إليكم ردود الرافضة يا نواصب
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..وبعد..
فقد طرحتم أسئلة حول أولئك الذين يذمهم الأئمة صلوات الله عليهم، ونحن نجيب على أسئلتكم على النحو التالي:
من الذين يذمهم الإمام علي عليه السلام؟!
أما بالنسبة للنصوص التي أوردها عن الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه لأهل العراق، فإنها ليس فقط لا تفيد هذا المتحامل في شيء مما يريد أن يقرره، بل هي واضحة الدلالة على إبطال مدَّعاه وإدانة الخط الذي يتبناه، ولسوف يوقع نفسه في هذا المأزق، الذي سيتعذر عليه الخلاص منه.
وقد كنا نود أن لا يثير أحد مثل هذا الأمر، الذي سوف لا يهون على أهل السنة كشفه والإعلان به، وذلك لما فيه من إحراجات كانوا في غنى عن مواجهتها..
ولكننا بعد أن بتنا نخشى على الناس الذين لم يأخذوا من العلم بنصيب وافر، أن يصدقوا كلام هذا الرجل، وأن يأخذوه من دون تحقيق، ولا تمحيص..
فإننا نعتذر لأعزائنا الأكارم سلفاً، عما سوف نكشفه من حقائق لم نكن لنتعرض لها لولا ما جنته يدا هذا المتعرض لما لا يحق له التعرض له..
وكما نعتذر لهم عن ذلك، فإننا نطلب منهم أن يتأكدوا بأنفسهم من الحقيقة التي سوف نضعها أمامهم، فإن الحق أحق أن يتبع، والله هو الحسيب وهو الرقيب.
وما نريد أن نقوله فيما يختص بما نقله عن الإمام علي عليه السلام من أقوال، نلخصه بما يلي:
إن الإمام علياً عليه السلام إنما يتحدث عن مجتمع عرف الإسلام من خلال الخلفاء الذين سبقوه، وهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، ومن يدور في فلكهم من الولاة، والمتصرفين في الأمور، فإن البلاد قد افتتحت في عهد هؤلاء، وحكم أولئك الولاة سكانه، ونفذوا فيهم أوامر خلفائهم، وفرضوا عليهم سياساتهم، وأشاعوا فيهم مفاهيمهم..
وأما الإمام علي عليه السلام، فلم يكن له أي دور في العراق طيلة تلك السنين، ولا يعرفه أهله، ولا عاشوا معه، ولا رأوه، وربما لم يسمعوا عنه شيئاً ذا بال..
ولأجل ذلك نلاحظ: أن العراقيين كانوا متأثرين بسياسات أولئك الخلفاء، ولاسيما عمر بن الخطاب إلى حد أنهم كانوا بالاستناد إليها، يتمردون على قرارات الإمام علي عليه السلام، مع أنه كان هو الخليفة والحاكم فيهم..
وقد ذكرت بعض المصادر: أنه عليه السلام لم يستطع أن يمنع جنده من صلاة التراويح، وتنادوا: يا أهل الإسلام، غيِّرت سنة عمر..
إلى أن قال عليه السلام:
ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري..
وفي نص آخر: أنهم صاحوا: واعمراه..(11).
كما أنهم قد فرضوا عليه أن لا يعزل شريحاً عن القضاء بحجة أن عمر قد نصبه..(12).
كما أن عمرو بن العاص، قد أشار في قضية التحكيم لأهل العراق إلى ميزات كانت في أبي موسى الأشعري، ومنها: أنه صاحب مغانم أبي بكر، وعامل عمر بن الخطاب..(13).
وبذلك أيضاً احتج الأشعث بن قيس، ومن صاروا خوارج على الإمام علي عليه السلام في محاولاتهم إقناعه بأن يرسله إلى التحكيم..(14).
وقد قال طلحة والزبير للإمام علي عليه السلام في حرب الجمل: إنهما نقما عليه خلافه عمر بن الخطاب، وأئمتهم..(15).
ونادى أصحاب الجمل الإمام علياً عليه السلام: أعطنا سنة العمرين..(16).
وقال الخوارج لقيس بن سعد: لسنا متابعيكم، أو تأتونا بمثل عمر..(17).
وحينما حاول الخوارج ـ وهم عراقيون ـ إقناع زيد بن حصين بالتولي عليهم قالوا له: أنت سيدنا وشيخنا، وعامل عمر بن الخطاب على الكوفة..(18).
كما أن ربيعة بن أبي شداد الخثعمي ـ وهو زعيم قبيلته وكان صاحب راية خثعم في الجمل وصفين ـ قد أبى أن يبايع الإمام علياً عليه السلام على كتاب الله وسنة رسوله، بل قال: على سنة أبي بكر وعمر..(19).
وقد كان الخوارج ـ وهم عراقيون ـ يتولون أبا بكر وعمر بن الخطاب، ويتبرأون من عثمان والإمام علي عليه السلام..
ولأجل ذلك نجد: أن نجدة الحروري يتخلى عن فكرة مهاجمة المدينة، لما أخبر بأن ابن عمر قد لبس السلاح، وذلك لأن نجدة وسائر الخوارج كانوا يوقرون أباه عمر بن الخطاب توقيراً شديداً..(20).
وقد استعمل قطري بن الفجاءة دهقاناً فظهرت له أموال كثيرة، فقالوا لقطري: إن عمر بن الخطاب لم يكن يقارّ على مثل هذا الخ..(21).
كما أن يزيد بن المهلب، قد خطب الناس ووعدهم بالعمل بسنة العمرين..(22).
بل إن بعض النصوص تشير إلى أن أهل العراق كانوا لا يطيقون حتى ذكر الإمام علي عليه السلام، فقد قال جندب بن عبد الله في حديث له: فانصرفت إلى العراق، فكنت أذكر فضل علي على الناس، فلا أعدم رجلاً يقول لي ما أكره. وأحسن ما أسمعه قول من يقول: دع عنك هذا، وخذ فيما ينفعك، فأقول: إن هذا مما ينفعني وينفعك، فيقوم عني ويدعني..(23).
بل لقد اعترف عمرو بن العاص بأن أهل البصرة مخالفون لعلي، قد وترهم وقللهم، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل..(24).
ويقول الأصمعي: البصرة عثمانية من يوم الجمل..(25).
وقال ابن عبد ربه، عن سبب انحراف البصرة عن الإمام علي عليه السلام: إذ قاموا مع عائشة وطلحة والزبير، فقتلهم علي..(26).
ولبني عدي بن عبد مناف مسجد بالبصرة ينتاب وينزل به، ويقال: إن جمل عائشة عقر في موضعه، فابتني على ذلك..(27).
وفي الكوفة: كان حي الناعطيين جلهم من العثمانية،(28) وكانت باهلة في الكوفة تعادي علياً..(29). وكرهت الخروج معه إلى صفين..(30).
وحين ذهب عليه السلام إلى قتال أهل النهروان كانت قبيلتا غنى وباهلة تدعوان الله أن يظفر به عدوه..(31).
وقد بلغه عليه السلام: أن الناس يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي صلى الله عليه وآله له وتفضيله على الناس، فقال عليه السلام:
أنشد الله من بقي ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسمع مقاله في يوم غدير خم، الخ..
فشهد له اثنا عشر صحابياً..(32).
وفي بعض النصوص: أنهم كانوا بدريين.
وبعضها يقول: شهد له ثلاثون رجلاً.
وقد تعددت هذه الاستشهادات له عليه السلام..
ويذكر المعتزلي وغيره نصوصاً تدل على أن العراقيين ما كانوا يصدقون الإمام علياً عليه السلام فيما كان يخبرهم به..(33)فراجع.
فكل ذلك يدل على عداوتهم له، وعدم اعتقادهم بإمامته، وأن ولاءهم الحقيقي إنما كان لعمر بن الخطاب وأبي بكر..
ولكن كانوا من جهة أخرى يرون أنفسهم أمام أمر واقع، فإن الإمام علياً عليه السلام قد بويع، من قبل الصحابة غيرهم، وكانت مصلحتهم تكمن في البيعة له، وعدم تعريض أنفسهم لخيارات قد يرون أنها صعبة عليهم..
فطاعتهم له إنما لأجل ما له من بيعة في أعناقهم، ولأجل أن لا يتمكن أهل الشام من الهيمنة عليهم، ولغير ذلك من أمور، ولم تكن من أجل اعتقادهم بإمامته..
ومن الواضح: أن من يعتقد بإمامة إمام فإنه لا يبغضه، ولا يكذبه، ولا يعاديه، ولا يتمنى ظفر عدوه به، ولا يفرض عليه سياسات أناس آخرين..
ولو كانوا يؤمنون بإمامته لما احتاج إلى الاستشهاد لهم بالصحابة على صحة ما يقوله من تفضيل النبي صلى الله عليه وآله له، وعلى حديث الغدير..
فالصحيح إذن هو أن أهل العراق كانوا من أنصار الخلفاء الذين سبقوا الإمام علياً عليه السلام، ولم يكونوا شيعة للإمام علي عليه السلام، فكل الذم الموجود إنما هو لهؤلاء دون سواهم..
ولكننا لا ننكر أن أهل العراق، وخصوصاً في مناطق الكوفة قد تغيرت نظرتهم للإمام علي عليه السلام، وبدأوا يتجهون نحو التشيع بصورة تدريجية، حتى استقر فيهم ذلك، ولكن بعد عشرات السنين..
الإمام الحسن عليه السلام يذم المنافقين:
وبعد الذي قدمناه، فقد اتضح: أن أهل العراق كانوا معجبين بالخلفاء الذين سبقوا الإمام علياً عليه السلام، ولاسيما عمر بن الخطاب، وكانوا من محبيهم وأتباعهم، وقد أخذوا دينهم منهم وعنهم، وتربوا على أيديهم من خلال ولاتهم الذين أشاعوا فيهم مفاهيم وعادات وسياسات وإسلام أسيادهم. وقد كان موقفهم من الإمام عليه السلام، الذي بقي بينهم حوالي خمس سنوات فقط، هو موقف المبغض له، والحاقد عليه، والذي يتمنى أن يظفر عدوه به، وحين استشهد عليه السلام، فإن القوم هم نفس القوم، والناس هم الناس، المبغضون، والحاقدون، الذين بمجرد أن وجدوا الفرصة بادروا لمحاولة قتل الإمام الحسن عليه السلام..
وقد اتضح من خلال ذلك كله: أنهم كانوا يستعملون أسلوب النفاق مع الإمام علي وأهل بيته عليهم السلام، فيظهرون أنهم شيعة له، ويبطنون له البغض والعداء، حتى إذا أمكنتهم الفرصة حاولوا قتله..
وقد سبقهم إلى ذلك، الذين كانوا يتظاهرون بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وآله، وبالولاء لأهل البيت عليهم السلام، مع أنهم كانوا من المنافقين الذين يبطنون الكفر، ويظهرون الإيمان.. فلما أمكنتهم الفرصة حاولوا قتل الرسول صلى الله عليه وآله بتنفير ناقته به، وظهرت حسيكة النفاق في أكثر من مورد، في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وبعده..
وقد تحدث عنهم القرآن في موارد كثيرة، منها قوله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ}(34).
ولأجل ذلك قال عليه السلام: يزعمون أنهم لي شيعة.. ابتغوا قتلي، وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي..
فكلمة يزعمون تشير إلى أنهم غير صادقين فيما يدعونه..
فهل المنافق الذي يتخذ مذهباً لنفسه، ويتكتم عليه، ويظهر أنه من أهل مذهب آخر، أو يتظاهر بحب شخص، مع أنه يبطن بغضه، هل هذا يمكن أن يعد من أهل ذلك المذهب؟!، أو يمكن أن يعد من محبي ذلك الشخص؟!..
يضاف إلى ذلك كله: أن الإمام الحسن عليه السلام، قال: يزعمون أنهم لي شيعة، ولم يقل: يزعمون أنهم شيعة. وهذا أوضح دليل على أنه عليه السلام لا يقصد أنهم من مذهب الشيعة، بل يقصد أنهم يظهرون الانتساب والولاء له، سواء أكانوا من الخوارج، أم من أهل السنة، أم من الشيعة، أم من غيرهم..
من الذين يذمهم الإمام الحسين عليه السلام:
أما الذين يذمهم الإمام الحسين عليه السلام، فهم شيعة آل أبي سفيان، كما صرح به عليه السلام في كلامه معهم، وهم الذين استصرخوه والهين، فأصرخهم، واستجاب لطلبهم، وهم نفس أتباع الخلفاء السابقين: أبي بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان..
وقد صرح عليه السلام في نفس الخطبة التي استشهد بها هذا المتحامل على الشيعة ـ صرح ـ بأنهم لم يكونوا شيعة له، بل هم من أتباع بني أمية، فقد قال فيها: وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون(35).
كما أنه عليه السلام يقول عن هؤلاء إنهم بقية الأحزاب، ونبذة الكتاب، وفي نص آخر: شذاذ الأحزاب..
ومن المعلوم: أن شذاذ الأحزاب هم بقايا الذين كانوا على غير دين الإسلام، وقد تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله، وحاربوه..
وقال عليه السلام مخاطباً لهم: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه إن كنتم عرباً كما تزعمون(36).
فذمه متوجه إليهم لكونهم شيعة آل أبي سفيان، وليسوا من شيعته، ولا من شيعة أبيه بالمعنى الاعتقادي المعروف..
أضف إلى ذلك كله: أن قوله عليه السلام: استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين.. يدل على أنهم قد استغاثوا به فأغاثهم، وليس بالضرورة أن يكون المستغيث ممن يؤمن بمبادئ المستغاث به، بل قد يكون مخالفاً له في الدين، ولكنه يداريه ليحصل على ما يريد..
وأما قوله: فأصبحتم إلباً على أوليائكم، ويداً على أعدائكم، يشير به إلى أنه عليه السلام كان يحب لهم الخير والصلاح، وأن بني أمية لا يحبون لهم ذلك، بل هم يريدون أن يستفيدوا منهم لا حباً بهم، بل حباً بأنفسهم ومن أجل مصالحهم..
تماماً كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله، تذهب نفسه حسرات على أعدائه رغبة في أن يدخلوا في دين الله، ويحقنوا بذلك دماءهم، وينالوا بركات الإيمان والإسلام. وكان زعماء الشرك يضحون بغيرهم من أجل أنفسهم، للحصول على مآربهم.
وفي جميع الأحوال نقول لهذا الرجل: إن ما ذكره من روايات عن الأئمة عليهم السلام، يحتاج إلى التوثيق السندي، إذ ليس جميع الروايات الواردة في كتب الشيعة والسنة، بالتي يصح الاحتجاج عليهم بها، والتشنيع عليهم من خلالها. وسيأتي مزيد توضيح لهذه النقطة إن شاء الله تعالى..
الإمام الباقر عليه السلام والشيعة:
إن الكلام المنقول عن الإمام الباقر عليه السلام، لا يدل على بطلان نحلة التشيع، بل هو بصدد بيان حال من ينسب نفسه إلى هذه النحلة، وهو ليس أهلاً لحمل اسمها..
بل إن هذا المنقول ظاهر الدلالة على ضد ما يقول هذا المتحامل، حيث صرح بأن الذين يدخلون في التشيع حقيقة هم قلة قليلة، وبأن أكثر من يظهرون التشيع يبقون على مذاهبهم الأولى، لأن أمرهم عليهم السلام صعب مستصعب، تماماً كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن القلة القليلة هي التي كانت راسخة الإيمان، صادقة في دعواها الإسلام، والباقون كانوا بين منافق، ومتردد، ومن لا يبالي، ومن يبحث عن مصالحه، ومن يسعى لنيل المطالب، وتحقيق المآرب..
على أن هذا الرجل لم يبين لنا مستوى اعتبار أسانيد الروايات التي يعرضها، بهدف التشنيع وتشكيك البسطاء من خلالها، فإننا لا نرى أن جميع الروايات صحيحة السند، أو يصح قبول دلالتها. بل في الروايات الصحيح والسقيم، وما هو ظاهر الدلالة، وما هو مجمل يحتاج إلى توضيح وبيان..
كما أن أهل السنة أنفسهم لا يرضون بجميع الروايات التي وردت في مصادرهم، ولا يصح القول بأنهم ملتزمون بجميع المضامين التي وردت فيها..
نعم هو ملتزم بروايات كتب الصحاح بصورة ظاهرة وشديدة.. وقد أوقعهم هذا الالتزام ولا يزال في مآزق وإرباكات كبيرة وخطيرة..
الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، من يذم؟!..
وأما ما ذكره عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، فنحن نطالبه ببيان مدى اعتبار أسناده، وفقاً للأصول في إثبات هذا الاعتبار لها أو نفيه، فإن مجرد ورود الرواية في المصادر الشيعية أو السنية، لا يبرر الاحتجاج بها..
ومع ذلك نقول: إنه عليه السلام يريد أن يبين قلة شيعته الحقيقيين، وأنهم لو محصوا لم يبق منهم إلا القليل.. وأن الكثيرين يدَّعون التشيع للإمام علي عليه السلام، ولا يصدق قولهم فعلهم..
وهذا لا يدل على بطلان نحلة التشيع، بل هو يدل على أن هناك من يدعي التشيع، وليس هو بذاك..
فهو كأولئك الذين ينسبون أنفسهم إلى أهل السنة، وأهل السنة يتبرأون منهم، لأنهم لا يحملون سمات أهل السنة..
صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله:
بقي أن نشير إلى أن ما ذكره من صفات لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنما يقصد بهم أفراداً مخصوصين، ولا يراد بهم كل من رأى النبي صلى الله عليه وآله..
فأولاً: لقد كان مع النبي من أهل المدينة وممن حولها من الأعراب منافقون، مردوا على النفاق، فأين ذهب هؤلاء؟!، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله لا يعلمهم {لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}(37)فهل عرفهم غيره؟
وهل عرفهم هذا الرجل الطاعن على أولياء الله؟!..
ثانياً: إن الصفات التي ذكرها الإمام علي عليه السلام، لأصحاب رسول الله لا تنطبق على المغيرة بن شعبة، ولا على المستهزئ برسول الله صلى الله عليه وآله، وطريده الحكم بن أبي العاص، والوليد بن عقبة، ومروان، ومعاوية، وطليحة بن خويلد، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وقدامة بن مظعون، و.. و..
فإنهم لم يكونوا ـ كما قال ـ:«يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم، حتى تبل جيوبهم الخ»..
ثالثاً: لقد صرح القرآن الكريم بأن المقصود بهذه الأوصاف هو بعض صحابته صلى الله عليه وآله فقال:
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}(38).
فقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم}.. يدل على أنهم ليسوا جميعاً كذلك، بل فيهم من لم يؤمن، ومن لم يعمل الصالحات..
ولو كان المراد الجميع، لوعدهم جميعاً بالمغفرة والأجر العظيم، بمثل أن يقول: وعدهم مغفرة، وأجراً عظيماً. ولكنه لم يفعل ذلك..
رابعاً: قد صرح النبي بأن له أصحاباً. وقد طلب من غيرهم أن يتركوهم له..
فقد روي: أنه قال لأبي بكر حينما سب عقيل بن أبي طالب ـ وكان أبو بكر سباباً ـ: دعوا لي أصحابي(39).
وقيل بل كانت القضية بين خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف(40).
جهاد الصحابة:
بقي أن نشير إلى حديث أمير المؤمنين عليه السلام في وصف جهاد الصحابة، فنقول:
إنه لا شك في أنه عليه السلام لا يقصد فيه الذين فروا في معركة أحد، حتى لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وآله سوى الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام، وامرأة واحدة كانت تحامي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أو تقيه بنفسها، اسمها أم سليم..
كما أنه عليه السلام لا يقصد الذين رجعوا بالراية مهزومين في خيبر، فكان الإمام علي عليه السلام الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وهو فقط الكرار غير الفرار، الذي لا يرجع حتى يفتح الله على يديه..
كما أنه لا يقصد في كلامه الذين فروا في حنين، حتى لم يبق مع الرسول سوى الإمام علي عليه السلام أيضاً يدافع عنه وينافح، ويكافح. وإن كانوا يضيفون إليه أسماء آخرين..
ولا يقصد أيضاً: الذين أحجموا عن عمرو بن عبد ود، في حرب الأحزاب، وزهدوا بالجنة التي وعدهم بها رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى قتله الإمام علي عليه السلام، فكانت ضربته أفضل من عبادة الثقلين ـ الإنس والجن ـ إلى يوم القيامة..
كما أنه لا يقصد المنافقين الذين رجع بهم ابن أبي في حرب أحد، وكانوا ثلث جيش المسلمين..
ولا يقصد الذين نفروا برسول الله صلى الله عليه وآله يوم العقبة..
ولا يقصد الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهو على فراش الموت: إن النبي ليهجر..
ولا يقصد الذين عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الخروج مع جيش أسامة، حتى قبح عملهم، ولعنهم..
إلى غير ذلك مما تضيق عنه الصفحات، وتزخر به الكتب والمؤلفات..
بل يقصد بكلامه هذا أمثال حمزة، وعبيدة بن الحارث، وجعفر بن أبي طالب.. صلوات الله عليهم أجمعين..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..(41)
(1) راجع نهج البلاغة ص 94 ـ 96.
(2) نهج البلاغة ص 104 ـ 105.
(3) نهج البلاغة ص 143 ـ 144.
(4) المصدر السابق ص 224.
(5) الإحتجاج للطبرسي ج2 ص 290.
(6) الإحتجاج للطبرسي ج2 ص 300.
(7) رجال الكشي ص 179.
(8) الروضة من الكافي ج8 ص191 تحت (إنما شيعة علي من صدق قوله فعله) رقم290.
(9) نهج البلاغة ص225.
(10) نهج البلاغة ص 129 ـ 130.
(11) الكافي ج8 ص59 و63 وشرح النهج ج2 ص283 وج1 ص269.
(12) راجع تنقيح المقال ج2 ص83 .
(13) الفتوح لابن أعثم ج4 ص31 والأخبار الطوال ص210 وعن تاريخ الطبري.
(14) الإمامة والسياسة ج1 ص230 والفتوح لابن أعثم ج4 ص2 وصفين للمنقري ص502 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص213.
(15) المعيار والموازنة ص113.
(16) الكامل في الأدب للمبرد ج1 ص114.
(17) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص62 والكامل في التاريخ ج3 ص343 والأخبار الطوال ص207 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص370 و371 وشرح نهج البلاغة ج7 ص143.
(18) الثقات ج2 ص295 والخوارج والشيعة ص71.
(19) الإمامة والسياسة ج1 ص146 وراجع تاريخ الطبري ج4 ص56 والكامل في التاريخ ج3 ص337.
(20) الخوارج والشيعة ص71.
(21) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص203.
(22) محاضرات الأدباء ج2 ص188.
(23) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص58.
(24) تاريخ الطبري ج3 ص562 والكامل في التاريخ ج3 ص279.
(25) روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار ص67 والعقد الفريد ج6 ص248.
(26) العقد الفريد ج6 ص248.
(27) ربيع الأبرار ج1 ص307.
(28) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص45 والكامل في التاريخ ج3 ص325.
(29) الغارات للثقفي ج1 ص20 و21.
(30) صفين للمنقري ص116.
(31) الغارات ج1 ص18.
(32) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص288 و289 والرياض النضرة ج2 ص169 وراجع: مسند أحمد ج1 ص88 وج4 ص370 ومجمع الزوائد ج9 ص104 والبداية والنهاية، والغدير ج1 ص174 و175 و195 ومواضع أخرى..
(33) راجع: شرح نهج البلاغة ج2 ص286 و291 و289 وج6 ص136 و128 والاختصاص ص155 والإرشاد للمفيد ص162 والاحتجاج ج1 ص255 ونهج البلاغة الخطبة رقم 70.
(34) الآية 101 من سورة التوبة.
(35) مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص6 وتاريخ ابن عساكر ص216 والبحار ج45 ص8 وغير ذلك.
(36) راجع: مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص33 واللهوف ص119 والبداية والنهاية ج8 ص203 والبحار ج45 ص51.
(37) الآية 101 من سورة التوبة.
(38) الآية 29 من سورة الفتح.
(39) مسند الشاميين ج3 ص378 وقد نهى الإمام علي عليه السلام شيعته عن أن يكونوا قوماً سبابين.
(40) راجع: تاريخ دمشق ج35 ص271 وتهذيب الكمال ج17 ص327 والإصابة ج4 ص291 وفتح القدير ج5 ص169 ومجمع الزوائد ج10 ص15 واللمع للسيوطي ص87 وكنز العمال ج14 ص73 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص329 وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج4 ص328.
(41) مختصر مفيد ج 8