئه صار مفهوم الانتظار مفهوما معنويا إلهياً، حيثُ أنَّه لا يمكن لشيءٍ أن يكتسب جانباً معنوياً ويشتمل على بعدٍ مُقدَّس إلاّ بارتباطه بالله سبحانه وقدسيةُ الشيء تتزايد وتنقص حسب ظهور اسم الله فيه، فلنترك إذاً المجال المادي ولنبحث عن الأفضلية في الساحة الإلهية المعنوية فميزان الأفضلية هو القرب إلى الله والرجاء به، ومن أهم نتائج انتظار الفرج تنمية روحيةِ الرجاء بالله في الإنسان المؤمن، حيث يُشاهد أمامَه مجالاً وسيعاً من الفضل والكرم والخير الإلهي الذي سوف تظهر مصداقيَّتُها في تلك الدولة العظيمة المباركة التي سوف يحققها الإمام المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، تلك الدولة الكريمة التِّي يعزُّ الله بها الإسلام وأهلَه ويذلُّ بها النفاق وأهلَه، ومن الطبيعي أن من يحوز على تلك الرؤية النورانيَّة أن يترفَّع عن الدنيا وزخرفها ومغرياتها وتسويلاتها الشيطانية، وهذا الأمر (أعني تحقير المظاهر الدنيويَّة) هو أوَّل خطوة يخطوها السالك إلى الله وهي (التخلية) التِّي تستتبعها (التحلية)
وهذه الروحية إن تركَّزت في الإنسان المؤمن فسوف تُعمِّق جذورَها فتزيل جميعَ الأشواك والموانع الصادَّة، لتنشرَ فروعَها الطيِّبة وثمارَها الجنيَّة في السماء حتَّى تؤتى أكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها، فكيف لا يكون الانتظار إذاً أفضلَ الأعمال بل أفضل العبادات؟! وهو الذي يُخيِّم على جميع الأعمال ويُلقي الضوء عليها. وهو أفضل الجهاد أيضاً.
لأنَّ المنتظر الحقيقي الذي يتمنَّى في كلِّ صباحٍ ومساءٍ أن يعيش في ظلِّ ذلك المعشوق روحي لتراب مقدمه الفداء و لسان حاله:
((فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوةَ الداعي في الحاضرِ والبادي))(بحار الأنوار ج53 ص96، البلد الأمين ص82).
وهو بقربه إلى الله وشهوده مقامَ ربِّه صار كالشهيد متشحِّطاً بدمه في سبيل الله، وليس للشهيد خصوصيةٌ كوجودٍ في الخارج بل الخصوصية والقيمة لمفهوم الشهادة التي تعني الوصول إلى الله وشهود وجه المحبوب، والمنتظِر يؤدِّي نفس الدور.
والحديث التالي قد بيَّن السبب الذي رفع مستوى الانتظار إلى هذه الدرجة:
((عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السلام قال: تمتدُّ الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم والأئمة بعده، يا أبا خالد إنَّ أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته المنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان لأن الله تعالى ذكرُه أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبةُ عندهم بمنزلةِ المشاهدة وجَعلهم في ذلك الزمان بمنزله المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتُنا صدقاً والدعاةُ إلى دين الله سراً وجهراً))(بحار الأنوار ج52 ص122، الاحتجاج ص317، كمال الدين ص319).
وماذا بعد الفرج إلا كشف الكربة عن وجه المؤمن برؤية الواقع والأمر، حينما تتحقق تلك الدولة العظيمة التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت ظلماً وجَوراً!
فالانتظار إذاً له نتيجتان:
1- إنَّه بالفعل يُحقِّق "كشف الكربة" بنحو مجمل.
2- إنَّه عاملٌ جذري أساسي للفرج بظهوره سلام الله عليه حيث يسود الحكمُ الإلهي الأرضَ كلّها.
الانتظار و جانباه الإيجابي و السلبي
إنَّ كلمة الانتظار تدُّل على حالتين كامنتين في روح المنتظر، فمع التأمَّل في هذه الكلمة نشاهد أنَّها تدلُّ على جانبين أساسيين لكل منهما دور مهمّ في معنى الكلمة وهذان الجانبان هما:
1- الجانب المطلوب والمحبوب للمنتظِر والمتوقَّع الوصول إليه، وهو الخير والبركة وتمكين الدين على الأرض كلِّه، فلو لم يتوقع حدوث حالة جديدة وإيجابية في المستقبل فلا مصداقية للانتظار ولا معنى له.
2- الجانب غير المطلوب وغير المحبوب الذي يتمثَّل في الحالة الفعلية التي يعيشها المنتظر ، تلك الحالة المؤلمة التي يرجو المنتظر الخلاص منها، فلو كان الوضع الفعلي هو الوضع المطلوب فلا معنى للانتظار إذاً ولا مبرر له.
وبعبارة أوضح: هناك تناسب عكسي بين أمرين هما:
1- اليأس من الحالة الفعليَّة المعاشَة.
2- الرغبة في الحالة المستقبليَّة المتوقعة.
ااشيخ ابراهيم الانصاري البحراني