فمنها / ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ( التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ ) (1) .
ومنها / ما رواه فضالة عن معاوية بن وهب قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر ، فقال عليه السلام : بريد ذاهباً وبريد جائياً ) (2) .
ومنها / ما رواه زيد الشحام قال : ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلاً ) (3) .
ومنها / ما عن إسماعيل بن الفضيل قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التقصير ، فقال : في أربعة فراسخ ) (4) .
ومنها / ما رواه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( سألته عن التقصير ، قال : في بريد ، قلت بريد ؟ قال : إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه ) (5) .
ومنها / ما عن أبي أيوب قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر ؟ فقال : بريد ) (6) .
ومنها / ما رواه جميل بن دراج عن زرارة بن أعين قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التقصير فقال : بريد ذاهب وبريد جائي ) (7) .
ومنها / ما رواه في تحف العقول عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال : ( والتقصير في أربعة فراسخ بريد ذاهباً وبريد جائياً اثنى عشر ميلاً ) (8) .
ومنها / ما رواه معاوية بن عمار قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات قال عليه السلام : ويلهم - أو ويحهم - وأي سفر أشد منه ؟ ! ) (9) .
هذه الأخبار وغيرها صريحة في عدم انحصار وجوب القصر في المسافة الامتدادية وأن الحكم بوجوب التقصير شامل للمسافة التلفيقية أيضاً ، فكما يجب القصر في الثمانية فراسخ الامتدادية يجب القصر في الثمانية فراسخ التلفيقية أيضاً ، ولن نتطرق الى تمامية أسانيد هذه الأخبار إذ لا إشكال في صحة بعضها ، كما لا إشكال في أصل الحكم بالإلحاق ووجوب القصر في المسافة التلفيقية وإنما الكلام في سعة الإلحاق وضيقه ، أي في اختصاص الحكم بالإلحاق بمورد هذه الأخبار أو عدم اختصاصه .
وحاصل الكلام / أن هذه الأخبار جميعها لم تذكر سوى صورة واحدة من صور التلفيق ، وهي ما كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر أي الصورة الأولى من صور التلفيق الثلاث الآنفة الذكر ، فقد حددت هذه الأخبار المسافة التلفيقية التي يجب فيها القصر بثلاثة عناوين وهي : البريد ، أربعة فراسخ ، اثنى عشر ميلاً ، والمقصود واحد وهو أن من قصد قطع مسافة أربعة فراسخ ثم الرجوع مثلها وجب عليه القصر ، كما هو صريح الرواية الثانية عن معاوية بن وهب ( بريد ذاهبا وبريد جائيا ) ، وأما ما دل على وجوب القصر ولو في بريد ذاهبا من دون ذكر الإياب كالرواية الأولى وغيرها فهو محمول على هذا المعنى المذكور أي بريد ذاهباً وبريد جائياً باعتبار أن من يقطع بريد ذاهباً فهو قاصد للرجوع مثله عادة كما تدل عليه الرواية الخامسة لمحمد بن مسلم .
إذا عرفت ذلك نقول : منشأ الخلاف في شمول الحكم بالتقصير لكل ثمانية فراسخ تلفيقية أو اختصاصه بتلفيق خاص وهو ما كان أربعة فراسخ فأكثر ذهاباً بأربعة فراسخ فأكثر إياباً ، هو أن هذه الأخبار التي ألحقت المسافة التلفيقية بالامتدادية اقتصرت على ذكر صورة واحدة من صور التلفيق وهي الصورة الأولى أي ما كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر ، فموضوع أخبار الإلحاق ليس كل تلفيق بل تلفيق خاص وهو ما كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر ولم تذكر أخبار الإلحاق غير هذه الصورة من صور التلفيق ، فوقع الخلاف في إمكان التعدي الى باقي صور التلفيق وجعل الحكم شاملاً لها أيضاً أو عدم إمكانه ، أو قل وقع الخلاف في ما هو موضوع حكم الإلحاق بالمسافة الامتدادية ؟ هل موضوعه مطلق التلفيق بجميع صوره وكيفما اتفق وأن ذكر إحدى هذه الصور دون غيرها إنما هو من باب المثال فقط والمقصود مطلق صور التلفيق ؟ أو أن موضوع الحكم تلفيق خاص وصورة خاصة من صور التلفيق لا مطلق صور التلفيق وهي خصوص الصورة المذكورة التي هي عبارة كون كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر ، وأن ذكرها ليس من باب المثال بل من باب الاختصاص وأنها المورد المنحصر للحكم ؟
قيل بالأول ، فوجوب القصر شامل لجميع صور التلفيق وأن ذكر إحدى هذه الصور هو تمثيل ليس الا . وقيل بالثاني ، فوجوب القصر في المسافة التلفيقة خاص بمورد الروايات والصورة المذكورة فيها دون غيرها ، فلا يجب القصر في الثمانية فراسخ الملفقة فأكثر الا إذا كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر .
والتمسك بأحد الرأيين يتبع الاستظهار ، أي ما يمكن أن يستظهر من أخبار الإلحاق بحسب دلالتها والقرائن المحتفة بها ، فمن الفقهاء من استظهر العموم وعدم الانحصار بالصورة المذكورة وأن ذكرها من باب المثال لبعض القرائن ، منها / قوله عليه السلام في ذيل صحيحة ابن مسلم : ( أنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه ) ( بدعوى دلالته على أن المدار في التقصير شغل اليوم وأن كل سفر كان شاغلا ليومه فهو موضوع لوجوب التقصير فيعم ما لو كان الذهاب أو الإياب أقل من الأربعة بعد أن كان السفر مستوعبا ليومه ، فتدل على كفاية الثمانية الملفقة كيفما تحققت ) (13) ما دام شغل اليوم متحققاً .
فيما استظهر بعضهم الانحصار واختصاص الحكم بالصورة المذكورة لبعض القرائن أيضاً ، منها : أن الأصل في التقصير هو الثمانية فراسخ الامتدادية ، وأما التلفيقية فهي ملحقة بها فيقتصر على القدر المتيقن والمتفق عليه من صور وجوب القصر في المسافة التلفيقية ما دامت هي موضوع أخبار الإلحاق ، وشمول الحكم لغيرها يحتاج الى دليل واضح .
ومنها / إن تعميم الحكم بوجوب القصر الى غير الصورة الأولى من صور التلفيق لازمه الاكتفاء بالأقل من أربعة فراسخ إما في الإياب فقط كما في الصورة الثالثة وإما في الذهاب فقط كما في الصورة الثانية الا أن ذلك خلاف التعبير بالأدنى في الروايات كما في الرواية السادسة وهي ما رواه أبو أيوب قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر ؟ فقال : بريد ) هو كالصريح في عدم كفاية الأقل من هذا الحد في كل من الذهاب والإياب .
ومنها / أن الحكم بالإلحاق ووجوب القصر في المسافة التلفيقية لم يعلق في هذه الأخبار على عنوان الثمانية فراسخ التلفيقية كي يتمسك بإطلاقه ويحكم بكفاية التلفيق كيفما كان وفي جميع الصور ، بل على عنوان البريد والأربعة فراسخ والاثني عشر ميلاً ، فيعلم أنها موضوع الحكم ، ودعوى أن ذلك من باب التمثيل وأن لاخصوصية للمورد غير واضحة فالخصوصية محتملة كيف ولم يذكر غير هذه الصورة في جميع الأخبار ، ولو كان موضوع الحكم مطلق التلفيق لأشير اليه وذكر ولو في رواية واحدة ، فوجب الاقتصار على مورد الأخبار .
هذا ملخص الكلام في وجه الخلاف في هذه المسألة ويمكن الوقوف على تفاصيل أكثر في مظانّها .
.
------------------------------
(1) وسائل الشيعة ج5 ص494 ، باب وجوب القصر على من قصد ثمانية
فراسخ أربعة ذهابا وأربعة إيابا مطلقا لا أقل من ذلك ، ح1 .
(2) المصدر ، ح2 .
(3) المصدر ، ح3 .
(4) المصدر ، ح5 .
(5) المصدر ، ح9 .
(6) المصدر ، ح11 .
(7) المصدر ، ح14 .
(8) المصدر ، ح19 .
(9) وسائل الشيعة ج5 ص499 ، باب عدم اشتراط العود في يومه أو ليلته في
وجوب القصر عينا على من قصد أربعة فراسخ ذهابا ومثلها إيابا ، ح1 .
(10) المصدر ، ح5 .
(11) المصدر ، ح6 .
(12) وسائل الشيعة ج5 ص11 ، باب عدم وجوب حضور الجمعة على من بعد عنها
بأزيد من فرسخين ووجوبها على من بعد عنها بفرسخين أو أقل ، ح4 .
(13) مستند العروة الوثقى - السيد الخوئي - كتاب الصلاة ج8 ص14 .