لا أبحث هنا عن متكأ للنحيب، لكن بعيداً عن المخاتلة: الحزب، الثورة،القائد الاستعمار،الارض ألمغتصبه، المؤامرات، العدو الغادر، الزعيم الأوحد، وراثة المناصب كلمات حرب ثقيلة على الأذن تطن كصوت رصاص مكتوم يدج في لحم ضحاياه ف عالمنا اليعربي.... الثورة التي لم تستقر في سنوات ولم تصبح ذكرى، ثورة فاشلة... والثورة التي يولد من رحمها أدخنة مصانع ونقر معامل وعرق مزارع واقتصاد منتج وغذاء وصحة وعلم
وأمن وقضاء وعدل بدلاً من دخان البارود وغبار المتفجرات، ثورة فاشلة... الثورة التي لاتزال تحمل في طياتها أزمنة الغزو والسبي و"الفيد"، ثورة فاشلة... والثورة التي لم تسفر عن أي تقدم حقيقي حتى اليوم، هي ثورة فاشلة. أخطأت الجموع إذ اعتقدت أن الثورة وحدها بدون إدارة رشيدة توفر بديل أفضل.. على مدار الساعة وحتى الساعة، عمليات الكر والفر لم تتوقف... لم يستقر العراق وغيره من (بلاد العرب أوطاني) حتى الان، حتى في أيام الاحتفالات، ولم تصبح وطن الأحلام والمساواة والخزعبلات كما وعدت مسودات الثورة والثوار والمجاهدون في طول البلاد وعرضها..في العراق مثلا...البعثيون العراقيون الذين ماتوا قبل ان يكتب لأحلامهم ان تتحقق والذي يتم نعتهم اليوم (بالثوّار والشهداء) من قبل وارثي البعث الدموي حصلوا فقط على العار ولعنة إحياء تراث رجال العصابات والمرتزقة حين سطروا بارهابهم أكثر السجلات الفوضوية سواداً. لنصبح بعد مغامرتهم الرعناء أكثر البلدان قدرة على استيعاب التخلف والجهل والفقر بشكل رسمي ممنهج...
بل ورعايته بألمعية على إيقاع وخزعبلات الدايني والدليمي والهاشمي وبقية خريجي مدرسة العفالقه...تتشابه الأفعال وتختلف الدوافع، تكفل الأبطال بتحطيم القلاع وتكفل الجبناء بتحطيم الأسطورة والحلم... ليتناسل بعدها مسلسل الكوارث وتكاثره إلى الحد الذي نراه الآن، لأن الذين تربعوا على عروش هذا الوطن العروبي من النيل الى الفرات وفي طول البلدان التي تنتمي لعدنان وقحطان لم يحاربوا معركة النهضة الصعبة، ولم يأخذوا حرب التقدم والاقتصاد بجد.. ظلوا يحاربوا معارك جانبية مبتذلة هروباً من المعركة الحقيقية، من أجل انتصارات سياسية رخيصة.
ما زالت أحداث حرب حزيران عام 1967 مع الصهاينة عصية على الفهم، لاتسألوا بعد ما الذي يدفعني إلى كل هذا الحزن؟ ولماذا حسّ الرثاء الطاغي هذا في هذه الأيام؟ ولماذا يقطر قلبي مرارة؟ ولماذا أذهب إلى استذكار الكوابيس بدلاً من الأحلام الوردية؟ حان الوقت كي نتقن فن الاستخدام السليم لطاقاتنا.اللحم والدم ولكي ننهي رقص سماسرة الحرب على بساطٍ من ، يجب أولاً إشهار السيف في وجوههم ونزع الأمر قسراً منهم من أجل وقف حرب عبثية مستمرة منذ اليوم الأول، فكل الأنظمة الجامدة والراكدة آيلة حتماً الى التقادم فالسقوط والتلاشي، وهذا قانون وجودي أزلي يشمل جميع الكائنات والشعوب والأحوال، ذلك يبدو واضحاً ببساطته العميقة، وعميقاً بوضوحه البسيط. .... أو التدثر بعباءات الصمت عندما يلامس النصل مواطن عفتهم... فنحن لم ندلج بعد في ليلٍ أبدي لا أوبةَ منه... لازلنا قادرين على اجتراح غدٍ أفضل من فم الموت، ويجب أن ننتصر على دبيب الموت في بنيان الحياة، وذلك بإعادة تدوير مكونات الثوره العربية الأولى... الثورة الأم.. التي لاتزال أسبابها كامنة في محلها... الجوع.. الفقر.. والمرض..التبعيه ..الذل وقهر الانسان في إنسانيته . وعلينا استدعاء طاقة النهوض فوق سقف الكوابيس والإستعداد للانتصار أو الموت مرّة ثانية.
ومع أن كل الأحزان تعود بشكل أو بآخر إلى المصيبة الأصل، وباعتبار أن كل مناسبة أصبحت تمثل في وعينا الجماعي كابوس بكل المقاييس.. انهيارات متعاقبة على تاريخ بلد لا يزال يتعثر في مهده... ينبغي أن نعيد النظر في طقوس ومراسيم الذكريات وعدم ترديد مفردات منتهية الصلاحية ظللنا نرددها كببغاوات على مدى السنين الماضية من دون تمحيص. ينبغي لبس السواد وإعلان الحداد عند كل قمة عربيه ، ونعت "كارثة" وصفاً لليوم الذي اصدر فيه (ائمة الحكم العروبي)والذين جاءوا بمزاعم القداسة لكراسيهم بيانات المصالحة والمصافحة والأرض المغتصبة وبجلباب ليس طاهرا جدا وبنفس من نوع عجيب من القداسة الثورية.
في الواقع يجب علينا في مثل هذه المآتم الوطنية ذرف دموع الناجين من مأساة، وذلك بتوديع ضيوف الحضور، كلٌ على حده قائلين لهم: شكر الله سعيكم!