العقائد التي يُشنّعْ بها أهل السنة على الشيعة
ومن العقائد التي يُشّنعْ بها أهل السنة على الشيعة ما هو من محض التعّب المقيت الذي أولده الأمويّون والعبّاسيون في صدر الإسلام، بما كانوا يحقدون على الإمام علي ويبغضونه حتّى لعنوه على المنابر أربعين عاماً.
فلا غرابة أنْ يشتموا كل من تَشيّعَ له ويرموه بكل عار وشنار حتى وصل الأمر بهم أن يقال لأحدهم يهودي أحب من أن يقال له شيعي. ودأَب أتباعهم على ذلك في كل عصر ومصر وأصبح الشيعي مسبّة عند أهل السنة والجماعة لأنّه يخالفهم في معتقداتهم وخارج عن جماعتهم، فهم يقذفونه بما شاؤوا ويرمونه بكل التّهم وينبزونه بشتّى الألقاب، ويخالفونه في كل أقواله وأفعاله.
ألا ترى بأنّ بعض علماء أهل السنة المشهورين يقولون: «بأن لبس الخاتم في اليد اليمنى هو سنّة نبوية، ولكن يجبُ تركُهَا لأن الشيعة إتخذوا ذلك شعاراً لهم(1) .
____________
(1) مصنّف «الهداية» أخرجه الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار بأن أول من تختّم باليسار خلاف السنة النبوية هو معاوية بن أبي سفيان.
وهذا حجة الإسلام أبو حامد الغزالي يقول: إن تسطيح القبور هو المشروع في الدّين لكن لّما جعلته الرافضة شعاراً لهم عدلنا عنه الى التسنيم.
وهذا إبن تيمة الموصوف بالمصلح المجدد عند بعضهم يقول: ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء الى ترك بعض المستحبّات إذ صارت شعاراً لهم. أى للشيعة ـ فإنّه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميّز السني من الرّافضي، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب(1) .
وقال الحافظ العراقي عندما تساءل عن كيفية إسدال العمامة: لم أرَ مايدلّ على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني، وبتقدير نبوته فلعلّه كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم يردّها الى الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم، إلا إنه صارَ شعاراً للإماميّة فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم(2) .
سبحان الله ! ولا حول ولا قوّة إلا بالله ! إنظر أخي القاريء الى هذا التعصّب الأعمى كيف يُجيز لهؤلاء «العلماء» أن يخالفوا سنة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لأن الشيعة تمسّكتْ بتلك السنن حتّى صارت شعاراً لهم، ثم هم لا يتحرجون من الإعتراف بذلك صراحة، وأنا أقول الحمد لله الذي أظهر الحقّ لذي عينين ولكل مخلص يبحث عن الحقيقة، الحمد لله الذي أظهر لنا بأن الشيعة هُمُ الذين يتبعون سنة رسول الله وذلك بشهادتكم أنْتُم !كما شهدتم على أنفسكم بأنّكم تركتُم سنة رسول الله
وسلم عمدا لتخالفوا بذلك أئمة أهل البيت وشيعتهم المخلصين وإتبعتم سنة معاوية بن أبي سفيان كما شهد بذلك الإمام الزمخشري عندما أثبت إن أول من تختم باليسار خلاف السنة النبوية هو معاوية بن أبي سفيان(3) .
____________
(1) منهاج السنة لإبن تيمة 2 /143 (التشبه بالروافض).
(2) شرح المواهب للزرقاني 5 /13.
(4) الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار. وإتبعتُم سنّة عمر في بدعته للتراويح خِلافاً للسنّةِ النبوية التي أَمَرتُ المسلمين بصلاة النافلة في بيوتهم فُرادي لا جماعة كما أثبت ذلك البخاريُ في صحيحه(1) وكما إعترف عمر نفسه بأنها بدعة(2) إبتدعها مع إنه لَّم يصلها لأنّه لا يؤمن بها، فقد جاء في البخاري عن عبدالرحمن بن عبدالقاريّ أنه قال خرجتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان الى المسجد فإذا النّاسُ أوزاعٍ متفرّقون يصلّي الرجلُ لنفسه ويصلّي الرجلُ فيُصَلَّي بصلاته الرّهطُ فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قاريء واحدٍ لكان أمثلْ، ثم عَزمَ فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجتُ معه ليلة أخرى والنّاس يصلّون بصلاة قارئهم، قال عمرُ نعم البدعةُ هذه …(3)
ومن المستغرب عدها نعمة بعد نهي الرسول عنها ؟ وذلك عندما رفعوا أصواتهم وَحَصّبوا بابَهُ ليصلّي بهم نافلة رمضان، فخرج اليهم مغضباً فقال لهم صلّى الله عليه وآله وسلم:.
«مازال بكم صنيعكم حتّى ظننتُ إنّه سيكتَبُ عليكم، فعليكم في الصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة»(4) .
كما إتّبعتم سنّة عثمان بن عفّان وهي لإتمام صلاة السفر خلافاً لسنة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم التي صلاّها قصراً(5) .
ولو أردت أن أحصي ما خالفتُم به سنّة رسول الله
وسلم لأستوجب ذلك كتاباً خاصاً ولكن تكفي شهادتكم في ما أقررتم به على أنفسكم ـ وتكفي شهادتكم أيضاً بإقراركم بأنّ الشيعة الروافض هم الذين إتّخذوا سنة النبي شعاراً لهم.
____________
(1) صحيح البخاري 7 /99 (باب ما يجوز من الغصب والشدة لأمر الله عزّ وَجلّ).
(2، 3) صحيح البخاري 2 /252 (كتاب صلاة التراويح).
(4) صحيح البخاري 7 /99 (باب مايجوز من الغصب والشدة لأمر الله عزّ وَجلّ).
(5)صحيح البخاري 2 /35 وكذلك تأولت عائشة فصلت أربعا ص 36.
أفبعد هذا يبقى دليل على قول الجهلة الذين يدّعون بأن الشيعة إتّبعوا علي بن أبي طالب، أمّا أهل السنة فإنهم إتّبعوا رسول الله ؟ أيريد هؤلاء أن يثبتوا بأن عليّاً خالفَ رسول الله
وسلم وإبتدع ديناً جديداً ؟ كبُرت كلمة تخرجُ من أفواههم، فعلي هو محض السنة النبوية وهو مفسّرُها والقائم عليها لقد قال فيه رسول الله
وسلم:
«علي منّي بمنزلتي من ربّي»(1) .
أي كما إن محمد هو الوحيد الذي يُبلّغُ عن ربّه، فعليٌ هو الوحيد الذي يبلّغ عن رسول الله
وسلم ولكنّ ذنب علي هو إنّه لم يعترف بخلافة من قبله وذنبُ شيعته إنهم إتّبعوه في ذلك فرفضوا أن ينْضَوُوا تحت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ولذلك سمّوهم «الروافض».
فإذا أنكر هؤلاء السنة على معتقدات الشيعة وأقوالهم فهو لسببين، أوّلها العداء الذي أجج ناره حكام بني أميّة بالأكاذيب والدعايات وإختلاف الروايات المزوّرة.
وثانيهما: لأن معتقدات الشيعة تتنافى وما ذهبوا اليه من تأييد الخلفاء وتصحيح أخطائهم وإجتهاداتهم مقابل النصوص خصوصاً حكّام بني أميّة وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان.
ومن هنا يجد الباحث المتتبَع إن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة نشأ يوم السقيفة، وتفاقم، وكل خلاف جاء بعده فهو عَيّالٌ عليه، وأكبر دليل على ذلك أن العقائد التي يُشنّع أهل السنة على إخوانهم من الشيعة، ترتبط إرتباطاً وثيقاً بموضوع الخلافة وتتفرع منه، كعدد الأئمة والنّص على الإمام، والعصمة، وعلم الأئمة، والبداء، والتقية والمهدي المنتظر وغير ذلك.
____________
(1) الصواعق المحرقة لإبن حجر ص 106 ـ ذخائر العقبى ص 64
الرياض النضرة 2 /215 ـ إحقاق الحق 7 /217
ونحن إذا بحثنا في أقوال الطرفين مجرّدين من العاطفة فسوف لا نجد بُعداً شاسعاً بين معتقداتهم، ولا نجدُ مُبرّراً لهذا التهويل وهذا التشنيع، لأنّك عندما تقرأ كتب السنة الذي يشتمون الشيعة، يخيّل اليك بأن الشيعة نَاقَضّوا الإسلام وخالفوه في مبادئه وتشريعه، وإبتدعوا ديناً آخر.
بينما يجد الباحث المنصف في كل عقائد الشيعة أصْلاً ثابتاً في القرآن والسنة وحتّى في كتب من يُخالفهم في تلك العقائد ويُشنّع بِها عليهم.
وختاما تقبلوا مني التحيه