العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العام

المنتدى العام المنتدى مخصص للأمور العامة

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية صدى المهدي
صدى المهدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 82198
الإنتساب : Aug 2015
المشاركات : 1,108
بمعدل : 0.32 يوميا

صدى المهدي غير متصل

 عرض البوم صور صدى المهدي

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى العام
افتراضي العِبرة سبيل النجاة
قديم بتاريخ : 05-01-2025 الساعة : 09:04 PM


فالذي يطّلع على تجارب السابقين، ويسعى من خلالها لئلا يقع بما وقعوا فيه من أخطاء، ويستفيد من نقاط القوة، فإن ذلك سيكون مدعاة لنجاته، وعدم سقوطه في المهالك، وهذا هو بالضبط ما فعله العظماء والناجحون في مختلف ميادين الحياة؛ فإنهم استشرفوا الأحداث والمواقف، فعرفوا الحق فاتبعوه، وشخصوا الباطل فاجتبوه...
كيف نعتبر؟
قال تعالى: (لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ)(1).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فتفكروا أيها الناس وتبصّروا واعتبروا واتعظوا وتزوّدوا للآخرة تسعدوا»(2).
لا بد للمرء إذا أراد التقدم والخير لنفسه وللآخرين، أن يتأمل ويحقق في أربعة أمور مهمة، وعندها يعرف ماذا ينبغي له أن يصنع؟ وماذا يترك؟ وكيف يستفيد من التجارب الماضية؟
وهذه الأمور الأربعة هي:
متابعة التاريخ

أولاً: التاريخ، فاللازم متابعة التاريخ بالتحليل والتدقيق الصحيحين، حتى يعرف الأسباب والمسببات، والخلفيات والدوافع وما أشبه؛ وعندها سوف تنكشف علل سقوط الأشخاص والدول في التاريخ، وعلل سمو ونجاح البعض الآخر، وتنكشف عوامل الضعف والقوة عند الأمم والأفراد.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من فهم مواعظ الزمان لم يسكن إلى حسن الظن بالأيام»(3).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «من اعتبر بتصاريف الزمان حذر غيره»(4).
التجارب الشخصية

ثانياً: التجارب الذاتية؛ إذ الإنسان في حياته العملية يمر بمجموعة من التجارب والأعمال، وهذه التجارب سوف تعطي لصاحبها الوعي والبصيرة في المستقبل. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من حفظ التجارب أصابت أفعاله»(5).
فمثلاً الشخص الذي يحترم الناس ويبادلهم الحب والود، سوف يرى نتائج مرضية من قبل الناس، فإنهم سوف يبادلونه الاحترام والتبجيل، وهذه حالة بسيطة يلزم أن يتصف بها المؤمن وهي ذات مدلول كبير تعطي للإنسان انفتاحاً على المستقبل، وعلماً بحوادث الأمور، فلا يقع في المطبات التي وقع بها هو أو الآخرون سابقاً، وهذا ما أشار إليه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في قوله: «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين»(6).
فالإنسان العاقل هو الذي يستفيد من أخطائه ونقاط الضعف التي مرت بحياته، لكي لا يقع بها ثانية ولا يصاب بمثلها في المستقبل.
وكذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام): «أحب إخواني إليّ مَن أهدى إليّ عيوبي»(7).
حيث يبين الإمام (عليه السلام) في هذا الحديث قانوناً كلياً للتطور، فإن من يبين للإنسان معايبه يشخص له الأسباب الخفية والدواعي الباطنية التي كانت تسبب له التأخر والاضطراب في الحركة، ليصحح الإنسان حركته في حياته اليومية ذات المَساس بالمجتمع والدين.
فمن هنا كان للتجارب الذاتية أثر فعال في تصحيح أفكار وسلوك الإنسان. فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «كفى عظة لذوي الألباب ما جربوا»(8).
الأحداث المعاصرة

ثالثاً: دراسة الأحداث المعاصرة والتأمل في كيفية جريانها، بأن ينظر الإنسان إليها، ويرى ما هي مقدمات نشوء الحدث؟ وكيفية السيطرة عليه واحتوائه واستثماره؟ ومقارنته مع العبر والحوادث السابقة، والاستفادة من الماضي في معرفة الحدث المعاصر، ووضع الاحتمالات المتوقعة، ووضع الحلول والبرامج لهذه الاحتمالات والنتائج.
فعلى الإنسان أن لا يقف مكتوف اليدين أمام الحوادث المحيطة به، بل عليه أن يلاحظ الحوادث السابقة المشابهة لهذا الحدث ويستفيد منها، ويقوم بدفع الشر الذي فيه؛ إذ أن الجهل بالحوادث، والجهل بمقدماتها، سوف يعرض الإنسان إلى أضرار خطيرة، ربما أدت إلى هلاكه؛ ولذلك صار دفع الضرر واجباً عقلياً في الجملة. فعلى كل إنسان أن يدفع الضرر الكثير أو الخطر الجسيم عن نفسه، فإذا لم يدفعه يعد ذلك قبيحاً في عرف العقلاء.
أما كيف يمكن دفع الأضرار والحوادث التي ترهبه وتضره؟ فذلك لا يمكن ـ عادة ـ إلّا إذا عرفها، أما إذا كان جاهلاً بالأمر، فإنه لا يعرف الضرر من غيره، فكيف يمكن له أن يدفعه؟!
ولذلك صارت المعرفة واجبة، إذ بها يتم معرفة الأضرار والمخاوف ودفعهما... ومن هنا كانت دراسة مجريات الأحداث أمراً مهماً لنجاة الإنسان.
دراسة المستقبل

رابعاً: دراسة المستقبل طبق المحتمل العقلائي؛ وذلك بأن يلاحظ الأثر المترتب على النتائج. فمثلاً: إذا كان أحد الأشخاص يسرق أموال الآخرين فالمحتمل العقلائي له الوقوع بيد السلطة القضائية، ومن ثم السجن.
أما إذا كان إنسان ينفع الآخرين، يجيد الخطابة والتعليم للناس، فإن المحتمل العقلائي له أنه يكون في موقع احترام وتقدير الآخرين.
فكل شيء إذا فكر الإنسان فيه واعتبر منه، فإنه يستطيع أن يختار أفضل الطرق المؤدية إلى الحياة السعيدة، ويشخص الطرق الملتوية والسيئة، ويسلك أفضل الطرق.
فغالباً هناك أربع أو خمس حالات أو طرق يتمكن بها الإنسان أن يتوصل من خلالها إلى غايته:
أحدها: طريق سيئ جداً، والآخر بين السيئ والحسن، وأحياناً سيئ، وأحياناً فاضل، وبعض الأوقات هناك طرق أفضل، وهذا المطلب العقلي موجود في الأحكام الشرعية، إذ أن الحكم الشرعي التكليفي ينقسم إلى: واجب، وحرام، ومستحب، ومكروه، ومباح، فالعمل بالواجبات هو من أفضل الطرق للتقرب إلى اللّه. والطريق الفاضل، وهو العمل بالمستحبات، كما أن المباح أمر متوسط بين الفعل وعدم الفعل، كشرب الماء والقيام والجلوس، وما أشبه، أما الطرق السيئة، والتي لا توصل الإنسان إلى شيء، فهو العمل بالحرام، وهذا العمل سيئ جداً، وأقل سوءً منه العمل بالمكروه.
والتاريخ هو أحد الأمور المهمة التي يستطيع الإنسان أن يأخذ العبرة منه، ويبني حياته على أساس ذلك، فعادة الأشخاص الناجحون في الحياة، والذين يؤدون الأعمال الصالحة للمجتمع هم الذين قد اعتبروا بِعبَر التاريخ، واستفادوا من تجارب السابقين، وكذلك استفادوا من الأحداث الجارية، التي تمر عليهم، وهكذا ينظرون إلى المستقبل حسب المحتمل العقلائي الصحيح، ويضعون النتائج ويرسمون الخطوط العريضة.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «... واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات(9) بسوء الأفعال وذميم الأعمال، فتذكروا في الخير والشر أحوالهم، واحذروا أن تكونوا أمثالهم، فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم، فالزموا كل أمر لزمت العزة به شأنهم، وزاحت الأعداء له عنهم، ومدت العافية به عليهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم، من الاجتناب للفرقة، واللزوم للألفة والتحاض عليها والتواصي بها. واجتنبوا كل أمر كسر فقرتهم، وأوهن منتهم(10)، من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي. وتدبروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم، كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء، أ لم يكونوا أثقل الخلائق أعباءً، وأجهد العباد بلاءً، وأضيق أهل الدنيا حالاً، اتخذتهم الفراعنة عبيداً، فساموهم سوء العذاب وجرعوهم المرار، فلم تبرح الحال بهم في ذل الهلكة وقهر الغلبة، لا يجدون حيلة في امتناع، ولا سبيلاً إلى دفاع، حتى إذا رأى اللّه سبحانه جد الصبر منهم على الأذى في محبته، والاحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم من مضايق البلاء فرجاً، فأبدلهم العز مكان الذل، والأمن مكان الخوف، فصاروا ملوكاً حكاماً وأئمةً أعلاماً، وقد بلغت الكرامة من اللّه لهم ما لم تذهب الآمال إليه بهم. فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة. ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين، وملوكاً على رقاب العالمين. فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم، حين وقعت الفرقة، وتشتتت الألفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعبوا مختلفين، وتفرقوا متحاربين، وقد خلع اللّه عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، وبقي قصص أخبارهم، فيكم عبراً للمعتبرين»(11).
شاهد من التاريخ

يحكى أن تاجراً في زمن أحد الخلفاء كان مشهوراً بين الناس بالسمعة الطيبة والأمانة، فكان موضع اعتماد الناس حيث كانوا يضعون أموالهم بيده ليتاجر لهم بها، أو ليضارب بها(12)، وهذا يعني أنهم أعطوه كامل الثقة، ولكنه وسوسه الشيطان، فانحرف عن الحق، وتجاوز على أموال الناس، ويوماً بعد يوم عرف الناس ذلك الأمر منه وبرزت شخصيته على حقيقتها فتركه الناس جميعاً، ولم يستأمنه أحد، فكسدت تجارته، وضاق عليه الرزق، فبقي جليس الدار بسبب ابتعاده عن الصدق والأمانة، وكان لهذا التاجر ولدٌ شاب، كان قد اطلع على أحوال أبيه، وحاول أن يعتبر ويتعّظ منه، فصمم الشاب على الابتعاد عن الخيانة كلياً، لكي لا يصاب بما أصيب به أبوه، فأخذ أولاً يعمل بكل ما بوسعه ليدخل وينفذ إلى قلوب الناس، فعمل بالطاعات، وأبتعد عن المعاصي، والتزم السلوك الحسن، وكان لهذا الشاب جار، وكان هذا الجار قائداً في الجيش الإسلامي، فصادف أن استدعاه الحاكم في إحدى تحركاته العسكرية، فقام هذا القائد وذهب إلى جاره الشاب وأودع عنده عشرة آلاف دينار، وأوصاه بأن يحافظ على هذا المبلغ كأمانة، وقال له: إذا قتلت في الحرب، فأعطه لأولادي وزوجتي، ولك عُشر المبلغ. وشاء القدر أن يموت هذا القائد العسكري، فقام الشاب بتسليم المبلغ إلى عائلته، ففرحوا كثيراً بعد أن أصابهم الفقر، ولما سمع الحاكم بهذا الأمر استدعاه عنده، حيث أعجب بأخلاقه وأمانته وسلوكه الإسلامي، وجعله أميناً على بيت مال المسلمين.
نلاحظ من خلال هذه القصة البسيطة، كيف أن الإنسان يستفيد وينتفع بالاعتبار من الأعمال والأحداث السابقة، وكيف ينجح إذا تجنب نقاط الضعف التي مر بها السابقون، فيتجاوزها ولا يقع فيها مرة أخرى، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن ذهاب الذاهبين، لَعبرة للقوم المتخلفين»(13).
الاعتبار سبب التقدم

لاشك في أن الاعتبار مما مضى وممن مضى سبب هام لتقدم الإنسان في مختلف الميادين، ومنها الجانب المادي، من حيث العمل والسلوك، فإن الإنسان إذا درس تجارب السابقين، ولاحظ خطواتهم وسلوكهم وحركتهم، يمكنه أن يأخذ الجوانب الإيجابية في حياتهم ويطبّقها في حياته، ويتجنب الأخطاء التي وقعوا بها، كما هو الحال في قيام دولة مكان أخرى، فيأتي القائد الجديد ويدرس الممارسات غير الإيجابية التي أدت بذلك الرئيس إلى السقوط وانتهاء حكمه فيتجنبها، بل يعمل على العكس منها، فهنا سوف يدوم هذا الرئيس الجديد بحكم القوانين الطبيعية أكثر من الأول؛ لأنه اتخذ الطريق الأفضل، وأخذ المقدمات الصحيحة، فالنتيجة تكون أسلم، وعمرها أطول.
التقدم الروحي المعنوي

وهناك تقدم آخر مهم جداً ينبغي الالتفات إليه، ألّا وهو التقدم الروحي والمعنوي، الذي يشمل تنمية الكمالات النفسية والأخلاق الفاضلة، فالإنسان أيضاً يستطيع أن يعتبر بالماضين في هذا الجانب، سواء كانوا أولياء اللّه، أم أعداءً له عزّ وجلّ، فإنه يأخذ الجوانب المشرقة والأسباب التي جعلت من أولئك أولياء مقربين، وكذلك يتجنب الأسباب التي جعلت من الآخرين أعداءً للّه عزّ وجلّ، يعتبر بخاتمتهم السيئة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «اتعظوا بالعبر، واعتبروا بالغير، وانتفعوا بالنذر»(14). فإن من لم يعتبر ولم ينتفع بالغير ليس بعاقل؛ لأن العقل هو الذي يدعو الإنسان للاعتبار والاتعاظ والتأسي؛ فإن في ذلك مصالح كبيرة تزيد الإنسان كمالاً وتقدماً في طريقه إلى اللّه عزّ وجلّ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من قوي عقله أكثر الاعتبار»(15).
قصة المشي إلى بيت اللّه

ومما يحكى في مجال الاستفادة من تجارب وعمل السابقين، لاسيما الأوصياء والأنبياء (عليهم السلام)، أن أحد الأشخاص وأسمه: عزيز اللّه، قد تشرّف بزيارة ومجاورة أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف.
يقول الشخص المذكور: عندما ذهبت إلى النجف الأشرف شرعت في طلب العلم وتهذيب النفس، فكنت أراقب نفسي وتصرفاتها بشكل دقيق جداً، كما كنت أهتم كثيراً بمسألة أداء الواجبات ومجانبة المعاصي، وعلاوة على ذلك كنت أرى من اللازم عليّ أن أترك بعض المباحات أيضاً، حسب المقدور والاستطاعة، ولقد قررت مع نفسي أن أواظب على أداء المستحبات وترك المكروهات، وفي عيد الفطر ذهبت إلى كربلاء المقدسة لأداء الزيارة المخصوصة، وعندها حللت ضيفاً عند أحد أصدقائي في مدرسة الصدر الأعظم(16)، فكنت أقضي جميع وقتي في حرم الإمام الحسين (عليه السلام) إلّا في وقت تناول الطعام أو أخذ قسط من الراحة، فكنت أرجع إلى المدرسة، وفي تلك الأيام خطرت على بالي فكرة الحج إلى بيت اللّه الحرام ماشياً، كما كان يفعل أئمتنا (عليهم السلام)، وذات مرة لدى عودتي إلى المدرسة وجدت مجموعة من أصدقائي جالسين يتحدثون في مسألة الرجوع إلى النجف الأشرف، فسألوني: متى ترجع؟
فقلت لهم: إني نويت زيارة بيت اللّه الحرام، وسوف أذهب في هذا العام ماشياً، بإذن اللّه تعالى، وطلبت التوفيق من اللّه عزّ وجلّ تحت قبة الإمام الحسين (عليه السلام) وعندي أمل كبير بأن اللّه سوف يستجيب لي.
فلما سمع أصدقائي ما قلت لهم استهزءوا بي، وقالوا: الظاهر أن كثرة العبادة والرياضة الروحية قد أثّرت فيك، فكيف تستطيع المشي في هذه الصحراء الحارة والمخيفة، دون أن تمتلك القابلية لذلك، ودون أن تمتلك المال والبضاعة الكافية، ولا سيما أن الطريق محفوف بالمخاطر؟!
فلما تجاوز كلامهم واستهزاؤهم حدّه، ضاق صدري منهم كثيراً، وخرجت من الغرفة مكسور القلب، وقد أصابني اليأس، فتوجهت إلى حرم الإمام الحسين (عليه السلام) باكياً فزرته زيارة مختصرة، ثم ذهبت إلى محل الرأس الشريف الذي كنت كثيراً ما أصلي وأدعو فيه، فجلست هناك وأخذت أبكي وأدعو اللّه عزّ وجلّ، وفجأة جاءني رجل عربي المظهر وناداني باسمي، وأخذ يسألني بالفارسية: هل تحب أن تتشرف بزيارة بيت اللّه الحرام ماشياً؟ فقلت له: بلى، فقال لي: إذن هيّئ مقداراً من الخبز اليابس بحيث يكفيك لمدة أسبوع كامل، واستصحب معك ملابس الإحرام، وإبريق ماء، وسوف آتيك في اليوم كذا، وفي ساعة كذا؛ لكي نتوجه إلى زيارة بيت اللّه الحرام من هذا المكان المقدس.
فرأيت نفسي مذعنة له ومنجذبة نحوه، فقلت له: سمعاً وطاعة، فخرجت من الحرم الشريف وهيأت كل اللوازم التي ذكرها، فلما حان موعد السفر، حملت أمتعتي وذهبت إلى المكان المعين من الحرم الشريف، فوجدته على الموعد، فخرجنا من الصحن الشريف، ومشينا ساعة إلى أن وصلنا إلى واحة فيها ماء كثير، فقال لي: انتظر في هذا المكان لكي تستريح فيه ريثما آتيك، وبعدها غاب عن نظري، فبقيت في ذلك المكان أنتظره مدة من الوقت إلى أن عاد، فقال: قُم لِنَمشِ، فمشينا عدة ساعات، إلى أن وصلنا واحة أخرى، فخط خطاً على الأرض، وقال: هذا اتجاه القبلة، نم هذه الليلة في هذا المكان، وسوف آتيك صباحاً، وعلّمني عدة أذكار وأدعية، واستمر الأمر هكذا إلى سبعة أيام، دون أن أحس بتعب وأذى، ودون أن أصادف أي خطر في الطريق، فلما صار صباح اليوم السابع وصلنا إلى واحة، فقال لي: اغتسل من هذا الماء وألبس ثياب الإحرام، وكما تراني أُكبر كبّر أنت أيضاً، وهكذا تابعته في جميع الأمور الأخرى، إلى أن وصلنا إلى جبل، فقال لي: أصعد هذا الجبل فسوف ترى مدينة فادخل فيها، وبعدها ذهب وغاب عني، فصعدت الجبل وحدي، ونزلت من الطرف الثاني وإذا أنا ببيت اللّه الحرام أمامي! في تلك الأثناء التفتّ إلى نفسي فعرفت أني كنت محظوظاً كثيراً لكني كأنما كنت في غفلة أو نوم، إذ لماذا لم أتعرف على ذلك الشخص الكبير، ولكن عرفت بأن ذلك الشخص كان قد تصرف في نفسي شيئاً ما بحيث لم ألتفت حينها إليه، ولم ألتفت إلى سفرتنا كيف لم تستغرق أكثر من أسبوع، بحيث لم نمش يومياً إلّا ساعات قلائل، وعندها تيقّنت بأنه بقية اللّه الأعظم الحجة بن الحسن العسكري (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
نعم، فإن ما يجدر ذكره هنا هو حاجة الإنسان البالغة إلى التوفيق والعناية الإلهية وإن ألطاف المعصومين (عليهم السلام) إنما تشمل من يسير على خطاهم ويعتبر من أفعالهم نظرياً وعملياً... وحتى مسألة الاعتبار تحتاج إلى توفيق إلهي عظيم، فـ (عزيز اللّه) وبسبب تمسكه وانقطاعه للأئمة (عليهم السلام) وفّق لكي تنقدح في ذهنه مسألة التأسي والاعتبار بفعل الأئمة (عليهم السلام)، مع تباعد الأزمنة بينه وبينهم (عليهم السلام)، فمن خلال هذه القصة نلاحظ كم تقدم (عزيز اللّه) معنوياً، وكم اقترب من مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وكل هذا كان بفضل أخذ العبرة من الماضين، والسير على خطاهم الإيجابية، ومن هنا يتضح أن العبرة سبب هام جداً في سبيل تقدم الإنسان وتكامله.
العِبرَةُ سبيلُ النجاة

عندما يتابع الإنسان سلسلة الأحداث، ويتدبر الحوادث التاريخية، ويدقّق في تفاصيلها، عندها سوف يميز نقاط الضعف من نقاط القوة، فيحاول الاستفادة من دراسته هذه، لأنه في كلا الأمرين سوف يكون غنياً من الناحية التاريخية التجريبية. فالذي يطّلع على تجارب السابقين، ويسعى من خلالها لئلا يقع بما وقعوا فيه من أخطاء، ويستفيد من نقاط القوة فيأتي بها، فإن ذلك سيكون مدعاة لنجاته، وعدم سقوطه في المهالك، وهذا هو بالضبط ما فعله العظماء والناجحون في مختلف ميادين الحياة؛ فإنهم استشرفوا الأحداث والمواقف، فعرفوا الحق فاتبعوه، وشخصوا الباطل فاجتبوه، ولم توقفهم بعد ذلك لومة لائم، ولا إرجاف ظالم.
فمثلاً، حبيب بن مظاهر رأى الأحداث والمواقف التي تعكس سيرة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتذكر أيام خلافته العطرة، وسلوكه العادل في الناس....
ثم رأى ما قام به معاوية بن أبي سفيان من الغدر والخيانة مما تصب عليه اللعنات هو وقبيله من الذين لعبوا بأموال ودماء الأمة، فاختار حبيب بن مظاهر طريق علي (عليه السلام)؛ لأنه التجربة الناصعة التي تدلّل على النجاة والنجاح دائماً، فكان مع الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وظل ملازماً له حتى آخر لحظة من حياته، وبذل نفسه في سبيل نصرته.
بينما حرملة بن كاهل الأسدي الذي كان من نفس عشيرة حبيب بن مظاهر، اختار السلوك الملتوي والطرق المهلكة، فإنه لم يستفد من تجارب الآخرين، بل تأسى بمعاوية وأمثاله، واختار طريق ابنه يزيد (عليه لعن اللاعنين إلى يوم الدين) المجسّد الحقيقي لخطى أبيه وأجداده، المعادي للإسلام.
فحرملة لم يستفد شيئاً من تجارب السابقين، بل مرت عليه بدون أن يتنبه لها، على العكس مما دعت إليه الآية الكريمة: (لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ)(17)، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن حرملة باختياره طريق الضلال دل على انحطاط مستواه الفكري والعقلي؛ لأن الآية تقول: إن أصحاب العقول هم الذين يعتبرون من قصص الأولين، ومفهومها العرفي: إن الذي لا يعتبر لا عقل له.
حقاً وبالتأكيد فإن من اختار طريق يزيد بن معاوية لم يكن له عقل؛ إذ إنه لو تأمل وفكّر قليلاً بالعواقب والنتائج لما وصل الأمر به إلى شقاء الدنيا والآخرة بالمشاركة في قتل ريحانة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، بل لارتفع كما ارتفع حبيب بن مظاهر، لذلك كان العبرة نجاة للإنسان: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ)(18).
وفي آية أخرى يقول تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ)(19).
وهنا نكتة لطيفة تتعلق بالمقام، فإن الذي يخشى اللّه فهو دائم الاعتبار بتجارب السلف، أما الذي لا خشية لديه ولا خوف من اللّه تعالى، فهو بعيد عن الاعتبار والاتعاظ.
فالخشية من اللّه تفتح آفاقاً رحبة لفؤاد الإنسان وعقله، فتجعله منفتحاً على التاريخ الماضي ومن سلف، ليتدبر بأعمالهم ويتأمل في قصصهم، ويسعى للاستفادة من ذلك كله، فلا غرابة في حرملة بن كاهل، الذي لم يعتبر من التاريخ شيئاً، لأنه كان بعيداً عن اللّه، وعن خوفه وخشيته.
كلمة أخيرة

لقد مرت الشعوب المسلمة بعد الاضطهاد الاستعماري بحقبة طويلة جداً من الديكتاتورية، وبرموز عديدة من الظلمة المستبدين العملاء، الذين أخذوا يسوسون الناس بسياسات لا تنسجم مع طبيعة الإنسان المسلم.
وهذه السياسات القمعية والتي تركن إلى الظلم والاستبداد آخرها الفشل، ولكن أين من يتعظ ويعتبر؟
فكم هناك من تجارب فاشلة قام بها الطغاة، والتي ما زال بعضها مستمراً إلى يومنا هذا، ولكن الشعوب المسلمة شيئاً فشيئاً أخذت تفيق من سباتها العميق، وتنادي باسم الإسلام والعودة إليه، وإلى أحكام القرآن، بعد أن فشلت: البعثية، والشيوعية، والرأسمالية، وأحزابها.
إذاً، إرادة المسلمين الجديدة هي نتيجة الاعتبار من الأنظمة السابقة، وملاحظة الفشل الذريع الذي مرت به هذه الأحزاب أو الحركات المشبوهة النشأة والنوايا والسيرة؛ لذلك نادت بالبديل الأصلح، وهو الإسلام.
ونداؤها هذا جاء بعد الاعتبار وإلقاء نظرة إلى الخلف، وهي ملاحظة الإسلام في زمن الرسول الأكرم وأمير المؤمنين (عليهما أفضل الصلاة والسلام)، ولقد شاهدت البشرية صوراً رائعة يعجز عنها البيان، بل تعجز البشرية أن تلد مثل تلك اللحظات الروحية، التي صنعها الإسلام بفضل قيادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ووصيه (عليه السلام).
إذاً، فمناداة المسلمين بالعودة إلى الدين إنما هي تعبير آخر عن وعيهم للتجارب، واعتبارهم بالمواقف والأحداث.
«اللّهم صل على محمد وآله، ونبّهني لذكرك في أوقات الغفلة، واستعملني بطاعتك في أيام المهلة، وأنهج لي إلى محبتك سبيلاً سهلة، أكمل لي بها خير الدنيا والآخرة»(20)، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من هدي القرآن الحكيم

من عناصر التقدم:
1- العودة إلى القرآن

قال تعالى: (ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ)(21).
وقال عزّ وجلّ: (يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ * يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ)(22).
وقال سبحانه: (ثُمَّ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ * وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ)(23).
وقال جلّ وعلا: (وَجِئۡنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ)(24).
2- العبرة

قال عزّ وجلّ: (قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ)(25).
وقال تعالى: (لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ)(26).
وقال سبحانه: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ)(27).
وقال جلّ وعلا: (أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۖ وَلِلۡكَٰفِرِينَ أَمۡثَٰلُهَا)(28).
وقال تبارك وتعالى: (أَوَ لَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَأَثَارُواْ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَآ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ)(29).
وقال عزّ وجلّ: (قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ)(30)
3- الوعي

قال تعالى: (قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ)(31).
وقال سبحانه: (قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ)(32).
وقال عزّ وجلّ: (لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ)(33).
4- التعقل

قال عزّ وجلّ: (إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ)(34).
وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ)(35).
وقال سبحانه: (لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ)(36).
وقال جلّ وعلا: (إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ)(37).
من هدي السنّة المطهّرة

من عناصر التقدم:
1- العودة إلى القرآن

قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم». قالوا: يا رسول اللّه، فبم النجاة؟ قال: «عليكم بالقرآن، فإنه من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه قاده إلى النار، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن أخذ به أجر، ومن عمل به وفق»(38).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «... واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلّا قام عنه بزيادة أو نقصان؛ زيادة في هدى، أو نقصان من عمى. واعلموا، أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم(39)، فإن فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر، والنفاق، والغي، والضلال...»(40).
وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «لا يرفع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر أبداً، ولا إلى آل عمر، ولا إلى آل بني أمية، ولا في ولد طلحة والزبير أبداً؛ وذلك أنهم بتروا القرآن، وأبطلوا السنن، وعطلوا الأحكام، وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): القرآن هدى من الضلالة، وتبيان من العمى، واستقالة من العثرة، ونور من الظلمة، وضياء من الأحزان، وعصمة من الهلكة، ورشد من الغواية، وبيان من الفتن، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة، وفيه كمال دينكم، فهذه صفة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) للقرآن، وما عدل أحد عن القرآن إلّا إلى النار»(41).
وقال الإمام الحسن (عليه السلام): «قيل لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله): إن أمتك ستفتتن، فسئل ما المخرج من ذلك؟ فقال: كتاب اللّه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، من ابتغى العلم في غيره أضله اللّه، ومن ولي هذا الأمر من جبار فعمل بغيره قصمه اللّه، وهو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم، فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، وهو الذي سمعته الجن فلم تناهى أن قالوا: (إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا * يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَ‍َٔامَنَّا بِهِۦۖ)(42) ولا يخلق على طول الرد، ولا ينقضي عبره ولا تفنى عجائبه»(43).
2- العبرة

قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «إن ربي أمرني أن يكون نطقي ذكراً وصمتي فكراً، ونظري عبرة»(44).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فاز من كانت شيمته الاعتبار، وسجيته الاستظهار»(45).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): المعتبر في الدنيا، عيشه فيها كعيش النائم، يراها ولا يمسها، وهو يزيل عن قلبه ونفسه باستقباحه معاملات المغرورين بها ما يورثه الحساب والعقاب، ويتبدل بها ما يقربه من رضا اللّه وعفوه، ويغسل بماء زوالها مواضع دعوتها إليه، وتزيين نفسها إليه، فالعبرة يورث صاحبها ثلاثة أشياء: العلم بما يعمل، والعمل بما يعلم، وعلم ما لم يعلم، والعبرة أصلها أول يخشى آخره، وآخر يحقق الزهد في أوله، ولا يصح الاعتبار إلّا لأهل الصفا والبصيرة، قال اللّه عزّ وجلّ: (فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ)(46) وقال جلّ اسمه: (فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ)(47) فمن فتح اللّه عين قلبه، وبصيرة عينه بالاعتبار فقد أعطاه منزلة رفيعة وزلفة عظيمة»(48).
3- الوعي والتفكر

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا قدمت الفكر في جميع أفعالك حسنت عواقبك في كل أمر»(49).
وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن التفكر يدعو إلى البر والعمل به»(50).
وقال (عليه السلام): «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: نبه بالتفكر قلبك، وجاف عن الليل جنبك، واتق اللّه ربك»(51).
وقال (عليه السلام): «اعتبروا بما مضى من الدنيا، هل بقي على أحد، أو هل فيها باق من الشريف والوضيع والغني والفقير والولي والعدو، فكذلك ما لم يأت منها بما مضى أشبه من الماء بالماء ـ إلى قال (عليه السلام) ـ وقال نوح (عليه السلام): وجدت الدنيا كبيت له بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر، هذا حال صفي اللّه، كيف حال من اطمأن فيها، وركن إليها، وأضاع عمره في عمارتها، ومزق دينه في طلبها؟! والفكرة مرآة الحسنات، وكفارة السيئات، وضياء القلوب، وفسحة الخلق، وإصابة في صلاح المعاد، واطلاع على العواقب واستزادة في العلم، وهي خصلة لا يعبد اللّه بمثلها قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): فكرة ساعة خير من عبادة سنة، ولا ينال منزلة التفكر إلّا من خصه اللّه بنور المعرفة والتوحيد»(52).
4- التعقل

قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «قلبُ ليس فيه شيء من الحكمة كبيت خراب، فتعلّموا وعلّموا وتفقهوا، ولا تموتوا جهالاً؛ فإن اللّه لا يعذر على الجهل»(53).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «للإنسان فضيلتان: عقل ومنطق، فبالعقل يستفيد وبالمنطق يفيد»(54).
وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم: «... يا هشام، إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة، والآخرة طالبه ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة، فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته»(55).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق»(56).
* مقتطف من كتاب القطوف الدانية-الجزء الثالث، وهو مجموعة من محاضرات المرجع الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي

...............................................

(1) سورة يوسف، الآية: 111.

(2) غرر الحكم ودرر الكلم: 485.

(3) غرر الحكم ودرر الكلم: 649.

(4) غرر الحكم ودرر الكلم: 597.

(5) غرر الحكم ودرر الكلم: 666.

(6) مشكاة الأنوار: 319.

(7) الكافي 2: 639.

(8) غرر الحكم ودرر الكلم: 521.

(9) المُثُلات: العقوبات.

(10) المُنّة: القوة.

(11) نهج البلاغة، الخطب الرقم: 192 من خطبة له (عليه السلام) تسمى القاصعة.

(12) المضاربة شكل من أشكال التجارة. روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال فِي الْمُتَضَارِبَيْنِ: «وهما الرجلان يدفع أحدهما مالاً من ماله إلى الآخر يتجر به، على أنه ما كان فيه من فضل كان بينهما على ما تراضيا عليه واتفقا...» دعائم الإسلام 2: 86.

(13) غرر الحكم ودرر الكلم: 222.

(14) غرر الحكم ودرر الكلم: 153.

(15) غرر الحكم ودرر الكلم: 608.

(16) مدرسة الصدر الأعظم النوري، قام بإنشائها المرجع الديني المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني، وتم بناؤها من ثلث الإرث المتبقي للميرزا تقي خان (الصدر الأعظم)، وكانت من المعاهد العلمية الدينية الرئيسية في كربلاء المقدسة....

(17) سورة يوسف، الآية: 111.

(18) سورة آل عمران، الآية: 13.

(19) سورة النازعات، الآية: 26.

(20) الصحيفة السجادية، من دعائه (عليه السلام) في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.

(21) سورة البقرة، الآية: 2.

(22) سورة المائدة، الآية: 15-16.

(23) سورة الأنعام، الآية: 154- 155.

(24) سورة النحل، الآية: 89.

(25) سورة آل عمران، الآية: 13.

(26) سورة يوسف، الآية: 111.

(27) سورة يوسف، الآية: 109.

(28) سورة محمد، الآية: 10.

(29) سورة الروم، الآية: 9.

(30) سورة آل عمران، الآية: 137.

(31) سورة الأنعام، الآية: 104.

(32) سورة يوسف، الآية: 108.

(33) سورة الحاقة، الآية: 12.

(34) سورة البقرة، الآية: 164.

(35) سورة النحل، الآية: 12.

(36) سورة الحشر، الآية: 21.

(37) سورة يونس، الآية: 24.

(38) إرشاد القلوب 1: 8.

(39) اللأواء: الشدة.

(40) نهج البلاغة، الخطب الرقم: 176 من خطبة له (عليه السلام) وفيها يعظ ويبين فضل القرآن ونهى عن البدعة.

(41) بحار الأنوار 89: 26.

(42) سورة الجن، الآية: 1-2.

(43) تفسير العياشي 1: 6.

(44) مشكاة الأنوار: 57.

(45) غرر الحكم ودرر الكلم: 484.

(46) سورة الحشر، الآية: 2.

(47) سورة الحج، الآية: 46.

(48) بحار الأنوار 68: 326.

(49) عيون الحكم والمواعظ: 136.

(50) الكافي 2: 55.

(51) الكافي 2: 54.

(52) بحار الأنوار 68: 325.

(53) نهج السعادة 7: 343.

(54) غرر الحكم ودرر الكلم: 546.

(55) الكافي 1: 18.

(56) نهج البلاغة، الحكم الرقم: 38.


المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي


من مواضيع : صدى المهدي 0 مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على عاداتنا الغذائية
0 هل يوجد «دليل عقلي» على أن القرآن منزّل من الله؟!
0 كتاب (السفياني حتمٌ مُرّ)
0 كالشمس إذا سترها السحاب:
0 دعاء المجير | أباذر الحلواجي |
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 11:54 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية