لنتخيل اننا اليوم بعد عشر سنوات او اقل اذا مد الله في اعمارنا. لا قواعد اجنبية في الكويت ولا وجود عسكريا اجنبيا في العراق. نحن وحقيقة الجوار وجها لوجه. دولتان مستقلتان سياديتان بالمعنى الحرفي للكلمة عليهما اتخاذ قرارات التعايش والتعاون والتكامل والاتفاق، وعليهما الانطلاق من قاعدة تبديد كل النقط السود من صفحة التاريخ المشترك، كي تنتهي الى الابد نغمات «الفرع والاصل» و«وقف المؤامرات ضد الجبهة الشرقية» والحقوق النفطية ومشاكل الحدود والتعويضات. نقاط سود ينبغي تبديدها شيئا فشيئا كي لا تتلاصق وتنتصر على مساحة البياض في صفحة نريدها جديدة بكل مقوماتها.
عشر سنوات او اقل.
هل سيفيد ان تصدح حنجرة مسؤول عندنا بعبارات التهجم؟ هل سيفيد ان تصدح حنجرة مسؤول عندهم بعبارات التهديد؟ لا قواعد عندنا ولا وجود عسكريا اجنبيا عندهم. نحن وحقيقة الجوار وجها لوجه. الجواب ممكن على «الطريقة العربية» لكنه لا يجوز على الطريقة الحضارية.
لا نستطيع ان نغير الجغرافيا وان لم يعجبنا التاريخ. ولا نستطيع ان نتجاهل ماذا يعني وجود الكويت على مثلث الثروات النفطية والمعابر والمصالح الدولية والتوترات الاقليمية. وسنكون كمن يدفن رأسه في الرمال اذا اعتقدنا ان الحماية الدولية دائمة او ان الصداقة الدولية دائمة او ان العدالة الدولية موجودة. هي مصالح دولية اتفقت مع قضيتنا اليوم وقد تتفق مع قضيتهم غدا.
ولا نستطيع ان نتجاهل ان الولايات المتحدة الملتزمة «امن وسيادة واستقلال» الكويت هي نفسها الملتزمة اليوم «امن وسيادة واستقلال» العراق، وان هذه الالتزامات مطاطة وخاضعة للظروف والمصالح. وحليف اليوم قد يكون خصم الغد وخصم اليوم قد يكون حليف الغد.
تخيلوا اننا نتحدث بعد عشر سنوات او اقل. هل ستتسع فيديرالية العراق وتكبر اللامركزية السياسية ام ستتسع اللامركزية الادارية وتتسع وحدة العراق سياسيا؟ سؤال برسم اصحاب النظرة الضيقة في الكويت كي لا نقول برسم السطحيين. هؤلاء الذين يريدون ان تصبح الكويت صدى للخلافات الطائفية والمذهبية العراقية ان لم يكن جزءا منها. وهل نذيع سرا اذا قلنا ان مسؤولين ونوابا يؤيدون موقف زعيم عراقي او يعارضونه تبعا لانتمائه الطائفي والسياسي المشابه لانتمائهم الطائفي والمذهبي.
نتحدث عن سنوات عشر مقبلة
بعضنا تمنى عراقا حرا سيدا مستقلا ديموقراطيا تعدديا مسالما غنيا منتجا وراهن ان يكون التغيير نموذجا لاهل المنطقة.
بعضنا صفق بعنف للتغيير من مدخل فئوي لا وطني عام.
بعضنا صفق بعنف اكبر من باب الانتقام والتشفي.
بعضنا ساعد ودعم انفلات الغرائز والعصبيات هناك وأراد أن يستخدمها ليكيد شركاءه هنا في الوطن.
بعضنا أراد سقوط نموذج التغيير الدولي للانظمة في دائرة العنف والارهاب فدعم عبور المتفجرات البشرية وسهل عبور الانتحاريين وساعد على كل ما من شأنه زعزعة الاستقرار تحت شعار انهاك المشروع الاميركي.
عشر سنوات أو اقل...
بعضهم ايضا يحلم بعراق حر سيد مستقل تعددي ديموقراطي مسالم منتج غني يكون نموذجا للمنطقة.
بعضهم يتمنى نظاما واحدا على قاعدة غالبية تحكم وأقلية تشارك مع لا مركزية ادارية واسعة للاقاليم والمحافظات، وبعضهم يعمل لتوسيع الفيديراليات الى كيانات مستقلة مستقبلا، هويتها طائفية في الوسط والجنوب وعرقية في الشمال.
بعضهم يريد عودة سلطة البعث وما زال يترحم على زمان صدام حسين ويرى انه لو بقي حاكما لما انفلت الوضع الامني وحصلت الفيديراليات الكبرى.
بعضهم يريد امارة شبيهة باقليم قندهار ولو على امتار قليلة قابلة للتوسع وبعضهم يريد دولة مذهبية ولو في منطقة واحدة قابلة للتمدد.
بعضهم يرى الارهاب والعنف والتطهير العرقي مدخلا لانتصار مشروعه، وبعضهم يفجر نفسه ولا يعلم انه اداة لهذا المشروع الاقليمي او ذاك او رصاصة في بنادق تحملها اياد يمكن ان تتصالح يوما مع «العدو الاميركي».
بعضهم يريد ان يقفل ملف العلاقة مع الكويت ضمن اطار الحقوق والمصالح والقوانين والشرعية الدولية وبعضهم يريد ان يتاجر بهذا الملف من اجل مكاسب داخلية وايجاد «عصب سيادي» لمشروع سياسي يحشد حوله المزيد من الانصار والمريدين.
امس، سمعنا عن وعد من الامين العام للامم المتحدة البدء بترسيم نهائي للحدود في وقت قريب، وسمعنا ايضا رئيس العراق يطلب من الامم المتحدة اخراج بلاده من أسر الفصل السابع واعفاء الدول الاعضاء لها من الديون والتعويضات او من قسم كبير منها.
الموضوع ما زال أسير الممرات الديبلوماسية حتى الآن، والتصعيد اقتصر على الممرات الاعلامية حتى الآن، ونخشى ونحن نتحدث عن عشر سنوات او اقل ان نكون متفائلين اكثر مما يجب، فلا يغدر بنا وقت ولا «يبيعنا» حليف.
نحن والعراق وحقيقة الجوار وجها لوجه. ماذا نفعل؟ سؤال اكبر من مقال. سؤال يحتاج من وزارة الخارجية الكويتية وعبر مؤسسات وهيئات الفكر والبحوث والدراسات الى ندوة كبرى او ورشة عمل ضخمة تضم مختلف المسؤولين والمعنيين بالاجابة في الكويت والعراق. ورشة «اشقاء» لا حاجة فيها الى الاستعانة بصديق اميركي او حليف اوروبي. ورشة نطرح فيها بكل صراحة وشفافية افكار «بعضنا» و«بعضهم» كي نصل الى قواسم مشتركة تشكل اسسا لبناء صلب بدل ان تبقى الورشة... ورشة.
هل من مجيب؟