أعلن رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، مساء اليوم، استقالته، وقال في كلمة وجهها إلى اللبنانيين:
"أتوجه إليكم اليوم كمسؤول وكأخ لكم جميعا على مختلف مشاربكم وأهوائكم، متوسلا من كلمتي هذه أن ترسم للبنان واقعا أفضل في وحدته وأمنه وإقتصاده ومحبة أبنائه لبعضهم البعض.
أتوجه إليكم، وقد انتهينا من إقرار إنجاز إنتظره اللبنانيون طويلا هو سلسلة الرتب والرواتب التي أحيلت على مجلس النواب منصفة الموظفين الذين يشكلون العمود الفقري لإدارة الدولة من دون أن يتأثر إقتصادنا الوطني سلبا، وقدمنا نموذجا للاصلاح المرتجى.
أتوجه اليكم، ومدينتي التي أحب، تنزف دما وتودع الشهداء وتئن مع أنين الامهات الثكالى، مدينتي التي أضحي من أجلها بروحي، فهي منطلقي ومثواي الأخير، والتي لا أرغب، إلا أن أراها في طليعة المدن على إمتداد وطني الصغير وبقية الأوطان.
منذ اللحظة التي امتشقت فيها سيف العمل العام، قررت مبارزة الأفق المسدود، وحاولت إختراق كل الأزمات، ورصد كل الحلول وتلمس النهايات الواعدة.
لم أتردد لحظة في التضحية والتحمل، حفاظا على أركان الوطن ورموز الدولة وسيادة الحق العام. خلال مسيرتي، آليت على نفسي الا اتوقف عند حملات التجني والتجريح التي طاولتني، وغلبت الصبر والحكمة والتأني ورباطة الجأش، وبذلت كل جهد من أجل الحفاظ على وطني الحر وشعبه الشجاع".
وأضاف ميقاتي :
"أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات، اليوم ايقنت، ونحن نبحث في مجلس الوزراء موضوع إجراء الانتخابات النيابية أن التجديد لضخ الدم في الحياة السياسية والبرلمانية اللبنانية واجب وطني، وإن وقف الضخ هذا يؤدي الى شلل في البلاد وتعطيل للمؤسسة الأم.
من هنا، فأنا مع إقرار قانون للانتخابات بالشكل الذي يتوافق عليه اللبنانيون، ومع إجراء الانتخابات في موعدها، مهما كانت الظروف، لكنني كنت، ولا أزال ضد قانون للانتخابات يلغي رسالة لبنان ومفهوم العيش الواحد بين جميع ابنائه. أما وأن قانونا جديدا للانتخابات لن يقر، على ما يبدو، ضمن المهل التي تسمح باجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وأن هيئة الاشراف على الانتخابات تم الحؤول اليوم دون تشكيلها في مجلس الوزراء على الأقل كإعلان حسن نوايا لضمان إجراء الانتخابات.
كما أنه خلال أيام قليلة ستدخل مؤسسة امنية كبرى في الفراغ باحالة مديرها العام على التقاعد، فقد وجدت أن من الضروري في هذه المرحلة الدقيقة إستمراره في مهامه لأن في ذلك واجبا وطنيا تفرضه ضرورة حماية المؤسسة التي شكلت ملاذا آمنا للبنانيين.
ولمست اليوم أيضا أن ثمة توجها في مجلس الوزراء بعدم التجاوب مع هذا الأمر".
وتابع:
"ونتيجة لكل ما سبق، فأجد نفسي مضطرا لاتخاذ الموقف الذي يحكمني ضميري باتخاذه، إفساحا في المجال أمام العودة الى الحوار الذي يرعاه فخامة رئيس الجمهورية، والذي لا بديل عنه ولا مفر منه، إذ لا سبيل لخلاص لبنان وحمايته، الا من خلال هذا الحوار، وإفساحا في المجال لتشكيل حكومة إنقاذية تتمثل فيها كل القوى السياسية اللبنانية لتتحمل مسؤولية إنقاذ الوطن، بما يكفل اطفاء الحرائق ومواكبة الأحداث الاقليمية بروح عالية من المسؤولية الجماعية".
وقال ميقاتي:
"أحبائي، لقد كانت المعاناة كبيرة، وكانت مقاربة المسائل الدقيقة في مجلس الوزراء وخارجه موضع تشكيك حينا، ومكابرة احيانا، وتجاهلا للواقع اللبناني الذي يدعو الى التوافق في كل النقاط الحساسة أكثر الاحيان.
وقد سعيت قدر استطاعتي الى حفظ لبنان والنأي به عن الأعاصير العاتية والبراكين الثائرة حفظا لتوازن آمنت به، توازن يحفظ المعارض قبل الموالي، وقد طبقته قولا وفعلا، مما أتاح للبنان الحفاظ على الاحترام الدولي والتفاعل الايجابي في المحافل العربية والدولية، وابقيت قنوات التواصل مفتوحة مع كل المكونات السياسية اللبنانية متجاوزا حملات التجني، لأن الوطن هو الأهم، هو الأغلى، هو الأحب، وهو الذي إستحق تضحيات الآباء والأجداد ويستحق منا كل التضحية".
وأضاف:
"أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات، لقد راودتني الاستقالة مرتين: مرة حين عقدت العزم على تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومرة لحظة استشهاد اللواء وسام الحسن. وفي المرتين، اقتضت مصلحة لبنان علينا الاستمرار في تحمل المسؤولية التي تنوء عن حملها الجبال.
فالمنطقة تنحدر نحو المجهول، والحرائق الاقليمية تصيبنا بحممها، والانقسامات الداخلية تترك جراحا عميقة، والضغوط الاقتصادية والحياتية تتزايد من كل حدب وصوب.
أما اليوم فاني اعلن إستقالة الحكومة علها تشكل مدخلا وحيدا لتتحمل الكتل السياسية الأساسية في لبنان مسؤوليتها، وتعود الى التلاقي من أجل إخراج لبنان من نفق المجهول".
وختم:
"إنني، إذ اتقدم بالشكر من فخامة رئيس الجمهورية ومن دولة رئيس مجلس النواب ومن النائب وليد جنبلاط ومن كل القوى السياسية التي تعاضدت معي في هذه المسيرة، وفي مقدمها المكونات الاساسية الفاعلة في هذه الحكومة والتي تشرفت بالتعاون معها، وكانت لي خير داعم ومساند، ومن كل النواب الذين منحوني ثقتهم، وأتوجه الى اللبنانيين جميعا بالعرفان لأن عقلهم الباطني كان يدرك أن كل ما قمت به إنما كان من اجل مصلحة وطننا جميعا لبنان.
أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات، رغم أجواء القلق والخشية على المصير، والألم الذي يعتصر قلبي، فإن بريق الأمل يلوح في عقلي وقلبي ووجداني، لأننا بتكافلنا وتضامننا نستطيع انتشال وطننا من على ضفاف الفتنة.
إن شعبا كشعبي هو اقوى واقدر، إن أرضا كأرضي أعصى من أن تتحول ركاما، إن سماء كسمائي ستصفى وتزهو بأرزة ترفرف في وسط علم لن ينكسر.
أنا هنا باق الى جانبكم أيا كانت المواقع ومهما بعدت المناصب.
ويبقى الوطن رغم كل الأنواء، حفظ الله لبنان، وحمى اللبنانيين جميعا".