[FONT=']سبب النزول:[/FONT]
[FONT=']قال جماعة من المفسّرين إنّه بعد نزول ما تقدّم من الآيات آنفاً جاءت طائفة من الأعراب إلى النبي وحلفوا أنّهم صادقون في ادّعائهم بأنّهم المؤمنون وظاهرهم وباطنهم سواء، فنزلت الآيتان من الآيات محل البحث وأنذرتهم أن لا يحلفوا، فاللَّه يعرف باطنهم وظاهرهم، ولا يخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض، ولا يمنوا عليه إسلامهم بل المنة لله حيث هداهم للإيمان[/FONT][2][FONT='].[/FONT]
[FONT=']التّفسير:[/FONT]
[FONT=']تحدثت الآيات السابقة عن ادعاء الأعراب الإيمان ولكن المولى كذبهم وأن الذي قالوه إنما هو الإسلام في درجاته الأولى وهو الاستسلام لا الإيمان، ثم بين حقيقة الإيمان ومواصفات المؤمنين الصادقين.[/FONT]
[FONT=']وفي هذه الآيات يتحدث القرآن الكريم عن أمور ثلاث:[/FONT]
[FONT=']1- علم الله بالغيب:[/FONT]
[FONT=']فقد جاء هؤلاء الأعراب إلى النبي يحلفون بالله أنهم لصادقون في دعواهم الأولى من الإيمان، وهنا اعترض المولى على هذه الدعوى وقال لهم: هل تريدون أن تخبروا الله وتعلموه بدينكم وعما في قلوبكم، والله سبحانه هو العالم بنفسه وأن علمه أزلي لم يكن حادثا وكذلك عالم بما في المستقبل صغيرها وكبيرها، وهو الذي يعلم الغيب وحده لا يشركه فيه نبي ولا وصي نبي ولا ملك مقرب ولحن الآيات فيه عتاب وملامة على من يتكلم بهذا الكلام ويخبر عن خلاف الواقع، إذ تقول الآية الأولى من الآيات محل البحث: [/FONT][FONT=']{قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ}[/FONT][FONT='] ولمزيد من التأكيد والتوضيح تضيف الآية قاعدة عامة بقولها: [/FONT][FONT=']{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[/FONT][FONT='] فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء بل الوجود كله بما فيه من ذرات تحت نظره.[/FONT]
[FONT=']يقول بعض المفسرين: (فذاته المقدّسة هي علمه بعينه وعلمه هو ذاته بعينها ولذلك فإنّ علمه أزلي أبدي! ذاته المقدّسة في كلّ مكان حاضرة، وهو أقرب إليكم من حبل الوريد، ويحول بين المرء وقلبه، فمع هذه الحال لا حاجة لادّعائكم، وهو يعرف الصادقين من الكاذبين ومطّلع على أعماق أنفسهم حتى درجات إيمانهم المتفاوتة ضعفا وقوّة، وقد تنطلي عليهم أنفسهم، إلاّ أنّه يعرفها بجلاء، فعلام تصرون أن تعلّموا اللَّه بدينكم؟! ثمّ يعود القرآن لكلمات الأعراب من أهل البادية الذين يمنّون على النّبي بأنّهم أسلموا وأنّهم أذعنوا لدينه في الوقت الذي حاربته القبائل العربية الأخرى)[/FONT][3][FONT='].[/FONT]
[FONT=']فما يدعيه الأعراب حول الإيمان دعوى غير صحيحة بل هي مجرد إسلام بمعنى الاستسلام.[/FONT]
[FONT=']2- لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ:[/FONT]
[FONT=']تحدثت الآية الثانية على أن هؤلاء الأعراب جاءوا يمنون على رسول الله صلى الله عليه وآله أنهم اسلموا بدون قتال بينما غيرهم جاءوا على ظهور رواحلهم للقتال فيقول القرآن جوابا على كلماتهم هذه ومخاطبا نبيه صلى الله عليه وآله : [/FONT][FONT=']{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}[/FONT][FONT='].[/FONT]
[FONT=']«المنة» : من مادة «المن» ومعناه الوزن الخاص الذي يوزن به، ثمّ استعمل هذا اللفظ على كلّ نعمة غالية وثمينة.[/FONT]
[FONT='](فالمن القطع بإيصال النفع الموجب للحق، ومنه قوله [/FONT][FONT=']{فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[/FONT][FONT='] أي غير مقطوع، ومنه قولهم: المنة تكدر الصنيعة، وقيل: إذا كفرت النعمة حسنت المنة، ومن لا أحد إلا وهو محتاج إليه، فليس في منه تكدير النعمة، لأن الحاجة لازمة لامتناع أن يستغنى عنه بغيره)[/FONT][4][FONT='].[/FONT]
[FONT=']وفي ذيل الآية يأتي التعبير قائلا: [/FONT][FONT=']{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}[/FONT][FONT='].[/FONT]
[FONT=']قال السيد الطباطبائي: أي يمنون عليك بأن أسلموا وقد أخطئوا في مَنِّهم هذا من وجهين:[/FONT]
[FONT=']أحدهما: أن حقيقة النعمة التي فيها المن هو الإيمان الذي هو مفتاح سعادة الدنيا والآخرة دون الإسلام الذي له فوائد صورية من حقن الدماء وجواز المناكح والمواريث.[/FONT]
[FONT=']وثانيهما: أن ليس للنبي صلى الله عليه وآله من أمر الدين إلا أنه رسول مأمور بالتبليغ فلا من عليه لأحد ممن أسلم.[/FONT]
[FONT=']فلو كان هناك منَّ لكان لهم على الله سبحانه لأن الدين دينه لكن لا منَّ لأحد على الله لأن المنتفع بالدين في الدنيا والآخرة هم المؤمنون دون الله الغني على الإطلاق فالمنَّ لله عليهم أن هداهم له.[/FONT]
[FONT=']وقد بدل ثانيا الإسلام من الإيمان للإشارة إلى أن المنَّ إنما هو بالإيمان دون الإسلام الذي إنما ينفعهم في الظاهر فقط.[/FONT]
[FONT=']فقد تضمن قوله: «[/FONT][FONT=']قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ[/FONT][FONT=']» إلخ، الإشارة إلى خطئهم من الجهتين جميعا:[/FONT]
[FONT=']إحداهما: خطئهم من جهة توجيه المنَّ إلى النبي (ص) وهو رسول ليس له من الأمر شيء، وإليه الإشارة بقوله: «[/FONT][FONT=']لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ[/FONT][FONT=']».[/FONT]
[FONT=']وثانيهما: أن المنَّ- لو كان هناك منَّ - إنما هو بالإيمان دون الإسلام، وإليه الإشارة بتبديل الإسلام من الإيمان.[/FONT][5]
[FONT=']3- تعليل ما تقدم من السورة:[/FONT]
[FONT=']أما الآية الأخيرة والتي تختم السورة بها فهي تعليل لكل ما تقدم من السورة من الأوامر والنواهي فيقول تعالى: [/FONT][FONT=']{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}[/FONT][FONT='].[/FONT]
[FONT=']يقول السيد الطباطبائي حول الآية إنها: (ختم للسورة وتأكيد يعلل ويؤكد به جميع ما تقدم في السورة من النواهي والأوامر وما بين فيها من الحقائق وما أخبر فيها عن إيمان قوم وعدم إيمان آخرين فالآية تعلل بمضمونها جميع ذلك.[/FONT]
[FONT=']والمراد بغيب السماوات والأرض ما فيها من الغيب أو الأعم مما فيهما ومن الخارج منهما)[/FONT][6][FONT='].[/FONT]
[FONT=']وهنا بحوث تتعلق بهذه الآيات:[/FONT]
[FONT=']معنى المنة:[/FONT]
[FONT=']قال الراغب الأصفهاني: المَنُّ: ما يوزن به، يقال: مَنٌّ، ومنّان، وأَمْنَانٌ، وربّما أبدل من إحدى النّونين ألف فقيل: مَناً وأَمْنَاءٌ، ويقال لما يقدّر: ممنون كما يقال: موزون.[/FONT]
[FONT=']والمِنَّةُ: النّعمة الثّقيلة، ويقال ذلك على وجهين:[/FONT]
[FONT=']أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: مَنَّ فلان على فلان: إذا أثقله بالنّعمة، وعلى ذلك قوله: [/FONT][FONT=']{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[/FONT][FONT='][آل عمران/ 164]، [/FONT][FONT=']{كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [/FONT][FONT='][النساء/ 94]، [/FONT][FONT=']{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ} [/FONT][FONT='][الصافات/ 114]، [/FONT][FONT=']{يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ}[/FONT][FONT='] [إبراهيم/ 11]، [/FONT][FONT=']{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}[/FONT][FONT='] [القصص/ 5]، وذلك على الحقيقة لا يكون إلّا للّه تعالى.[/FONT]
[FONT=']والثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلّا عند كفران النّعمة، ولقبح ذلك قيل: المِنَّةُ تهدم الصّنيعة[/FONT][7][FONT=']،[/FONT][FONT='] ولحُسْنِ ذِكْرِها عند الكُفران قيل: إذا كُفِرَتِ النّعمَةُ حَسُنَتِ المِنّةُ. وقوله: [/FONT][FONT=']{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ}[/FONT][FONT='] [الحجرات/ 17] فالمنّة منهم بالقول، ومنّة اللّه عليهم بالفعل، وهو هدايته إيّاهم كما ذكر، وقوله: [/FONT][FONT=']{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً}[/FONT][FONT='] [محمد/ 4] فالمنّ إشارة إلى الإطلاق بلا عوض. وقوله: [/FONT][FONT=']{هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ}[/FONT][FONT='] [ص/ 39] أي: أنفقه، وقوله: [/FONT][FONT=']{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}[/FONT][FONT='] [المدثر/ 6] فقد قيل: هو المنّة بالقول، وذلك أن يمتنّ به ويستكثره، وقيل معناه: لا تعط مبتغيا به أكثر منه، وقوله: [/FONT][FONT=']{لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[/FONT][FONT='] [الانشقاق/ 25] قيل: غير معدود كما قال: [/FONT][FONT=']{بِغَيْرِ حِسابٍ}[/FONT][8][FONT='] [الزمر/ 10] وقيل: غير مقطوع[9] ولا منقوص.[/FONT]
[FONT=']ومنه قيل: المَنُون للمَنِيَّة، لأنها تنقص العدد وتقطع المدد.[/FONT]
[FONT=']وقيل: إنّ المنّة التي بالقول هي من هذا، لأنها تقطع النّعمة وتقتضي قطع الشّكر.[/FONT][10]
[FONT=']والحاصل: أن المنّة على نوعين:[/FONT]
[FONT=']1- المنة العملية: وهي أن يقدم عملا للطرف الآخر كعطاء النعمة والهبة فهي ممدوحة ، ومنن اللَّه من هذا القبيل فإنها عطاء من جوده وكرمه.[/FONT]
[FONT=']2- المنة بالقول: وذلك أن تكون المنة فيها جانب لفظي، كَمَنِِّ كثير من الناس بالقول بعد العمل، فهي قبيحة وغير محبوبة!.[/FONT]
[FONT=']وما تتحدث فيه الآية من هذا القبيل حيث أن الأعراب يمنون على رسول الله صلى الله عليه وآله إسلامهم حيث أن صدر الآية يقول [/FONT][FONT=']{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [/FONT][FONT=']وهذا تأكيد آخر على أنّهم غير صادقين في دعوى إيمانهم.[/FONT]
[FONT=']من له المَنَّة؟:[/FONT]
[FONT=']ومن البساطة والسذاجة أن يتصور الإنسان أن له مِنِيَّة على ساحة قدس الله عز وجل، أو على ساحة قدس الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، أو على قدس ومقام أوصيائه عليهم السلام. فإن مجرد قبول الإيمان وأداء العبادات والطاعات لهؤلاء لا يقدم خدمة لهم بل المصلحة ترجع إلى العبد نفسه وهو يترقب الجزاء والثواب في العاجل والآجل؛ قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ - حِينَ خَلَقَهُمْ - غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ وَلَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيا مَوَاضِعَهُم)[/FONT][11]
[FONT=']بينما إذا حصل الإيمان بالله من العبد واستجاب وأطاع الرسولَ وأولي الأمر فإن حاله سوف يتغير وقد تحصل على لطف المولى سبحانه بهذا التوفيق وترقى من الحضيض إلى مدارج الكمال وذلك عندما يستقر الإيمان في قلبه بفضل الله ومنته عليه [/FONT][FONT=']{... وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}[/FONT][FONT='] (40) سورة النــور[/FONT]
[FONT='](أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الْأَنْوَارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ، وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الْأَغْيَارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِوَاكَ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى غَيْرِكَ، أَنْتَ الْمُونِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ الْعَوَالِمُ، وَأَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبَانَتْ لَهُمُ الْمَعَالِمُ).[/FONT]
[FONT=']نعم إنها القوة الكبرى التي إذا ارتبط بها العبد الضعيف المسكين المستكين الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله أصبح بهذا الارتباط بالله أقوى إنسان وأشرف إنسان وأعظم إنسان الذي لا يقهره شيء ولا يُخيفه شيء ولا يُعجزه شيء فقد استمد ذلك من الله عز وجل.[/FONT]
[FONT=']إن إيمانه وارتباطه بالقوة المطلقة يجعله تحصل على كل شيء، ومن لم يؤمن به فقد خسر كل شيء.[/FONT]
[FONT='](مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ، لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلًا، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَى عَنْكَ مُتَحَوَّلًا، كَيْفَ يُرْجَى سِوَاكَ وَأَنْتَ مَا قَطَعْتَ الْإِحْسَانَ، وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ، وَأَنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ الِامْتِنَانِ)[/FONT]
[FONT=']فالإيمان بالله يمنح الإنسان أفقاً واسعاً ووعياً كاملاً ويخرج العبد المؤمن من أنانيته وذاتيته ومصالحه الشخصية والطائفية والمذهبية والعرقية إلى أفق أوسع وعالم أرحب فيرى الوجود وقد شعَّ عليه نور المولى سبحانه [/FONT][FONT=']{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[/FONT][FONT='] ثم إن المولى يهدي لنوره من يشاء بحسب لطفه وأسبابه الطبيعية [/FONT][FONT=']{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [/FONT][FONT='](35) سورة النــور.[/FONT]
[FONT=']فنعمة الإيمان أعظم نعمة من الله على العبد وصاحب هذه النعمة هو الذي له المنة الكبرى وليست المنة للمنعَم عليه إنها مفارقة عجيبة غريبة حيث يدعي الأعراب ككثير من الناس أن لهم المنة على الله أو على رسوله ولكن هؤلاء لم يدخل الإيمان في قلوبهم ولم يشعروا بحلاوة الإيمان ولم يذوقوا طعمه (يَا مَنْ أَذَاقَ أَحِبَّاءَهُ حَلَاوَةَ الْمُؤَانَسَةِ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ، وَيَا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِيَاءَهُ مَلَابِسَ هَيْبَتِهِ، فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرِين).[/FONT]
أي النعم أكبر: الوجود أم الإيمان؟:
قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا. قُلْ: لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ. بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}..
نعمة الوجود من الله سبحان على عباده من أعظم النعم عليه حيث أخرجه من العدم إلى الوجود فهو على قيد الحياة يكد ويكدح ويعمل.
لقد مَنَّ الأعراب بالإسلام، وزعموا الإيمان. فجاءهم الرد من المولى أن لا يمنوا بالإسلام، وأن المنة للّه عليهم لو صدقوا في دعوى الإيمان.
ونحن نقف أمام هذا الرد العظيم، الذي يتضمن حقيقة ضخمة تهز كياننا وتجعلنا نفيق من غفلتنا وسباتنا بل نحيى من موتنا ولو كنا حقيقة صادقين مع الله وتذوقنا طعم الإيمان ودخل في أعماق قلوبنا لكنا في حالة غير التي نحن عليها الآن.
دور الإيمان في حياة الإنسان:
إن الله سبحانه هو خالق الخلق وباسط الرزق وبيده ملكوت السموات والأرض وهو على كل شيء قدير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وله العزة والعظمة والكبرياء فالموجودات بين يديه كذرة من الذرات، إن العبد إذا ارتبط بالله اكتسب العزة والقوة والعظمة من الله سبحانه.
[FONT='](إِلَهِي أَنَا الْفَقِيرُ فِي غِنَايَ فَكَيْفَ لاَ أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي.[/FONT]
[FONT=']إِلَهِي أَنَا الْجَاهِلُ فِي عِلْمِي فَكَيْفَ لاَ أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي.[/FONT]
[FONT=']إِلَهِي إِنَّ اخْتِلاَفَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ طَوَاءِ مَقَادِيرِكَ مَنَعَا عِبَادَكَ الْعَارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إِلَى عَطَاءٍ وَالْيَأْسِ مِنْكَ فِي بَلاَءٍ.[/FONT]
[FONT=']إِلَهِي مِنِّي مَا يَلِيقُ بِلُؤْمِي وَمِنْكَ مَا يَلِيقُ بِكَرَمِكَ.[/FONT]
[FONT=']إِلَهِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ لِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي أَفَتَمْنَعُنِي مِنْهُمَا بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفِي.[/FONT]
[FONT=']إِلَهِي إِنْ ظَهَرَتِ الْمَحَاسِنُ مِنِّي فَبِفَضْلِكَ وَلَكَ الْمِنَّةُ عَلَيَ.[/FONT]
[FONT=']وَإِنْ ظَهَرَتِ الْمَسَاوِي مِنِّي فَبِعَدْلِكَ وَلَكَ الْحُجَّةُ عَلَيَ.[/FONT]
[FONT=']إِلَهِي كَيْفَ تَكِلُنِي وَقَدْ تَكَفَّلْتَ لِي (تَوَكَّلْتُ) وَكَيْفَ أُضَامُ وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِي أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ الْحَفِيُّ بِي.[/FONT]
[FONT=']هَا أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِي إِلَيْكَ وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِمَا هُوَ مَحَالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ.[/FONT]
[FONT=']أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حَالِي وَهُوَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقَالِي وَهُوَ مِنْكَ بَرَزٌ إِلَيْكَ).[/FONT]
فأول ما يصنعه الإيمان في العبد أن حوله من عبودية الشهوة والذات والأنانية إلى عبودية الواحد الأحد وانعكس ذلك على كل تصرفاته وسلوكياته ونظر إلى الخلق أنهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
[FONT=']الخطبة الثانية[/FONT]
[FONT=']تمر علينا في هذه الأيام ذكرى وفاة الإمام الحادي عشر من أئمة الهدى عليهم السلام.[/FONT]
[FONT=']الإمام العسكري:[/FONT]
[FONT=']الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر....[/FONT]
[FONT=']ولد عليه السلام في شهر ربيع الثاني سنة 230 أو 231 أو 232 أو 233 هـ[/FONT]
[FONT=']والصحيح أنه ولد سنة 232هـ[/FONT]
[FONT=']وتوفي في 8 شهر ربيع الأول سنة 260 هـ [/FONT]
[FONT=']يجب أن نقرأ أئمتنا قراءة تتناسب مع عظمتهم:[/FONT]
[FONT=']الإمام العسكري أحد رموز أئمة الهدى أئمة أهل البيت عليهم السلام فهو الإمام الحادي عشر من تلك السلالة الطيبة التي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.[/FONT]
[FONT=']وبالرغم من قصر عمره حيث لم يتجاوز العقد الثالث من عمره إلا أنه قدم للأمة الشيء الكثير فلم يألو جهدا في نصحها ودفعها إلى الأمام سواء كان في الجانب المعرفي أو الإصلاحي أو الاجتماعي أو الحفاظ عليها من المزالق التي مرت بها ولنشير الآن بصورة خاطفة إلى بعض معطياته عليه السلام.[/FONT]
[FONT=']ففي الجانب المعرفي:[/FONT]
[FONT=']ترك لنا الإمام العسكري عليه السلام ثروة كبيرة في هذا الجانب من الأحاديث التي رواها عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله.[/FONT]
[FONT=']قَالَ عليه السلام: لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ كَثْرَةَ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّمَا الْعِبَادَةُ كَثْرَةُ التَّفَكُّرِ فِي أَمْرِ اللَّهِ[/FONT][12][FONT='].[/FONT]
[FONT=']المراد هنا بكثرة الصيام والصلاة المستحبة وليست الواجبة فالواجبة لا بد من الإتيان بها أما الصيام والصلاة المستحبة وإن كانت عبادة لكن ليس الميزان فيها الجانب الكمي للعبادة بل المعيار جانب الكيف ولهذا فتفكر ساعة قد يكون أفضل من عبادة70 سنة جوفا مبنية على الجهل.[/FONT]
[FONT=']وَقَالَ عليه السلام: بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَكُونُ ذَا وَجْهَيْنِ وَذَا لِسَانَيْنِ يُطْرِي أَخَاهُ شَاهِداً وَيَأْكُلُهُ غَائِباً، إِنْ أُعْطِيَ حَسَدَهُ وَإِنِ ابْتُلِيَ خَانَهُ[/FONT][13][FONT='].[/FONT]
[FONT=']لأن الإنسان ذا اللسانين من يحرض أحد العدوين على الآخر ويزيد في عداوتهما ويفتن ما بينهما فيكون من مصاديق المنافق.[/FONT]
[FONT=']وَقَالَ (ع): الْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ[/FONT][14][FONT='].[/FONT]
[FONT=']السلوك مع المخالفين له:[/FONT]
[FONT=']كان عليه السلام يحرص على لمِّ شمل الأمة ووحدة صفوفها فيما يرجع إلى من يواليهم مع من يخالفهم.[/FONT]
[FONT=']قَالَ عليه السلام لِشِيعَتِهِ فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ: أَمَرْنَاكُمْ بِالتَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَنَحْنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ، وَالْآنَ نَأْمُرُكُمْ بِالتَّخَتُّمِ فِي الشِّمَالِ لِغَيْبَتِنَا عَنْكُمْ، إِلَى أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ أَمْرَنَا وَأَمْرَكُمْ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَيْكُمْ فِي وَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؛ فَخَلَعُوا خَوَاتِيمَهُمْ مِنْ أَيْمَانِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَبِسُوهَا فِي شَمَائِلِهِمْ، وَقَالَ عليه السلام لَهُمْ: حَدِّثُوا بِهَذَا [/FONT][FONT=']شِيعَتَنَا[15].[/FONT]
[FONT=']وَقَالَ عليه السلام: أَقَلُّ النَّاسِ رَاحَةً الْحَقُودُ[16].[/FONT]
الآداب والأخلاق في الإسلام
العرض العادي
