وُلد الإمام علي الهادي في 15 ذي الحجة سنة 212 هجرية في المدينة المنورة .
أبوه : الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) ، والإمام الهادي هو الإمام العاشر من أئمة أهل البيت .
أمه : مغربية ؛ امرأة فاضلة تقية اسمها " سمانة " .
استشهد أبوه مسموماً وله من العمر 8 سنوات فتصدّى إلى الإمامة وهو في هذه السن .
دعاه الناس بألقاب عديدة ؛ من بينها : المرتضى ، الهادي ، النقي ، العالم ، الفقيه ، المؤتمن ، الطيب . وأشهرها : الهادي والنقي .
أخلاق الإمام :
عاش الإمام حياته زاهداً عابداً ، في حجرة خالية ليس فيها من متاع الدنيا شيء سوى حصير ، يقضي وقته في قراءة القرآن وتدبّر معانيه .
يستقبل الناس بوجه بشوش ، يعطف على فقيرهم ويساعد محتاجهم .
أرسل له الخليفة المتوكل مبلغ ألف دينار ، فوزعها الإمام بين الفقراء والبائسين .
ومرض المتوكل يوماً فحار الأطباء في علاجه ، فأرسلت أمهُ وزيرَه " الفتح بن خاقان " إلى الإمام ، فوصف له دواءً سرعان من بأن أثره ، وأدهش الأطباء ، فبعثت أم المتوكل مبلغ ألف دينار هدية ، فوزعها الإمام على المحتاجين .
حكاية الفص :
دخل " يونس النقّاش " على الإمام وهو يرتجف خوفاً ، وبادر الإمامَ قائلاً : يا سيدي جاءني رجل من القصر ومعه " فصّ فيروز " ثمين ، وطلب مني أن أنقش عليه ، فانكسر أثناء العمل وأصبح نصفين ، وسيرسل عليّ غداً ولا آمن أن يبطش بي إذا عرف ذلك .
فطمأنه الإمام وقال : لن يصلك منه سوء ، بل سيصيبك خير من ذلك بإذن الله .
وفي اليوم التالي جاء حاجب الخليفة قائلاً : لقد غيّرت رأيي فلو شطرته نصفين ، وسأضاعف لك الأجر .
تظاهر " النقاش " بالتفكير ، وقلبه يطير فرحاً وقال : حسناً ، سأجهد نفسي في ذلك .
شكر الحاجبُ النقاشَ ومضى لشأنه ، فيما انطلق النقاش إلى منزل الإمام ليقدم له شكره .
وقال له الإمام : لقد دعوت الله أن يريك خيره ويحميك من شرّه .
المتوكل :
توفي " المعتصم " وجاء بعده الواثق ، وكانت مدّة خلافته خمس سنين وتسعة اشهر .
وجاء بعده إلى الحكم الخليفةُ " المتوكل " ، وفي عهده انتشر الفساد والظلم ، واتسع نفوذ الأتراك في الحكم حتى اصبحوا الحكام الفعليين ، وصارت الخلافة لعبة في أيديهم .
وبلغ حقد التوكل على أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم أن أمر بفتح النهر على قبر سيدنا الحسين ( عليه السلام ) ومنَع المسلمين من زيارته وقتَل عدداً كثيراً من الزوّار ؛ وإلى ذلك يشير الشاعر :
تالله إن كانت أمية قد أتت | قتل ابن بنت نبيها مظلوماً
فـلقد أتته بنو أبيه بـمثله | فغدا لعـمرك قبره مهدوماً
أسفوا على ألاّ يكونوا شاركوا | في قتله ، فتتبّعوه رمــيماً
كان المتوكل قد فرَض رقابة شديدة على الإمام في المدينة المنورة ، وكان الجواسيس ينقلون له مباشرة حركات الإمام وأحاديثة .
خاف المتوكلُ بعد أن اصبح الإمام شخصية مرموقة محبوبة من قبل الناس ، فلقد كان يُحسن إليهم ويقضي أكثر وقته في المسجد الشريف .
أرسل المتوكل مبعوثاً خاصاً لإحضار الإمام ، ودخل " يحيى بن هرثمة " المدينة المنورة .
وانتشرت شائعات حول أهداف المتوكل ، واجتمع الناس حول محل إقامة مبعوث المتوكل للتعبير عن قلقهم بشأن مصير الإمام .
يقول " يحيى بن هرثمة " نفسه : فجعلت اُطمئِنهم وأحلف لهم بأني لم أؤمر فيه بمكروه .
كان المتوكل يفكّر في طريقة للحطّ من مكانة الإمام ( عليه السلام ) فاقترح بعض مستشاريه أن يشوش على سمعة الإمام الهادي بالاستفادة من أخيه " موسى " وكان سيئَ السيرة منحرفَ الأخلاق .
ورحب المتوكل بهذه الفكرة ، فأرسل وراء موسى ، وكان الإمام الهادي قد حذر أخاه قائلاً : إنّ الخليفة قد أحضرك ليهتكك ويضع من قدرك فاتّقِ الله يا أخي ولا ترتكب محظوراً .
ولم يصغِ موسى إلى نصيحة الإمام ، وأصرّ على موقفه ، ويبدو أن المتوكل قد احتقره فلم يستقبله أبداً .
كلمة حق أمام سلطان جائر :
كان " ابن السكيت " عالماً كبيراً ، قال " أبو العباس المبرّد " ما رأيت للبغداديين كتاباً أحسن من كتاب " ابن السكيت في المنطق " .
طلب المتوكل من ابن السكيت أن يشرف على تربية ولديه : " المعتز " و " المؤيد".
فسأله ذات يوم : أيهما احب إليك ؛ ابناي هذان أم الحسن والحسين فقال العالم بشجاعة : والله إن قنبراً خادم علي بن أبي طالب خير منك ومن ولديك .
فوجئ المتوكل بجواب ابن السكيت واستشاط غضباً وأمر جلاوزته من الأتراك أن يستلّوا لسانه من قفاه ؛ فمضى إلى ربّه شهيداً .
لقد قال سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) : سيد الشهداء حمزة ورجل قال كلمة عند سلطان جائر .
سياسة المتوكل :
كان المتوكل يتلاعب بأموال المسلمين ، وكانت حياته كلها ترف وبذخ ، وقضى عمره في السكر والعربدة واللهو ، ويبعثر الملايين ، فيما يعيش الناس في حياة صعبة ، وفي فقر وبؤس . أما العلويون فقد كانوا يعيشون حالة من الفقر المدقع ، محرومين من أبسط حقوقهم في الحياة الكريمة .
استُدعي الإمام الهادي ( عليه السلام ) إلى سامرّاء فوصلها مع ابنه الحسن ( عليه السلام ) وأُنزل في إحدى الخيام حيث يرابط جيش المتوكل هناك ، ليكون تحت مراقبة جنودٍ غاية في القسوة والشدّة والجهل بمنزلة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فقد كانوا أتراكا غلاظاً ساعدت بيئتهم وتربتهم في تكوين شخصية لا تعرف غير طاعة الملوك والحكام .
حكايات :
كان لأحدهم ابنٌ تصيبه الحصاة أي في كليته حصى ، فنصحه الطبيب بالجراحة ، وعندما أجريت العملية مات الصبي ، فلامه الناس وقالوا :
قد قتلت ولدك وأنت شريك في دمه .
فاشتكى ذلك إلى الإمام .
فقال الهادي ( عليه السلام ) : ليس عليك فيما فعلت شيء ، إنما التمست له الدواء وكان أجله في ذلك .
وقدّم له صبيٌ وردة فأخذها وقبّلها و وضعها على عينيه ، ثم ناولها إلى أحد أصحابه وقال : من تناول وردة أو ريحانة فقبلها ووضعها على عينيه ثم صلّى على محمد وآل محمد كتب اللهُ له من الحسنات مثل رمل " عالج "[1] ومحا عنه من السيئات مثل ذلك .
يروي " يحيى بن هرثمة " الذي أشرف على سفر الإمام من المدينة إلى سامرّاء قائلاً : كنا نسير والسماء صحو ، فأمر الإمام أصحابه أن يهيّئوا ما يقيهم من المطر ن فتعجب بعضنا وضحك آخرون ، فما هي إلاّ دقائق حتى اكتظّت السماء بالغيوم وهطل المطر ، والتفت الإمام إليّ وقال :
لقد أنكرت ذلك ثم ظننت أني أعلم الغيب وليس ذلك كما تظن ، ولكني نشأت في البادية ، فأنا أعرف الرياح التي يعقبها المطر ، وقد هبّت ريح شممت فيها رائحة المطر ، فتأهبت لذلك .
نذر المتوكل يوماً عندما اُصيب بوعكة صحية أن يتصدّق بمال كثير ولم يعيّن مقداره .
ولما أراد الوفاء بنذره اختلف الفقهاء في تحديد المبلغ ، ولم ينتهوا إلى نتيحة ، فأشار عليه البعض أن يسأل أبا الحسن علي الهادي ( عليه السلام ) .
وعندما سئل الإمام عن الكثير قال : إنّ الكثير ثمانون ، فسئل عن دليله على ذلك ، فأجاب الإمام : قال سبحانه وتعالى : " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " فعددنا تلك المواطن " المعارك الإسلامية " فكانت ثمانين .
اقتحام منزل الإمام :
بالرغم من الإقامة الجبرية المفروضة على الإمام الهادي ( عليه السلام ) فإنه لم يسلم من الوشايات والاتهامات الباطلة .
فقد نقل أحدهم إلى المتوكل بأن الإمام يجمع السلاح والأموال للثورة ، فأمر المتوكل سعيد الحاجب أن يقتحم المنزل ليلاً ويتأكّد من صحة الأخبار .
وعندما اقتحم المنزل وجد الإمام في حجرة خالية تماماً إلاّ من حصير وكان الإمام يصلّي بخشوع .
وقد فتّش المنزل بدقّة فلم يعثر على أي شيء فقال الحاجب معتذراً :
يا سيدي إني مأمور ومعذور .
فردّ الإمام بحزن : " و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .
بركة السباع :
ادّعت امرأة أنها زينب بنت علي ( عليه السلام ) ، وأن شبابها يتجدد كل خميس سنة ، فأرسل المتوكل وراء رجال من بني طالب ، فقالوا :
إن زينب ماتت في تاريخ كذا وقد دفنت .
غير أن المرأة بقيت على ادّعائها ؛ فقال " الفتح بن خاقان " وزير المتوكل : لا يخبرك بهذا إلاّ ابن الرضا ( عليه السلام ) .
فأرسل المتوكل وراء الإمام الهادي وسأله عن ذلك فقال الإمام ( عليه السلام ) : إن في ولد علي ( عليه السلام ) علامة ، وهي لا تعرض لهم السباع بسوء ، فألقها إلى السباع فإن لم تعرض لها فهي صادقة .
فأراد المتوكل امتحان ذلك بالإمام ، نزل الإمام إلى بركة السباع بكلّ ثقة ، وكانت المفاجأة حيث ظلّت السباع تبصبص عند قدميه .
وهنا أمر المتوكل بإلقاء المرأة ، فصرخت مذعورة وتراجعت عن ادعائها .
في مجلس المتوكل :
في لحظة سكر ، أمر المتوكل بإحضار الإمام فوراً ، وانطلق الجلاوزة واقتحموا الدار بقسوة ، واقتادوا الإمام إلى قصر الخلافة .
كان المتوكل يشرب الخمر ويعربد . وقف الإمام قريباً منه ، فناوله المتوكل كأساً من الخمر .
اعتذر الإمام قائلاً : والله ما خامر لحمي و دمي .
فقال المتوكل : إذن أنشدني شعراً .
فاعتذر الإمام وقال : أني لقليل الرواية للشعر .
أصرّ المتوكل على موقفه ، فانطلق الإمام يهزّه بشعر لم يكن يتوقّعه أبداً :
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم | غلب الرجال فما أغنتهم القللُ
واستنزلوا بعد عزٍّ من مـعاقلهم | فأُودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخٌ من بعد ما قبروا | أين الأسرّة والتيجان والحُللُ
أين الوجوه التي كانت منعّمة | من دونها تُضرب الأستار والكُلَلُ
فأفصح القبرُ عنهم حين ساءلهم | تلك الوجوهُ عليها الدود ينتقلُ
قد طالما أكلوا دهراُ وما شربوا | فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا
وطالما عمّروا دوراً لتـحصنهم | ففارقوا الدور والأهلين وانـتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادّخـروا | فخلّفوها إلى الأعداء وارتـحلوا
أضحت منازلهم قفراً معـطلـة | وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
وكان الشعر مؤثراً جداً . . إنّ نهاية كل شيء هو الفناء . نهاية القصور والطواغيت والنفوذ الشرف وكل ما يخدع الإنسان مصيره الزوال .
لقي المتوكل مصرعه في إحدى المؤامرات التي تحوكها الأطماع ، وجاء بعد ابنه المنتصر وقد حكم ستة اشهر فقط ، ثم أعقبه خليفة آخر هو المستعين فحكم ثلاث سنوات ، وتلاه المعتزّ الذي عمل على اغتيال الإمام بالسم ، فمضى إلى ربّه شهيداً ، وذلك سنة 254 هجرية . وله من العمر 42 سنة ، ومرقده اليوم في مدينة سامراء قبة ذهبية تعانق السماء و مزاراً للمسلمين .
تلامذة الإمام :
بالرغم من المراقبة الشديدة والمضايقات ، فقد كان للإمام تلامذة ومريدون ، يتحمّلون الصعاب من أجل لقائه ، من بينهم :
1. عبد العظيم الحسني : وكان من كبار العلماء على جانب كبير من التقوى ، وقد امتدحه الإمام وأثنى عليه في عديد من المناسبات ، تعرض لمطاردة الحكام فاختفى في مدينة الري – جنوب طهران اليوم ، ومرقده اليوم مزار يؤمه المسلمون تبرّكاً .
2. الحسن بن سعيد الأهوازي : وكان من أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) والإمام الجواد ( عليه السلام ) . عاش في الكوفة والأهواز وانتقل إلى قم حيث توفي هناك . له ثلاثون مؤلف في الفقه والآداب والأخلاق ، وكان من الثقات في الرواية والحديث .
3. الفضل بن شاذان النيسابوري : فقيه كبير ومتكلم روى كثيراً من أحاديث الإمام ، ولازم ابنه الإمام الحسن العسكري . أثنى عليه الإمام ونصح أهل خراسان بالرجوع إليه فيما يهمّهم من المسائل .