بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
عندما يكون (الحق) غريباً وليس له من ناصر ولا معين ولا عضد ولا ظهير، فإن المطلوب من الإنسان العاقل أن يلتزم (الحق) ولا يستوحش طريقه لقلة سالكيه أو لانعدام مناصريه أو لندرة المتمسكين به، فالحق بحد ذاته قيمة ولأنه هو العنوان الذي يلجأ إليه الناس ويأملون الالتصاق به والاتصاف به، فهذا يبرر وجوب التمسّك بحبله وضرورة الأخذ به، ولن يكون للذي لجأ للباطل الذي عليه السواد الأعظم من الناس أي عذر ومبرر.
وإذا أصبحت (للحق) مساحات واسعة وتبنٍ كبير وانتشار مترامي الأطراف، فإن هذه السمة تعزز للحق انتشاره واتساع مداه، فتعطيه قوة إلى قوة، لأن الحق قوي بحجته ،والتموّج في الواقع يكسبه قوّة إضافية، لأنه يشعر عامة الناس بالوجود فيدلّ بإشعاره إلى الدليل، وهو بذلك أداة إعلامية صادقة ومعبّرة عن الحق.
نقرأ هذه الحقيقة الإطرادية في سورة النصر في قوله تعالى: (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً).
ومن خلال وعي ذلك المدخل يمكننا أن نعي الأهمية البالغة والعظيمة لزيارة الإمام الحسين (ع) في العشرين من صفر والتي تسمّى (زيارة الأربعين) لمرور أبعين يوماً على مصيبة قتل الإمام الحسين (ع) في العاشر من المحرم، فزيارة الأربعين هي نور على نور، وهي قوة أضيفت إلى قوّة، فقوة الإمامة المتمثلة في الإمام الحسين (ع) الذي أصبح راية تدل على الحق ومصباحاً للهدى من الضلال، وسفينة للنجاة من النار، هذه القوة التي اكتسبت من قوّة الحجة والبرهان، أضيفت إليها قوّة أخرى، وهي الحشد المتوّج من الموالين وانعكاس التأثير في النفوس في الواقع والتمظهر الولائي الذي يعبّر عنه الموالون كل بطريقته، فهذا الزخم الكبير من التأثير هو قوة إلى قوة وهو نور على نور.
ومن هنا يمكننا أن نستوعب السبب الذي تخاف منه السلطات الغاشمة، والتيارات المبغضة لأهل البيت (ع)، والآلة الإعلامية المضللة، والإرادات السياسية المختلفة، فإنهم يخشون من الإمام الحسين (ع) كفكر ومنهج مدعم بالبراهين والحجج، ويخشون إضافة إلى ذلك من الواقع المتموّج والتمظهر في الخارج لذلك الفكر والمتمثل في زيارة الأربعين تحديداً.
إن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ذكر بنحو من (التأسيس) و(التوصيف) معاً زيارة الإمام الحسين في الأربعين بأنها من علامات المؤمن كما في الحديث المشهور: (علامات المؤمن خمس: التختم باليمين وصلوات إحدى وخمسين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتعفير للجبين وزيارة الأربعين).
فزيارة الإمام الحسين (ع) (كتوصيف) لواقع هي تفاعل طبيعي لمصيبة الإمام الحسين (ع) التي يمر عليها أربعين يوماً من الأسى والحزن، فالأربعين هي الفترة التي بكت فيها السماء على الإمام الحسين (ع) بالدم، وبكاء الملائكة كما جاء عن عن زرارة عن أبي عبد الله )عليه السلام) إنَ السماء بكت على الحسين (عليه السلام) أربعين صباحاً بالدم، والأرض بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً، وما اختضبت إمرأة منا ولا دهنّت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده.
وفي مسار تصاعدي لمشاعر المؤمنين لمصاب الإمام الحسين (ع)، يأتي يوم الأربعين كنقطة الذروة وتذكر المصاب وتجدد الأحزان وختام الذكرى، لذلك أصبحت زيارة الأربعين علامة للمؤمن الذي يحي الشعائر الحسينية ويحمل رايتها.
ومن ناحية (تأسيسية) في لسان الرواية الواردة عن الإمام العسكري (ع) هي دعوة للمؤمنين إلى الاهتمام بهذا اليوم وبهذه الزيارة لصناعة الحدث الكبير ولخلق التموج البشري ليرفع الجميع شعار الإمام الحسين (ع) للعالم، فتكون هذه الزيارة علامة للمؤمنين ومعبّرة عن هويتهم، وأداة إعلامية صادقة (للحق) ولأهل الحق.
والنتيجة التي نخلص إليها هي أن زيارة الأربعين تشكل تحد كبير لزيف الإعلام المضلل ولكل مدعي العدالة والإنصاف، وتفضح أنصاف المثقفين، ومدعي الأكاديمية والموضوعية، وكل من يضع نفسه في طريق الإدعاءات الكاذبة والمزيفة، لذلك يخشى الإعلام الطاغوتي والمضلل من أن ينقل الحدث الأربعيني كما هو، ولذلك يعمل أئمة الضلال على تسديد الضربات لإضعافه، ولذلك يسعى الطواغيت إلى منع الحدث والتضييق عليه، ولكنهم لن يتمكنوا من إطفاء نور الله.