عضو فضي
|
رقم العضوية : 508
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 2,476
|
بمعدل : 0.38 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
جندي المنتظر
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 18-05-2008 الساعة : 11:27 PM
نشأتها
لما رأت قريش أن اصحاب الرسول صلى الله عليه وآله قاوموهم وتحملوا أذاهم, وأن الاسلام أخذ يفشو وينتشر في القبائل, وعجزوا عن صده, ائتمروا بينهم على قتل الرسول صلى الله عليه وآله.
فلما احس ابوطالب بذلك انحاز الى شعبه, واجتمع إليه بنو هاشم وبنو المطلب ليحموا الرسول صلى الله عليه وآله، وكان الحمزة عم النبي صلى الله عليه وآله يسلّ سيفه ويحرسه حتى الصباح.
فحاصرتهم قريش حصارا اقتصاديا شديدا, وكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه على أن لا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم شيئا, فأقاموا على ذلك سنتين أوثلاثا حتى جهدوا, لا يصل إلى احدهم شئ إلا سرا. والجوع يشتد بهم, ويتعالي صراخ الاطفال الجياع أحيانا.
في جو خطير موحش من هذا القبيل قضت الزهراء عليها السلام شطرا من ايام الرضاعة في شعب ابي طالب, ثم فطمت من اللبن هناك, ودرجت تمشي على رمضاء الشِعب, وتعلمت النطق وهي تسمع أنين الجياع وصراخ الاطفال المحرومين, وبدأت تأكل في زمن الحرمان والفاقة, وإذا ما استيقظت في هدأة الليل وجدت الحرس يدورون ـ بحذر وترقب ـ حول أبيها, يخافون عليه من غدر الاعداء, والسيوف المسلولة تومض أمام عينيها في حلكة الليل.
ثلاث سنين تقريبا والزهراء عليها السلام في هذا السجن لا يربطها بالعالم الخارجي أي شئ, وحينما أدركت سن الخامسة عادت الى البيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وبني هاشم, بعد أن تركوا الشِعب ونجوا من المخمصة, وكانت الحياة الجديدة بما فيها من النعم والرزق وراحة البيت عالما جديدا على الزهراء عليها السلام يبعث على الفرحة والسرور.
وفاة الأم
ومما يذيب القلب حسرة ان خديجة عليها السلام توفيت قبل مضي عام واحد على خروج النبي صلى الله عليه وآله وصحبه من شعب أبي طالب, والزهراء بعد لم تذق طعم الحياة وتتنفس الصعداء وتتلمس الراحة, حين فجعت بوفاة أمها الرؤوم, فأخذ هذا الحادث المفاجئ منها مأخذا عظيما, وصدع روحها الشفيفة ومشاعرها الحساسة وصدمها صدمة ذوت لها زهور الامل, وانهمرت دموعها الساخنة على فقد أمها الحبيبة, وهي تبحث عنها في كل مكان.
وجعلت تلوذ برسول الله صلى الله عليه وآله وتدور حوله وتقول: أبه أين أمي؟
فنزل جبرئيل فقال له: ربّك يأمرك ان تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إن أمّك في بيت من قصب لا تعب فيه ولا نصب.
لقد عاشت الزهراء عليها السلام الوقائع والحوادث المرّة في طفولتها؛ وتركت آثارا على روحها الشفيفة, ومن تلك الآثار هي:
1ـ إن من يعيش مثل هذه الظروف القاسية والايام الصعبة, وتتخدش عواطفه منذ الطفولة بصدمات كثيرة, ينشأ حزينا كئيبا دائم الهم. وقد ذكروا في أحوال فاطمة عليها السلام أنها كانت حزينة مغمومة دائما.
2ـ إن الزهراء عليها السلام التي كبرت في مثل هذا الجو المتشنج, وقضت ايام الرضاعة والطفولة المبكرة في السجن, وفتحت عينيها على الحياة من خلال جدران المعتقل, ورأت بعيني الطفولة البريئة كيف يعذب أبواها واصحابه وهم يضحون ويؤثرن بكلّ شيء, ويقاومون الضغوط والصعوبات, من أجل الاهداف المقدّسة.
إن مثل هذه تنشأ قوية صلبة لا تهزها الهزاهز, ولا تفر من الميدان لأول مشكلة, وإنما تقاوم بصلابة, وتتحمل السجن والتعذيب من أجل الوصول الى الاهداف النبيلة.
3ـ إن فاطمة عليها السلام التي عاشت الفداء والتضحية والعزوف عن الدنيا, وتحمل الحرمان والمشاق, من أجل ترويج دين الله, ونشر كلمة التوحيد, ورفع راية العدالة, والرضى بكل شئ من أجل نجاة البشرية وهداية الإنسانية, بأبويها وصحبهم, كانت تتوقع من الخلف الذين خلفوا أباها السير على هداه, والجهاد في سبيل تحقيق أهدافه المقدسة, والإستقامة على صراطه المستقيم.
بعد رحيل الأم
توفي أبوطالب وخديجة في السنة العاشرة من المبعث الشريف, فحزن النبي صلى الله عليه وآله لذلك حزنا شديدا, وسمي ذلك العام بـ(عام الحزن), لأنه فقد ناصريه وحامييه في مكة, شريكة حياته ووزيرته وأم أولاده(خديجة) وسنده ومانعه(أبوطالب).
فتغيرت حياته صلى الله عليه وآله في داخل البيت وخارجه, واشتدت عليه قريش ووصلوا من أذاه بعد وفاة أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته, حتى نثر بعضهم التراب على رأسه, وحتى أنّ بعضهم طرح عليه رحم الشاة وهو يصلي.
فيعود إلى البيت محزونا مكروبا, فيرى وجه ابنته الشاحب الذابل, وعينيها الدامعتين على فراق أمها, وما تراه يجري على أبيها من الأذى خارج البيت, ففي مرة رأت قريشا اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا: لو رأينا محمدا لقمنا إليه مقام رجل واحد ولنقتلنه. فدخلت عليها السلام على النبي صلى الله عليه وآله باكية وحكت مقالهم.
وفي ذات يوم نثر أحد المشركين التراب على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله بيته والتراب على رأسه ـ قامت إليه إحدى بناته فاطمة عليها السلام تغسل عنه التراب وهي تبكي, ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا بنية, فإن الله مانع اباك.
وعن ابن عباس, ان النبي دخل الكعبة وافتتح الصلاة, فقال أبو جهل: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري وتناول فرثا ودما وألقى ذلك عليه. فجاءت فاطمة عليها السلام فأماطته, ثم اوسعتهم شتما وهم يضحكون, فلما سلّم النبي صلى الله عليه وآله دعا عليهم.
نعم, كانت فاطمة عليها السلام تعيش هذه الحوادث المؤلمة منذ صغرها وتهب لنصرة ابيها وتخدمه حتى سماها بأم أبيها. فلما توفيت خديجة عليها السلام وقعت مسؤولية البيت على عاتقها. ولم يوضح لنا التأريخ تلك الفترة المشجية العسيرة التي مرّت على بيت النبي صلى الله عليه وآله وليس فيه سوى الزهراء عليها السلام, ولكن عين البصيرة تنفذ لترى أحوال ساكنيه التي تبعث على الرقة والأسى.
وانقضت هذه الفترة ثم تزوّج الرسول صلى الله عليه وآله بسودة واختار نساء آخريات أيضا كن يظهرن الحب لفاطمة عليها السلام بشكل أو بآخر, ولكن من الصعب على اليتيم أن يفقد أمه ويرى غيرها في محلها, وزوجة الاب مهما رؤمت وكانت حنونا لا تغني عن صفاء الحب والحنان الأموي. والأم لوحدها تستطيع أن تبعث بحنانها الطمأنينة والقوة في قلب صغيرها.
وكلما ازداد شعور الزهراء عليها السلام بالحرمان من الأم ازداد حب النبي لها وأشعرها بذلك الحب, لأنّه صلى الله عليه وآله يعرف ما تعانيه فاطمة عليها السلام من فقد أمها ويحيره, لهذا ولغيره كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينام حتى يقبل عرض وجنة فاطمة عليها السلام .
وكانت فاطمة عليها السلام في نشأتها مضرب المثل في الكمال والجلال، فهي عليها السلام تمثل اشرف ما في المرأة من انسانية، وصيانة، وكرامة، وقداسة، ورعاية، وعناية، الى ما كانت عليه من ذكاء وقاد، وفطنة حادة، وعلم واسع. وكفاها فخراً انها تربت في مدرسة النبوة، وتخرجت في معهد الرسالة، وتلقت عن ابيها الرسول الامين صلى الله عليه وآله وسلم ما تلقاه عن رب العالمين، ومما لاشك فيه انها تعلمت في دار ابويها مالم تتعلمه طفله غيرها في مكه.
وعن جعفر الصادق عليه السلام، قال : لما جاءت فاطمه تشكو الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض امرها اعطاها كربه (وهي اصل السعفة العريض الغليظ) كانوا يكتبون عليها، فقال تعلمي ما فيها، فاذا فيها: "من كان يؤمن بالله واليوم الاخر، فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر، فليقل خيراً او ليسكت".
ولكنها قد تعلمت كذلك كل ما يتعلمه غيرها من البنات في حاضرة الجزيرة العربية، فلا عجب ان نسمع عنها بعد ذلك انها كانت تضمد جراح ابيها في غزوة احد، وانها كانت تقوم وحدها بصنيع بيتها، ولا يعينها احد من النساء في اكثر أيامها.
هجرة الزهراء إلى المدينة
هاجر النبي صلى الله عليه وآله في السنة 13 من مكة إلى المدينة ـ حفاظا على نفسه وإبقاءاً على دعوته ـ وأمر عليا عليه السلام أن يتخلف بعده في مكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس, فلما وصل صلى الله عليه وآله المدينة كتب إليه ـ بيد أبي واقد الليثي ـ يأمره بالمسير إليه.
فتهيأ على عليه السلام للهجرة, وخرج بالفواطم إلى ذي طوي ـ والفواطم هن: سيدة النساء فاطمة, وفاطمة بنت أسد أم علي عليه السلام وفاطمة بنت حمزة, ونساء آخريات.
وأبو واقد يسوق الرواحل فأعنف بهن فقال علي عليه السلام: أرفق بالنسوة ـ أبا واقد ـ إنهن من الضعايف.
فقال: إني أخاف أن يدركنا الطلب.
فقال عليه السلام : أربع عليك, إن النبي قال لي: يا علي إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه.
ثم جعل علي يسوق بهن سوقاً رفيقاً, فلما شارف(ضجنان) أدركه الطلب بثمانية فوارس, فأنزل النسوة واستقبلهم منتضيا سيفه, وكان يشتد على القوم شد الاسد على فريسته, فانتشروا عنه, فسار ظاهرا قاهرا لوجهه, حتى قدم المدينة.
|