العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:30 AM


وروى كثير من أعلامكم ومحدثيكم أن النبي (ص) قال في علي وفاطمة : من آذاهما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله.
وقال (ص): من آذى عليا فقد آذاني.
وقال (ص): من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله(68).

الدليل الثاني في رد أبي بكر
قلنا بأن الدليل الأول على رد الحديث الذي نقله أبو بكر عن النبي (ص): نحن معاشر الأنبياء لا نورث، أنه مخالف لنص القرآن، فإن الآيات الكريمة صريحة في توريث الأنبياء.
وأما الدليل الثاني في رده: هو أننا نعلم بأن الإمام علي (ع) هو عَيْبَة علم رسول (ص) وهو الذي قال فيه النبي (ص) كما نقله علماء الفريقين: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، وأنا دار الحكمة وعلي بابها، ومن أراد العلم والحكمة فليأت الباب ".
والحديث النبوي الآخر، الذي اشتهر أيضا بين المحدثين من الفريقين قوله (ص):
" علي أقضاكم ".
فكيف يمكن أن يبين النبي (ص) حكما خاصا في الإرث وقاضي دينه وباب علمه، لا يعلم ذلك؟ ولا سيما الحكم الذي يكون في شأن فاطمة (ع) وهي زوجة علي (ع) وهو وصي رسول الله (ص).
فكيف يقبل عقلكم أن النبي (ص) يكتم هذا الأمر عن أخص الناس إليه وعمن يخصهم الحكم وقوله لأبي بكر الذي لا يرتبط بالموضوع؟! والمفروض أنه (ص) يقول ذلك الحكم لوارثه أو وصيه، وهذا أمر بديهي يعرفه كل أحد حتى عامة الناس والسوقيين ، فكيف بسيد المرسلين وخاتم النبيين؟!
الشيخ عبد السلام: أما حديث أنا مدينة العلم، غير مقبول عند محدثينا، وكذلك لم يثبت عند جمهور علمائنا بأن عليا وصي رسول الله (ص)، وهذا الأمر غير مقبول، بل عندنا مردود ما رواه الشيخان البخاري ومسلم عن عائشة (رض) أنه ذكر عندها أن رسول الله (ص) أوصى. قالت: ومتى أوصى؟ ومن يقول ذلك؟ إنه دعا بطست ليبول، وإنه بين سحري ونحري، فانخنث في حجري فمات وما شعرت بموته.
فكيف يمكن أن يوصي رسول الله (ص) لأحد ويخفى ذلك على أم المؤمنين عائشة(رض)؟!
قلت: أما نفيك الحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها فهو تحكم وتعصب، لأن كثيرا من أعلامكم ذكروه في كتبهم وإسنادهم وحسنوه وصححوه، منهم:
الثعلبي، والحاكم النيسابوري، ومحمد الجزري وبن جرير الطبري والسيوطي والسخاوي والمتقي الهندي والعلامة الكنجي ومحمد بن طلحة والقاضي فضل بن روزبهان والمناوي وابن حجر المكي والخطيب الخوارزمي والحافظ القندوزي والحافظ أبو نعيم وشيخ الإسلام الحمويني وابن أبي الحديد المعتزلي والطبراني وسبط بن الجوزي والنسائي وغيرهم(69).

الإمام علي وصي النبي (ص)
وأما أن النبي (ص) اتخذ عليا وصيا لنفسه فهو أمر ثابت للنصوص المتوافرة والروايات المتكاثرة حتى عده العلماء من الأمور المتواترة، ولا ينكره إلا المعاند الحقود والمتعصب العنود.
النواب: خليفة رسول الله هو الذي ينفذ وصاياه، وينظم شئون أهله وزوجاته، كما أن الخلفاء الراشدين كانوا يضمنون لزوجات النبي كلما احتجن وكانوا يتكفلون بمعاشهن ورزقهن. فلماذا تخصصون عليا كرم الله وجهه بالوصاية؟
قلت: نعم... لا ريب أن وصي النبي خليفته، وقد ذكرت لكم في المجالس السابقة النصوص الواردة في أن عليا هو خليفة رسول الله (ص)، والآن أذكر لكم النصوص المتظافرة والأحاديث المتوافرة في أن عليا (ع) هو وصي النبي (ص) وليس غيره، والجدير بالذكر أني أنقل هذه الأخبار من كتب أعلامكم وإسناد علمائكم الموثقين لديكم، فلا يصح بعد ذلك أن يقول الشيخ عبد السلام: أن خبر تعيين النبي عليا بالوصاية مردود عند علمائنا للخبر المروي عن أم المؤمنين عائشة، فإن الخبر الواحد لا يمكن أن يعارض مجموع الأخبار المقبولة عند الأعلام والمروية عن الطرق الموثقة عن الأصحاب الكرام، فيؤخذ بالجمع ويسقط الواحد.
1ـ روى الثعلبي في تفسيره وفي كتابه المناقب، و، وروى ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب، والمير علي الهمداني في مودة القربى / المودة السادسة، كلهم عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (ص) لما عقد المؤاخاة بين أصحابه، قال: هذا علي أخي في الدنيا والآخرة وخليفتي في أهلي ووصيي في أمتي ووارث علمي وقاضي ديني، ماله مني مالي منه، نفعه نفعي وضره ضري، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني.
2ـ خصص الحافظ سليمان القندوزي في كتابه ينابيع المودة بابا في الموضوع وهو: الباب الخامس عشر " في عهد النبي (ص) لعلي (ع) وجعله وصيا " هكذا عنونه، ثم نقل فيه عشرين خبرا ورواية عن طريق الثعلبي وشيخ الإسلام الحمويني والحافظ أبي نعيم، وأحمد بن حنبل وابن المغازلي والخوارزمي والديلمي، وأنا أنقل إليكم بعضها:
عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن أنس بن مالك قال: قلنا لسلمان: سل النبي (ص) عن وصيه. فقال سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ فقال: يا سلمان! من وصي موسى؟ فقال: يوشع بن نون، قال (ص): وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي، علي بن أبي طالب.
هذا الحديث! أخرجه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / 26، وأخرجه أيضا ابن المغازلي في مناقبه.
3ـ وينقل عن موفق بن أحمد الخوارزمي بسنده عن بريدة قال: قال النبي (ص): لكل نبي وصي ووارث وإن عليا وصيي ووارثي.
هذا الحديث أخرجه العلامة الكنجي أيضا في كتابه كفاية الطالب بسنده عن بريدة عن أبيه، وبعد نقله قال: هذا حديث حسن، أخرجه محدث الشام في تاريخه، كما أخرجناه سواء.
4ـ ونقل شيخ الإسلام الحمويني عن أبي ذر قال: قال رسول الله (ص): أنا خاتم النبيين، وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين.
ونقل عن موفق بن أحمد الخوارزمي أيضا بسنده عن أم سلمة ـ أم المؤمنين ـ قالت: قال رسول الله (ص): إن الله اختار من كل نبي وصيا، وعلي وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي بعدي.
6ـ ونقل عن مناقب ابن المغازلي بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: قال علي (ع) في بعض خطبه: أيها الناس! أنا إمام البرية، ووصي خير الخليقة، وأبو العترة الطاهرة الهادية، أنا أخو رسول الله (ص) ووصيه ووليه وصفيه وحبيبه، أنا أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين.
حربي حرب الله وسلمي سلم الله وطاعتي طاعة الله وولايتي ولاية الله، وأتباعي أولياء الله، وأنصاري أنصار الله.
7ـ وروى أيضا ابن المغازلي بسنده عن ابن مسعود عن النبي (ص) أنه قال: انتهت الدعوة إلي وإلى علي، لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا.
8ـ روى المير علي الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى / المودة الرابعة / عن عتبة بن عامر الجهني قال: بايعنا رسول الله (ص) على قول: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا نبيه وعليا وصيه فأي من الثلاثة تركناه كفرنا الخ...، وبعدها روى عن علي (ع) عن رسول الله (ص) قال: إن الله تعالى جعل لكل نبي وصيا، جعل شيث وصي آدم، ويوشع وصي موسى، وشمعون وصي عيسى، وعليا وصيي، ووصيي خير الأوصياء الخ....
9ـ نقل القندوزي في الباب الخامس عشر من ينابيعه عن أبي نعيم الحافظ انه روى في حلية الأولياء بسنده عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله ( ص): إن الله عهد إلي في علي عهدا وقال عز وجل: إن عليا راية الهدى، و إمام أوليائي، و نور من أطاعني، و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين. من أحبه أحبني و من أبغضه أبغضني. فبشره بذلك، فجاء علي فبشره بذلك، فقال: يا رسول الله! أنا عبد الله و في قبضته فإن يعذبني فبذنبي، و إن يتم الذي بشرني به فالله أولى بي وأكرم بي. قال (ص): قلت: اللهم أجل قلبه و اجعله ربيعة الإيمان فقال جل شأنه: قد فعلت به ذلك. ثم قال تعالى: إن عليا مستخص بشيء من البلاء لم يكن لأحد من أصحابك! فقلت: يا رب، إنه أخي ووصيي، فقال عز وجل: إن هذا شي‏ء قد سبق في علي ، إنه مبتلى و مبتلى به.
10ـ ونقل القندوزي أيضا في الباب عن مناقب الموفق بن أحمد الخوارزمي روى بسنده عن أبي أيوب الأنصاري قال: أن فاطمة سلام الله عليها أتت في مرض أبيها (ص) وبكت، فقال رسول الله (ص): يا فاطمة! إن لكرامة الله إياك زوجتك من أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما، إن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيا مرسلا، ثم اطلع اطلاعة فاختار منهم بعلك فأوحى إلي أن أزوجه إياك و أتخذه وصيا. قال القندوزي: وزاد ابن المغازلي في المناقب: يا فاطمة! إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين و لا يدركها أحد من الآخرين، منا أفضل الأنبياء و هو أبوك، و وصينا خير الأوصياء و هو بعلك، و شهيدنا خير الشهداء و هو حمزة عمك، و منا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء و هو جعفر ابن عمك، ومنا سبطان وسيدا شباب أهل الجنة ابناك، والذي نفسي بيده إن مهدي هذه الأمة يصلي عيسى بن مريم خلفه وهو من ولدك. قال القندوزي: وزاد الحمويني: يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، يا فاطمة! لا تحزني و لا تبكي فإن الله عز وجل أرحم بك و أرأف عليك مني و ذلك لمكانك مني و موقعك من قلبي.
قد زوجك الله زوجا وهو أعظمهم حسبا و أكرمهم نسبا، و أرحمهم بالرعية و أعدلهم بالسوية و أبصرهم بالقضية. انتهى ما نقله القندوزي(70).

مات النبي (ص) ورأسه في حجر علي عليه السلام
أما ما نقله الشيخ عبد السلام عن عائشة: إن رسول الله (ص) مات ورأسه بين سحري ونحري، فهو مردود عند أهل البيت (ع) لأنهم رووا إلى حد التواتر وأيده كثير من أعلامكم أن النبي (ص) مات ورأسه في حجر علي يناجيه.
الشيخ عبد السلام: لا أظن أحدا من علمائنا الأعلام ينقل هذا الخبر ويؤيده، لأنه معارض لرواية أم المؤمنين عائشة!
قلت: إذا أحببت أن تعرف حقيقة الأمر وينكشف لك الواقع فراجع:
1ـ كنز العمال: ج4/55 و ج6/392 و400.
2ـ طبقات ابن سعد: ج2 /51.
3ـ مستدرك الصحيحين للحاكم: ج3 /139.
4ـ وتلخيص الذهبي وسنن ابن أبي شيبة والجامع الكبير للطبراني ومسند أحمد بن حنبل: ج3، وحلية الأولياء / ترجمة الإمام علي (ع)، ومصادر كثيرة أخرى، رووا بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، عن أم سلمة وعن جابر بن عبد الله الأنصاري وحتى عن عائشة وغيرهم: أن رسول الله (ص) حينما قبض كان رأسه في حجر الإمام علي عليه السلام، وقد أشار الإمام في نهج البلاغة إلى هذا الأمر حيث يقول (ع): و لقد قبض رسول الله (ص) و إن رأسه لعلى صدري و قد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي، و لقد وليت غسله (ص) و الملائكة أعواني، إلى آخر خطبته الشريفة، ومن أراد أن يطلع عليها كاملة ويعرف رموزها ومغزاها فليراجع شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج10/179 / ط دار إحياء التراث العربي.
وفي صفحة 365 من نفس المجلد، قال: ومن كلام له (ع) عند دفن سيدة النساء فاطمة (ع)، كالمناجي به رسول الله (ص) عند قبره: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك.. على أن يقول: فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ، وَ فَاضَتْ َ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي نفسك فإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، إلى آخر كلامه(71).
ولقد أيد هذا الكلام والمعنى كل من شرح نهج البلاغة من ابن أبي الحديد ومن قبله ومن بعده الى الشيخ محمد عبده.
هذه دلائل كافية لرد الخبر المروي عن عائشة، ولا يخفى أن عائشة كانت تحمل حقدا وبغضا على الإمام علي (ع) بحيث كانت ترى جواز وضع روايات تنفي بها فضائل علي عليه السلام ومناقبه!!

مفهوم الوصاية وأهميتها
نعرف مفهوم الوصاية من الروايات والأحاديث التي ذكرناها فالمعنى هو الذي تداعى للنواب إذ قال: الخليفة هو الذي يقوم بتنفيذ وصايا النبي (ص) ولا حاجة إلى آخر.
وصحابة النبي (ص) أيضا كانوا يفهمون أن الوصي هو الذي يقوم مقام النبي (ص)، لذلك قام بعض المتعصبين المعاندين من أهل السنة بإنكار وصاية الإمام علي لأنهم عرفوا بأن الإقرار بذلك يلازم الإقرار بخلافته عليه السلام.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج1 / 139 و140 / ط دار إحياء التراث العربي: أما الوصية فلا ريب عندنا أن عليا عليه السلام كان وصي رسول الله (ص)، وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد.
ثم نقل في صفحة 143 وما بعدها أبياتا وأراجيز في إثبات وصاية علي (ع)، منها و قال عبد الله بن العباس حبر الأمة:
وصي رسول الله من دون أهلهو فارسه إن قيل هل من منازل
وقول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين يخاطب عائشة، منها:
وصي رسول الله من دون أهلهو أنت على ما كان من ذاك شاهده
و قال أبو الهيثم بن التيهان
إن الوصي إمامنا و ولينابرح الخفاء و باحت الأسرار
وأنا أكتفي بهذا المقدار ومن رام الإكثار فليراجع شرح النهج حتى يجد الأراجيز والأشعار في
هذا الإطار(72).
الشيخ عبد السلام: إذا كانت هذه الأخبار صحيحة، فلماذا لا نجد في كتب التاريخ والحديث وصية رسول الله (ص) لعلي كرم الله وجهه كما نقلوا وصية أبي بكر وعمر وقت موتهما رضي الله عنهما؟
قلت: روى أئمة أهل البيت (ع) وصايا النبي (ص) للإمام علي (ع)، نقلها علماء الشيعة وسجلوها في كتبهم، ولكني حيث التزمت من أول نقاش أن لا أنقل خبرا وحديثا إلا من كتب علمائكم وأعلامكم، فأشير في هذا الموضوع أيضا وأجيب سؤالك من مصادركم الموثقة وأسانيدكم المحققة.
فأقول: لكي يتضح لكم الأمر وينكشف لكم الحق، راجعوا الكتب الآتية:
1ـ طبقات ابن سعد: ج2 / 61 و63.
2ـ كنز العمال: ج4 / 54 وج 6 /155 و393 و403.
3ـ مسند أحمد بن حنبل: ج4 /164.
4ـ مستدرك الحاكم: ج3 /59 و111.
وسنن البيهقي ودلائله، والاستيعاب والجامع الكبير للطبراني، وتاريخ ابن مردويه، وغير هؤلاء رووا عن النبي وصاياه لعلي بعبارات مختلفة وفي مناسبات عديدة، خلاصتها قوله (ص): يا علي أنت أخي ووزيري، تقضي ديني وتنجز وعدي وتبري ذمتي، وأنت تغسلني وتواريني في حفرتي.
إضافة إلى ما نقله علماء الحديث في هذا المجال، فقد أجمعوا على أن الذي قام بتغسيل النبي (ص) وتكفينه وباشر دفنه فأنزله في قبره وواراه في لحده، هو الإمام علي (ع).
وذكر الحافظ عبد الرزاق في كتابه الجامع: أنه كان على النبي خمسمائة ألف درهم،ن فأداه علي بن أبي طالب (ع).
الشيخ عبد السلام: قال الله سبحانه: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين)(73) وبناء عليها كان يلزم أن يوصي النبي عند الاحتضار حينما تيقن بموته كما أوصى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
قلت: أولا... لم يكن مراد الآية الكريمة من (إذا حضر أحدكم الموت) أي: حال الاحتضار واللحظات الأخيرة من الحياة. فإنه في تلك الحالة قل من يكون في حالة استقرار نفسي وتمهيد روحي بحيث يتمكن من بيان وصاياه، وإنما المراد من الآية الكريمة، أي إذا ظهرت علامات الموت من الضعف والشيخوخة والمرض وما إلى ذلك فليبين وصاياه.
ثانيا:... لقد ذكرني كلامك بأمر فجيع، إذا ذكرته هاج حزني وتألم قلبي وذلك أن كلنا نعلم أن رسول الله كثيرا ما كان يؤكد على المسلمين في أن يوصوا ولا يتركوا الوصية بحيث إنه قال (ص): من مات بغير وصية مات ميتة الجاهلية.
ولكنه (ص) لما أراد أن يكتب وصيته في مرضه الذي توفي فيه، وأراد أن يؤكد كل ما كان طيلة أيام رسالته الشريفة يوصي بها عليا (ع) في تنفيذ أمور تتضمن هداية الأمة واستقامتها وعدم انحرافها وضلالتها، فمنعوه من ذلك وحالوا بينه وبين كتابة وصيته!!
الشيخ عبد السلام: لا أظن أن يكون هذا الخبر صحيحا والعقل لا يقبله بل يأباه، لأن المسلمين كانوا في طاعة رسول الله وذلك لأمر الله سبحانه إذ يقول: (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(74)، ولقوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)(75).
ولا ريب أن مخالفة كتاب الله عز وجل ومعاندة رسول الله كفر بالله سبحانه. وكان أصحابه على هذا الاعتقاد. فكيف يخالفوه ويعاندوه؟! فهذا الخبر ليس إلا كذبا وافتراء على الصحابة الكرام، وأنا على يقين بأن الملحدين وضعوا هذا الخبر ونشروه حتى يصغروا شأن النبي وينزلوا مقامه بأن محمدا ما كان مطاعا في أمته، وأن نبيا لا تطيعه أمته لجدير بأن لا يطيعه الآخرون!

خبر إن الرجل ليهجر
قلت: هذا ظنكم ( وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)(76).
والخبر الذي تقولون: بأنه كذب وافتراء، رواه أعلامكم وحتى أصحاب الصحاح لا سيما البخاري ومسلم، وهما عندكم على مكانة عظيمة من الاحتياط في نقل الأحاديث، ولقد كانا يحتاطان أن لا يرويا حديثا يستند إليه الشيعة في طعن الصحابة، وتضعيف خلافة الثلاثة الذين سبقوا عليا (ع).
فقد اتفق المحدثون وأجمعوا على أن النبي قال لمن حضر عنده وهو في مرضه الذي توفي فيه: إئتوني بورق ودواة لأكتب لكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي!!
فعارضه جماعة فقال أحدهم: إن الرجل ليهجر كفانا كتاب الله!! وعارضه آخرون فقالوا: دعوا رسول الله (ص) ليوصي.
فكثر اللغط، فقال (ص): قوموا عني فإنه لا ينبغي النزاع عند نبي!
الشيخ عبدالسلام: أكاد أن لا أصدق هذا الخبر! من كان يتجرأ من الصحابة أن يعارض رسول الله (ص) ويقابله بهذا الكلام؟!
وهم يتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار حيث يقول تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(77).
فلا أدري لماذا خالفوا النبي (ص) وعارضوه أن يوصي، علما أن أي مؤمن ومؤمنة لا يحق لهما أن يمنعا أحدا من الوصية، وإن الوصية حق على كل مسلم ومسلمة، فكيف بالنبي (ص) الذي طاعته واجبة على الأمة، ومخالفته عناد كفر وإلحاد؟ فلذلك يصعب علي قبول هذا الخبر وتصديقه!
قلت: نعم إنه خبر ثقيل على مسامع كل مؤمنين، ومؤلم لقلوب كل المسلمين، وإنه يثير تعجب كل إنسان و يستغربه كل صاحب وجدان وإيمان!!
فإن العقل يأبى أن يقبله ويصعب على قلب أن يتحمله. إذ كيف يروم لجماعة، يدعون بأنهم أتباع نبي الله، ثم يمنعوه من أن يوصي عند وفاته بشيء يكون سبب سعادتهم، ويضمن لهم هدايتهم ويمنعهم عن الضلال والشقاء بعده أبدا؟! ولكن هذا ما حدث!!

تأسف ابن عباس
إنه مؤسف لكل غيور، فإن كل مسلم إذا سمع الخبر يتأسف ويتألم كما كان عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله (ص) إذا تذكر ذلك اليوم يتأسف ويبكي.
ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج2/ 54 و 55 / ط. دار إحياء الثراث العربي قال: و في الصحيحين، خرجاه معا عن ابن عباس أنه كان يقول: يوم الخميس و ما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى. فقلنا: يا ابن عباس، و ما يوم الخميس؟
قال: اشتد برسول الله (ص) وجعه، فقال: ائتوني بكتاب أكتبه لكم لا تضلوا بعدي أبدا. فتنازعوا، فقال (ص): إنه لا ينبغي عندي تنازع، فقال قائل: ما شأنه؟ أ هجر؟!(78).
الشيخ عبد السلام: هذه الرواية مبهمة، لا تصرح بأن النزاع لأي شيء حدث؟ ثم من هو القائل؟: ما شأنه؟ أهجر؟
قلت: لإن كانت هذه الرواية مبهمة فإن هناك روايات صريحة على أن القائل هو عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي منع بكلامه من أن يأتوا للنبي (ص) بالقرطاس والدواة ليوصي!
الشيخ عبدالسلام: هذا بهتان عظيم! نعوذ بالله تعالى من هذا الكلام، وأنا على يقين أن هذا البهتان على الخليفة عمر ما هو إلا من أقاويل الشيعة وأباطيلهم، فأوصيك أن لا تعدها!
قلت: وأنا أوصيك يا شيخ: أن لا تفوه بكلمة من غير تفكر، فإن لسان المؤمن خلف قلبه وقلب المنافق خلف لسانه، يعني ينبغي للمؤمن أن يفكر قبل أن يتكلم، فإن المنافق يتكلم قبل أن يفكر في مقاله ومعنى كلامه، ثم ينكشف له بطلانه وزيفه، وكم رميتم الشيعة المؤمنين، في هذه المناقشات، ونسبتم كلامنا للأباطيل والأقاويل، ثم انكشف للحاضرين أنها ما كانت كذلك وإنما كان كلامنا من مصادر ومنابع أهل السنة وعلمائهم وأعلامهم!!
وسأثبت لكم أننا لسنا أهل افتراء وبهتان ولا أهل الأقاويل والبطلان، وإنما ذاك غيرنا!!
ولكي يظهر لك الحق ويتضح الأمر، بأن القائل: أهجر؟ أو يهجر!
وأن المانعين من أن يكتب النبي (ص) وصيته، هو عمر.
فراجع المصادر التي سأذكرها من علمائكم:
1ـ صحيح البخاري: ج2/ 118.
2ـ صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية.
3ـ الحميدي في الجمع بين الصحيحين.
4ـ أحمد بن حنبل في المسند: ج1 / 222.
6ـ والنووي في شرح صحيح مسلم، وغيرهم كابن حجر في صواعقه، والقاضي أبو علي، والقاضي روزبهان، والقاضي عياض، والغزالي، وقطب الدين الشافعي ، والشهرستاني في الملل والنحل وابن الأثير، والحافظ أبو نعيم، وسبط ابن الجوزي. وجل علمائكم أو كل من كتب من أعلامكم عن وفاة النبي (ص) ذكر هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم والخبر الأليم.
نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج2 / 55 / ط. دار إحياء التراث العربي بيروت قال: و في الصحيحين أيضا، خرجاه معا عن ابن عباس رحمه الله تعالى قال: لما احتضر رسول الله (ص) و في البيت رجال منهم عمر بن الخطاب، قال النبي (ص): هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده، فقال عمر: إن رسول الله (ص) قد غلب عليه الوجع، و عندكم القرآن، حسبنا كتاب الله!
فاختلف القوم و اختصموا، فمنهم من يقول قربوا إليه يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، و منهم من يقول: القول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عنده (ع)، قال لهم: قوموا فقاموا.
فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية: ما حال بين رسول الله (ص) و بين أن يكتب لكم ذلك الكتاب.
ونقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / 64 و65 / ط. مؤسسة أهل البيت بيروت، قال: وذكر أبو حامد الغزالي في كتاب " سر العالمين ": ولما مات رسول الله (ص) قال قبل وفاته بيسير: إئتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتابا لا تختلفوا فيه بعدي، فقال عمر:
دعوا الرجل فإنه يهجر!!
إن هذه المخالفة والمعارضة من عمر لرسول الله (ص) ما كانت أول مرة بل كانت مسبوقة بمثلها كما في صلح الحديبية وغيرها... ولكن هذه المرة سببت اختلاف المسلمين وتنازعهم في محضر رسول الله (ص)، وكان أول نزاع وتخاصم وقع بين المسلمين في حياة النبي (ص) ودام ذلك حتى اليوم، فعمر بن الخطاب هو مسبب هذه الاختلافات والضلالات التي أدت بالمسلمين إلى القتال والحروب، وسفك الدماء وإزهاق النفوس، لأنه منع النبي (ص) من كتابة ذلك الكتاب الذي كان يتضمن اتحاد المسلمين وعدم ضلالتهم إلى يوم الدين!!
الشيخ عبدالسلام: لا ننتظر من جنابكم هذا التجاسر على مقام الخليفة الفاروق! وأنت صاحب الخلق البديع والأدب الرفيع فكيف لا تراعي الأخلاق والآداب؟!
قلت: بالله عليكم! اتركوا التعصب! وتجردوا عن حب ذا وبغض ذاك ! وأنصفوا! هل تجاسر الخليفة على سيد المرسلين وخاتم النبيين (ص) ومخالفته ومعارضته للنبي (ص) ونسبته رسول الله (ص) إلى الهجر والهذيان أعظم أم تجاسري على الخليفة كما تزعمون؟! ولعمري ما كان تجاسري إلا كشف الواقع وبيان الحقيقة!
وليت شعري... أنا لا أراعي الأخلاق والآداب أم عمر بن الخطاب؟ إذ سبب النزاع والصياح، وتخاصم الأصحاب عند رسول الله (ص) حتى رفعوا أصواتهم وأزعجوا النبي (ص) بحيث أخرجهم وأبعدهم وغضب عليهم لأنهم خالفوا الله سبحانه إذ يقول:
(يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)(79).
الشيخ عبد السلام: لم يقصد الخليفة من كلمة الهجر معنى سيئا وإنما قصد أن النبي (ص) بشر مثلنا، وكما نحن في مثل تلك الحالة نفقد مشاعرنا، فرسول الله (ص) كان كذلك! لأن الله تعالى يقول: (قل إنما أنا بشر مثلكم)(80) ... فهو (ص) إذا مثلنا في جميع النواحي: في الغرائز والعواطف، ويعرض عليه من العوارض الجسمية كضعف القوى والأعضاء كما يعرض على غيره من البشر، وحالة الهجر والهذيان في حال المرض أيضا من عوارض الجسد البشري، فربما يعرض عليه كما يعرض على كل أفراد البشر!!
قلت: أولا: إني أتعجب من انقلابك واستغرب تبدل حالك! إذ كنت قبل هذا تقول: لا ريب إن مخالفة كتاب الله كفر ومعاندة رسول الله (ص) إلحاد، والآن طفقت توجه كلام معانديه وعمل مخالفيه! فما عدا مما بدا؟!
ثانيا: أتعجب أيضا أنك لا تتأثر من كلام عمر على رسول الله (ص) وهو سيد الأولين والآخرين. وتتغير هذا التغير الفظيع من كلامي على عمر، وهو إنسان عادي غاية ما هنالك أن أحد صحابة رسول الله وكم له في الصحابة من نظير!!
والجدير بالذكر أنه بعد تلك الصحبة الطويلة ما عرف النبي (ص) حق معرفته وكان جاهلا بمقامه المنيع وشأنه الرفيع فنسب إليه الهجر، وهذا رأي بعض أعلامكم مثل القاضي عياض الشافعي في كتاب الشفاء والكرماني في شرح صحيح البخاري والنووي في شرح صحيح مسلم فإنهم يعتقدون من ينسب الهجر والهذيان إلى رسول الله (ص) فقد جهل معنى النبوة والرسالة، ولا يعرف قدر النبي وشأنه، لأن الأنبياء العظام كلهم في زمان تبليغ رسالتهم وإرشادهم للناس يكونون معصومين عن الخطأ والزلل، لأنهم يأخذون عن الله تعالى ومتصلون بعالم الغيب والملكوت، سواء أكانوا في حال الصحة أم المرض.
فيجب على كل فرد من الناس أن يطيعهم ويمتثل لأوامرهم. فمن خالف النبي (ص) في طلبه البياض والدواة ليكتب وصيته (ص) وخاصة بمثل ذلك الكلام الشنيع:
" إن رسول الله يهجر "! " إنما هو يهجر "! " قد غلب عليه الوجع "!
وما إلى ذلك من كلام فجيع وبيان فظيع، إنما يدل على جهل قائله وعدم معرفته لمقام النبي وشخصيته العظيمة!
ثالثا: أطلب من جناب الشيخ أن يراجع كتب اللغة في تفسير كلمة " يهجر " حتى يعرف مدى تجاسر قائلها على رسول الله (ص)!!
فقد قال اللغويون: الهُجر بالضم = الفُحش، وبالفتح = الخلط والهذيان، وهو بعيد عن مقام النبوة وقد عصم الله سبحانه رسوله عن ذلك بقوله عز وجل : (بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(81) لذلك أمر المسلمين بالإطاعة المحضة له من غير ترديد وإشكال، فقال سبحانه: (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(82).
وقال تعالى: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)(83).
فمن استشكل في كلام رسول (ص) أو تردد في إطاعته وامتثال أمره، فقد خالف الله تعالى وأصبح من الخاسرين.
الشيخ عبد السلام: ولو فرضنا بأن عمرا قد أخطأ، فهو خليفة رسول الله (ص) وكان يقصد بذلك حفظ الدين والشريعة ولكنه اجتهد فأخطأ فيعفى عنه والله خير الغافرين.
قلت: أولا: حينما تكلم عمر بذلك الكلام الخاطئ لم يكن خليفة رسول الله، بل شأنه شأن أحد الناس العاديين.
ثانيا: قد قلت: إنه اجتهد فأخطأ! فلعمري هل الرأي أو الكم المخالف لنص القرآن، اجتهاد؟ أم ذنب لا يغفر!
ثالثا: وقلت: إنه كان يقصد حفظ الدين والشريعة.
فمن أين تقول هذا؟ والله من وراء القصد.
ثم هل أن النبي (ص) كان أعرف بحفظ الشريعة أم عمر بن الخطاب؟ فإن رسول الله (ص) كان موكلا من الله في ذلك وكان (ص) حريصا على الدين وحفظ الشريعة أكثر من غيره، ولأجل ذلك أراد أن يوصي ويكتب كتابا لا يضل المسلمون بعده أبدا.
ولكن عمر منع من ذلك وصار سببا لضلالة من ضل إلى يوم القيامة، فأي عفو وغفران يشمل هذا المجتهد الخاطئ!!
الشيخ عبد السلام: ربما الخليفة الفاروق رضي الله عنه كان يعرف الأوضاع الاجتماعية والظروف الراهنة، وثبت عنده بأن الوصية وكتاب النبي (ص) يحدث فتنة عظيمة من بعده (ص)، فكان بمنعه ورفضه الكتاب والوصية، ناصحا للنبي و ناويا الخير للإسلام والمسلمين.
قلت: إن أستاذي المرحوم الشيخ محمد علي الفاضل القزويني وكان يحوي علم المعقول والمنقول، كان ينصحني ويقول: توجيه الخطأ يولد أخطاء أخرى، فلو اعترف العاقل بخطئه لكان أسلم له وأجمل، وقالوا قديما: الاعتراف بالخطأ فضيلة. وأنا أراك هويت في مهوى توجيه خطأ من تهوى فنسيت كلام الله تعالى حيث يقول:
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)(84).
الشيخ عبد السلام: تظهر نية الفاروق الحسنة من آخر كلامه حيث قال:

حسبنا كتاب الله!!
قلت: هذه الجملة تدل على عدم معرفة الخليفة لمقام النبوة وعدم معرفته بحقيقة كتاب الله أيضا، لأن القرآن كلام ذو وجوه وله بطون، ولابد من مفسر(85) وموضح يعرف الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والمتشابه والمحكم منه، وهذا لا يكون إلا من أفاض الله عليه من الحكمة وفتح في قلبه ينابيع علومه، فلذا قال سبحانه: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )(86).
فإذا كان القرآن وحده يكفي لما قال سبحانه: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(87). ولما قال تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)(88).
ولقد عرف رسول الله (ص) لأمته الراسخين في العلم وأولي الأمر الذين يرجع إليهم في تفسير القرآن وتوضيحه، في حديثه الذي كرره على مسامع أصحابه وقد وصل حد التواتر في النقل، إذ قال حتى عند وفاته: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، إن تمسكتم بهما نجوتم ـ لن تضلوا أبدا(89).
فرسول الله (ص) لا يقول لأمته: كفاكم كتاب الله وحسبكم. بل يضم إلى القرآن أهل بيته وعترته.
أيها الحاضرون! فكروا وأنصفوا أي القولين أحق أن يؤخذ به قول عمر: حسبنا كتاب الله. أم قول النبي (ص): كتاب الله وعترتي؟
لا أظن أحدا يرجح قول عمر على قول رسول الله (ص)، فإذا كان كذلك، فلماذا أنتم تركتم قول النبي (ص) وأخذتم بقول عمر؟! فإذا كان كتاب الله وحده يكفينا، فلماذا يأمرنا الله تعالى ويقول: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(90) والذكر سواء كان القرآن أو رسول الله (ص) فأهل الذكر هم عترة رسول الله وأهل بيته الطيبين.
وقد مر الكلام حول الموضوع في الليالي السالفة، ونقلت لكم عن السيوطي وغيره من أعلامكم أنهم رووا بأن أهل الذكر هم عترة رسول الله (ص) الذين جعلهم النبي (ص) عدل القرآن ونظيره.
وأنقل لكم ـ الآن ـ مضمون كلام أحد أعلامكم وهو قطب الدين الشيرازي، قال في كتابه كشف الغيوب: لابد للناس من دليل ومرشد يرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ولذا أتعجب من كلام الخليفة عمر (رض): حسبنا كتاب الله! وبهذا الكلام رفض الهادي والمرشد فمَثَله كمن يقبل علم الطب وضرورته ولزومه للناس إلا أنه يرفض الطبيب ويقول حسبنا علم الطب وكتبه ولا نحتاج لطبيب!
من الواضح إن هذا الكلام مردود عند العقلاء، لأن الطبيب وجوده لازم لتطبيق علم الطب كما يلزم علم الطب الناس، والعلم من غير عالم وعارف بمصطلحاته ورموزه، يبقى معطلا لا يمكن أن يستفاد منه، فكما لا يمكن لآحاد البشر أن يعرفوا علم الطب ورموزه، ولا بد من أطباء في كل مجتمع يعالجون المرضى بمعرفتهم لعلم الطب ورموز العلاج، كذلك القرآن الكريم وعلومه لا يعقل بأن الناس كلهم يعرفون علومه ورموزه ومصطلحاته، فلا بد أن يرجعوا إلى العالم لعلومه ورموزه والمتخصص بتفسيره وتأويله وقد قال سبحانه: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)(91).
وقال عز وجل: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)(92). فالكتاب المبين وحقيقته إنما يكون في قلوب أهل العلم، كما قال سبحانه:
(بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)(93).


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:32 AM


ولهذا كان علي كرم الله وجهه يقول: أنا كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت. انتهى مضمون مقال وخلاصة مقال قطب الدين.
أقول: كل عاقل منصف، وكل صاحب وجدان وإيمان يعرف أن عمر بن الخطاب ارتكب ظلما كبيرا بمنعه النبي (ص) أن يكتب لأمته كتابا لن يضلوا بعده أبدا!!
وأما قولك أيها الشيخ: إن أبا بكر وعمرا أوصيا ولم يمنعهما أحد من الصحابة: فهو قول صحيح وهذا الأمر يثير تعجبي واستغرابي. كما يهيج حزني ويبعث الألم في قلبي، فقد اتفق المؤرخون والمحدثون على إن أبا بكر أملا وصيته على عثمان ، وهو كتبها في محضر بعض أصحابه وعرف عمر بن الخطاب ذلك ولم يمنعه، وما قال له: لا حاجة لنا بوصيتك وعهدك، حسبنا كتاب الله!
ولكنه مع رسول الله (ص) عن الوصية وكتابة عهده لأمته، قائلا: أنه يهجر.. كفانا أو حسبنا كتاب الله!! وقد كان ابن عباس وهو حبر الأمة كلما يتذكر ذلك اليوم يبكي ويقول: إن الرزية كل الرزية: ما حال بين رسول الله (ص) و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم / صحيح البخاري بحاشية السندي: ج4 / كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني وج 4 / 271 / باب كراهية الخلاف.
نعم كان ابن عباس يتأسف ويبكي، ويحق لكل مسلم منصف أن يتأسف ويبكي، وأن يتألم ويتأثر ويتغير، ونحن على يقين أنهم لو تركوا رسول الله (ص) يكتب وصيته، لبين أمر الخلافة من بعده وعين خليفته مؤكدا عليهم بأن يطيعوه ولا يخالفوه ، ولذكرهم كل ما قاله في هذا الشأن وفي شأن وصيه وخليفته ووارثه من قبل. والذين منعوا من ذلك، كانوا يطمعون في خلافته كما كانوا يعلمون أنه يريد أن يسجل خلافة ابن عمه علي بن أبي طالب، ويكتبه ويأخذ منهم العهد والبيعة له في آخر حياته، كما أخذ عليهم ذلك في يوم الغدير، لذلك خالفوه بكل وقاحة ومنعوه من ذلك بكل صلافة!
الشيخ عبد السلام: كيف تدعي هذا ومن أين تبين لك أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يوصي في أمر الخلافة ويعين علي بن أبي طالب لهذا الأمر من بعده ؟!
قلت: من الواضح أنه (ص) بين جميع أحكام الدين للمسلمين، وما ترك صغيرة ولا كبيرة من الفرائض السنن إلا بينها، حتى قال تعالى في كتابه: (اليوم أكملت دينكم)(94)، فكان من هذه الجهة مرتاح البال، ولكن الذي كان يشغل باله هو موضوع خلافته وولي الأمر بعده، لأنه (ص) كان يعرف عداوة كثير من الناس لعلي بن أبي طالب، وكان يعلم حقدهم وحسدهم له (ص) وكان يعرف طمع بعض الصحابة، وحرصهم على خلافته في أمته، لذلك كان يتخوف من مناوئي الإمام علي عليه السلام ومخالفيه، أن لا يخضعوا لإمارته ولا يقبلوا خلافته، فأراد أن يؤكدها عليهم في آخر ساعات حياته، إضافة على ما بينه في هذا الأمر طول حياته كرارا ومرارا، كما روى الغزالي في كتابه " سر العالمين " في المقالة الرابعة، أنه (ص) قال: إيتوني بدوات وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي.
ثم كلنا نعلم أن الأمر الذي آل اختلاف المسلمين بعد رسول الله (ص) وكان سبب سفك وإزهاق النفوس، إنما هو أمر الخلافة لا غير، فتبين أنه (ص) أراد أن يوضح أمر الخلافة لا غير، فيتبين أنه (ص) أراد أمر الخلافة للمسلمين ويوصي بها لرجل منهم يستحقها، حتى يبايعوه ويخضعوا لإمارته وخلافته ولكي لا يؤول أمرهم إلى التخاصم والتنازع، ولا يقعوا من بعده في هوة الاختلاف ومزلة الانحراف.
ثم إن النبي (ص) في مواطن كثيرة عين وصيه وعرفه للناس، وقد نقلنا لكم بعض الأخبار والأحاديث في هذا الشأن ولا حاجة لتكرارها.
ولا ينكر أحد من المسلمين المنصفين بأن النبي (ص) عين عليا وصيا لنفسه وأودعه الوصايا التي أراد أن يكتبها حتى لا يضلوا من بعده أبدا، ولكنهم منعوه ورفضوها بقولهم: إنه ليهجر. كفانا أو حسبنا كتاب الله!!
الشيخ عبد السلام: خبر تعيين النبي (ص) عليا وصيا لنفسه غير متواتر فلا يصح الاستناد به.
قلت: هو خبر متواتر عن طريق العترة النبوية الطاهرة والأمر ثابت من غير شك ولا ترديد.
وأما عن طرقكم، فربما لم يكن لفظه متواترا ولكن معناه قد تواتر عن طرقكم في ألفاظ متفاوتة وجمل متعددة.
ثم إذا كان التواتر عندكم مهما إلى هذا الحد بحيث لو كان الخبر واصلا عن طريق موثوق وبسند حسن وقد صححه العلماء المتخصصون، ومع ذلك ترفضونه بحجة أنه غير متواتر، فأسألكم هل كان حديث: " لا نورث ما تركناه صدقة " متواترا؟! لا .. بل هو خبر واحد رواه أبو بكر(95)، وصدّقه عصابة كانت لهم منفعة ومصلحة في تصديقهم إياه!
ولكن في كل عصر ينكره ملايين المسلمين ويرفضه آلاف العلماء الصالحين.
وقد أنكره الإمام علي (ع) وهو باب علم الرسول، ورفضته فاطمة الزهراء (ع) بضعة رسول الله الطاهرة المطهرة التي عصمها الله من الزلل وطهرها من الرجس والدنس بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة المستندة على كتاب الله الحكيم والمنطق القويم والعقل السليم.
ولو لم يورث الأنبياء فكيف قال النبي (ص): لكل نبي وصي ووارث، وأن عليا وصيي ووارثي؟(96)
وأثبتنا أن المقصود وراثة المال والمقام. وحتى إذا كان المقصود وراثة العلم فوارث علم النبي (ص) أحق بخلافته من فاقد علمه.
والجدير بالذكر أن أبا بكر وعمر في كثير من القضايا رجعا إلى الإمام علي (ع) وعملا برأيه وأخذا بقوله، ولكن في هذه القضية بالذات خالفوه، ولم يقبلوا حتى شهادته في فدك بأنها منحة رسول الله (ص) لفاطمة (ع)، فرفضوا شهادته وشتموه بقولهم: إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة الخ.
الحافظ: إن أبا بكر وعمر كانا في غنى عن علي وعلمه ولم يرجعا إليه في بعض الأحكام لجهلهما بالحكم بل كانا يحترمانه ويشاورانه.
قلت: إن قولك هذا منبعث عن حبك للشيخين وقد قالوا: حب الشيء يعمي ويصم.
وإن قولك رأي شخصي لم يقل به قائل، بل هو مخالف لصريح ما نقله أعلامكم عن نفس أبي بكر وعمر.
وإليكم نماذج منها:

الحكم في امرأة ولدت لستة أشهر
نقل المحدثون منهم أحمد بن حنبل في مسنده والمحب الطبري في ذخائر العقبى وابن أبي الحديد في شرح النهج والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون فصل: في ذكر كثرة علم علي، قال: وروي أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر! فقال علي (ع) في كتاب الله: (وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(97) ثم قال:(وفصاله في عامين)(98) فالحمل ستة أشهر، فتركها عمر، وقال عمر: لو لا علي لهلك عمر. قال القندوزي: أخرجه أحمد والقلعي وابن السمان.
ونقل القندوزي في الباب قبل هذا الخبر بقليل فقال:
وأخرج أحمد [ ابن حنبل ] في المناقب: أن عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيء اخذ من علي رضي الله عنه.
ولو تصفحنا كتب التاريخ والحديث لوجدنا كثيرا من هذه القضايا المشكلة التي كان يعجز عن حكمها الخلفاء فيرجعون فيها إلى علي (ع) ويأخذون بقوله ويعملون برأيه.
فيا أيها العلماء! وأيها الجمع! فكروا: لماذا رفضوا شهادة علي (ع) في أمر فدك ولم يقبلوا حكمه في قضية فاطمة (ع) وقالوا ما قالوا وافتروا عليه وشتموه!!
ثم إذا كان الحديث الذي رواه أبو بكر صحيحا وكان قد سمعه من رسول الله (ص) فلماذا لم يحكم في سائر ممتلكات النبي (ص) بحكم فدك ولم يضمها إلى بيت المال لعامة المسلمين، أو يجعلها صدقات ينتفع بها المساكين.
بل ترك حجرة فاطمة (ع) لها، وترك حجرات زوجات الرسول لكل واحدة منهن حجرتها، من باب الإرث(99).
إضافة على هذا: إذا كان أبو بكر يؤمن بما يقول ويعتقد بالحديث الذي رواه: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة " وعلى هذا المبنى أخذوا فدك وأخرجوا عمال فاطمة منها. فلماذا رد فدك ـ بعد أيام ـ على فاطمة وكتب لها كتابا في ذلك إلا أن عمر أخذ منها الكتاب ومزقه، ومنعها من التصرف في فدك؟!
الحافظ: هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل! فمن أي مصدر وبأي دليل تقول: بأن أبا بكر (رض) رد فدك على فاطمة ثم منعها عمر في خلافة أبي بكر ومزق كتابه؟!!
قلت: يبدو أن مشاغل الحافظ كثيرة بحيث لا يجد فرصة ليطالع كتب أعلام السنة من أهل مذهبه ونحلته، وإلا لما كان هذا الخبر جديدا على مسامعه، فقد روى هذا الخبر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم علي بن برهان الدين الشافعي في السيرة الحلبية: ج3/391وابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 / 247/ ط دار إحياء التراث العربي / قال: روى إبراهيم بن سعيد الثقفي عن إبراهيم بن ميمون، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب (ع) عن أبيه عن جده عن علي (ع) قال: جاءت فاطمة (ع) إلى أبي بكر و قالت: إن أبي أعطاني فدك، و علي و أم أيمن يشهدان فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحق قد أعطيتكها، و دعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها، فخرجت فلقيت عمر فقال: من أين جئت يا فاطمة؟ قالت جئت من عند أبي بكر. أخبرته أن رسول الله (ص) أعطاني فدك و أن عليا و أم أيمن يشهدان لي بذلك فأعطانيها و كتب لي بها. فأخذ عمر منها الكتاب. ثم رجع إلى أبي بكر، فقال: أعطيت فاطمة فدك و كتبت بها لها؟ قال: نعم فقال: إن عليا يجر إلى نفسه، و أم أيمن امرأة، و بصق في الكتاب فمحاه و خرقه!
والعجب إن عمر الذي كان بهذه الشدة في قضية فدك أيام خلافة أبي بكر، لما وصلت أيامه وصارت الخلافة في يده رد فدك على أولاد فاطمة وكذلك بعض الخلفاء من بعده!
الحافظ: إن هذا الخبر من أعجب الأخبار لتناقضه، وإني حائر في تصديقه ورده!
قلت: لا تتحير ولا ترد الخبر بل راجع كتاب وفاء الوفاء في تاريخ مدينة المصطفى للعلامة السمهودي وهو من أعلامكم، ومعجم البلدان لياقوت الحموي.
رويا أن أبا بكر أخذ فدك من فاطمة، ولكن عمر في خلافته رده على العباس وعلي بن أبي طالب، فإذا كان فدك فيء المسلمين وقد أخذه أبو بكر حسب الحديث الذي سمعه من النبي (ص)، فبأي سبب رده عمر وجعله في يد علي والعباس دون سائر المسلمين؟!
الشيخ عبد السلام: لعله جعلهما من قبله حتى يأخذا حاصله ويصرفاه في مصالح المسلمين.
قلت: ولكن ظاهر بعض العبارات التاريخية أنهما ادعيا عند عمر ميراثهما فأعطاهما فدك وكانا يتصرفان فيها تصرف المالك في ملكه(100).
الشيخ عبد السلام: لعل مراد المؤرخين من عمر هو عمر بن عبدالعزيز!

رد عمر بن عبد عبدالعزيز فدك
فتبسمت ضاحكا من قوله وقلت: علي (ع) والعباس ما كانا في خلافة عمر بن عبدالعزيز، وحكم عمر بن عبدالعزيز فدك على أولاد فاطمة (ع) خبر آخر وقد ذكره العلامة السمهودي أيضا، وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 / 216 قال: ... فلما ولي عمر ابن عبد العزيز الخلافة الأموية كانت أول ظلامة ردها، [ أنه ] دعا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) و قيل بل دعا علي بن الحسين (ع) فردها عليه، و كانت بيد أولاد فاطمة ع مدة ولاية عمر بن عبد العزيز.
فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها، حتى انتقلت الخلافة عنهم فلما ولي أبو العباس السفاح ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم قبضها أبو جعفر لما حدث من بني الحسن ما حدث، ثم ردها المهدي ـ ابنه ـ على ولد فاطمة (ع) ثم قبضها موسى بن المهدي و هارون أخوه، فلم تزل أيديهم حتى ولي المأمون.

المأمون ورده فدك
نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 في صفحة 217: قال أبو بكر [ الجوهري ] حدثني محمد بن زكريا قال: حدثني مهدي بن سابق قال: جلس المأمون للمظالم فأول رقعة وقعت في يده نظر فيها و بكى، و قال للذي على رأسه: ناد أين وكيل فاطمة؟ فقام شيخ عليه دراعة و عمامة و خف تعزى، فتقدم فجعل يناظره في فدك و المأمون يحتج عليه و هو يحتج على المأمون، ثم أمر أن يسجل لهم بها، فكتب السجل و قرئ عليه، فأنفذه، فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها:
أصبح وجه الزمان قد ضحكابرد مأمون هاشم فدكا
ونقل ياقوت الحموي في معجم البلدان في كتاب المأمون إلى واليه على المدينة في شأن فدك، جاء فيه:
كان رسول الله (ص) أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها فدكا وتصدق عليها بها، وأن ذلك كان أمرا ظاهرا معروفا عند آله عليهم الصلاة والسلام.

فدك كانت نحلة فاطمة (ع)
لقد ثبت في موضعه أن فدكا كانت نحلة لفاطمة أنحلها رسول الله (ص) وذا كان بعض الخلفاء يردونها على أولاد فاطمة وكان آخرون يغصبونها اقتداء بأبي بكر!!
الحافظ: إن كانت فدكا، نحلة أنحلها رسول الله فاطمة، فلماذا ادعتها من بابا الإرث ولم تدعيها نحلة؟
قلت: لا شك أنها ادعت فدكا بادئ الأمر من بابا النحلة وأقامت شهودا على ذلك، فلما ردوا شهودها ادعتها من باب الإرث.
الحافظ: هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل ولعلك مشتبه!
قلت: إني على يقين فيما أقول ولست مشتبها، ولم تنفرد الشيعة بهذا الخبر بل نقله كثير من أعلامكم منهم: علي بن برهان الدين في كتابه السيرة الحلبية، والفخر الرازي في تفسير الكبير، وياقوت الحموي في معجم البلدان، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: ج16 / 214 / ط. دار إحياء التراث العربي، يروي عن أبي بكر الجوهري، قال: و روى هشام بن محمد عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر : أن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله (ص) أعطاني فدك، فقال لها يا ابنة رسول الله .... إن هذا المال لم يكن للنبي (ص)، و إنما كان مالا من أموال المسلمين(101)، يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفي رسول الله ص وليته كما كان يليه.
قالت: و الله لا كلمتك أبدا! قال: و الله لا هجرتك أبدا! قالت: و الله لأدعون الله عليك! قال: و الله لأدعون الله لك.
فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها فدفنت ليلا... الخ.

توجيه العامة عمل أبي بكر
الحافظ: نحن نعلم أن أبا بكر أسخط فاطمة رضي الله عنها، وماتت بنت رسول الله (ص) وهي واجدة عليه، ولكنه أبا بكر برئ، لأنه عمل بحكم الله وطالبها بالشهود لإثبات حقها، وأنت جد خبير بأنه يجب في هذه القضايا أن يشهد رجلان أو رجل وامرأتان، وهذا حكم عام وفاطمة جاءت برجل وامرأة وما أكملت الشهود، ولذا لم يصدر أبو بكر الحكم لها، فغضبت!!
قلت: فلنختم مجلسنا وندع الجواب إلى الليلة القابلة فإن الحاضرين تعبوا، وأخاف أن يطول الكلام فيملوا.
النواب: كلنا شوق وشغف لنعرف حقيقة الأمر، فإن موضوع فدك مهم جدا وحساس، وإذا أنتم ما تعبتم، فنحن راغبون إلى الاستماع لكلامكم وجوابكم.
قلت: أنا لا أتعب من هذه المجالس والمناقشات الدينية أبدا، بل مستعد أن أبقى معكم حتى الصباح.
وأما الجواب: فقد قال الحافظ: بأن أبا بكر عمل بحكم الله وطالب فاطمة بالشهود لإثبات حقها!
قلت: لقد كانت فاطمة (ع) متصرفة في فدك، وكانت في يدها فبأي شرع وقانون يطالب ذو اليد بإقامة الشهود على إثبات حقه فيما يكون تحت تصرفه وفي يده ؟! فإن الأصل المجمع عليه في قانون القضاء الإسلام ي أن ذو اليد هو المالك فإذا ادعى أحد على ما في يده فعلى المدعي إقامة الشهود والبينة، وليس على المنكر إلا اليمين، فأبو بكر كان مدعيا لفدك التي كانت في يد فاطمة (ع) وتحت تصرفها، فحينئذ كان عليه أن يأتي بالبينة لإثبات ما يدعي، وليس له أ، يطالب السيدة الزهراء (ع) بالشهود والبينة.
ولكن.. إذا كان خصمي حاكمي فكيف أصنع؟!
فأبو بكر خالف حكم الله سبحانه وسحق القانون وقلب أصول القضاء!!
وأما قول الحافظ: بأن الحق يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، وهذا حكم عام.
فأقول: ما من عام إلا وقد خص.
الحافظ: هذه القاعدة لا تجري في القضاء، فإن قوانين القضاء تجري على الأغنياء والفقراء وعلى الفساق والأولياء، على حد سواء، ولا يستثنى حتى الأنبياء.
قلا: إن هذا الكلام يخالف سنة رسول الله (ص) وسيرته المسجلة في صحاحكم، والثابتة في مسانيدكم.

خزيمة.. ذو الشهادتين
ذكر ابن أبي الحديد ترجمة ذي الشهادتين في شرح النهج:ج10 / 108 و109 ط دار إحياء التراث العربي / قال: هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوس، جعل رسول الله (ص) شهادته كشهادة رجلين، لقصة مشهورة الخ.
والقصة كما ذكرها الأعلام في ترجمته وفي كتب الحديث وأنا أنقلها من كتاب أسد الغابة لابن الأثير قال: روى عنه ابنه عمارة أن النبي (ص) اشترى فرسا من سواء بن قيس المحاربي، فجحده سواء! فشهد خزيمة بن ثابت للنبي (ص) فقال له رسول الله: ما حملك على الشهادة، ولم تكن حاضرا معنا؟
قال: صدقتك بما جئت، وعلمت أنك لا تقول إلا حقا.
فقال رسول الله (ص): من شهد له خزيمة أو عليه فهو حسبه.
فما ظنك برسول الله (ص) لو كان علي يشهد عنده في قضية هل كان يصدقه أم يرده؟!
وهو القائل في حقه: " علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق حيث ما دار علي " فكما أن النبي (ص) خصص شهادة خزيمة وأحله محل شاهدين وصارت شهادته بشهادتين، كذلك أصحاب آية التطهير الذين عصمهم الله تعالى وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقولهم لا يرد، فإن الراد عليهم كالراد على الله سبحانه، وقد أثبتنا فيما سبق أن عليا (ع) شهد لها بأن رسول الله (ص) أنحلها فدك، ولكنهم ردوا شهادته بحجة أن عليا يجر إلى نفسه، فكذبوه وصدقه الله في كتابه الحكيم بقوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)(102).
الحافظ: من أين تقول هذه الآية نزلت في شأن علي كرم الله وجهه ؟

من هم الصادقون
قلت: أجمع علماء الشيعة استنادا على الروايات الواصلة عن طريق أهل البيت (ع) والعترة الهادية، بأن الصادقين هم خاتم النبيين وعلي أمير المؤمنين والعترة، وقد وافقنا كثير من أعلامكم وذهبوا إلى هذا الرأي، منهم: الثعلبي في تفسيره كشف البيان وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور، عن ابن عباس، والحافظ أبو سعد عبد الملك بن محمد الخركوشي في كتاب شرف المصطفى عن الأصمعي. والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء رووا عن النبي (ص) أنه قال: الصادقون أنا وعلي.
وقال القندوزي في ينابيع المودة / الباب التاسع والثلاثون: أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي عن أبي صالح عن ابن عباس (رض) قال: الصادقون في هذه الآية محمد (ص) وأهل بيته. أيضا أبو نعيم الحافظ والحمويني أخرجاه عن ابن عباس بلفظه، انتهى.
وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين والعلامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب 62/وابن عساكر في تاريخه رووا بإسنادهم عن النبي (ص) قال: كونوا مع الصادقين أي مع علي بن أبي طالب.
وهناك آيات أخرى أنقلها إليكم بالمناسبة:
1ـ (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)(103) روى جماعة من أعلامكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: الذي جاء بالصدق محمد (ص)، والذي صدق به علي بن أبي طالب (ع). منهم جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور، والحافظ ابن مردويه في المناقب، والحافظ ابو نعيم في الحلية، والعلامة الكنجي في كفاية المطالب / باب 62، وابن عساكر في تاريخه يروي عن فئة من المفسرين.
2ـ (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم)(104).
روى أحمد بن حنبل في المسند والحافظ أبو نعيم في كتابه: " ما نزل في علي من القرآن (ع) " عن ابن عباس أنها نزلت في شأن علي بن أبي طالب (ع) فهو من الصديقين.
3ـ (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)(105).
وقد صرحت الأحاديث المروية عن طرقكم والتي نقلها أعلامكم في كتبهم ومسانيدهم: بأن عليا (ع) أفضل الصديقين، ولكي تعرفوا حقيقة مقالنا راجعوا ... مناقب ابن المغازلي الحديث 293 و294، والتفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه)(106).
والدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى: (واضرب لهم مثلا)(107) في سورة ياسين... وقال: اخرجه أبو داود وأبو نعيم وابن عساكر والديلمي عن أبي ليلى وفيض القدير للمناوي: ج4/238 في المتن وقال في الشرح ـ بعد لفظة وابن عساكر عن أبي ليلى ـ: وابن مردويه والديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى، وذخائر العقبى: ص 56 والرياض النضرة: ج2/ 153 للمحب الطبري، وقال فيهما رواه احمد بن حنبل في كتاب المناقب.
هؤلاء كلهم رووا بإسنادهم عن رسول الله (ص) أنه قال: الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس.. وحزقيل مؤمن آل فرعون.. وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم.
ورواه ابن حجر في الصواعق المحرقة في ضمن الأربعين حديثا في فضائله (ع) ـ الحديث الحادي والثلاثون ـ ونقله القندوزي في ينابيع المودة / الباب الثاني والأربعون قال: الإمام أحمد في مسنده وأبو نعيم وابن المغازلي وموفق الخوارزمي أخرجوا بالاسناد عن أبي ليلى وعن أبي أيوب الأنصاري (رض) قال: قال رسول الله (ص): الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس.. وحزقيل مؤمن آل فرعون.. وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم.
ورواه العلامة الكنجي إمام الحرمين في كتابه كفاية الطالب الباب الرابع والعشرون بسنده المتصل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): سباق الأمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون فهم الصديقون، حبيب النجار مؤمن آل ياسين و حزئيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب ع و هو أفضلهم. ثم قال: هذا سند اعتمد عليه الدار قطني واحتج به(108).
انظروا إلى هذه الأحاديث والأخبار المروية عن رسول الله (ص) في كتبكم ومسانيدكم واتقوا الله بترك التعصب والعناد، ومزقوا الغشاوة التي ضربها أسلا فكم على قلوبكم وعقولكم، واكسروا الأقفال التي جعلوها على أفهامكم وبصائركم، وحرروا أنفسكم من قيود وأغلال التقليد من آبائكم وأجدادكم، ثم فكروا واعقلوا بقلوب متفتحة، وبعقول متنورة، وانظروا هل يحق أن تلقبوا أحدا غير علي بن أبي طالب بالصديق؟!
ليت شعري بأي دليل من القرآن الحكيم لقبتم أبا بكر بالصديق، بعد أن كذب أفضل الصديقين، ورد شهادة الصديق الأكبر في حق الصديقة الطاهرة فاطمة (ع)؟!
وبأي دليل لقبتم الذي مالأ أبا بكر وسانده على غصب حق الزهراء (ع)، وأطلقتم عليه لقب الفاروق؟!
(إن هي إلا أسماء سميتموهما أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)(109).

علي (ع) مدار الحق والقرآن معه
أما قال رسول الله (ص): علي مع الحق والحق معه، وعلي مع القرآن والقرآن معه؟
هل من المعقول أن من كان مع الحق ومع القرآن وهما لا يفارقانه، يكون كاذبا؟! أو يشهد باطلا؟!
النواب: إنني كثيرا أجالس علماءنا وأستمع إلى حديثهم، ولا أغيب عن خطب الجمعة أبدا، ولكني ما سمعت منهم هذين الحديثين، فهل نقلهما علماؤنا الأعلام ومحدثونا الكرام في كتبهم؟
قلت: نعم نقلها كثير من أعلامكم، وقد أعلنت كرارا بأني لا أنقل لكم حديثا انفرد بنقله علماء الشيعة، بل كل ما أذكره في هذه المناقشات منقول من مصادر علمائكم وكتب أعلامكم، حتى يصدق عليه اسم الاحتجاج ويكون أوقع في نفوسكم وأرضى لقلوبكم وألزم لكم. وأذكر لك بعض المصادر المقبولة لديكم حول الحديثين الشريفين، وهي كثيرة منها:
في تاريخ بغداد: ج4 / 321 ذكر الخطيب البغدادي، والحافظ ابن مردويه في المناقب، والديلمي في الفردوس، والمتقي الهندي في كنز العمال: ج6 / 153، والحاكم النيسابوري في المستدرك: ج3 / 124، وأحمد بن حنبل في المسند، والطبراني في الأوسط والخطيب الخوارزمي في المناقب، والفخر الرازي في تفسيره: ج1 / 111، وابن حجر المكي في الجامع الصغير: ج2/74 و 75 و 140، وفي الصواعق المحرقة / الفصل الثاني / من الباب التاسع / الحديث الحادي والعشرين من الأربعين حديثا التي نقلها في فضل الإمام علي (ع)، ونقل الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودة / الباب 65 / 185 / ط. إسلامبول نقل عن الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي، ونقل أيضا في الباب العشرين عن جمع الفوائد والأوسط والصغير للطبراني، ونقل الحمويني في الفرائد وعن ربيع الأبرار للزمخشري عن ابن عباس وعن أم سلمة.
والسيوطي في تاريخ الخلفاء / 116 والمناوي في فيض القدير: ج4 / 356 عن ابن عباس أو أم سلمة.
وفي مجمع الزوائد ج9 / 134، وج 7 / 236، والشبلنجي في نور الأبصار: ص 72 رووا عن أم سلمة، وبعضهم عن ابن عباس عن رسول الله (ص) أنه قال: علي مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض.
ونقل ابن حجر في الصواعق أيضا في أواخر الفصل الثاني من الباب التاسع(110).
قال: وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته:
أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا، فينطلق بي و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم: ألا إني مخلف فيكم كتاب الله ربي عز و جل، و عترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي (ع) فرفعها فقال هذا علي مع القرآن و القرآن مع علي لا يفترقا حتى يردا علي الحوض فاسألوهما ما خلفت فيهما.
وجاء في بعض الروايات: الحق لن يزال مع علي وعلي مع الحق لن يختلفا ولن يفترقا.
وحديث: " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار " قد نقله أكثر محدثيكم(111).
وفي كتاب تذكرة الخواص(112) عند نقله حديث: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، قال:... وكذا قوله (ص): " وأدر الحق معه حيثما دار وكيف ما دار " ، فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين علي (ع) وبين أحد الصحابة إلا وكان الحق مع علي (ع) وهذا بإجماع الأمة.

من أطاع عليا فقد أطاع الله ورسوله
وكذلك نرى في كتب أعلامكم وأسناد محدثيكم حديثا مرويا عن رسول الله (ص) إذ قال: من أطاع عليا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أنكر عليا فقد أنكرني، ومن أنكرني فقد أنكر الله (113).
ونقل أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل أن رسول الله (ص) قال: لقد كان علي على الحق في جميع أحواله يدور معه الحق حيثما دار.
كيف وبماذا توجهون عمل أبي بكر ورده شهادة علي (ع) في حق الزهراء (ع) مع وجود هذه الأخبار في كتبكم المعتبرة؟! فلا بد أن تعترفوا بأن عمل أبي بكر كان مخالفا لكتاب الله ولسنة رسول الله (ص) وأنه جحد حق فاطمة ومنعها فدكا من غير حق، وأنه كذب الله (ص) وأنه جحد حق فاطمة ومنعها فدكا من غير حق، وأنه كذب تلك الصادقة المصدقة، وكذب عليا (ع) وأهانه برد شهادته والهجوم على داره وسحبه من البيت إلى المسجد لأخذ البيعة منه كرها....
فأين هذه الأعمال مما رواه أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب، ومحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، أن رسول الله (ص) قال: من أكرم عليا فقد أكرمني، ومن أكرمني فقد أكرم الله، ومن أهان عليا فقد أهانني، ومن أهانني فقد أهان الله؟!!
أيها الحاضرون، وخاصة أنتم العلماء، قايسوا أحداث السقيفة وما بعدها وما جرى على آل رسول الله (ص) من بعده، قايسوها مع هذه الأخبار والأحاديث المروية في كتب أعلامكم، ثم أنصفوا واحكموا: هل الصحابة عملوا بأوامر رسول الله (ص) ووصاياه في حق عترته وأهل بيته أم خالفوها؟؟! وهل عمل أبو بكر بحكم الله والشرع المبين في قضية فدك أم أنه أجحف فاطمة وجحد حقها؟!
لأننا قلنا: أولا.. ما كان له أن يطالب البينية من فاطمة لأنها كانت متصرفة في فدك، وكانت فدك في يدها، فكان هو المدعي وعليه البينة، لا على فاطمة (ع).
ثانيا: إذا كان أبو بكر محتاطا في القضية كما تزعمون، وأنه أراد أن يتيقن من تمليك رسول الله (ص) فاطمة فدكا، فطالبها بالشهود والبينة، فلماذا ترك هذا الاحتياط حينما ادعى الصحابة الآخرون مالا بوعد من رسول الله (ص) وعده، فأعطاه أبو بكر ذلك المبلغ من بيت مال المسلمين ولم يطالبه بالبينة والشهود ؟ فكيف يحكم في قضيتين متشابهتين بحكمين متناقضين؟!
ولعمري.. لماذا يحتاط في أمر فاطمة (ع)؟ أكان أبو بكر يظن كذبها؟! وهي التي يشهد الله سبحانه بطهارتها من كل رجس، وكانت عند عامة الناس أيضا صادقة ومصدقة، فقد قال أبو نعيم في حلبة الأولياء: ج2 / 42 / راويا عن عائشة قال: ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة غير أبيها.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج16 / 284 / ط. دار إحياء التراث العربي:
و سألت علي بن الفارقي، مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له : أ كانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم.
قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك و هي عنده صادقة؟
فتبسم.. ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه و حرمته و قلة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها، لجاءت إليه غدا و ادعت لزوجها الخلافة، و زحزحته عن مقامه، و لم يكن يمكنه الاعتذار و الموافقة بشي‏ء، لأنه يكون قد سجل على نفسه أنها صادقة فيها تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة و لا شهود.
و هذا كلام صحيح، و إن كان أخرجه مخرج الدعابة و الهزل.
" انتهى كلام ابن أبي الحديد ".
فالحقيقة التي هي اليوم ظاهرة ومكشوفة لعلمائكم كيف كانت مبهمة وغير منكشفة يوم أمس عند معاصريها والذين أدركوها من قريب؟! فكانت أوضح لهم وأظهر ، إلا أن السياسة وحب الرياسة اقتضت منهم إنكار الحقيقة وجحد حق الزهراء المظلومة (ع)!!
الحافظ: لمن أعطى الخليفة (رض) مال المسلمين بغير بينة وشهود؟
قلت: ادعى جابر بعد وفاة النبي (ص) أنه وعده بأن يعطيه من مال البحرين حين وصوله. فأعطاه أبو بكر ألف وخمسمائة دينار، من مال المسلمين الذي وصل من البحرين، وما طلب من جابر بينة وشهودا على ما ادعاه.
الحافظ: أولا: ما وجدت هذا الخبر في كتب علمائنا، ولعلكم انفردتم أنتم الشيعة به!
وثانيا: من أين عرفتم أن الخليفة ما طالب جابرا بالبينة والشهود على ما ادعاه؟
قلت: إني أتعجب من قولك! كيف ما وجدت هذا الخبر في كتب علمائكم؟ وهم يستدلون ويستشهدون بهذا الخبر على أنه خبر الصحابي الواحد العادل مقبول.
كما أن شيخ الإسلام الحافظ أبا الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني طرحه في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري / باب من يكفل عن ميت ديْنا ـ وبعد نقله الخبر قال: إن هذا الخبر فيه دلالة على قبول خبر العدل من الصحابة ولو جر ذلك نفعا لنفسه، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا على صحة دعواه.
ونقل البخاري هذا الخبر أيضا في صحيحه: ج5 / 218 / ط. دار إحياء التراث العربي تحت عنوان " قصة عمان والبحرين ":
روى بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال لي رسول الله (ص): لو قد جاء مال البحرين، لقد أعطيتك هكذا وهكذا وثلاثا.
فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله (ص).
فلما قدم على أبي بكر، أمر مناديا فنادى من كان له عند النبي (ص) ديْن أو عدة فليأتني.
قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي (ص) قال: لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا. قال: فأعطاني..... ـ وفي آخر الرواية ـ فقال لي أبو بكر: عدها.
فعددتها فوجدتها خمسمائة. فقال خذ مثلها مرتين.
ونقله السيوطي أيضا في كتابه تاريخ الخلفاء / قسم خلافة أبي بكر.
والآن أيها الحاضرون... فكروا وأنصفوا! لماذا هذا التبعيض؟ يصدق جابر على ما مدعاه من غير بينة وشهود، وترد بنت رسول الله (ص) وشهودها! وقد شهد الله تعالى لها ولبعلها وابنيهما في آية التطهير!

إشكال في شمول آية التطهير
الحافظ: إن سياق الآية خطاب لزوجات الرسول (ص) ولذا ذهب البيضاوي والزمخشري وغيرهما من أئمة التفسير إن الآية تشمل زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولكم بأنها تشمل عليا وفاطمة وابنيهما قول ضعيف لأنه خارج عن سياق الآية وظاهرها، فإن صدر الآية وآخرها يخاطب نساء النبي.

آية التطهير لا تشمل زوجات النبي (ص)
قلت: كلامك مردود من جهات عديدة.
أولا: كلامك بأن صدر الآية آخرها يخاطب نساء النبي (ص) فيقتضي أن يكون وسطها أيضا ـ وهو آية التطهير ـ خطابا لنساء النبي (ص).
أقول: أولا: إن البلاغة تقتضي غير ذلك، فقد ثبت عند العلماء إن من فنون البلاغة في القرآن الحكيم، أن يتوسط كلام جديد بين الجمل المتناسقة، اتقاء من أن يمل السامع من الكلام المسجع والجملات المرتبة على نسق واحد، فتغير الأسلوب يكون تنويعا في الكلام، وقد تكرر نمط هذا الأسلوب في القرآن الكريم.
ثانيا: إذا كان المقصود من أهل البيت هم زوجات الرسول (ص) لاقتضى أن يكون الضمير ضمير جمع المؤنث المخاطب على نسق الضمائر التي وردت قبلها وبعدها، فيكون " ليذهب عنكن الرجس ويطهركن "، ولكن الله سبحانه ذكر الضمائر في هذه القطعة من الآية على صيغة جمع المذكر المخاطب فقال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(114)، فأخرجها عن مخاطبة زوجات النبي ونسائه.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليالي بيشاور, الرافضه, الرد على الروافض, ابو بكر, اسلام, اهل السنه و الجماعه, muslim shia sunna, عمر, عبدة القبور



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:45 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية