" بَـيـنَـمَـا أمـير الـمـؤمـنـين عَـلِـيّ عليه السلام يَخـطُـبُ الناس ويَحُـثُّـهُم (1) على الجهاد ،
إذ قـامَ إلَـيْـهِ شاب ،
فـقـال : يـا أمِـيـرَ الـمُـؤمِـنِـين !
أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله .
فـقـال : كـنـتُ رَديف (2) رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم على ناقـتِـهِ العضباء(3) ، ونحن مُـنـقَـلِـبونَ مِن غزوةِ ذاتِ السلاسل (4) ،
فَـسألْـتُـهُ عَـمّا سألـتـني عَـنْـهُ ،
ويُـوَكِّـلُ اللّهُ بِكُـلِّ رَجُلٍ أربعينَ مَـلَـكـاً ، يَحفَـظـونَـهُ مِـنْ بَـيْن يَـدَيْـهِ ، ومِن خَـلْـفِـهِ ،
وعَـنْ يَمـينِـهِ ، وعن شِمالِـهِ ،
ولا يَـعمَـلُ حسنةً إلا ضعف لَـهُ ،
ويُـكـتَبُ لَـهُ كُـلّ يومٍ عبادة ألف رَجُل ، يَعـبُدون ألف سنة ،
كُـلُّ سَـنَـةٍ ثلاثمائة وستون يوماً ،
واليوم مثل عُـمْـر الدنيا .
وإذا صاروا بِحضرةِ عَدوّهِم ،
إنقَـطَـعَ عِـلْم أهلِ الدنيا عن ثواب اللهِ إيّـاهم ، فإذا بَـرزوا لِـعَدوِّهم ،
وأشرِعَـتِ الأسنَّة (8) ،
وفـوّقـت السهام ،
وتـقـدّم الرَجُل ،
حَـفَّـتـهُـم الملائكة بأجنِـحَـتِـها ،
يَدعُونَ اللهَ بالنُّصرةِ والتثبيت .
فينادي منادٍ : ألجنّة تحتَ ظلالِ السيوف ، فتكون الطعنة والضربة على الشهيد ،
أهوَن مِـنْ شرب الماء البارد ،
في اليوم الصائف ،
وإذا زال الشهيد من فَـرَسِـه ،
بطعنةٍ وضربة ،
لَـمْ يَصِلْ إلى الأرض ،
حتى يَـبعَـثَ اللهُ إلَـيْهِ زوجتَـهُ
مِـنَ الحُورِ العِـين ،
فَـتُـبَـشِّـرُهُ بِـمَا أعَـدَّ اللهُ لَـهُ مِنَ الكرامة ،
فـإذا وَصَلَ إلى الأرض ،
تقول لَـهُ الأرض : مرحباً بالروحِ الطـيّـبة ،
الذي أخرج مِنَ البدن الطـيِّب ،
أبشِـر ! فإنَّ لَـكَ : ما لا عَـيْـنٌ رأت ،
ولا أذنٌ سَمِـعَت ،
ولا خَـطَـرَ (9) على قَـلْبِ بَـشَر .
ويقول اللهُ عزَّ وجلّ :
أنا خليفـتُـهُ في أهـلِـهِ ،
مَن أرضاهُـم فَـقَـد أرضاني ،
ومَنْ أسخَـطَـهُم فَـقَد أسخَطَـني ،
ويُـعطي الرجُـلُ مِـنـهُم ،
سبعـيـنَ غُـرفَـة مِـنْ غُـرَفِ الفِردَوس...
(3) - الـعـضباء : هو لقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
(4) - غزوة ذات السلاسل : تُعتبر غَـزوة ذات السَّلاسِل من الغَـزواتِ البطولية الهامَّـة و الحـسَّاسة التي قادها علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بجدارة و بَـسالـة و بأمرٍ مِـن رسولِ اللهِ مُـحَـمَّـد ( صلَّى الله عليه و آله ) بعدما فَـشِـلَ عَـدَدٌ مِـنَ القُـوّاد المسلِمين في تحقيق الـنـصر ، و هَـزيمـتـهم أمام الأعداء .
و مِـمّـا يَـدلُّ على أهَـمِـيَّـة الانتصار الذي حَـقَّـقَـهُ عـلي ( عليه السَّلام ) هو أنَّ اللهَ عَزَّ و جَلَّ أنـزَلَ بَـعـدَ هَـذِهِ الواقعة سورة العادِيـات التي تَـتَحَدَّث عَـنْ هذِهِ الغَـزوة .