في حوار مع الشيخ معتصم سيد أحمد : التشيع . . مشعل النور في القارة الأفريقية
بتاريخ : 14-08-2009 الساعة : 05:33 PM
سم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في حوار مع الشيخ معتصم سيد أحمد : التشيع . . مشعل النور في القارة الأفريقية
أجرى الحوار : اللجنة الإعلامية
التشيع هو الفكر الإسلامي الأصيل، والشيعة هو الحركة الرسالية الحقيقية التي بنت الحضارة الإسلامية وحافظت على هويته. كل المحاولات التي حاولت تهميش التشيع أو الشيعة خسرت هذا الزخم الحضاري، وفترت، وخار عزمها، وبلد فكرها . . لكن لحظات فوران الشيعة وصعود نجمهم في الحضارة الإسلامية أو في أي بقة استطاع فيه الشيعة ممارسة فكرهم بحرية؛ هذه اللحظات كانت تحولات إيجابية خلاقة. ولنا في ذلك عدة تجارب حديثة ومعاصرة. والتجربة الأبرز هو خروج "المارد" الشيعي من قمقمه مع بداية سقوط طاغية العراق، الذي تزامن مع فوران شيعي عالمي كانت له تداعياته في العديد من المناطق. نحاول في هذا اللقاء مع سماحة الشيخ معتصم سيد أحمد؛ صاحب كتاب "الحقيقة الضائعة"، أن نسلط الأضواء بعض الهموم في القارة الأفريقية.
س: سماحة الشيخ، هل لكم أن تحدثونا عن قصة التشيع في القارة الأفريقية أو السودان تحديداً؟
ج: الحديث عن التشيع وانتشاره في القارة الأفريقية يستدعي حديثاً مطولاً مفصلاً، ولكن اختصاراً لهذه الأمر نبين أن القارة الأفريقية بشقيها الأفريقي والعربي نجد فيها قبولاً شديداً لفكر أهل البيت (عليهم السلام) وهناك دواعي متعددة ساهمت على نشر التشيع في القارة الأفريقية. من ضمن العوامل التي ساهمت هي إيجاد التربة الخصبة، فهنالك تربة خصبة للقارة الأفريقية، إذ نظرنا للجزء الشمالي من القارة الأفريقية من مصر والجزائر والمغرب والسودان نجد أن هناك حباً متجذراً في نفسية هذه الشعوب بالولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، كذلك هنالك نوع من البساطة في قبول الطرف الآخر، فالأفريقي بشكل عام متسامح يقبل الحوار ويقبل الطرف الآخر بعكس بعض العقليات المتشددة الموجودة في البوادي.هذه العوامل وغيرها ساهمت في قبول الفكر الشيعي، وفي التاريخ كان هناك ممالك شيعية مثلاً في شمال أفريقيا الأدارسة والفاطميين .
أما بخصوص التشيع الآن في هذه الفترة الزمنية الراهنة، فهنالك تشيع كبير جداً في شمال أفريقيا بشكل عام ومصر وفي تونس والجزائر وفي المغرب العربي، وكذلك السودان, بخصوص السودان هناك تشيع منذ 1986م من توجيهات مباشرة من سماحة المرجع المدرسي، ومجموعة من الطلبة في حوزة الإمام القائم العلمية (عج)، فقد جاءوا إلى السودان وأسسوا مركز و جمعية أسموها جمعية الرسالة والتضامن الإسلامية فكانت هي اللبنة الأولى والأساس في نشر التشيع في السودان. استمر التشيع في السودان من تلك الفترة إلى الآن استطاع في هذه الفترة الوجيزة أن يخترق كل طبقات المجتمع، وأثر في كل التكوينات الاجتماعية، سواء على مستوى النخب الثقافية والفكرية، أو على مستوى عامة الناس بحيث أصبح له حضور دائم، فمن مصادفات الأمور أن هناك خبر منشور في صحيفة الحياة على أن هنالك استنفار عند بعض العلماء في السودان بطوائف متعددة من الوهابية والإخوان المسلمين والصوفية يتخوفون من الوجود الشيعي ويطالبون الحكومة السودانية أن تقفل المراكز الشيعية الموجودة في السودان.
وهنالك تشيع موجود في أفريقيا وفي مالي وفي سيراليون، وكذلك موجود في نيجيريا والتي فيها وحدها 10 مليون شيعي، وهذا العدد كبير جداً قد يفوق عدد الشيعية الموجودين في الخليج بشكل عام، ولكنهم يحتاجون إلى التفاتة وإلى توعية وتوجيه، كذلك في دار السلام بتنزانيا هناك مراكز متعددة في عروشا وطنجا، وكذلك في كينيا هناك مجموعة من الحوزات ومجموعة من المتشيعين وطلبة العلوم الدينية درسوا في الحوزة العلمية في قم وسوريا، ورجعوا إلى البلاد لتأسيس مراكز متعددة ومختلفة لنشر التشيع.
الطموحات أن يكون هناك اهتمامات ومن المرجعيات والمؤسسات العامة في الاهتمام بالتشيع في أفريقيا. وإذا كان هناك اهتمامات مكثفة في هذا الإطار فنحن نظن أن التشيع سيمثل الرقم الأول في المستقبل في أفريقيا.
س: سماحة الشيخ، من الملاحظ أن الفكر الشيعي من أولى أولوياته نصرة المستضعفين والمظلومين، وذلك امتثالاً لقضية الإمام الحسين (عليه السلام)، وفي المقابل القارة الأفريقية عاشت فترة طويلة من الظلم والاضطهاد والاستضعاف والعنصرية. هل لهذا الجانب من الفكر الشيعي وهو جانب العدالة وهو الذي هو أصل من أصول التشيع مدخل في قبول الفكر الشيعي لدى الأفارقة؟
ج: بالتأكيد أن كل زاوية من الفكر شيعي هي جوانب نيرة، وتناغي الفطرة الإنسانية. الإنسان السوي المفطور على مجموعة من القيم دائما يبحث عن المثال الذي يجسد تلك القيم نحن لا نجد في التاريخ البشري مثالاً يجسد تلك القيم. ونحن لا نجد في التاريخ البشري مثالاً يجسد تلك القيم سوى أهل البيت (عليهم السلام). ومن هنا كان زعمنا أن كل إنسان يحب القيم فهو يحب أهل البيت (عليهم السلام). ضمن هذا الإطار نجد أن أفريقيا كقارة مورست ضدها مجموعة من المظالم سواء كانت في الإطار العنصري أو في الفقر أو الجهل أو غير ذلك، ساهم في إيجاد نفسية أفريقية لا تتقبل كل شيء ببساطة، فالإسلام انتشر في أفريقيا لأنه يرفع راية الحرية والمساواة والعدالة، ولكن الإسلام بالصورة العادية المطروحة الآن في الوسط الإسلامي، أو بالصورة السلفية لا يحل الأزمة، ولذا نجد أن في الفكر الشيعي؛ أعني فكر أهل البيت (عليهم السلام)، هنالك نقاط واضحة ونيرة تعالج القضية بشكل جذري. ومن هنا أعتقد أن الفكر الشيعي فكر حضاري فكر متلائم ولا يمكن للقارة الأفريقية أن تخرج من هذه العقدة ولا يمكن للقارة الأفريقية أن تأخذ دورها في دورتها الحياتية والحضارية إلا من خلال فكر أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام). ومن هنا كانت محبة أهل البيت (عليهم السلام) في السودان متجذرة، ومتجذرة في كل شمال أفريقيا، لأن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يمثلون العدالة ويمثلون الرحمة والمساواة، ويمثلون الإسلام الحقيقي الذي وصفه القرآن الكريم والذي وصفه النبي الأعظم (ص) بأنه نبي الرحمة.
س: سماحة الشيخ، في ظل المتغيرات الدولية التي نشهدها في عالمنا بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، وحتى في أفريقيا هناك تغيرات كثيرة وبالذات في الواقع الشيعي. كيف تنظرون للواقع في ظل هذه التحولات؟ وما هي تأثيرات هذه التحولات الموجودة؟ وكيف تنظرون لمستقبل التشيع في القارة الأفريقية؟
ج: إذا حاولنا أن نقيم الحالة الشيعية بمنظار الحركة الطبيعية الشيعية في التاريخ نجد أن التشيع في الخمسين الأولى قفز قفزات كبيرة من الناحية الإعلامية ومن ناحية التوسع والانتشار، ولذلك أصبح الآن في العالم رقماً. قديماً كان الحديث عن الإسلام والمسيحية، أما الآن صار الحديث عن الإسلام وعن الشيعة بشكل خاص، وهناك مجموعة من العوامل السياسية برزت في المنطقة في منطقة الشرق الأوسط، أدت إلى إبراز الشيعة وجعل الشيعة في حجمهم الطبيعي وفي إطارهم الطبيعي.
وعادة ما يصنف الشيعة باعتبارهم فرقة من الفرق الإسلامية لها مجموعة من العقائد المنحرفة البعيدة عن العقل والبعيدة عن العقلاء، ومنزوية في مكان من الأمكنة. الآن أصبح الشيعة أصحاب خطاب حضاري، والعراق أبرزت القضية الشيعية بشكل واضح والمعالجات العقلائية لمرجعيات الشيعة لدرجة أن كثيراً من المنضمات اقترحت أن ينال السيد السيستاني جائزة نوبل للسلام، وكذلك في لبنان وهذه انعطافة كبيرة للشيعة، ومن قبلها الثورة الإسلامية الإيرانية والتموجات الضخمة الذي أحدثتها في الساحة العالمية والتي كان الرهان على فشلها وأنها لا يمكن أن تستمر في الحكم أشهراَ، وإذا بنا نجد أن هذه العمامة تحكم ربع قرن، والعمامة الشيعية الآن تفاوض على الأسلحة النووية وعلى التقنية النووية، وإن العمامة الشيعية تزاحم أمريكا في نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، كل هذا إن دل فيدل على أن الخلفية الثقافية والفكرية لهذا التجمع الشيعي هي خلفية ناضجة، وخلفية يمكن أن تستوعب معطيات الحضارة اليومية ويمكن أن تنافس بها بشكل جدير.
س: سماحة الشيخ، في ظل تجربتكم في الدعوة في السودان وأفريقيا. ما هي التوصيات المهمة والأساسية بالنسبة للدعاة الشيعة حتى تحقق هذه الدعوة النجاح المطلوب في تلك القارة؟
ج: في هذا الخصوص نحمل مجموعة من الآمال ومجموعة من الآلام. آمال نبشر بها أنفسنا بأن الفترة المقبلة هي فترة التشيع في أفريقيا ونعيش هذه الآمال ونسعى لتحقيقها، وفي نفس الحالة نعيش حالة من الآلام. هذه تخلقها طبيعة المرحلة الظرف الموجود والضغوطات العالمية الكبرى على التشيع والفكر الشيعي.
المسالة الثانية غياب المؤسسات الشيعية الواضحة التي تهتم بهكذا نمط من الأنماط، ونحن كشيعة لدينا مركز في السودان، هذا المركز لا يمكن أن يغطي السودان بكامله. ومن هنا أن نسجل دعوة لكافة المرجعيات والمراكز أن يهتموا بالوضع الشيعي بالسودان ونراهن أنه إذا كان هناك اهتمام ومتواصل ودائم سيصبح التشيع هو التيار الغالب في السودان.
س: سماحة الشيخ، هل لكم أية توصيات للدعاة؟
ج:التوصيات هي في إطارين:
الأول: أن يجعل الإنسان العامل هدفه هو رضا الله ورضا أهل البيت (عليهم السلام) وبالتالي لا يصاب باحباطات في العمل والانتكاسات التي تقع في مسيرة العمل.
الثانية: للمؤسسات وهي الاهتمام بالشأن الشيعي وبالمتشيعين في أفريقيا بشكل خاص، وأنا في اعتقادي أن الدورة الحقيقية القادمة هي مفترض أن تكون دورة أفريقية وليست دورة عربية، وبمقارنة بين الحالة العربية والأفريقية وإذا لاحظنا أن العرب لديهم "جامعة الدول العربية" والأفارقة لديهم "جامعة الأمم الأفريقية"، أنا أعتقد أن الحالة الأفريقية يمكن أن تساهم في الدورة الحضارية المستقبلية. ومن هنا يجب أن يكون هناك اهتمام حاضر من المؤسسات الشيعية بالقارة الأفريقية.