[صدى المهدي]

بعد كل هذه البركات العظيمة في هذا الشهر العظيم يحق للنفس أن تثير تساؤلها وتقول: ماذا نعمل حتى نغتنم فرصة هذه الضيافة العظيمة؟ أجاب أهل البيت على هذا التساؤل في كلماتهم ومن ذلك: التدبير في حسن الاستفادة من هذه الضيافة: وأن لا يتساهل العبد في اغتنام هذه النعم العظيمة...

من عادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه إذا أراد أن يُبلّغ أمراً مهماً رقى المنبر وخطب في المسلمين، وهذا ما كان منه في آخر جمعة من شعبان في بعض الأعوام حيث إنه خطب المسلمين ولفت انتباههم إلى ضيافة الربّ لعباده في هذا الشهر الفضيل.
وقد جرى أهل بيت النبّوة (عليهم السلام) على نهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأكدوا أيضا على بركات هذه الشهر العظيم وأشاروا إلى فضله على سائر الشهور الأخرى.
ويكفي أن يتأمّل الإنسان منّا في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) الدالة على عظمة شهر رمضان المبارك ويلحظ ما فيه من خيرات وبركات.
خير الشهور

تضافرت أخبار أهل البيت (عليهم السلام) الدالة على أفضلية شهر رمضان على سائر الشهور الأخرى، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أيها الناس إن هذا الشهر قد حضركم وهو سيد الشهور (1).
وقال (صلى الله عليه وآله) في خطبة له: أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور (2).
وخطب أميرالمؤمنين (عليه السلام) في أول يوم من شهر رمضان في مسجد الكوفة فحمد الله بأفضل الحمد وأثنى عليه بأحسن الثناء وصلى الله محمد نبيه، ثم قال: أيها الناس إنّ هذا الشهر شهر فضّله الله على سائر الشهور كفضلنا أهل البيت على سائر الناس (3).
ولم يقتصر فضل شهر رمضان على سائر الشهور بل فُضّلت أيامه وساعاته عليها، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): شهر هو عند أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات (4).
وهذا الشهر كما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره إجابة وعتق من النار (5).
وامتاز هذا الشهر الفضيل على بقيّة الشهور بنسبته إلى الباري تعالى فسُمّي شهر الله، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): شعبان شهري، ورمضان شهر الله (6).
ومن مميّزات شهر رمضان هو نزول القرآن بنص قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقان) (7).
ومن مميّزاته أيضا ليلة هي خير من أفضل ألا وهي ليلة القدر.
وقد حبُي هذا الشهر الفضيل بخصائص عديدة منها ضيافة الله عز وجل، ففي هذا الشهر المبارك يكون الإنسان ضيفاً على الله عزّ وجلّ، وإلى هذا المعنى يشير رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته الشهيرة قائلاً: شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله (8).
وفي حديث آخر: أيها الصائم تدبّر أمرك فإنّك في شهرك هذا ضيف ربّك (9).
وهذه الضيافة العظيمة ليست كسائر الضيافات لما فيها من عظيم البركات الإلهية ومن ذلك:
مضاعفة الحسنات

يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): وجعل قيام ليلة منه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوّع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله عز وجل، ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور (10).
وقال (صلى الله عليه وآله): شهر رمضان ليس كالشهور لما تضاعف فيه من الأجور (11).
إستغفار الملائكة للصائمين

وفي هذا الشهر الفضيل وكل الباري تعالى ملائكة تستغفر للصائمين، يقول الإمام الباقر (عليه السلام): إن لله تعالى ملائكة موكلين بالصائمين يستغفرون لهم في كل يوم من شهر رمضان إلى آخره وينادون الصائمين كل ليلة عند إفطارهم أبشروا عباد الله فقد جعتم قليلا وستبشعون كثيراً بوركتم وبورك فيكم حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان نادى أبشروا عباد الله غفر لكم ذنوبكم، وقبل توبتكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون (12).
عتق الرقاب

وفي هذا الشهر الفضيل يعتق الباري تعالى كل ليلة رقاباً من النار.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): إن لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار..وإذا كان آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتقه في جميعه (13).
إغلاق أبواب النيران

وفي هذا الشهر تغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان كرامة لشهر رمضان ولمقام الصائم.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): تغلق فيه أبواب النيران، وتفتح أبواب الجنان.
وقال (صلى الله عليه وآله): أيها الناس إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم (14).
حبس الشياطين

وفي هذا الشهر الفضيل تغل جميع الشياطين ولا سلطة لها على العباد وهذا الأمر من خصائص هذا الشهر المبارك.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم (15).
وكان (صلى الله عليه وآله) يقول: يا معشر المسلمين إذا طلع هلال شهر رمضان غلّت مردة الشياطين (16).
آية بختم القرآن

ومن يقرأ آية من كتاب الله في هذا الشهر الفضيل نال ثواب ختم القرآن كله في بقية الشهور.
يقول الإمام الرضا (عليه السلام): من قرأ في شهر رمضان آية من كتاب الله عز وجل كان كمن ختم القرآن في غيره من الشهور (17).
تقسيم الأرزاق وزيادتها

وفي شهر رمضان المبارك تُقسّم الأرزاق وتزداد، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويبث فيه الأرزاق (18).
وعن المسمعي أنه سمع أبا عبدالله (عليه السلام) يوصي ولده ويقول: إذا دخل شهر رمضان فأجهدوا أنفسكم فإنّ فيه يُقسّم الأرزاق (19).
وعن أميرالمؤمنين (عليه السلام): هو شهر يزيد الله فيه الأرزاق (20).
تقدير الآجال

وفي شهر رمضان المبارك تكتب آجال العباد وتحدد منياتهم، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): فيه يقسم الأرزاق ويكتب الآجال (21).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): هو شهر يُكتب فيه الآجال (22).
أنفاسكم فيه تسبيح

ومن خصائص شهر رمضان أن أنفاس الخلائق التي هي غير اختيارية تصبح من الأمور العبادية، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنفاسكم فيه تسبيح (23).
نومكم فيه عبادة

ومن خصائص شهر رمضان المبارک أن نوم العباد يصبح عبادة، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ونومكم فيه عبادة (24).
أعمالكم فيه مقبولة

ومن خصائص هذا الشهر أن خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) الصادق الأمين أخبر فيه عن قبول أعمال العباد، فقال: وعملكم فيه مقبول (25).
دعاؤكم فيه مستجاب

ومن خصائص هذا الشهر الفضيل أيضا أن دعاء الإنسان مستجابا، وهذا ما نص عليه النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: ودعاؤكم فيه مستجاب (26).
الشقي كل الشقي

هذا غيض من فيض بركات شهر الضيافة الإلهية وقطرة من بحر النعم الإلهية في شهر رمضان، ولذا فإن الشقي من يحرم من هذه الإلطاف الإلهية.
ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فإن الشقي من حرم من غفران الله في هذا الشهر العظيم (27).
وقال أميرالمؤمنين (عليه السلام): أيها الصائم إن طردت عن باب مليكك فأي باب تقصد؟
وإن حرمك ربك فمن ذا الذي يعزك؟
وإن خذلك فمن ذا الذي ينصرك؟
وإن لم يقبلك في زمرة عبيده فإلى من ترجع بعبوديتك؟
وإن لم يقلك عثرتك فمن ترجو لغفران ذنوبك؟
وإن طالبك بحقه فماذا يكون حجتك؟ (28).
لنغتنم نعمة الضيافة

بعد كل هذه البركات العظيمة في هذا الشهر العظيم يحق للنفس أن تثير تساؤلها وتقول: ماذا نعمل حتى نغتنم فرصة هذه الضيافة العظيمة؟
الجواب: أجاب أهل البيت (عليهم السلام) على هذا التساؤل في كلماتهم ومن ذلك:
1- التدبير في حسن الاستفادة من هذه الضيافة: وأن لا يتساهل العبد في اغتنام هذه النعم العظيمة وإلى ذلك يشير أميرالمؤمنين (عليه السلام) بقوله: أيها الصائم تدبر أمرك فإنك في شهرك هذا ضيف ربك انظر كيف تكون في ليلك ونهارك وكيف تحفظ جوارحك عن معاصي ربك (29).
2- تجافي الغفلة: وعلى الإنسان أيضا أن تشغله المشاغل ويغفل عن عظمة نعمة ضيافة الرب.
يقول أميرالمؤمنين (عليه السلام): انظر أن لا تكون بالليل نائماً وبالنهار غافلاً فينقضي شهرك فإنك في شهرك وقد بقي عليك وزرك فتكونعند استيفاء الصائمين أجورهم من الخاسرين وعند فوزهم بكرامةمليكهم من المحرومين وعند سعادتهم بمجاورة ربهم من المطرودين (30).
3- إجهاد النفس في نيل البركات: فلابد للإنسان في هذا الشهر الفضيل أن يجهد نفسه حتى توفّق لنيل البركات وتحصيل الملكات العظيمة.
وقد أوصى أهل البيت (عليهم السلام) بذلك، ومن ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام) يوصي به ولده: إذا دخل شهر رمضان فأجهدوا أنفسكم (31).
..............................................

(1) من لا يحضره الفقيه: 2/96.

(2) أمالي الصدوق: 93.

(3) فضائل الأشهر الثلاثة: 108.

(4) أمالي الصدوق: 93.

(5) الکافي: 4/67.

(6) الجعفريات: 58.

(7) سورة البقرة: 185.

(8) أمالي الصدوق: 133.

(9) فضائل الأشهر الثلاثة: 108.

(10) من لا يحضره الفقيه: 2/95.

(11) فضائل الأشهر الثلاثة: 100.

(12) أمالي الصدوق: 54.

(13) فضائل الأشهر الثلاثة: 74.

(14) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/296.

(15) أمالي الصدوق: 95.

(16) الکافي: 4/67.

(17) فضائل الأشهر الثلاثة: 97.

(18) فضائل الأشهر الثلاثة: 100.

(19) فضائل الأشهر الثلاثة: 103.

(20) فضائل الأشهر الثلاثة: 108.

(21) فضائل الأشهر الثلاثة: 103.

(22) فضائل الأشهر الثلاثة: 100.

(23) أمالي الصدوق: 93.

(24) عيون أخبر الرضا (عليه السلام): 1/295.

(25) فضائل الأشهر الثلاثة: 77.

(26) أمالي الصدوق: 93.

(27) عيون أخبر الرضا (عليه السلام): 1/295.

(28) فضائل الأشهر الثلاثة: 108.

(29) فضائل الأشهر الثلاثة: 108.

(30) فضائل الأشهر الثلاثة: 108.

(31) فضائل الأشهر الثلاثة: 123.