لماذا حذر الدكتور نسيب البربير من القطريين؟
نسيب البربير رحمه الله لبناني من طراز خاص، قادته وطنيته لولوج ساحة السياسة، ولم يطل مكوثه فيها، لأنه لم يمتلك الخصائص المطلوبة لذلك، وهذا اطراء عظيم له، وكان بمعية رئيس وزراء لبنان رياض الصلح لحظة اغتياله، واصيب برصاصة، واستوزر فيما بعد ولمدة قصيرة.
مهنته الطبابة، شيد إحدى أكبر مستشفيات لبنان، وظف فيها خيرة الأطباء، واستورد لها أحدث الأجهزة والمعدات، وصرف كل أمواله عليها، ولم يورثها لزوجته وابنة عمه السيدة بهية البربير رحمها الله - ولم يرزقا بذرية – بل اختار ان تكون مستشفاه بعد وفاته ملكاً لكل اللبنانيين، لينتفعوا من خدماتها.
كان "الحكيم"، وهو لقبه بين أهله واصدقاءه ومعارفه، يشتكي من خذلان بعض قادة وأفراد طائفته السنية لمشاريعه الصحية، وبالذات صائب سلام رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، وهو أمر غير مستغرب، لأن قاعدة نفوذ سلام وغيره تقليدية في اعتمادها على الروابط العائلية والمحسوبية وتبادل المنافع أما نسيب البربير فقد كان مصلحاً ومجدداً ومهنياً وعدواً للفساد.
اشتكى أيضاً من بعض الأطباء من أفراد طائفته، الذين ساعدهم في توطيد اقدامهم في المهنة في الوقت الذي لم يحلموا بمثل هذه الفرص في المستشفيات الأخرى مثل مستشفى الجامعة الأمريكية، التي كانت تحابي أبناء طوائف أخرى، فبادلوا أفضاله بالجحود والانكار، وكانوا نادراً ما يستجيبون لرجاءه بتخصيص البعض من وقتهم لعلاج الفقراء من دون مقابل.
كان معجباً بالإمام المغيب السيد موسى الصدر، وتمنى لوكان لديه مناصرون مثل أنصار الإمام الصدر من الشيعة.
نشأت علاقة وثيقة بين الحكيم البربير وبين حاكم قطر الأسبق، الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، جد الحاكم الحالي، ويروي بعض خواص البربير بأن الشيخ كان يصر على الالتقاء به يومياً أثناء اقامته في لبنان في موسم الصيف، ففي صباح كل يوم يقضيه البربير في منزله الصيفي بمدينة صوفر يعرج وفي طريقه إلى مستشفاه في بيروت على قصر شيخ قطر لشرب فنجان قهوة سوية.
من المعروف بأن المستشفيات الخاصة الراقية في كل بلاد العالم لا تهدف للربح، وعوائدها من خدماتها غير كافية لسد مصاريفها الاعتيادية والتطويرية، لذا تلجأ لتنمية مواردها المالية من الهبات والتبرعات، وبالفعل فقد حصلت مستشفى البربير على بعض الدعم من شيخ قطر آنذاك.
من يعرف حكام الخليج وبعض أتباعهم جيداً يدرك بأنهم لا يفعلون الخير لوجه الله فقط، لذا كان الدكتور نسيب البربير يحذر من نواياهم الخفية، فكلما حل قطري مريض نزيلاً في مستشفاه للعلاج استدعى رئيسة الممرضات في المستشفى ليوجه لها التحذير التالي: لا ترسلي ممرضات صغيرات السن للعناية بالمريض القطري، لتخوفه من احتمال ضعفهن أمام اغراء المال الخليجي والوعود الزائفة بالزواج والمجوهرات وعيش الرغد.
ولأن عمل الخير ليس عادة لدى حكام قطر والخليج فقد توقفت المساعدات القطرية لمستشفى البربير بعد وفاة الشيخ أحمد آل ثاني واستلام ابنه خليفة لمقاليد الحكم.
لو قصدت البربير هذه الأيام، كما تعارف الناس على تسمية المنطقة التي تقع فيها المستشفى فستجد أن المستشفى ما زالت قائمة، لكن معظم أبوابها مغلقة، وخدماتها شبه معطلة، وهي الدليل على أن الحكام القطريين وأمثالهم من الخليجيين غير جديرين بثقة الطيبين الأخيار.
نستخلص من تجربة الدكتور البربير مع القطريين نصيحتين ذهبيتين لكل العرب: احذروا غواية حكام قطر والخليج ولا تثقوا بحسن نواياهم.
19 كانون الأول 2011م