البحرين الكلمة التي عطلت حنجرة أوباما
قال الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجن واصفاً السياسة: هي استعراض، اي أشبه بالاستعراضات الفنية، وهو بالتـأكيد خبير بالموضوع، فقد كان ممثلاً ثانوياً فاشلاً، ولكنه نجح في الوصول إلى أعلى منصب في امريكا، والقاسم المشترك بين التمثيل والرئاسة الأمريكية هو تشخيص الأدوار، سواء الخيالية أو المستمدة من الواقع.
الرئيس الأمريكي أوباما هو الآخر، ومثل كل الرؤساء الأمريكيين، ممثل بالضرورة، ينتقي كلماته بدقة، وبعناية أكبر من سلفه بوش الأبن، كما يحرص على التحكم بحركاته وسكناته بوعي تام، ترونه عندما يخطب يحرك رأسه من ناحية إلى أخرى، وتكاد لا تشاهد منه سوى البروفيل أو جانب الوجه، وهذه حركة مقصودة، تعكس القوة والتصميم، كما يكثر من زم شفتيه، لنخرج بانطباع بأننا أمام شخص ذي همة وعزيمة.
كانت خطبة الرئيس أوباما بشأن سياسته في الشرق الأوسط مدعومة بالخلجات والتعابير المليئة بالقوة والتصميم حتى بلغ موضوع البحرين، بل وحتى قبل أن ينطق بأول كلمة بخصوصها تلعثم، واضطربت ملامح وجهه، واختنقت الكلمات في حنجرته، ما أوحى لي بأنه يواجه صعوبة كبيرة في التطرق للموضوع أصلاً.
ولكن هل كان أمام أوباما من خيار سوى الحديث عن البحرين؟ قبل ذلك انتقد المراقبون السياسيون مواقفه من الثورات العربية في مصر وتونس، ووصموها بالتناقض والتلكؤ والتردد والنفاق، وسخروا من حيرته وتذبذبه، وحتى بعد أن قرر وتحرك تراجع، فبعد مشاركة قصيرة في الحملة العسكرية على القذافي ونظامه في ليبيا انسحب تاركاً حلف الناتو ليكمل المهمة التي تبدو غير مضمونة النتائج حتى الآن، وفي اليمن بدا التناقض واضحاً في تعامله مع نظام الرئيس صالح، فهو مع التغيير الديمقراطي، لكنه يخشى من تقوض شراكة أمريكا واليمن في الحرب على الإرهاب.
في البحرين واجهت أمريكا الاختبار الأصعب، كان أمامها الاستمرار في موقفها الداعم لنظام آل خليفة التسلطي القمعي أو مساندة ثوار البحرين المطالبين بالحرية والديمقراطية، أي الاختيار بين نظام لاديمقراطي يحقق مصالحها وشعب يطالب بالحرية والكرامة، وسقطت أمريكا في الاختبار، وكان سقوطها مدوياً، إذ انحازت بالكامل لمصالحها الوطنية، وتخلت عن مبادءها العليا - أو ما تدعي بانها مبادؤها، وانكشف للجميع نفاقها ودجلها، لذا وحفاظاً على حطام سمعة أمريكا وما تبقى من ماء وجهه الذي أهدره حلفاؤه الصهاينة من قبل لم يتجاهل أوباما البحرين.
السؤال الذي يهمنا الاجابة عليه: هل تغير الموقف الأمريكي تجاه البحرين فعلاً بعد خطاب أوباما الآخير في التاسع عشر من نيسان 2011م؟ لنستعرض أولاً ما قاله أوباما بشأن البحرين، ونقارن بين ذلك ومواقفه من الثورات الأخرى، ثم نحاول الإجابة على السؤال.
يتلخص كلام أوباما عن البحرين في النقاط التالية:
-البحرين ( ويقصد حكومة البحرين بالطبع) هي شريك للأمد الطويل.
-أمريكا ملتزمة بأمن البحرين ( أي حكومة البحرين).
-أن لحكومة البحرين مصلحة مشروعة أو الحق في تطبيق القانون.
-أن حكومة إيران حاولت استغلال الاضطرابات في البحرين.
-أن على حكومة البحرين إيجاد الظروف الملائمة للحوار، ولا يتحقق الحوار الحقيقي مع استمرار سجن بعض أفراد المعارضة السلمية.
-أن الحكومة البحرينية استخدمت القوة الغاشمة والتوقيف الجماعي في قمع المتظاهرين.
-أن على المعارضة في البحرين المشاركة في الحوار.
-ينبغي عدم هدم دور العبادة الخاصة بشيعة البحرين.
ثلاثة فقط من هذه النقاط الثمانية تتوجه بالنصح أو الانتقاد للحكومة البحرينية في حين خمس منها منحازة إلى حكومة آل خليفة.
تجاهل أوباما في خطابه الجرائم المنكرة للنظام البحريني، ومنها:
-فرض الأحكام العرفية.
-الاستعانة بقوات أجنبية لقمع المتظاهرين.
-قتل المتظاهرين السلميين العزل.
-تعذيب السجناء ووفاة البعض منهم في السجون.
-محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية واصدار أحكام بالإعدام على البعض منهم.
-سجن واضطهاد الأطباء والعاملين في مجال الخدمات الصحية بتهمة تقديم العلاج للمتظاهرين المصابين.
-سجن الصحافيين والعاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
-إرهاب المواطنين في احياءهم ومساكنهم ومدارسهم.
-طرد الألاف من الموظفين والعمال من وظائفهم بسبب مشاركتهم في التظاهر وحرمان الطلاب من اكمال دراستهم لنفس السبب.
هنالك أيضاً مفارقات جسيمة بين موقف أوباما من البحرين ومواقفه من دول عربية أخرى، من ابرزها ما يلي:
- ساند أوباما وحلفاؤه الثوار الليبيين سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً واقتصادياً وطالب برحيل القذافي.
- فرض أوباما عقوبات على الرئيس السوري وأعوانه وطالبه بقيادة عملية التغيير الديمقراطي الكامل أو الرحيل.
- يؤيد أوباما تغييراً جذرياً في اليمن بما في ذلك تنحي الرئيس علي صالح على الرغم من كثرة المؤيدين لاستمرار نظامه.
أما بشأن البحرين فلم يساند أوباما الثوار بل وقف بالضد منهم، ولم يرسل قواته لضرب الجيش البحريني بل سمح للقوات السعودية والخليجية لتدخل البحرين وتشارك في القمع، لم يطلب من ملك البحرين التنحي، بل أكد على الشراكة الاستراتيجية مع الحكومة البحرينية، ولم يدعو لاطلاق السجناء فوراً، كما ترك مستقبل الاصلاحات السياسية لما يتمخض عنه الحوار.
الدليل القاطع على أن كلام أوباما عن البحرين منحاز بالمحصلة لحكومة البحرين هو رد فعل هذه الحكومة، التي رحبت بمضمون الخطاب، وأكدت على التطابق في القيم والمواقف بين حكومة البحرين وأوباما، وبعد يومين فقط من خطاب أوباماً صادقت محكمة الاستئناف البحرينية على أحكام الإعدام الجائرة الصادرة من المحكمة العسكرية ، وهي الشهادة على أن تعابير وجه أوباما وتلعثمه عند تطرقه للبحرين في خطابه كانت أصدق من كلماته الجوفاء، فأمريكا كانت وما تزال حليفة وحامية لطغاة البحرين الطائفيين، وهي شريكة كاملة في كافة جرائمهم، وكاذبة في ادعاءها نصرة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في البحرين وغيرها، وعندما نقرأ على الدولار الأمريكي عبارة" أمة واحدة تحت الرب" ندرك بأن رب أمريكا هو الدولار لا رب السموات والأرض.
22 نيسان 2011م