السياسيون عندنا تعلموا دروسا ثمينة ، تعرفوا على فدائيين اسطوريين يعيشون في اوساطهم ، كما تعرفوا على نماذج نادرة للانحطاط واكتشفوا النوع المدمر للاعصاب من الجبناء والمنافقين ، النخبة العراقية بملائكتها وشياطينها مرت بفرز اخلاقي قل نظيره ، ذات يوم تطلبت المحنة ان يردد الجميع شعار الوحدة الوطنية ، وهبت عاصفة الشعارات ، حكومة الوحدة الوطنية ، مبادرة الوحدة الوطنية ، مؤتمر الوحدة الوطنية ، اعداء الوحدة الوطنية ، اصدقاء الوحدة الوطنية ، مطعم الوحدة الوطنية ، اصبحت خضرمة الوحدة الوطنية معلقة على جميع الواجهات دفعا للشرور ، ولان المنافقين وتجار الوجوه حاضرون في كل مكان فقد تلقفوا الشعار ليرددوه الا انهم اتخذوه غطاء لثقافة الفتنة ، في الوضع الطبيعي اقل ما تعنيه الوحدة الاندماج والتكامل وترك التنافس العدواني ، واظهار الجميل واخفاء القبيح ، والتماس العذر لمن لاعذر له ، وحسن الضن المتبادل والدفاع عن الشريك الوطني في الغيبة والحضور ، وتقديم المصلحة الوطنية لتكون مفهوما جامعا يتفاعل معه الكل ، واذا لجأ احد الشركاء الى الاصدقاء الاقليميين لحمايته من اهل بيته المشترك فهذه من علامات الكارثة ومعناها ان الانقسام في الصف الوطني وصل مرحلة اللاعودة ، ومعناها ان هذا الذي نعيش على ترابه هو فندق مؤقت وليس وطنا ، وتراكم الانقسام السياسي ينفجر في النهاية بشكل انقسام جغرافي ، ومن يؤجج نار الانقسام سيكون بفضل غباءه الخاسر الاكبر ، اذا كانت هذه الذروة من البغض الاخوي مخيبة ومخيفة فماذا نقول عن مرحلة اكثر تطورا لايريد فيها المظلوم من احد ان يستر سيئاته او يحسن الضن به او يطمئنه في وطنه بل غاية ما يريده هو ان يكف الاخرون عن الصاق التهم به والتحريض على قتله وتخوينه وقلب حسناته سيئات ، لا يطالب الاخرين بدور الاطفائي بل يرجوهم الكف عن صب الزيت على النار ، واجه العراقيون طوفانا من هذا السلوك المرضي اغرق جميع شعارات الوحدة الوطنية ، هناك مرضى يفهمون الدعاية السياسية على انها اسقاط للاخر حقا او باطلا ، لايكتفون بمدح انفسهم بل يشنون حربا كلامية على الشركاء ليحولوا التنافس الشريف الى عداوات واحقاد ويصورا حسنات الاخرين سيئات ، فاذا واجه العراقي قضية بئر الفكة بالصمت الاعلامي بانتظار المساعي الدبلوماسية لحل المشكلة اتهموه بالعمالة لايران ، واذا نجح الحل الدبلوماسي وانسحب الايرانيون من البئر اعتبروها صفقة خيانية ربحت فيها ايران ، واذا انقطع تواصل المسؤولين العراقيين مع الدول العربية بسبب المشاغل اعتبروهم اعداء للعروبة ، واذا زار المسؤول العراقي الدول العربية ليؤكد اندماج بلاده بالعالم العربي اتهموه بانه يفعل ذلك للتغطية على عداوته للعروبة ، واذا نفذت الحكومة احكام القضاء العراقي بالمجرمين المحكومين اتهموها بانها تفعل ذلك لتصفية حسابات طائفية ، واذا ارادت ارضاءهم واطلقت سراح المحكومين اتهموها بالتهاون والفشل ، واذا حدثت تفجيرات واغتيالات ولم تتدخل القوات الامنية اعتبروها قوات فاشلة وطالبوا باعادة الجيش المنحل ، واذا تدخلت القوات المسلحة وقامت باعتقال المتهمين ونشر السيطرات وتفتيش السيارات اتهموها بانها قوات قمعية طائفية لا تحترم حقوق الانسان وطالبوا باعادة الجيش المنحل ، كان المخلصون في بداية هذا التناحر الممل يشعرون بالاحباط من توجيه التهم لهم وعندما راقبوا آليات النقد والاتهام عند الطرف الاخر ايقنوا ان التهمة تجري بنية مسبقة ، هناك من يبحث بدقة عن اخطاءك فان لم يجدها صور حسناتك سيئات ، ومنذ ذلك اليوم وفي اطار الدرس الوطني الذي رسبنا فيه مرات عديدة لاننا معدان وعلى نياتنا ، ادركنا لاول مرة سر اللعبة ولم نعد ننتظر من الاخر مدحا ولكننا في الوقت نفسه لا نعبأ لذمه لانه مدفوع الثمن ولو انهم اطاعوا الله نصف طاعتهم لاسيادهم النفطيين لدخلوا الجنة بلا حساب .