في البدء لا بدّ أن ننبّه بأّنّ المتّفق عليه بين عموم فقهاء الأمّة الإسلامية بجميع مذاهبهم الفقهية والعقدية في زماننا بشأن (التكفير): أنّ التكفير إخبار بكفر الكافر؛ لكي يعلم المسلم ذلك فلا يعامله معاملة المسلم وهو كافر؛ فلا تحل ذبيحته ولا يصلّى عليه إذا مات، ويقطع التواصل معه إذا كان موجبًا للضلال.. إلى غيرها من الأحكام الفقهية والعقدية الفردية والاجتماعية التي تترتّب على تحقّق هذا العنوان؛ فلا أحد ينكر إمكان وقوع الكفر والشرك وحصول الارتداد وتعلّق أحكام شرعية بالكافر والمرتد في الكتاب والسنّة.
لكن الوهابية وأمثالهم - بخلاف أتباع أهل البيت عليهم السلام- قد استعملوا التكفير للقتل والإعدام واستباحة الدماء والأرواح والأموال؛ إذ قالوا بوجوب قتل الكافر بصورة عامّة، وكفّروا جميع من لا يرى صواب أصول عقيدتهم وفروعها؛ فقاموا بتكفير أهل القبلة وقتلوا أهل السنّة قبل الشيعة.
وبذلك أخرجوا هذا المصطلح في عصرنا من معناه الشرعي وجعلوه مفردة إرهابية.
أمّا نحن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية؛ فإنّ رأي أعلامنا الذي عليه عمل الطائفة صريح بأنّ الذي يتشهد الشهادتين مسلم.. فلا بدّ من عدم التسرّع بالحكم على أيّ شخص بالكفر أو الارتداد ونحوهما. هذا أوّلاً.
ثانياً: الظاهر أنّ عموم أهل السُنّة لا يذهبون إلى التشبيه والتجسيم بحسب معتقدهم هذا، فهم يشترطون عند إثبات الصفات الخبرية عدم تشبيه وتمثيل الله بخلقه. ألا تراهم يقيدون دائماً عند إثبات تلك الصفات كاليد والعين والوجه والأصابع أنّه بلا كيف؟ خشية الوقوع بالتشبيه ويأتون بقوله تعإلى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى/11)، حتّى يثبتوا الصفة وينفوا المشابهة والمماثلة رغم كون لازم قولهم هو التشبيه والتمثيل، وخصوصًا (الوهابية) واتباع ابن تيمية.
أمّا سائر أهل السُنّة من الأشاعرة والماتريدية فهم مؤوّلة لا يقولون بإثبات الصفات الخبرية كالوهابية والسلفية، ولذا لا يصح تعميم الحكم وجعلهم في بوتقة واحدة.
النتيجة: يمكننا التفريق بين المجسّم العالِم والجاهل والقاصر والمقصر أيضاً، فلا يمكن تكفير من يشبّه الله تعالى بخلقه دون أن يقصد الإساءة أو يعلم باللوازم الفاسدة لقوله ورأيه، أو يطبّق عمله عليه، ولذلك تجد أن المرحوم السيّد الخوئي(قدّس سرّه) حينما يتكلّم عن هذه الفئة كما في (كتاب الطهارة 2/77-81) يقول: وأمّا المجسّمة والمجبّرة والقائلون بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الإسلام، فالأقوى عدم نجاستهم إلاّ مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد.
وقال في شرحه لهذا الكلام بشأن المجسّمة: وهم على طائفتين فإنّ منهم من يدّعي أنّ الله سبحانه جسم حقيقة كغيره من الأجسام وله يد ورجل إلاّ أنّه خالق لغيره وموجد لسائر الأجسام، فالقائل بهذا القول إن التزم بلازمه من الحدوث والحاجة إلى الحيز والمكان ونفي القدم فلا إشكال في الحكم بكفره ونجاسته لأنّه إنكار لوجوده سبحانه حقيقة، وأمّا إذا لم يلتزم بذلك بل اعتقد بقدمه تعالى وأنكر الحاجة فلا دليل على كفره ونجاسته وإن كان اعتقاده هذا باطلاً وممّا لا أساس له.
ومنهم من يدّعي أنّه تعالى جسم ولكن لا كسائر الأجسام كما ورد أنّه شيء لا كالأشياء فهو قديم غير محتاج. ومثل هذا الاعتقاد لا يستتبع الكفر والنجاسة، أمّا استلزامه الكفر من أجل أنّه إنكار للضروري حيث إنّ عدم تجسّمه من الضروري فهو يبتني على الخلاف المتقدّم من أنّ إنكار الضروري هل يستلزم الكفر مطلقا أو أنّه إنّما يوجب الكفر فيما إذا كان المنكر عالماً بالحال بحيث كان إنكاره مستلزماً لتكذيب النبيّ(صلّى الله عليه وآله).
ثمّ ردّ على من قال بأنّ لله جسماً إلهياً ليس كالأجسام المادية وغيرها؛ قائلاً: وليت شعري أنّ ما فيه هذه الأبعاد، وكان عمقه غير طوله، وهما غير عرضه؛ كيف لا يشتمل على مادّة ولا يكون متركّباً حتّى يكون هو الواجب سبحانه؟!
نعم؛ عرفت أنّ الالتزام بهذه العقيدة الباطلة غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة، كيف وأكثر المسلمين - لقصور باعهم - يعتقدون أنّ الله سبحانه جسم جالس على عرشه، ومن ثمة يتوجهون نحوه توجه جسم إلى جسم مثله، لا على نحو التوجه القلبي.
ودمتم في رعاية الله