غزوة مؤتة (1) وإستشهاد جعفر بن ابي طالب (رضوان الله عليه)
_____________________________________________
وجّه رسول الله صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة في جيش إلى الشام لقتال الروم (2) وكانوا ثلاثة آلاف .
وروى أبان عن الصادق عليه السلام : أنّه استعمل عليهم جعفراً ، فإن قتل فزيد فإن قتل فابن رواحة ، فإن أصيب فليرتض المسلمون واحداً فليجعلوه عليهم (3) .
قال ابن سعد : أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة أخبرنا عيسى بن المختار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بن أبي الجعد عن أبي اليسر عن أبي عامر قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام فلما رجعت مررت على أصحابي وهم يقاتلون المشركين بمؤتة قلت : والله لا أبرح (4) اليوم حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهم فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ولبس السلاح وقال غيره (5) : أخذ زيد اللواء وكان رأس القوم ، ثم حمل جعفر حتى إذا هَمَّ أن يخالط العدو ، رجع فَوَحَشَ (6) بالسلاح ، ثم حمل على العدو وطاعن حتى قتل ، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة (7) .
قال عباد : حدثني أبي قال : لَكَأنّي أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعَقَرها (8) ، قال ابن إسحاق : وهو أول من عقر فرسه في الإسلام (9) .
وقاتل جعفر حتى قطعت يمينه ، فأخذ الرّاية بيساره فقطعت ، فاحتضن الرّاية فقتل كذلك (10) .
قال ابن عباس : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال : يا أسماء هذا جعفر مع جبرئيل وميكائيل مر ... فسلم فَرُدّي عليه السلام وقال إنّه لقى المشركين فأصابه في مقاديمه (11) ثلاث وسبعون (وفي رواية بضع وتسعون طعنة ورمية) (12) .
وفي رواية أبان عن أبي جعفر عليه السلام قال : أصيب جعفر وبه خمسون جراحة خمس وعشرون منها في وجهه (13) .
قال أبو سعيد الخدري : أقبل خالد بن الوليد بالناس منهزماً ، فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقَّوْهم بالجُرْف (14) فجعل الناس يَحْثون (15) في وجوههم التراب ، يقولون : يا فُرّار ، أفررتم ثم في سبيل الله ؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله : ليسوا بفُرّار ولكنهم كُرّار (16) إن شاء الله (17) .
قال عبد الله بن جعفر : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح بيده رأسي حتى رقِيَ المنبر ، وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى والحزن يعرف عليه فتكلم فقال : إن المرء كثير بأخيه وابن عمه . ألا إن جعفراً قد استشهد ، وقد جعل الله له جَناحين يطير بهما في الجّنة (18) .
ولما دخل النبي صلى الله عليه وآله على فاطمة وهي تقول : واعَمّاه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : على مثل جعفر فلتبك الباكية ، ثم قال صلى الله عليه وآله : اصنعوا طعاماً لآل جعفر فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم (19) . وكان ذلك أول ما عمل في دين الإسلام (20) .
______________________
(1) قال في معجم البلدان مؤتة : من قرى البلقاء في حدود الشام . اقول : هي الآن على بعد 12كم جنوب الكرك في الاردن تبعد عن المدينة المنورة (1100 كم) .
(2) تاريخ اليعقوبي ج2 ص65 .
(3) إعلام الورى ج1 ص212 .
(4) اي لا ازول .
(5) قال ابن أبي الحديد ج15 ص62 : اتفق المحدثون على ان زيد بن حارثة كان هو الامير الأول وانكرت الشيعة ذلك وقالوا كان جعفر هوالامير الاول ثم زيد ثم عبدالله ورووا في ذلك روايات. قال: وقدوجدت في الاشعار التي ذكرها محمد بن اسحق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم فمن ذلك ما رواه حسان بن ثابت :
فلا يبعدن الله قتلى تتابعت
بمؤتة منهم ذو الجناحين
جعفر وزيد وعبد الله حين تتابعوا
جميعا وأسياف المنية تخطر
اقول : ويظهر من ذلك ان قول ابن ابي الحديد اتفق المحدثون فيه تسامح .
(6) اي خفف من سلاحه .
(7) طبقات ابن سعد ج2 ص129 .
(8) اي قطع قوائمها بالسيف .
(9) سير اعلام النبلاء ج1 ص209 .
(10) الدرر لابن عبد البر ج1 ص210 .
(11) مقاديم الرجل وجهه وصدره .
(12) سير اعلام النبلاء 1 : 210 .
(13) إعلام الورى ج1 ص213 .
(14) موضع على ثلاثة اميال من المدينة نحو الشام .
(15) اي يرمون .
(16) جمع كرار، صيغة مبالغة من كرّر ، والمعنى انهم سيعودون الى القتال مرة اخرى .
(17) مغازي الواقدي 2 : 765 .
(18) إمتاع الأسماع : 351 ، مغازي الواقدي ، إعلام الورى .
(19) مغازي الواقدي .
(20) الكامل لابن الاثير 2 : 238 .