العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:34 AM


النواب: فإذا كان الخطاب متوجها إلى أهل البيت بصيغة جمع المذكر المخاطب، فمن أين تقولون أنها تشمل فاطمة وهي أنثى؟ فتكون خارجة من الآية.
قلت: علماؤكم يعرفون أن ضمير الجمع المذكر إنما جاء هنا للتغليب، وهذا لا ينافي شمول الآية الكريمة لفاطمة (ع). فهي واحدة مقابل أبيها وبعلها وابنيها، فعدد الذكور في الجمع غالب، ولذا جاء الضمير مخاطبا لهم بصيغة " عنكم " و " يطهركم ". وقد أشار إلى هذا ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة / الباب الحادي عشر / الفصل الأول في الآيات الواردة في أهل البيت / الآية الأولى: قال الله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، قال أكثر المفسرين: على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين، لتذكير ضمير " عنكم " وما بعده، انتهى كلامه.
واكثر المفسرين والمحدثين على أن الآية الكريمة لا تشمل زوجات النبي (ص) كما جاء في صحيح مسلم: ج2/237 ـ 238 / روى بسنده عن يزيد بن حيان قال: دخلنا على زيد بن أرقم ـ والخبر طويل وفيه أنه حدثهم ـ عن رسول الله (ص) قال: ألا وإني تارك فيكم الثقلين: أحدهما: كتاب الله، هو حبل الله، من أتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة. وفيه: فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا و ايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها و قومها، أهل بيته: أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده.
ثم هناك روايات كثيرة مروية في كتبكم، واصلة عن طرقكم بألفاظ متعددة ومعنى واحد، على أن آية التطهير تشمل النبي والوصي وفاطمة والحسن والحسين (ع) لا سادس لهم. ولكي تعرفوا ذلك فراجعوا مصادركم المعتبرة عندكم والتي منها:
1ـ كشف البيان في تفسير القرآن للثعلبي، عند تفسيره الآية.
2ـ التفسير الكبير للفخر الرازي: ج6/783.
3ـ الدر المنثور لجلال الدين السيوطي: ج5/199.
4ـ والنيسابوري في المجلد الثالث من تفسيره.
5ـ وتفسير رموز الكنوز لعبد الرزاق الرسعني.
6ـ الخصائص الكبرى: ج2 / 264.
7ـ الإصابة لابن حجر العسقلاني: ج4 /207.
8ـ تاريخ ابن عساكر: ج4 / 204 و206.
9ـ مسند أحمد بن حنبل ج1/331.
10ـ الرياض النضرة: ج2/188 للمحب الطبري.
11ـ صحيح مسلم: ج2/331 وج7/130.
12ـ الشرف المؤبد للنبهاني: ص10 طبع بيروت.
13ـ كفاية الطالب للعلامة الكنجي الشافعي / الباب المائة.
14ـ الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب 23، نقل عن صحيح مسلم وعن شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني عن عائشة أم المؤمنين، ونقل أخبارا أخرى عن الترمذي والحاكم السمناني والبيهقي والطبراني ومحمد بن جرير وأحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وابن منذر وابن سعد والحافظ الزرندي والحافظ ابن مردويه رووا عن أم سلمة أم المؤمنين وعن ولدها عمر بن أبي سلمة وعن أنس بن مالك وسعد بن أبي وقاص وواثلة بن اسقع وأبي سعيد الخدري قالوا: إن آية التطهير نزلت في شأن الخمسة الطيبة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.
15ـ وابن حجر المكي على تعصبه الغريب نقل في كتابه الصواعق /85 و86 / ط المطبعة الميمنية بمصر / عن سبع طرق واعترف بأن الآية الكريمة نزلت في شأن الخمسة الطيبة ولا تشمل غيرهم وذلك في تحقيق عميق وطويل.
16ـ ونقل السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي في الباب الأول / نقل عن الترمذي وابن جرير وابن منذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي وابن أبي حاتم والطبراني وأحمد بن حنبل وابن كثير ومسلم بن الحجاج وابن أبي شيبة والسمهودي، مع ذكر تحقيقات عميقة من أكابر علمائكم، على أن الآية الكريمة لا تشمل غير الخمسة الطيبة الذين شملهم كساء رسول الله (ص) وعرفوا بأصحاب الكساء.
17ـ وفي الجميع بين الصحاح الستة نقل عن الموطأ لمالك بن أنس الأصبحي، وعن صحاح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والسجستاني والترمذي وجامع الأصول.
وفي كلمة أقول: إن عامة علمائكم وأعلامكم من المفسرين والمحدثين والفقهاء والمؤرخين وغيرهم، أجمعوا على أن الآية الشريفة ـ آية التطهير ـ نزلت في شأن محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد وصل هذا المعنى إلى قريب حد التواتر عندكم، والمخالف لهؤلاء شاذ معاند متمسك بأخبار ضعيفة لا اعتبار بها، ولا وزن لها في قبال تلك الأخبار المتكاثرة والروايات المتظافرة.

عودا إلى فدك
فلنعد لما كنا عليه من البحث والحوار، أقول: أنصفونا! هل بعد ثبوت التطهير الإلهي لفاطمة وعلي (ع)، وعلم القوم بأن الله تعالى طهرهما وابنيهما من الأرجاس والمساوئ الظاهرية والباطنية، وعصمهم من كل صغيرة وكبيرة بنص القرآن الحكيم، فهل كان يجدر بأبي بكر أم كان يحق له أن يرد فاطمة، ويرد شهادة الإمام علي (ع) في حقها!!؟ أما كان ردهما ردا على الله سبحانه وتعالى؟!
فكيف يقبل ادعاء جابر بن عبدالله الأنصاري وهو ـ مع تقديرنا لمواقفه واحترامنا له ـ ليس إلا صحابي جليل، ولم ينزل قرآن في شأنه، ولا طهره الله تعالى من الرجس؟! ولكنه يرد فاطمة وعليا (ع) ولا يقبل كلامهما في حق ثابت كثبوت الشمس في وسط النهار!!
الحافظ: لا يمكن لنا أن نقبل، بأن أبا بكر.. وهو ذلك الصحابي الجليل والمؤمن الصديق، غصب فدكا!! أو أنه أخذه من فاطمة بغير دليل!! إذ أن كل إنسان عاقل يعمل من وراء القصد، فالخليفة أبو بكر بعد أن كانت أموال بيت المال تحت تصرفه، ما كان بحاجة إلى فدك وغيرها، حتى نقول انه اخذ فدكا لحاجة إليها، فما عسانا أن نقول فيه إلا أنه أخذها ليحق الحق، ولأنه كان يعتقد بأنها فيء المسلمين.
قلت: أولا: أثبتت فاطمة (ع) في خطبها وكلامها وبإقامة الشهود ، أن فدكا لها وليست فيئا للمسلمين، وأنها نحلة من رسول الله (ص) لها. وقد مر ذلك في حوارنا وهو أمر ثابت عند كل ذي وجدان وذي إنصاف وإيمان.
ثانيا: لم يقل أحد بأن أبا بكر غصب فدكا لاحتياجه إليها، وإنما غصبها ليترك أهل البيت وهم فاطمة وبعلها وابناهما الحسن والحسين ضعفاء ماديا ليس في أيديهما شيء من المال، فأبو بكر وأعوانه كانوا يعلمون أن عليا (ع) غني بالمعنويات وكفته راجحة في الدين والإيمان والعلم والعقل والفضائل والمناقب وما إلى ذلك.
فلو ملك المال واستغنى به إلى جنب الغناء المعنوي، التف الناس حوله ولم يرضوا بغيره، فلذلك غصبوهم فدكا وحرموهم من الخمس الذي خصه الله تعالى في كتابه الحكيم لهم فقال سبحانه: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)(115) الخ.
وقد جعل الله تعالى ذلك ليرفع شأنهم ومقامهم بين الناس فلا يحتاجون ولا يفتقرون إليهم بل يعيشون معززين ومكرمين بالحق الذي جعل الله عز وجل لهم، ولأنه حرم عليهم الصدقات والزكوات فعوضهم بالخمس، ولكن شاء الله... وشاءوا!!
فمنعوهم الخمس بحجة أن الخمس يجب أن يصرف في شراء الأسلحة ولوازم الحرب والجهاد(116).
قال محمد بن إدريس الشافعي في كتاب الأم ص 69: وأما آل محمد الذين جعل لهم الخمس عوضا من الصدقة فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئا قل أو كثر ، لا يحل لهم أن يأخذوها ولا يجزي عمن يعطيهموها إذا عرفهم.
إلى أن يقول: وليس منعهم حقهم في الخمس يحل لهم ما حرم عليهم من الصدقة.
الحافظ: الإمام الشافعي رحمه الله يقول: يجب أن يقسم الخمس إلى خمسة أقسام سهم لرسول الله (ص) وهو يصرف في مصالح المسلمين، وسهم يعطى لذوي القربى وهم آل محمد (ص) وثلاثة سهام تصرف على الأيتام والمساكين وأبناء السبيل.
قلت: أجمع العلماء والمفسرون أن آية الخمس حين نزلت قال رسول الله (ص): أبشروا آل محمد بالغنى. فالآية نزلت في حق آل محمد وتخصص خمس الغنائم لآل محمد (ص).
وكان النبي يقسم خمس الغنائم على آله وأهل بيته، ولذلك فإن رأي علماء الإمامية تبعا لأئمة أهل البيت (ع) هو أن الخمس يقسم إلى ستة سهام سهم الله سبحانه وتعالى، وسهم للنبي (ص) وسهم لذوي القربى. هذه السهام الثلاثة باختيار النبي (ص) ومن بعده تكون باختيار الإمام والخليفة الذي نص عليه، وهو يصرفها في مصالح المسلمين حسب رأيه الصائب، والسهام الثلاثة الأخرى تصرف على الأيتام والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين لا غيرهم، ولكن بعد وفاة رسول الله (ص) منعوا سهم بني هاشم وحقهم من الخمس، كما يصرح بذلك كثير من أعلامكم ومفسريكم في تفسير آية الخمس، منهم: جلال الدين السيوطي في تفسير الدر المنثور: ج3، والطبري في تفسيره، والثعلبي في كشف البيان، وجار الله الزمخشري في تفسيره الكشاف، والقوشجي في شرح التجريد، والنسائي في كتابه الفيء وغيرهم. فكلهم يعترفون بأنه بعد وفاة النبي (ص) حرموا بين هاشم من الخمس، وقد كان رسول الله (ص) يعطيهم في حياته ويقسم الخمس عليهم.
الحافظ: أما تجيزون للمجتهد أن يعمل برأيه؟ ولقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مجتهدين فعملا بنظرهما وهو انضمام فدك لبيت مال المسلمين وصرف حاصله في المصالح العامة، وكذلك الخمس!!
قلت: أولا: من أين ثبت اجتهاد الشيخين؟
هذا ادعاء يحتاج إلى دليل، إذ ليس كل الصحابة كانوا مجتهدين.
ثم إن رأي المجتهد يجزي إذا لم يكن نص بخلافة فإذا كان هناك نص في القرآن واجتهد أحد على خلاف ذلك وهو يعلم بوجود ذلك النص، فقد تبع الهوى وضل عن الحق، ومن حاول توجيه ذلك الاجتهاد مقابل النص فهو ضال أيضا، لقوله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)(117).
ثم لا بد للمجتهد من إقامة دليل معقول على أساس الكتاب والسنة الشريفة على رأيه، فإذا أبدى رأيا من غير دليل معقول وغير مستند إلى القرآن والسنة النبوية، فهو غير مجتهد قطعا.
والمجتهد الذي يجوز للمسلمين أن يتبعوه ويأخذوا برأيه، إنما هو المجتهد الذي يكون مطيعا لله عز وجل عاملا بكتاب الله سبحانه وآخذا بما جاء به النبي الكريم (ص)، ويكون صائنا لنفسه مخالفا لهواه ومجانبا للدنيا وزينتها، فقيها وعالما تقيا، عارفا بأحكام الدين ومصالح المسلمين.
ليت شعري، بأي دليل اجتهادي رد أبو بكر شهادة علي (ع) وهو الذي جعله الله شاهدا على ما جاء به النبي (ص) وكفى به شاهدا.
إذ قال سبحانه: ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (118).
فالنبي (ص) على بينة من ربه والشاهد الإمام علي (ع).
الحافظ: ولكن الروايات تقول: إن رسول الله هو صاحب البينة وشاهده القرآن الكريم. فلا أدري بأي دليل قلتم: بأن الشاهد علي كرم الله وجهه؟
قلت: أعوذ بالله تعالى من أن أفسر القرآن برأيي، وإنما نقلت لكم قول أئمة أهل البيت (ع)، وهو أيضا رأي كثير من أعلامكم ومفسريكم، وهم قد نقلوا في ذلك ما يقارب من ثلاثين حديثا، منهم: أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره روى ثلاثة أحاديث في ذلك، والسيوطي في الدر المنثور، عن ابن مردويه وابن أبي حاتم وأبي نعين الحافظ، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين روى ذلك بثلاثة أسانيد ، والحافظ سليمان القندوزي روى ونقل في الباب 26 عن الثعلبي والحمويني والخطيب الخوارزمي وأبي نعيم والواقدي وابن المغازلي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهما.
والحافظ أبو نعيم روى ذلك عن ثلاث طرق، والطبري وابن المغازلي وابن أبي الحديد ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب 62 من كتاب كفاية الطالب وغير هؤلاء جمع كبير كلهم ذهبوا إلى أن الشاهد في الآية الكريمة هو الإمام علي (ع) وقد قال النبي (ص): علي مني وأنا من علي، وقال الله سبحانه: (ويتلوه شاهد منه) ومع هذا كله، لا أدري بأي وجه شرعي ردوا شهادة علي في حق فاطمة (ع)؟
ردوه بحجة: أنه يجر النفع إلى نفسه!! وهو الذي طلق الدنيا ثلاثا، وكان أزهد الناس فيها، يشهد له ذلك الصديق والعدو.
ولكن الذين حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها وحرصوا على الرئاسة والملك، افتروا عليه واتهموه، وقالوا فيه ما لا يليق إلا بهم.
فتارة قالوا: إنه ثعالة شهيده ذنبه!!
وتارة قالوا: إنه يجر النفع إلى نفسه!
ولكنه كظم غيظه وصبر على مضض، حتى قال (ع) في الخطبة الشقشقية المروية في ‏نهج ‏البلاغة وهي الخطبة رقم 3: فطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ!! فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَذا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً... الخ.
ويقول في الخطبة رقم 5 من ‏نهج ‏البلاغة:... وَ اللَّهِ لَا بْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ!! من هذا الكلام والبيان نعرف مدى انضجاره من الوضع المؤسف وهو في محراب العبادة وفي حال الصلاة نادى: فزت ورب الكعبة!
نعم بهذه الجملة القصيرة عبر عن حقائق كثيرة، وبين انه ارتاح من هموم وغموم كانت متراكمة على قلبه الشريف، من جفاء قوم آخرين وتحريف الدين وتغيير سنن سيد المرسلين!!
ارتاح من هموم وغموم تراكمت على فلبه المقدس من أعمال الناكثين ، وجنايات القاسطين، وجرائم المارقين.
وكم تحمل من الأذى والظلم من الذين كانوا يدعون صحبة رسول الله ومرافقته!!
وكم خالفوه وقاتلوه وسبوه وشتموه ولعنوه على منابر الإسلام وفي مجاميع المسلمين!!
وأنتم أيها العلماء تعرفون كل ذلك، وتعلمون علم اليقين أن عليا كان نفس رسول الله (ص) بنص القرآن الحكيم وحديث الرسول الكريم حيث قال: " من آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن أحب عليا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله ". إن السلف سمعوا ذلك من رسول الله (ص) في حق علي (ع) إلا أنهم أخفوه عن المسلمين وألبسوا عليهم الحقائق وأضلوهم عن سبيل الله وعن الصراط المستقيم!!
وقد آل الأمر اليوم إليكم، فأنصفوا واتقوا الله واليوم الآخر، ولا تتبعوا الهوى واتركوا التعصب لدين الآباء ومذهب السلف، (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)(119)! فإن الناس من العامة ينظرون إليكم ويأخذون بأقوالكم فلا تسكنوا عن بيان الحقائق، انقلوا للناس ما رواه علماؤكم، وحدثوهم بما حدث أعلامكم وكتبوا في كتبهم في شأن الإمام علي (ع) وأهل بيته المظلومين!

من آذى عليا فقد آذى الله
لقد بين كثير من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم، ورووا بأسنادهم عن الرسول (ص) في حق (ع) أحاديث هامة ولكنكم لا تذكرونها للعامة، وتخفوها عنهم، والمفروض بيانها وإعلانها في الإذاعات وخطب الجمعات، وفي الاجتماعات الدينية والمناسبات الإسلامية.
روى أحمد بن حنبل في المسند بطرق عديدة، والثعلبي في تفسيره، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، بأسنادهم عن رسول (ص) أنه قال: " من آذى عليا فقد آذاني، أيها الناس! من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا ".
وروى ابن حجر المكي في الصواعق / الباب التاسع / الفصل الثاني / الحديث السادس عشر / عن سعد بن أبي وقاص عن رسول (ص) قال: من آذى عليا فقد آذاني.
رواه العلامة الكنجي الشافعي أيضا في كتابه كفاية الطالب / الباب الثامن والستون / مسندا عن رسول الله (ص).
وذكرت حديثا آخر عن النبي (ص) أنقله لكم فان استماع حديث رسول الله (ص) عبادة.
روى أحمد بن حنبل في مسنده، والمير علي الهمداني الشافعي في مودة القربى، والحافظ أبو نعيم في كتاب " ما نزل من القرآن في علي "، والخطيب الخوارزمي في المناقب والحاكم أبو القاسم الحسكاني عن الحاكم أبي عبد الله عن أحمد بن محمد بن أبي داود الحافظ عن علي بن أحمد العجلي عن عباد بن يعقوب عن أرطاط بن حبيب عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن علي ابن الحسين عن أبيه الإمام الحسين الشهيد السبط عن أبيه الإمام علي بن أبي طالب (ع) عن رسول الله (ص) قال: يا علي من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنه الله.
وروى السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي ص 6 / الباب الرابع عن الجامع الكبير للطبراني وعن صحيح ابن حيان ـ وصححه الحاكم ـ كلهم عن مولانا أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) قال: من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله.
بعد هذه الأحاديث الشريفة والتفكر في معانيها، انظروا إلى أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار الإمام علي وفاطمة الزهراء (ع) وهتكهم حرمتها، وفكروا في تلك الأعمال الشنيعة والأفعال الفظيعة التي ارتكبها القوم حتى مرضت سيدة نساء العالمين بسببها وتوفيت على أثرها في أيام شبابها، فماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر وعلى كل من آذاها!!
الحافظ: نعم سخطت فاطمة الزهراء بادئ الأمر، ولكنها رضيت بعد ذلك لأنها علمت بأن الخليفة (رض) حكم بالحق، فرضيت عن الشيخين (رض) وعن جميع الصحابة الكرام حين توفيت.
قلت: إنكم تحبون أن تصلحوا بين سيدة النساء فاطمة (ع) وبين من ظلمها في عالم الخيال، ولكن الواقع خلاف الخيال والمقال، فقد صرح أعلامكم وكبار علمائكم مثل الشيخين مسلم والبخاري في صحيحهما فكتبا ورويا عن عائشة بنت أبي بكر: "... فهجرته فاطمة ولم تكلمه في ذلك حتى ماتت. فدفنها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر " (120).
رواه العلامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب، في أواخر/الباب التاسع والتسعون.
وقال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة / 14 و 15 / طبع مطبعة الأمة بمصر: فقال عمر لأبي بكر (رض) انطلق بنا إلى فاطمة فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام!!
فقالت: أ رأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله (ص)، تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: نشدتكما الله! أ لم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي و سخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة فقد أرضاني و من أسخط فاطمة فقد أسخطني؟
قالا نعم سمعناه من رسول الله (ص).
قالت فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي (ص) لأشكونكما إليه.
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله من سخطه و سخطك يا فاطمة ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول: و الله و اللَّه لأدعونّ اللَّه عليك في كلّ صلاة أصلّيها!!(121).
وبعد استماع هذا الأخبار، أرجوكم! استمعوا إلى روايات المحدثين التي تخبرنا عن مدى تعلق النبي (ص) بابنته فاطمة بحيث جعلها كنفسه وقال: من آذاها فقد آذاني فقد آذى الله، وإليكم بعض المصادر المعتبرة لديكم:
وروى أحمد بن حنبل في المسند، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في مودة القربى، وابن حجر في الصواعق نقلا عن الترمذي والحاكم عن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني وهي نور عيني وثمرة فؤادي وروحي التي بين جنبي، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن أغضبها فقد أغضبني.
ونقل ابن حجر العسقلاني في الإصابة في ترجمة فاطمة (ع)، عن صحيحي البخاري ومسلم أن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما أرابها.
وفي مطالب السؤل لمحمد بن طلحة الشافعي ص 16 طبع دار الكتب التجارية / نقلا عن الترمذي بسنده عن ابن الزبير عن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها وينصبني ما ينصبها.
وفي محاضرات الأدباء للعلامة الراغب الاصبهاني ج2 / 214 عن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.
وروى الحافظ أبو موسى بن المثنى البصري المتوفي سنة 252، في معجمه، وابن حجر العسقلاني في الاصابة ج4 / 375، وأبو يعلى الموصلي في سننه، والطبراني في المعجم، والحاكم النيسابوري في المستدرك ج3 / 154، والحافظ أبو نعيم في فضائل الصحابة، وابن عساكر في تاريخه، وسبط ابن الجوزي في التذكرة / 279 / طبع مؤسسة أهل البيت بيروت، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبي / 39، وابن حجر المكي في الصواعق / 105، وأبو العرفان الصبان في إسعاف الراغبين / 171، كلهم رووا عن رسول الله (ص) أنه قال لابنته فاطمة (ع): يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.
وروى محمد بن اسماعيل البخاري في الصحيح في باب / مناقب قرابة رسول الله (ص)، عن مسور بن مخرمة عن رسول الله (ص) أنه قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.
وفي التذكرة / 279 روى سبط ابن الجوزي فقال: وقد أخرج مسلم عن المسور بن مخرمة أن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.
أيها الحاضرون! وخاصة أنتم العلماء فكروا! في ما يحصل من هذه الأخبار وانظروا نتيجتها، أليست صريحة في أن الله ورسوله يغضبان على من تغضب فاطمة عليه؟ وطائفة من الأخبار ـ التي نقلتها لكم عن صحاحكم ومسانيدكم المعتبرة ـ صريحة بأن فاطمة (ع) ماتت وهي ساخطة على جمع من الصحابة منهم أبو بكر وعمر. حتى أوصت أن لا يشيّعاها ولا يصليا عليها!!
فالنتيجة الحاصلة: أن الله ورسوله ساخطين على أبي بكر وعمر، لأن فاطمة (ع) ماتت ساخطة عليهما!!
الشيخ عبد السلام: هذه الأخبار صحيحة ولكن رسول الله (ص) نطق بها حينما سمع أن عليا كرم الله وجهه يريد أن يتزوج بابنة أبي جهل، فغضب رسول الله (ص) وقال: من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله. وكان علي كرم الله وجهه هو الهدف والمقصود من هذه الأحاديث الشريفة!!

خطبة علي (ع) ابنة أبي جهل كذب وافتراء
قلت: يمتاز الإنسان عن سائر أنواع الحيوان بلُبِّه وعقله.
فإذا سمع خبرا فهو لا يقبله إلا بعد ما يمضغه بفكره ويهضمه عقله ولبه، فإذا كان معقولا قبله، وإذا كان غير معقول رده، ولذا قال تعالى في كتابه الكريم: (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)(122).
هذا الخبر وهو خطبة علي (ع) ابنة أبي جهل، وغضب النبي (ص) لذلك ، نقله بعض أسلافكم في كتبهم وأنتم على عاداتكم تلقيتم الخبر وتزنوه بعقولكم حتى تجدوه مردودا غير معقول ولا مقبول عند ذوي الألباب، وذلك لجهات منها:
أولا: اجمع علمائكم وأعلام مفسريكم أن عليا (ع) داخل في من شملتهم آية التطهير، فهو بعيد وبرئ من كل رجس ورذيلة.
ثانيا: أن الله سبحانه جعله في آية المباهلة نفس النبي (ص) كما نقلت لكم أخبارها في الليلة الماضية.
ثالثا: كان علي (ع) باب علم الرسول كما أعلن ذلك هو صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد نقلت لكم أخباره من مصادركم.
فكان (ع) أعلم الأمة بعد رسول الله (ص) بالقرآن وأحكامه وبالإسلام وفرائضه، وكان (ع) أحوط الناس في العمل بالقرآن وأجهدهم في كسب مرضات الله ورسوله (ص)؟ والله سبحانه يقول: (وما كان لكم أن توذوا رسول الله)(123).
ثم كيف قبلت عقولكم أن رسول الله (ص) وهو صاحب الخلق العظيم يغضب على أفضل عباد الله بعده والذي يحب الله تبارك وتعالى كما عرفه حين أعطاه في خيبر، فيغضب عليه لا لشيء سوى أنه أراد أن يرتكب أمرا مباحا، أباحه الله سبحانه في كتابه لكل المسلمين من غير استثناء فقال: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)(124)؟
وعلى فرض أن عليا (ع) خطب ابنة أبي جهل، هل كان يحرم عليه ذلك أم يجوز؟! فكيف تقبل عقولكم أن يغضب سيد المرسلين وصاحب الخلق العظيم على سيد كريم مثل ابن عمه أمير المؤمنين لهذا الأمر المباح المشروع الذي سنه الله تعالى وعمل به هو أيضا (ص)؟
فالنبي صلوات الله وسلامه عليه أجل وأكرم من ذلك، ونفسه القدسية أزكى وأعظم من أن تتأثر بهكذا أمور. لذا فكل إنسان مؤمن وعاقل، يعرف كذب هذا الخبر وأنه افتراء على رسول الله (ص)، وهذا الخبر يحط من شخصيته وكرامته، صلوات الله عليه قبل أن يحط من شخصية الإمام علي (ع) وكرامته.
لذلك أقول: لا شك ولا ريب أن هذا الخبر وضعه بنو أمية لأنهم أعداء النبي (ص) وأعداء علي (ع). وهذا ليس هو رأينا فحسب بل هو رأي بعض أعلامكم أيضا.
فقد نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج4 / 63 / طبع دار إحياء الكتب العربية / تحت عنوان [ فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي (ع) ] قال: وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى... أن معاوية وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (ع)، تقتضي الطعن فيه و البراءة منه، و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير ـ وبعد ما نقل نماذج من أحاديث كل واحد منهم قال ـ: و أما أبو هريرة فروي عنه الحديث الذي معناه أن عليا (ع) خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله (ص)، فأسخطه، فخطب على المنبر و قال: " لاها الله! لا تجتمع ابنة ولي الله و ابنة عدو الله أبي جهل! إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي، و ليفعل ما يريد "، أو كلاما هذا معناه، و الحديث مشهور من رواية الكرابيسي.
ثم قال ابن أبي الحديد: هذا الحديث أيضا مخرج في صحيحي مسلم و البخاري عن المسور بن مخرمة الزهري، و قد ذكره المرتضى في كتابه المسمى " تنزيه الأنبياء و الأئمة " و ذكر أنه رواية حسين الكرابيسي، و أنه مشهور بالانحراف عن أهل البيت (ع) و عداوتهم و المناصبة لهم، فلا تقبل روايته. انتهى كلام ابن أبي الحديد.
إضافة على ما نقلته في الموضوع أقول: الأخبار التي تصرح بأن إيذاء فاطمة (ع) يكون إيذاء للنبي (ص) لا تختص بخبر خطبة (ع) ابنة أبي جهل! بل كما ورد في مصادركم وكتبكم أن النبي (ص) في موارد كثيرة ومناسبات عديدة صرح بهذا المعنى بعبارات مختلفة.
كما نقبنا بعضها. أنقل إليكم الآن خبرا ما نقلته من قبل:
روى أحمد بن حنبل في مسنده، والخواجة بارسا البخاري في كتابه فصل الخطاب، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة الثالثة عشر من كتابه مودة القربى، عن سلمان الفارسي عن رسول الله (ص) قال: حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و الصراط و الحساب، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه و من غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبت عليه و من غضبت عليه غضب الله عليه، ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها عليا (ع) و ويل لمن يظلم ذريتهما و شيعتهما.
فليت شعري! ما هو تحليلكم للخبر الذي نقله جل أعلامكم وأصحاب الصحاح حتى البخاري ومسلم بأن فاطمة (ع) ماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر؟!
الحافظ: هذه الأخبار صحيحة، بل يوجد أكثر تفصيلا وأشمل منها في مصادرنا، وأنا بفضل كلامكم عرفت زيف حديث الكرابيسي في خطبة علي كرم الله وجهه ابنة أبي جهل، وقد كان في قلبي شيء على الإمام علي بسبب هذا الخبر، فزال والحمد لله، وأنا أشكركم كثيرا على توجيهاتكم وتحليلكم للموضوع.
ولكن بقي أمر يختلج في قلبي، وهو أن هذه الأخبار والأحاديث المصرحة بأن إيذاء فاطمة إيذاء النبي (ص) وأن من أغضبها فقد أغضب رسول الله (ص). مقبولة ومحمولة فيما إذا كان غضبها لأمر ديني لا دنيوي، وأنتم تقولون أنها غضبت على أبي بكر وعمر من أجل فدك، إذ إنها ادعت تملكها فرداها ولم يقبلا منها، فكان سخطها لأمر شخصي وهذا أمر طبيعي فكل إنسان إذا أراد شيئا ولم يصل إليه فيتأثر نفسيا ، وكان سخط فاطمة من هذا القبيل، وهي بعد ما عادت المياه إلى مجاريها وسكنت الفورة ، ورضيت بحكم الخليفة وسكتت، ولذلك لما بويع علي كرم الله وجهه بالخلافة وتمكن من استرداد فدك، لم يحرك ساكنا ولم يغير حكم أبي بكر وما استرد فدك وإنما تركه على ما كان في عهد الخلفاء الراشدين قبله. وهذا دليل على أنه كان راضيا بحكم أبي بكر لأنه كان حقا.
قلت: لقد طال مجلسنا وأخشى من أن يتعب الحاضرون ويملوا، فلو توافقون على تأجيل حديثنا إلى غد وفي الليلة الآتية إن شاء الله نستمر في الموضوع.
ـ فأجابوا جميعا: إننا ما تعبنا ولا مللنا بل كلنا شائقون إلى استماع حديثكم حتى نعرف نتيجة البحث ويظهر لنا الحق ـ.
قلت: ما دمتم كذلك وتحبون ظهور النتيجة وانكشاف الحقيقة فأقول:
أولا: الموضوع في الأحاديث النبوية صريحة ومطلقة فتشمل الأمور الدنيوية وغيرها، فلا أدري من أين جاء الحافظ حفظه الله بهذا التفصيل؟
ثانيا: كل علماء المسلمين من الشيعة وأهل السنة قد أجمعوا على أن فاطمة الزهراء (ع) كانت امرأة مثالية، وكانت في أعلا مرتبة من مراتب الإيمان بحيث أنزل الله تعالى في شأنها آيات من الذكر الحكيم وشملتها آية التطهير وآية المباهلة وسورة الدهر، وقد مدحها رسول الله (ص) وعرفها بأنها سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وأنها امتلأت إيمانا، ومثلها لا تسخط لأجل أمر دنيوي ومادي ، بذلك السخط الذي لا يزول إلى آخر حياتها. وهي تعلم بأن كظم الغيظ والعفو عن الخاطئين من علائم الإيمان والمؤمن ليس بحقود، إلا أن يكون السخط من أجل الله تعالى، فإن المؤمن حبه وبغضه في الله ولله سبحانه وتعالى، فكيف بفاطمة وهي سيدة نساء العالمين ـ كما في الحديث الشريف ـ وقد طهرها الله عز وجل من الأرجاس والرذيلة والصفات الذميمة ولقبها أبوها بالطاهرة المطهرة، وهي ماتت ساخطة على أبي بكر وعمر ، كما هو إجماع أهل الصحاح والمحدثين؟ فما كان سخطها إلا لأمر ديني لا دنيوي، وإنها غضبت عليهما لأنهما غيرا دين الله وخالفا كتاب الله كما احتجت عليهما في خطبتها التي مر ذكرها بالآيات القرآنية.
وأما قولك أيها الحافظ: إن فاطمة رضيت فسكتت، لا والله ما رضيت، ولكن حين رأت القوم الخصماء لها لا يلتفتون إلى كلامها ولا يسمعون دلائلها وهم مصرون على باطلهم وظلمهم فسكتت، وما كان لها إلا أن تسكت، ولكن أبدت سخطها عليهم، بأن أوصت إلى زوجها الإمام علي (ع) أن لا يحضر جنازتها وتشييعها أحد ممن آذاها وظلمها، ولا يدع أحدا يصلي عليها.
وأما قولك ـ أيها الحافظ ـ: بأن عليا (ع) حيث لم يرد فدكا إلى أولاد فاطمة. فقد أمضى حكم الخليفة، فهو خطأ، لأنه (ع) ما تمكن من أن يغير ما ابتدعه الخلفاء قبله، فكان (ع) مغلوبا على أمره من طرف المخالفين والمناوئين وهم الناكثين والقاسطين فكانوا له بالمرصاد حتى يأخذوا عليه نقطة خلاف فيكبروها ضده ويجعلوا من تلك النقطة منطلقا إلى تضعيف حكومته الحقة، كما ظهر ذلك في بعض القضايا مثل تغيير مكان المنبر، حيث إن الخلفاء قبله غيروا مكان منبر رسول الله (ص) ونقلوه إلى مكان آخر في المسجد، فلما جاء الإمام علي (ع) وتسلم أمر الخلافة أراد أن يرجع المنبر إلى مكانه الذي كان على عهد النبي (ص) فضج المخالفون له وأحدثوا بلبلة حتى منعوه.
وكذلك مثالا آخر، أراد (ع) أن يمنع الناس من إقامة صلاة التراويح جماعة، لأن النبي (ص) منع أن تقام النوافل جماعة، وإنما تختص الجماعة بالفرائض اليومية وغيرها من الفرائض، وإذا بالمناوئين ضجوا واجتمعوا يهتفون وا سنة عمراه!!
وصلاة التراويح ـ كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ ابتدعها عمر بن الخطاب، وقد عين أُبي بن كعب إمام لأهل المسجد في ليالي رمضان المبارك ليصلي بهم النوافل جماعة، فلما دخل المسجد ورأى الناس امتثلوا أمره، فقال: نعمة البدعة هذه!!
فتركهم علي وشأنهم، لما رأى المنافقين اتخذوا هذا الأمر مستمسكا ضده لخلق الفتن.
وكذلك في الكوفة لما أراد أن يمنعهم من إقامة صلاة التراويح جماعة، فهتفوا ضده، فتركهم!!
فما تمكن علي (ع) في أيام خلافته أن يغير هذه الأمور البسيطة التي لا تنفعهم، فكيف كان يمكن له أن يسترد فدكا وقد انضمت إلى بيت المال؟!
ولكي تعرفوا أن عليا (ع) ما أمضى حكم أبي بكر بل وكل وفوض حكم فدك ومحاكمة فاطمة وخصمائها إلى الله الحكم العدل.
فراجعوا نهج البلاغة / كتابه إلى عثمان بن حنيف ال،صاري وكان عامله على البصرة وهو الكتاب رقم 45.
يقول فيه الإمام (ع) بالمناسبة: "... فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً، وَ لا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَ لا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً، بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ... ".
فهذا كلام الإمام علي (ع) يقول: " وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ "... ومعناه: أنني سوف أطالبهم حقي يوم الحساب... يوم لا تظلم نفس عن شيئا... والحكم يومئذ لله.
وأما سيدتنا فاطمة (ع) فقد قالت لأبي بكر وعمر: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، و لئن لقيت النبي (ص) لأشكونكما إليه ـ وقد مر تفصيل الكلام من رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ـ.
وكما نقل بعض المؤرخين كانت في أواخر أيام حياتها تخرج إلى قبر أبيها رسول الله (ص) وهناك تشكو اهتضامها وتقول: أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين ، و أصبحت الناس عنا معرضين!! ثم تأخذ تراب القبر فتشمه وتنشد:
ماذا على من شم تربة أحمدأن لا يشم مدى الزمان غوالياصبت علي مصائب لو أنهاصبت على الأيام صرن لياليا
فماتت مقهورة مظلومة، في ربيع العمر وعنفوان الشباب، وأوصت إلى علي (ع) أن يغسلها ويجهزها ليلا، ويدفنها ليلا إذا هدأت الأصوات ونامت العيون ، وأوصت أن لا يشهد جنازتها أحد من ظلمها وآذاها.
وامتثل الإمام علي (ع) أمرها وعمل بوصيتها.
ولما وضعها في لحدها وأهال عليها التراب، هاج به الحزن فتوجه إلى قبر رسول الله (ص) يقول: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك... إلى أن يقول:
فإنا لله و إنا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة، و أخذت الرهينة! أما حزني فسرمد، و أما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، و ستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال، و استخبرها الحال، هذا و لم يطل العهد، و لم يخل منك الذكر، و السلام عليكما سلام مودع، لا قال و لا سئم... الخ.
كنت في أواخر حديثي هذا مستعبرا باكيا، وكذلك أكثر أهل المجلس بل كلهم، وكان الحافظ حفظه الله منكسا رأسه إلى الأرض ودموعه تجري ويستغفر الله ويردد الآية الكريمة:
(إنا لله وإنا إليه راجعون)(125).
وبعد ذلك المجلس ما تكلم الحافظ أبدا وإنما حضر المجالس التالية مستمعا لا مناقشا، فكأنه أنصف واقتنع، وكان ظاهر أمره في آخر ليلة حينما وادعني وفارقني، أنه تشيع ـ وإن لم يبد ذلك لمرافقيه وأصحابه ـ.
وبعد دقائق ولحظات وإذا بصوت المؤذن يعلن طلوع الفجر ويؤذن لصلاة الصبح فافترق الجمع وفارقناهم.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:38 AM


المجلس التاسع
ليلة السبت ـ الثاني من شعبان المعظم ـ 1345 هجرية


في أوان المغرب جاءني عدد من الإخوان السنة الذين كانوا يلتزمون بالحضور في مجالس البحث والحوار من أول ليلة، وكانوا يستمعون إلى المواضيع المطروحة بكل لهفة ودقة وربما طلبوا مني توضيح بعض المواضيع المطروحة بكل لهفة ودقة وربما طلبوا مني توضيح بعض المواضيع، وكنت أحس وألمس منهم اهتماما بالغا، فجاءوا قبل انعقاد المجلس، وهم: النواب عبد القيوم خان، وغلام إمامين، والمولى عبد الأحد، وغلام حيدر خان، والسيد أحمد علي شاه...
فاستقبلتهم وجلست معهم: فقالوا: أيها السيد المعظم! اعلم بأننا في كل المجالس والمحاورات عرفنا الحق فيكم ومعكم، وخاصة في الليلة الماضية قد انكشف لنا حقائق كثيرة كانت مكتومة، وكنا نجهلها، وقد عرفناها بفضل بيانكم واتضحت لنا من خلال حديثكم المستدل ومنطقكم القوي المدعم بالأحاديث والروايات الصحيحة المروية عن طريق أعلام السنة وعلمائهم في المسانيد والصحاح، ونحن نطلب الحق ونريد أن نتدين بدين الله ونلتزم بما جاء به المصطفى (ص) من عند الله سبحانه، فلسنا نتعصب للخلفاء ولا لأئمة السنة والجماعة ولسنا معاندين، بل نحن بعيدون عن اللجاج والتعصب والعناد. والآن حيث انكشف لنا الواقع، وعرفنا الحق، نريد أن نعلن هذه الليلة في المجلس وفي حضور الملأ، تشيعنا ومتابعتنا لمذهب آل رسول الله (ص).
واعلم أن هناك كثيرا من الناس على مختلف الطبقات ممن يتابعون هذه المناقشات في الصحف والمجلات، أيضا قد عرفوا الحق ولكنهم يخفون ذلك خوفا من رد فعل قومهم، وإساءة أقربائهم لهم، ويخشون مقاطعة المجتمع الذي يعيشون فيه، فإذا نحن بدأنا بإعلان تشيعنا وفتحنا الباب فهم يدخلون أيضا ويعلنون تشيعهم.
قلت: أرجوكم رجاء مؤكدا أن لا تعجلوا في الأمر، ولا تعلنوا تشيعكم هذه الليلة، اصبروا إلى نهاية المطاف حتى نعرف آخر ما يخرج به علماء السنة والجماعة من هذه الأبحاث والمناقشات، فربما يعلنون هم أيضا تشيعهم، فليكونوا هم البادون وأنتم التابعون، وهذا أجمل وأفضل، فوافقوا جميعا على هذا الرأي.
وبعدما فرغنا من صلاتي المغرب والعشاء، اجتمع القوم وبعد التحيات والتشريفات، بدأ الشيخ عبد السلام يتكلم عن الجماعة ليمثل مذهبه.
فقال: لقد استفدنا من أحاديثكم في المجالس السالفة، فوائد جمة ، وأقول بكل صراحة: إن حديثكم يلين قلوب الأعداء، فكيف بنا نحن الأحباء، حيث اجتمعنا للتفاهم وحل القضايا الخلافية بمناقشات أخوية ومناظرات ودية؟ ولكن لمست وأحسنت من جنابكم الانحياز إلى أهل مذهبكم، بحيث أراكم تدافعون حتى عن قبائح عاداتهم وشنائع أقوالهم!
قلت: أنا لا أقبل منك هذا الكلام... يا شيخ عبد السلام! لأني منذ عرفت نفسي وميزت بين الخير والشر، خضعت للحق، ودعوت للخير، ودافعت عن المظلوم، لأن جدي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) أوصى إلى أولاده وخاصة إلى الحسنين (ع) فقال: قولا بالحق واعملا للآخرة، وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا.
فإذا رأيتني أبين مساوئ من خالفنا، وأدافع عن من وافقنا، فلا عن انحياز أو متابعة للهوى، وإنما الحق والخير عندي هو المعيار والمقياس، واعلم أن كل حديثي وكلامي في هذه المناقشات كان مقرونا بالأدلة النقلية والبراهين العقلية.
وأما كلامك عن قبائح عادات الشيعة وأقوالهم الشنيعة فبيّنْها لنا، فإن كان بيانك حقا قبلناه، وإلا كشفنا لكم الواقع، فلربما اشتبه عليكم الأمر.

الشيعة وعائشة!!
الشيخ عبد السلام: إن من أقبح أقوال الشيعة قذفهم أم المؤمنين عائشة ونسبتهم الفحش إليها وسبها ولعنها! ومن أشنع عاداتهم عداؤهم لها واعتقادهم بخبثها، وهي حبيبة رسول الله (ص) وزوجته، فانتسابها إلى الخبث يلازم ـ والعياذ بالله ـ خبث النبي (ص) لقوله سبحانه: (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ)(1).
قلت: أولا: قولك بأن الشيعة يقذفون عائشة وينسبونها إلى الفحشاء.. فهو كذب على الشيعة وافتراء، وأقسم بالله حتى عوام الشيعة لا يقولون ذلك ولا يعتقدون به، وإن النواصب والخوارج افتروا علينا هذا ليحركوا عوام أهل السنة وجهالهم على أشياع آل محمد (ص)، ومع الأسف فإن بعض علماء العامة صدقوهم بغير دليل ولا تحقيق، وأحدهم جناب الشيخ عبد السلام سلمه الله!
فأقول: أيها الشيخ! كيف تقول علينا هذا بالضرس القاطع؟! هل رأيته في كتاب أحد علمائنا؟ أم سمعته من لسان أحد الشيعة، ولو من عامتهم؟!
وأنا أرجوك أيها الشيخ أن تراجع تفاسير الشيعة في موضوع الإفك في ذيل الآيات 10 ـ 20 من سورة النور لتعرف دفاع الشيعة عن عائشة وإن الآفكين هم المنافقون.
أما نحن الشيعة فنعتقد أن كل من يقذف أي واحدة من زوجات رسول الله (ص) لا سيما حفصة وعائشة، فهو ملحد كافر ملعون مهدور الدم، لأن ذلك مخالف لصريح القرآن وإهانة لرسول الله (ص).
وكذلك نعتقد بأن القذف ونسبة الفحشاء إلى أي مسلم ومسلمة حرام وموجب للحد ـ إلا إذا شهد أربعة شهداء عدول ـ.
وأما اعتقاد الشيعة بخبث عائشة وشقاوتها، فبدليل أحاديث رسول الله (ص) حيث قال كما ورد في مسانيدكم: إنه لا يحب عليا إلا مؤمن سعيد الجد طيب الولادة، ولا يبغضه إلا منافق شقي الجد خبيث الولادة.
ولا يخفى على أحد أن عائشة كانت من أشد المبغضين لعلي (ع) إلى درجة أنها خرجت لقتاله، وأشعلت نار الفتنة والحرب في البصرة عليه وهو إمام زمانها حينذاك!!
ثم اعلم أن الاعتقاد بخبث الزوجة لا يلازم خبث الزوج وكذلك بالعكس، فكم من نساء صالحات أزواجهن غير صالحين؟ وكم من رجال صالحين زوجاتهم خبيثات غير صالحات؟ وهذا صريح قول الله سبحانه وتعالى في سورة التحريم 10 و11 حيث يقول: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَ امْرَأَةَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
فلا تلازم بين الزوجين في الطيب والخباثة وفي السعادة والشقاء، وفي القيامة أيضا كل يحاسب ويكافأ بأعماله، فإن كانت المرأة صالحة مؤمنة يؤمر بها الجنة، وإن كان زوجها فرعون لعنه الله، وإن كانت المرأة طالحة عاصية فيؤمر بها إلى الجحيم وإن كان زوجها أحد أنبياء المرسلين.
وأما تفسير الآية الكريمة: ( الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ)(2) فقد ورد في روايات أهل البيت (ع) أن هذه الجملات تفسير وتوضيح لما قبلها وهو قوله تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)(3) معنى ذلك أن الخبيثات يلقن للخبيثين والخبيثون يليقون لهن، وأما الطيبون فيليقون للطيبات وبالعكس، كما أن الزانية أو المشركة لا تليق إلا لزان أو مشرك.

بغض عائشة لآل النبي (ص)
ونحن حين ننتقد عائشة ونعاديها، لا لأنها بنت أبي بكر، بل لسوء تصرفها وسوء معاملتها مع آل رسول الله (ص)، ولأنها كانت تبغض عليا (ع) وتعمل ضده وتثير المسلمين عليه، وإلا فإنا [ نحب محمد بن أبي بكر ـ أخيها ـ لأنه نصر الحق وتابع الإمام علي (ع) ].
أما عائشة فما حافظت على مكانتها بل سودت تاريخها بأعمالها المخالفة لكتاب الله وحديث النبي (ص) فما أطاعت زوجها ولا أطاعت ربها!!
الشيخ عبد السلام: لا يليق هذا الكلام بكم وأنت سيد شريف وعالم نبيل، فكيف تعبر عن أم المؤمنين بهذا التعبير، بأنها سودت تاريخها؟!
قلت: كل زوجات رسول الله (ص) عندنا في مكانة متساوية، باستثناء أم المؤمنين خديجة الكبرى (ع) فإن النبي كان يفضلها عليهن ـ فإن أم سلمة وسودة وعائشة وحفصة وميمونة وسائر زوجاته (ص) كلهن أمهات المؤمنين، ولكن المؤرخين لا سيما أعلامكم فتحوا لعائشة صفحات خاصة، تروي مداخلتها في الفتن، ومشاركتها مع الرجال في أمور لا تعنيها، بل مخالفة لشأنها ومقامها كزوجة للنبي (ص). وهذا مقصودنا من تسويدها تاريخها، وليتها كانت تسلك مسلك قريناتها، أعني زوجات رسول الله (ص) وتحافظ على حرمة النبي(ص) كما حفظنها.
الشيخ عبد السلام: أظن أن سبب عدائكم وبغضكم لأم المؤمنين عائشة، هو خروجها على الإمام علي كرم الله وجهه، وإلا فإن سلوكها مع رسول الله (ص) كان أحسن سلوك، وليس لأحد انتقاد في ذلك، وكان رسول الله يكرمها كثيرا ونحن نكرمها لإكرام النبي لها.
قلت: سبب بغضنا لعائشة ليس لخروجها على الإمام علي (ع) فحسب بل لسوء سلوكها مع النبي (ص)، وإيذائها له أيضا، وتمردها عليه (ص) وعدم إطاعتها له في حياته!!
الشيخ عبد السلام: هذا بهتان عظيم! فإن كلنا نعلم بأنها كانت أحب زوجات النبي (ص) إليه، فكيف كانت تؤذي رسول الله (ص) وهي تقرأ في القرآن الحكيم: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الآْخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً)(4)؟
قلت: أيها الشيخ لقد تكرر منكم سوء التعبير ورميتموني بالافتراء والبهتان والكذب، ولكن سرعان ما انكشف الأمر وثبت بأني غير كاذب ولا مفتر، بل أنا ناقل الأخبار من كتب علمائكم ومسانيد أعلامكم، وقلت لكم: بأن الشيعة لا يحتاجون إلى وضع الأخبار وجعل الأحاديث في إثبات عقائدهم وحقانية أئمتهم وفضائلهم ومناقبهم، فإن كتاب الله سبحانه ينطق بذلك والتاريخ يشهد لهم.
أما قولك بأنها كيف كانت تؤذي النبي وهي تقرأ الآية الكريمة: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ...) الخ.
فأقول: نعم كانت تقرأ الآية وكان أبوها أيضا يقرأها وكثير من كبار الصحابة قرؤوا هذه الآية الكريمة وعرفوا معناها ولكن.. كما نقلت لكم الأخبار المروية في كتبكم وصحاحكم في الليلة الماضية وانكشف حقائق كثيرة للحاضرين ولكم إن كنتم منصفين غير معاندين!!

إيذاء عائشة للنبي (ص) في حياته
أما أخبار إيذاء عائشة لرسول الله (ص) في حياته فلم تذكر في كتب الشيعة وحدهم، بل ذكرها بعض أعلامكم أيضا منهم: أبو حامد محمد الغزالي في كتابه إحياء العلوم:ج2/ الباب الثالث كتاب آداب النكاح / 135، والمتقي الهندي في كنز العمال ج7/116، وأخرجه الطبراني في الأوسط والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من حديث عائشة قالوا: و جرى بينه (ص) و بين عائشة كلام حتى أدخل النبي (ص) أبا بكر حكما بينهما، و استشهده، فقال لها رسول الله (ص) تكلمين أو أتكلم؟ فقالت: بل تكلم أنت و لا تقل إلا حقا!
فلطمها أبو بكر حتى دمي فوها وقال: يا عدوة نفسها! أو غير الحق يقول؟ فاستجارت برسول الله (ص) وقعدت خلف ظهره، فقال له النبي (ص): لن ندعك لهذا ولم نرد هذا منك.
قال أبو حامد الغزالي في نفس الصفحة: وقالت له مرة في كلام غضبت عنده: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟! ـ قال وذلك حين صباها ـ فتبسم رسول الله (ص) واحتمل ذلك حلما وكرما.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده وأبو الشيخ في كتاب الأمثال، من حديثهما معنعنا.
قال الغزالي: وقال (ص) لها: إني لأعرف رضاك من غضبك.
قالت: وكيف تعرفه يا رسول الله؟ قال (ص): إذا رضيت قلت: لا وإله محمد، وإذا غضبت قلت: لا وإله إبراهيم.
قالت: صدقت... إنما أهجر إسمك!(5).
وتحدثها بهذه العبارات والتعابير التالية مع النبي (ص):
بل تكلم أنت و لا تقل إلا حقا!
أنت الذي تزعم أنك رسول الله!!
إنما أهجر إسمك!
بالله عليكم! أنصفوا..! أما كان رسول الله يتأذى من هذه التعابير القارصة والكلمات اللاذعة حين يسمعها من زوجته؟!
والمفروض أن تتصاغر الزوجة لزوجها وأن تحترمه وتخضع له ولا تتجاسر عليه بكلام يؤذيه، وكذلك المفروض على المؤمنين والمؤمنات أن يكرموا النبي (ص) ويحترموه احتراما كبيرا ويعظموه كثيرا، حتى أنه لا يجوز لأحد أن يرفع صوته فوق صوت النبي (ص) أو يدعوه باسمه من غير تشريف واحترام كما يدعو بعضهم بعضا، لقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)(6).
وقال سبحانه: (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)(7).
فالمفروض على زوجات النبي (ص) ـ عائشة وقريناتها ـ أن يكرمن النبي ويحترمنه ويخضعن له (ص) أكثر من غيرهن، ولكن مع الأسف الشديد نرى في سلوكها تمردا على رسول الله كما وصفها المؤرخون وحتى من أعلامكم مثل أبو حامد الغزالي، والطبري، والمسعودي وابن الأعثم الكوفي وغيرهم، قالوا: إنها تمردت عن أمر الله ورسوله (ص)! فهل هذا التمرد يدل على طيبها أم خبثها؟! وهل حياة المتمردين على الله ورسوله تكون ناصعة أم سوداء مظلمة؟!
وإني أستغرب كلام الشيخ عبد السلام وقوله: بأن سبب بغضنا لعائشة، خروجها على الإمام علي كرم الله وجهه!
وكأنه يحسب هذا الأمر هينا! وهو عند الله عظيم عظيم.. لأنها شقت عصا المسلمين، وسببت سفك دماء كثير من المؤمنين والصالحين، فرملت نساء، وأيتمت أطفالا!! وهي بخروجها على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وإثارة فتنة البصرة، وأمرها للناس، وتحريضهم لمقاتلة الإمام علي (ع)، فمهدت الطريق وفتحت باب الحرب والقتال لمعاوية وحزبه الظالمين وكذلك للخوارج الملحدين الفاسقين!!
فأي ذنب أعظم من هذا يا شيخ! وهي بخروجها من بيتها إلى البصرة خالفت نص كلام الله الحكيم إذ قال سبحانه:
(وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأُْولى)(8).
نعم جميع زوجات رسول الله غير عائشة امتثلن أمر الله تعالى وأطعنه وحفظن حرمة رسول الله (ص) بعد وفاته وما خرجن من بيوتهن إلا للضرورة، وقد روى الأعمش كما ورد في صحاحكم ومسانيدكم: قالوا لأم المؤمنين سودة زوجة رسول الله (ص) لم لا تخرجين إلى الحج والعمرة؟ فثوابهما عظيم؟
قالت: لقد أديت الحج الواجب وأما بعد ذلك فواجبي أن أجلس في بيتي ، لقوله تعالى:
(وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ...) فامتثالا لأمره عز وجل، لا أخرج من بيتي بل أحب أن أقر في الدار التي خصها لي رسول الله (ص) ولا أخرج إلا لضرورة، حتى يدركني الموت ـ وهكذا كانت حتى التحقت بالنبي الكريم (ص) ـ.
فنحن لا نفرق بين زوجات رسول الله (ص)، فكلهن أمهات المؤمنين، فمن هذه الجهة كلهن عندنا على حد سواء.
وأما في المنزلة والمقام فشأنهن شأن المؤمنات الأخريات فيكتسبن المقام والجاه عند الله سبحانه بالأعمال الصالحة وبالتقوى، فمن عملت منهن الصالحات واتقت فنحبها، ومن لم تتق وما عملت صالحا فلا نحبها، ومن خالفت وعصت ربها فنبغضها.

امتياز نساء النبي (ص) على سائر النساء
الشيخ عبد السلام: كيف تقول بأن شأن زوجات رسول الله (ص) شأن المؤمنات الأخريات!! فإن هذا البيان خلاف كلام الله العزيز إذ يقول: (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساء) أي: أن مقام نساء النبي أعلا وأرفع من سائر النساء.
قلت: كل زوجات رسول الله (ص) لهن الفخر والفضل على نساء المؤمنين لشرف انتسابهن إلى رسول الله (ص) وهو شرف اكتسابي وانتسابي لا ذاتي، فيجب عليهن أن يحفظن حرمة هذا الانتساب الرفيع، والمقام المرموق والممتاز على سائر النسوة بتقوى الله سبحانه، كما صرح بذلك عز وجل في كتابه قائلا: (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ)(9).
ولا يخفى عليكم أيها العلماء معنى إن الشرطية، فمقام نساء النبي (ص) وامتيازهن على سائر النساء مشروط بالتقوى. فمن تورعت، وتدرعت بتقوى الله تعالى، وامتثلت أوامره، مثل سودة وأم سلمة فيلزم علينا تكريمها وتعظيمها واحترامها، ومن لم تتورع ولم تلتزم بتقوى الله سبحانه وما امتثلت أوامره، فلا احترام لها عندنا مثل عائشة.

خروج عائشة على أمير المؤمنين عليه السلام
لقد أجمع المؤرخون أن عائشة قادت جيشا لقتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقال بعض: إن طلحة والزبير أغرياها، وقال آخرون: إنها كانت مستعدة لذلك من غير إغراء، لبغضها وعداءها للإمام علي (ع).
فاجتمع حولها كل من في قلبه مرض، وكل من كان حاقدا على أبي الحسن أمير المؤمنين سلام الله عليه، وخرجت إلى البصرة، فألقوا القبض على عثمان بن حنيف الأنصاري، صحابي رسول الله (ص) وكان عاملا عليها من قبل الإمام علي، فنتفوا لحيته الكريمة، وشعر رأسه، وحاجبيه، وضربوه بالسياط حتى أدمي، ثم أخرجوه من البصرة بحالة يرثى لها، وقتلوا أكثر من مائة نسمة من أهاليها من غير أن يصدر منهم ذنب أو أي عمل يبيح لعائشة وجيشها سفك تلك الدماء البريئة، ولو أحببتم الاطلاع على تفصيل تلك الأعمال البشعة فراجعوا تاريخ ابن الأثير، والمسعودي، وتاريخ الطبري، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(10).
ولما جابهت عائشة جيش أمير المؤمنين (ع)، ركبت الجمل وحرضت الناس الغافلين، وألبت الجاهلين والمنافقين لقتال إمام زمانها، رغم مواعظه (ع) ومواعظ ابن عباس وكبار الصحابة لها ولجيشها.
فأما الزبير امتنع من المقاتلة، وترك المعركة إذ عرف الحق مع علي (ع)، ولكن عائشة أصرت على غيها واستكبرت عن قبول الحق(11) حتى قتل عشرات المئات من المسلمين بسببها ثم انكسرت واندحرت، فردها (ع) إلى بيتها مكرمة!

فضائل الإمام علي عليه السلام ومناقبه
روى أحمد في مسنده وابن أبي الحديد في شرح النهج والفخر الرازي في تفسيره الكبير والخطيب الخوارزمي في المناقب والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودة، والعلامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / باب 62، والمير سيد علي الهمداني الفقيه الشافعي في كتابه مودة القربى / المودة الخامسة، روى بعضهم عن عمر بن الخطاب وبعضهم عن عبد الله بن عباس أن النبي (ص) قال: لو أن البحر مداد و الرياض أقلام و الإنس كتاب و الجن حساب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب(12).
وأخرج ابن أبي الحديد في شرح‏ نهج ‏البلاغة ج 9/ 168 /ط دار إحياء التراث العربي: عن أبي نعيم الحافظ في حلية الأولياء عن أبي برزة الأسلمي، ثم رواه بإسناد آخر بلفظ آخر عن أنس بن مالك عن النبي (ص): أن رب العالمين عهد في علي إلي عهدا، أنه راية الهدى و منار الإيمان، و إمام أوليائي، و نور جميع من أطاعني. إن عليا أميني غدا في القيامة، و صاحب رايتي، بيد علي مفاتيح خزائن رحمة ربي(13).
وقد تكرر من النبي (ص) مرارا عديدة انه شبه عليا (ع) بالأنبياء ، وروى ألفاظه أكثر أعلامكم ومحدثيكم في كتبهم، منها من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه و إلى آدم في علمه و إلى إبراهيم في حلمه و إلى موسى في فطنته و إلى عيسى في زهده، فلينظر إلى علي بن أبي طالب، قال: رواه أحمد بن حنبل في المسند ورواه البيهقي في صحيحه.
وأخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج9 صفحة 171/ عن النبي (ص): كنت أنا و علي نورا بين يدي الله عز و جل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق آدم قسم ذلك فيه، و جعله جزأين، فجزء أنا، و جزء علي.
قال: رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل علي (ع)، وذكره صاحب كتاب الفردوس وزاد فيه: ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب، فكان لي النبوة ولعلي الوصية.
وأخرج جمع من أعلامكم ومحدثيكم منهم أبو نعيم الحافظ في كتابه " حلية الأولياء " ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج9/ 173، قال رسول (ص): أخْصِمُك ـ أي أغلبك ـ يا علي بالنبوة! فلا نبوة بعدي، و تخصم الناس بسبع لا يجاحد فيها أحد من قريش: أنت أولهم إيمانا بالله، و أوفاهم بعهد الله، و أقومهم بأمر الله، و أقسمهم بالسوية، و أعدلهم في الرعية، و أبصرهم بالقضية، و أعظمهم عند الله مزية.
وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة / 124 / نقلا عن عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتاب معالم العترة النبوية، روى عن فاطمة الزهراء (ع) أنها قالت: خرج علينا أبي رسول الله (ص) عشية عرفة فقال: إن الله تبارك و تعالى باهى بكم الملائكة عامة، و غفر لكم عامة، و لعلي خاصة، و إني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، إن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياته و بعد موته، و إن الشقي من أبغض عليا في حياته و بعد مماته(14).
وخبر آخر رواه جمع من أعلام محدثيكم في مسانيدهم وصحاحهم، عن رسول الله (ص) أنه قال لعلي (ع): كذب من أنه يحبني وهو مبغضك، يا علي! من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله وأدخله النار(15).
هذه الأحاديث الشريفة وعشرات بل مئات من مثلها مسجلة وثابتة في مسانيد علمائكم وأعلام محدثيكم وقد زينوا بها تصانيفهم وكتبهم، وحتى المتعصبين منهم لم يروا بدا من ذكرها وإخراجها، أمثال القوشجي وابن حجر المكي وروزبهان وغيرهم.
ورغم المحاولات الشيطانية التي حاولها أعداء الإمام علي (ع)، والأساليب العدوانية التي استعملها معاوية وحزبه المنحرفون الظالمون لإخفاء مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وفضائله، والمنع من نشرها وروايتها. مع كل ذلك .. فقد انتشرت في الأقطار وتناقلتها علماء الأمصار حتى ملئت منها الكتب والأسفار، ولكي تطلعوا على بعض تلك الأخبار، فراجعوا الصحاح الستة، وخصائص مولانا علي بن أبي طالب للنسائي، وينابيع المودة للقندوزي، ومودة القربى للهمداني، والمعجم للطبراني، ومطالب السؤول لمحمد بن طلحة القرشي العدوي، ومسند الإمام احمد ومناقبه ، ومناقب الخطيب الخوارزمي، ومناقب مولانا علي بن أبي طالب للعلامة صدر الحفاظ الكنجي الشافعي، وفرائد السمطين لشيخ الإسلام الحمويني، والرياض النضرة، وذخائر العقبى لمحب الدين الطبري، والإتحاف بحب الأشراف للشبراوي، والمستدرك للحاكم النيسابوري، وتاريخ بن عساكر / قسم ترجمة الإمام علي (ع)، وعشرات الكتب غير ما ذكرنا، وكلها من أعلامكم ومشاهير محدثيكم(16).

علي عليه السلام خير البرية والبشر ومن أبى فقد كفر
وفي كتاب كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) الباب الثاني والستون / 118 ـ 199 / ط الغري سنة 1356 هجرية للعلامة إمام الحرمين ومفتي العراقيين محدث الشام وصدر الحفاظ أبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي المتوفى سنة 658 هجرية، أخرج بسنده المعنعن المتصل بجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أنه قال كنا عند النبي (ص) فأقبل علي بن أبي طالب (ع) فقال النبي (ص): قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال والذي نفسي بيده... إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة ثم إنه أولكم إيمانا و أوفاكم بعهد الله و أقومكم بأمر الله و أعدلكم في الرعية و أقسمكم بالسوية و أعظمكم عند الله مزية.
قال: ونزلت (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة)(17).
قال: وكان أصحاب محمد (ص) إذا أقبل علي (ع) قالوا: قد أتاكم خير البرية.
ثم قال العلامة الكنجي: هكذا رواه محدث الشام في كتابه ـ تاريخ ابن عساكر ـ بطرق شتى، وذكرها محدث العراق ومؤرخها ـ وأظنه الخطيب البغدادي صاحب تاريخ بغداد ـ رواها عن زر عن عبد الله عن علي قال: قال: رسول الله (ص): من لم يقل علي خير الناس فقد كفر.
وفي رواية له عن حذيفة قال: سمعت النبي (ص) يقول: علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر، هكذا رواه الحافظ الدمشقي في كتاب التاريخ عن الخطيب الحافظ، وزاد في رواية له عن جابر قال: قال رسول الله (ص): علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر، وفي رواية لعائشة عن عطا قال: سألت عائشة عن علي. فقالت: ذاك خير البشر لا يشك فيه إلا كافر.
قال العلامة الكنجي: هكذا ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي (ع) في تاريخه في المجلد الخمسين، لأن كتابه مائة فذكر منها ثلاث مجلدات في مناقبه(18) (ع). " انتهى كلامه ".

حب علي إيمان وبغضه كفر ونفاق
وذكر ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة نقلا عن كتاب " الآل " لابن خالويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال لعلي: حبك إيمان و بغضك نفاق و أول من يدخل الجنة محبك و أول من يدخل النار مبغضك.
وروى العلامة الهمداني في كتابه مودة القربى / المودة الثالثة، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، عن رسول الله (ص) قال: لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. وفي رواية أخرى خاطب عليا (ع) فقال: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق(19).
وروى محمد بن طلحة في مطالب السؤول، وابن الصباغ المالكي في الفصول عن الترمذي والنسائي عن ابي سعيد الخدري انه قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (ص) إلا ببغضهم عليا.
الشيخ عبد السلام: هكذا أحاديث نبوية صدرت أيضا في حق الشيخين أبي بكر وعمر، وما كانت خاصة بسيدنا علي كرم الله وجهه!!
قلت: لو كان يحضر في بالك شيء من تلك الأحاديث، فبينها حتى ينكشف واقع الأمر للحاضرين.
الشيخ عبد السلام: روى عبد الرحمن بن مالك بسنده عن جابر عن النبي (ص) قال: لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق!!
قلت: لقد أثار بيانك تعجبي! وكأنك نسيت قرارنا في المجلس الأول على أن لا نستدل في احتجاجنا بالأحاديث غير المعتبرة لدى الخصم، بل يجب أن تأتي بالشاهد وتستدل علي بالأحاديث المقبولة عندنا، وهذا الحديث مردود وغير معتبر عندنا.
الشيخ عبد السلام: أظن بأنكم عزمتم أن لا تقبلوا منا حتى رواية واحدة في فصل الشيخين!
قلت: لقد بينت قبل هذا: أننا أبناء الدليل حيثما مال نميل، وأما ظنك فباطل ولا يغني من الحق شيئا، لأني ما قبلت روايتك لا لكونها في فضل الشيخين، بل لأن الراوي متهم بالجعل والكذب حتى عند علمائكم كالخطيب البغدادي صاحب تاريخ بغداد وغيره من الأعلام المشتهرين في علم الرواية والدراية قالوا فيه ذلك عند ترجمته، وهذا العلامة الذهبي المعتمد عليه في هذا الفن، فقد قال في ترجمة عبد الرحمن بن مالك في ميزان الاعتدال ج10/236 / قال: هو كذاب أفاك وضاع لا يشك فيه أحد.
فانصفوا.. بعد ما سمعتم هذا التصريح في رواية الحديث، هل يطمئن قلبكم وتسمح نفسكم أن تقبلوا رواياته؟! ثم فكروا.. أين حديث هذا الكذاب الأفاك الوضاع.. من حديث جابر وسلمان وأبي سعيد وابن عباس، وأبي ذر الصادق المصدق، فقد روى جماعة من الأعلام منهم: العلامة السيوطي في الجامع الكبير: ج6/390، والمحب الطبري في الرياض النضرة ج2/215، وفي جامع الترمذي ج2/299، وابن عبد البر في الاستيعاب ج3/46، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ج6/295،والعلامة محمد بن طلحة في مطالب السؤول /17، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة صفحة 126، كلهم رووا عن أبي ذر الغفاري رحمه الله تعالى بعبارات مختلفة والمعنى واحد قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (ص) إلا بثلاث: بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلاة، وبغضهم علي بن أبي طالب (ع).
ونقل ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة ج4/83 / ط دار إحياء التراث العربي / نقل عن الشيخ أبي القاسم البلخي أنه قال: وقد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين، على أن النبي (ص) قال: لا يبغضك إلا منافق و لا يحبك إلا مؤمن، و روى حبة العرني عن علي (ع) أنه قال: إن الله عز و جل أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي و ميثاق كل منافق على بغضي فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني و لو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني.
و روى عبد الكريم بن هلال عن أسلم المكي عن أبي الطفيل قال: سمعت عليا (ع) و هو يقول: لو ضربت خياشيم المؤمن بالسيف ما أبغضني و لو نثرت على المنافق ذهبا و فضة ما أحبني إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي و ميثاق المنافقين ببغضي فلا يبغضني مؤمن و لا يحبني منافق أبدا.
قال الشيخ أبو القاسم البلخي: و قد روى كثير من أرباب الحديث عن جماعة من الصحابة قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ص إلا ببغض علي بن أبي طالب... والأخبار من هذا القبيل كثيرة جدا في كتبكم واكتفينا بما نقلناه رعاية للاختصار.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:40 AM


والآن بعد استماعكم لهذه الروايات، فكروا.. وأنصفوا..! أما كان خروج عائشة على أمير المؤمنين وقتالها له (ع) قتالا لرسول الله وخروجا عليه (ص) ؟ أما كان حرب عائشة مع الإمام علي (ع) ناشئا عن بغضها له وينبئ عن عدائها له (ع)؟ وقد بين رسول الله (ص) كما ذكرنا أن بغض علي بن أبي طالب وعداؤه كفر ونفاق.
فلا أدري بماذا وكيف توجهون خروج عائشة على الإمام علي (ع)؟! وبماذا تعذرونها في القتال والحرب. مع وجود هذه الأخبار المعتبرة؟!
فكروا في هذا الأمر وانظروا بغض النظر عن الحب والبغض والرضا والسخط، بل انظروا نظر تحقيق وإنصاف! وأظهروا رأيكم بعيدين عن التعصب والاختلاف. وقبل أن تبدوا رأيكم اسمحوا لي أن أنقل لكم حديثا روته أم المؤمنين عائشة عن رسول الله (ص) وتذكرته الآن، وهم كما في كتاب مودة القربى للعلامة الهمداني الشافعي / المودة الثالثة / قالت: قال: رسول الله (ص) إن الله عهد إلي من خرج على علي فهو كافر في النار، قيل: لم خرجت عليه؟!
قالت: قد نسيت هذا الحديث يوم الجمل حتى ذكرته بالبصرة، وأنا أستغفر الله!!
الشيخ عبد السلام: إنني أتعجب من اعتراضك على أم المؤمنين عائشة بعدما علمت أنها كانت ناسية لكلام النبي (ص) وحديثه، ولما تذكرت استغفرت ربها، والله خير الغافرين.
قلت: يمكن أن نقول بأنها يوم الجمل نسيت هذا الحديث، ولكنكم تعلمون أنها من حين تحركها من مكة وخروجها على أمير المؤمنين نصحتها سائر زوجات رسول الله (ص) ومنعنها من الخروج، وذكّرنها بفضائل الإمام علي (ع)، وما قال رسول الله (ص) في حقه بأن حربه حربي وسلمه سلمي، ولكنها أبت إلا إثارة الفتنة!!
وإن أعلام مؤرخيكم الذين أرخوا واقعة الجمل وكبار محدثيكم ذكروا أن رسول الله (ص) حذرها أن تكون صاحبة الجمل الأحمر التي تنبحها كلاب حوأب، وحين خرجت إلى البصرة مرت بمنطقة تسمى الحوأب فنبحتها الكلاب، فسألت عن اسم المكان، فقالوا: تسمى الحوأب. فذكرت حديث النبي (ص) وتحذيره لها، فأرادت الرجوع، ولكن طلحة والزبير وابناهما غروها وغيروا إرادتها وثبطوها على عزمها الأول، وهو الخروج والفتنة، فتابعت طريقها حتى وصلت البصرة وألبت الجيوش لقتال الإمام علي (ع) وأججت نار الحرب وقتل بسببها آلاف المسلمين، فهل تعذروها بعد هذا، وتقبلون قولها بأنها نسيت؟! فأي نسيان هذا بعد التذكر؟!(20)
ألم تكن هذه المخالفات منها للقرآن الحكيم وللنبي الكريم (ص) وصمات عار في تاريخها؟!
هل أن خروجها على الإمام علي (ع) وقتالها له كان حقا أم باطلا؟ فإذا كان باطلا فكل باطل وصمة عار لفاعله، وان تقولوا كان حقا، ولستم بقائلين، فكيف التوفيق بينه وبين الأحاديث الشريفة التي مرت عن طرق محدثيكم وكبار علمائكم، أن النبي (ص) قال: من آذى عليا فقد آذاني، وقال: حربه حربي، وسلمه سلمي، ولا يبغضه إلا منافق.. وما إلى ذلك.
بالله عليكم أنصفوا!! هل حرب عائشة وطلحة والزبير لعلي (ع) وقتالهم له (ع) كان عن حبهم لعلي أم عن بغضهم له (ع)؟!
لم لا تنتقدونهم ولا تأخذون عليهم هذه الخطايا الكبرى والمعاصي العظمى؟! لماذا تمرون على هذه الحوادث مر الجاهلين والغافلين، ولكن تأخذون على الشيعة بأشد ما يكون، لأنهم ينتقدون أعمال الصحابة، ويميزون بين الحق والباطل فيمدحون أهل الحق ويفضحون أهل الباطل أيا كانوا؟ والجدير بالذكر أننا لا نروي في الصحابة وأفعالهم القبيحة إلا ما رواه محدثوكم وعلماؤكم، فلماذا لا تنتقمون عليهم ، ولا ترفضون رواياتهم ولا تنفون كتبهم ولا تردونها؟ بل هذه الكتب التي ننقل عنها كلها عندكم معتبرة ومقبولة وتطبع في البلاد السنية وعواصمهم، مثل مصر وبغداد ولبنان وغيرها، من باب المثال يقول العلامة المسعودي في كتابه مروج الذهب ج2 /7، وهو يتحدث عن وقعة الجمل، وهجوم أصحاب عائشة على أصحاب عثمان بن حنيف بعد المعاهدة كما ذكرنا فقال: فقتل منهم سبعون رجلا غير من جرح، وخمسون من السبعين ضربت رقابهم صبرا بعد الأسر، وهؤلاء أول من قتلوا ظلما في الإسلام.
هذا الخبر إذا نقله مؤرخوكم لا يحز في نفوسكم ولكن إذا نقله أحد الشيعة وقال إن هذا العمل كان ظلما قبيحا من عائشة وأصحابها، تثور نفوسكم وتنفجر غيرتكم وتشتعل نيران التعصب فيكم، فترموننا بالكفر والضلالة وتبيحون لأتباعكم دماء الشيعة وأمولهم!!
الشيخ عبد السلام: لا يجوز عندنا التدخل في الحوادث التي جرت بين صحابة رسول الله (ص)، فإنا ننظر إليهم جميعا بعين الإكبار والاحترام، فإنهم وإن اختلفوا بينهم ولكن الكل كانوا يدعون إلى الله، ومن توجه منهم إلى خطئه وانحراف مسيره عن الحق، فقد تاب واستغفر مثل الزبير (رض) في البصرة وكذلك أم المؤمنين عائشة (رض) فإنها تبعت طلحة والزبير وأخذت بقولهما، ولكنها بعد ذلك عرفت بطلان كلامهما وأنهما أغرياها وحملاها معهما إلى البصرة، فاستغفرت وتابت، والله خير الغافرين، وهو يقبل التوبة من عباده وهو أرحم الراحمين.
قلت: أولا: قولك: فإنهم وإن اختلفوا بينهم ولكن الكل كانوا يدعون إلى الله. فهو مغالطة وكلام باطل...، لأن سبيل الله عز وجل واحد وصراط الحق واحد كما قال تعالى:
(وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(21).
وقال سبحانه: (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحانَ اللَّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(22).
ثانيا...
وأما قولك: بأن الزبير بعدما توجه إلى خطئه وانحرافه عن الحق تاب واستغفر. فأقول: نعم تاب ولكن لم يعمل بشرائط التوبة، فقد كان الواجب عليه أن يسعى في رد من أغراهم فيهديهم إلى الحق الذي عرفه في جانب الإمام علي (ع)، وكان يلزم أن ينضم هو أيضا تحت راية الحق وجيش أمير المؤمنين (ع) ولا ينعزل عن الميدان والمجاهدة.
وأما عائشة فإن عصيانها وذنبها معلوم لكل الناس، ولكن توبتها غير معلومة، وهي كذلك ما عملت بشرائط التوبة بل ارتكبت بعد ذلك أيضا أشياء تكشف عن حقدها وبغضها لآل رسول الله (ص) ثم أن قولك: والله خير الغافرين وهو يقبل التوبة من عباده وهو أرحم الراحمين.
كل ذلك صحيح ومقبول ولكن حفظت شيئا وغابت عنك أشياء، فقد قال سبحانه: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)(23).
وكلنا نعلم أن عائشة كانت عالمة غير جاهلة وكانت في خروجها على الإمام وقتالها لعلي (ع) عامدة غير ساهية، وقد نصحتها أم سلمة قرينتها ، ونحها الإمام علي (ع)، وكثير من الصحابة، أن لا تخرج من بيتها ولا تغتر بطلحة والزبير ومروان وأمثالهم، وقد حذرها رسول الله (ص) قبلهم، وأمرها الله عز وجل في كتابه بقوله: (وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأُْولى)(24) فما اعتنت بكل ذلك وخرجت وأحدثت ما أحدثت!! فكيف نحتم بأن الله سبحانه قبل توبتها وهي عالمة عامدة في المعصية؟!
ثالثا... قولك: بأن طلحة والزبير أغرياها وحملاها إلى البصرة ، وأنها عرفت بطلان كلامهما بعد ذلك... الخ فإن قولك هذا يكشف بأن الحديث الذي تروونه عن النبي (ص): " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " كذب وافتراء على رسول الله وهو حديث موضوع مجعول، لأن عائشة وآلاف المسلمين اقتدوا بطلحة والزبير وهما من كبار الصحابة وما اهتدوا بل ضلوا وخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين!!!
النواب: سيدنا المكرم! قلتم خلال كلامكم أن أم المؤمنين (رض) بعد توبتها من حرب الجمل أيضا ارتكبت أشياء تكشف عن حقدها وبغضها لآل النبي (ص) فلو سمحت، بين لنا تلك الأشياء بشكل واضح حتى نعرف واقع الأمر.

يوما على جمل... ويوما على بغل
قلت: مما لا شك فيه أن عائشة كانت امرأة غير هادئة وغير رزينة فقد قامت بحركات لا يقبلها الدين القويم ولا العقل السليم، وإن كل حركة من تلك الحركات تكفي في تسويد تاريخها بوصمات الذنب والمعصية، منها واقعة الجمل، وكلكم تقبلون أنها بعملها في البصرة خالفت الله ورسوله، وهي أيضا قد اعترفت بخطئها، ولكن تقولون أنها تابت واستغفرت، فإذا هي ندمت وتابت، كان اللازم عليها أن توالي آل البيت النبوي، ولكنها خرجت مرة أخرى وكشفت عن ضميرها الممتلئ عداوة لآل محمد (ص) وذلك يوم تشييع جنازة الإمام الحسن بن علي (ع) سبط رسول الله (ص) ومنعت من دفنه عند جده كما روى كثير من علمائكم، منهم العلامة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص 193، ط. بيروت، والعلامة ابن أبي الحديد في شرح النهج ج16 / 14، عن المدائني عن أبي هريرة، وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين / 74، وفي روضة الصفا لمحمد خاوند / ج2، قسم وفاة الحسن [ عليه السلام ]، وتاريخ ابن الأعثم الكوفي، وفي روضة المناظر ابن شحنة، وأبو الفداء إسماعيل في كتابه المختصر في أخبار البشر ج1 / 183 ط. مصر والعلامة المسعودي صاحب مروج الذهب، نقل في كتابه إثبات الوصية 136: أن ابن عباس قال لها ـ أي لعائشة ـ أ ما كفاك أن يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل ، يوما على جمل و يوم على بغل بارزة عن حجاب رسول الله (ص) تريدين إطفاء نور الله وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ـ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
ونقل بعض المحدثين أنه قال لها:
تجملت تبغلت وإن عشت تفيلتلك التسع من الثمن وفي الكل تصرفت


وأراد الهاشميون أن يجردوا السلاح لأن بني أمية تسلحوا أيضا ليمنعوا من دفن الحسن المجتبى (ع) عند جده رسول الله (ص) بأمر عائشة، ولكن الحسين (ع) تدارك الموقف فقال: الله الله يا بني هاشم لا تضيعوا وصية أخي واعدلوا به إلى البقيع، والله لولا عهد إلي أن لا أريق في أمره محجمة دم لدفنته عند جدنا رسول الله (ص) مهما بلغ الأمر! فدفنوه في البقيع(25).

فرحة عائشة لشهادة الإمام علي (ع)
وإذا كانت عائشة نادمة على خروجها وتابت من قتالها وحربها للإمام علي (ع)، فلماذا أظهرت الفرح حين وصلها خبر شهادة أمير المؤمنين (ع) وسجدت شكرا لله تعالى؟!
كما أن أب الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني، روى في كتابه مقاتل الطالبيين / 54 ـ 55 / باسناده إلى اسماعيل بن راشد وهو روى بالإسناد أيضا فقال: لما أتى عائشة نعي علي أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ تمثلت:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى‏كما قر عينا بالإياب المسافر


ثم قالت: فمن قتله؟ فقيل: رجل من مراد، فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه غـــــلام ليس في فيه التراب
فقالت زينب بنت أبي سلمة: أ لعلي تقولين هذا؟!
فقالت: فإذا نسيت فذكروني!!
ثم روى أبو الفرج بإسناده عن أبي البختري قال:
لما أن جاء عائشة قتل علي (ع) سجدت!!(26).
أيها الحاضرون! أيها العلماء! هل بعد هذا الخبر، تصدقون توبتها؟ أم تقبلون أنها كانت خفيفة العقل، وغير رزينة ولا متوازنة في سلوكها ومعاشرتها مع آل رسول الله (ص)؟!

تناقضات عائشة في عثمان
والغريب أنكم لا تنقدون أم المؤمنين عائشة لموقفها السلبي تجاه عثمان، وتأخذون عليها جملاتها وكلماتها الشنيعة في حقه حتى رمته بالكفر، ولكن تصبون جام غضبكم على الشيعة وترمونهم بالكفر والضلال إذا نسبوا عثمان إلى سوء التدبير والإجحاف، أو نسبوه إلى إتلاف بيت المال وسوء التصرف، وهم ينقلون كل ذلك من كتب أعلامكم وروى أكثر محدثيكم وأكبر مؤرخيكم أن عائشة كانت تألب الناس وتحرضهم على قتل عثمان، منهم المسعودي في كتابه أخبار الزمان، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / 64، ط. بيروت، وأعلام المؤرخين: مثل ابن جرير وابن عساكر وابن الأثير وغيرهم، ذكروا في أحداث قتل عثمان أن عائشة كانت تحرض على قتله بالجملة المشهورة عنها: اقتلوا نعثلا فقد كفر!!
وذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج6 / 215، ط. إحياء التراث قال: قال كل من صنف في السير والأخبار: أن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان، حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله (ص) فنصبته في منزلها، و كانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله (ص) لم يبل، و عثمان قد أبلى سنته! قالوا: أول من سمى عثمان نعثلا عائشة، و النعثل: الكثير شعر اللحية و الجسد، و كانت تقول: اقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا!!
قال: ورى المدائني في كتاب " الجمل " قال: لما قتل عثمان، كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بشراف، قال: بعد النعثل وسحقا!!
ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج6 صفحة 216 قال: وقد روي من طرق مختلفة أن عائشة لما بلغها قتل عثمان و هي بمكة، قالت: أبعده الله ! ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد!!
حينما تقرءون في التاريخ أن أم المؤمنين كانت تتفوه وتتكلم بهذه الجملات على عثمان، لا تحكمون بكفرها وضلالتها!! ولكن إذا سمعتم من شيعي يتكلم بأقل من هذا في عثمان، تكفروه وتأمرون بقتله!!
والجدير بالذكر أن أقوال عائشة في شأن عثمان متناقضة، فقد ذكر المؤرخون أنها لما سمعت بأن الناس يايعوا عليا بعد عثمان، غيرت كلامها وأظهرت بغضها وحقدها لعلي بن أبي طالب (ع) فقالت: لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا.. قتلوا ابن عثمان مظلوما!!
بالله عليكم فكروا في هذا التناقض البين، والتضارب الفاحش في كلام عائشة! أما يدل هذا التناقض والتضارب على عدم استقلاليتها؟ بل هو دليل ظاهر على تلونها وميولها مع أهوائها وتلبيتها لأغراضها النفسية، وإن النفس لأمارة بالسوء!
الشيخ عبدالسلام: نعم ذكر المؤرخون هذه التناقضات في سيرة أم المؤمنين (رض)، وهم ذكروا أيضا أنها ندمت وتابت واستغفرت، والله سبحانه وعد التائبين بقبول التوبة والجنة، ولذا نحن نعتقد أنها في أعلا درجات الجنان عند رسول الله (ص).
قلت: إن كلامك تكرار لمقالك السابق، وأنا لا أكرر كلامي، و جوابي لك، ولكن هل من المعقول أن الدماء التي سفكت في الجمل بسببها، والأموال التي نهبت بأمرها، والحرمات التي هتكت بنظرها.. تذهب أدراج الرياح، ولا يحاكمها الله على أعمالها؟!
أين إذا قول الله سبحانه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(27)؟!
صحيح أن الله عز وجل أرحم الراحمين، ولكن في موضع العفو والرحمة، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة.
ولا يخفى أن من شروط قبول التوبة، رد حقوق الناس وإرضائهم، فإن الله تعالى ربما يعفو عن حقه، ولكن لا يعفو عن حقوق الناس. وعائشة تابت بالقول واللسان، لا بالفعل والجنان، ولذلك ما كانت مطمئنة من قبول توبتها وغفران الله سبحانه لها وهي أعرف بنفسها، ولذا ذكر أكابر علمائكم مثل الحاكم في المستدرك ، وابن قتيبة في المعارف، والعلامة الزرندي في الأعلام بسيرة النبي (ص)، وكذلك ابن البيع النيسابوري، وغيرهم ذكروا أن عائشة أوصت إلى عبدالله بن الزبير وسائر محارمها فقالت: ادفنوني مع أخواتي بالبقيع فإني قد أحدثت أمورا بعد النبي (ص)!
أما قولكم بأنها نسيت بعض أحاديث الرسول الله (ص) في شأن الإمام علي (ع) وفضله ومناقبه، ونسيت تحذير النبي (ص) لها من خروجها على أمير المؤمنين ومحاربتها له (ع)، وبعدما وضعت الحرب أوزارها وانتهت المعركة بانتصار علي (ع) وجيشه وانكسار عائشة وجيشها، تذكرت أحاديث رسول الله (ص) وما سمعته من فمه المبارك في ذلك فتابت واستغفرت!!

أم سلمة تُذكّر عائشة
فقد روى كثير من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم خلاف ذلك منهم:
ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ج6/217، ط دار إحياء التراث العربي روى عن أبي مخنف ـ لوط بن يحيى الأزدي ـ قال: جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان...
فقالت أم سلمة: إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان و تقولين فيه أخبث القول، و ما كان اسمه عندك إلا نعثلا، و إنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله (ص) أ فأذكرك؟ قالت: نعم، قالت: أ تذكرين يوم أقبل (ص) و نحن معه ، حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال، خلا بعلي يناجيه فأطال، فأردت أن تهجمي عليهما ، فنهيتك... فعصيتني، فهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك؟ فقلت: إني هجمت عليهما و هما يتناجيان فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام، أ فما تدعني يا ابن أبي طالب و يومي!
فأقبل رسول الله (ص) علي و هو غضبان محمر الوجه، فقال: ارجعي وراءك! و الله لا يبغضه أحد من أهل بيتي و لا من غيرهم من الناس إلا و هو خارج من الإيمان!
فرجعت نادمة ساقطة! قالت عائشة: نعم أذكر ذلك.
ويتابع ابن أبي الحديد رواية أبي مخنف في تذكير أم سلمة لعائشة قالت: و أذكرك أيضا.. كنت أنا و أنت مع رسول الله (ص) و أنت تغسلين رأسه، و أنا أحيس له حيسا، و كان الحيس يعجبه، فرفع (ص) رأسه، و قال: يا ليت شعري، أيتكن صاحبة الجمل الأذنب، تنبحها كلاب الحوأب، فتكون ناكبة عن الصراط؟! فرفعت يدي من الحيس، فقلت: أعوذ بالله و برسوله من ذلك. ثم ضرب (ص) على ظهرك، و قال: إياك أن تكونيها!! إياك أن تكونيها يا حميراء! أما أنا فقد أنذرتك!
قالت عائشة: نعم أذكر هذا.
قالت: و أذكرك أيضا... كنت أنا و أنت مع رسول الله (ص) في سفر له و كان علي يتعاهد نعلي رسول الله (ص) فيخصفها، و يتعاهد أثوابه فيغسلها، فنقبت له نعل، فأخذها يومئذ يخصفها، و قعد في ظل سمرة، و جاء أبوك و معه عمر، فاستأذنا عليه (ص) فقمنا إلى الحجاب، و دخلا يحادثانه فيما أراد، ثم قالا: يا رسول الله! إنا لا ندري قدر ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا، ليكون لنا بعدك مفزعا.
فقال (ص) لهما: أما إني قد أرى مكانه، و لو فعلت لتفرقتم عنه ، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران.
فسكتا ثم خرجا، فلما خرجنا إلى رسول الله (ص) قلت له، و كنت أجرأ عليه (ص) منا: من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم؟
فقال (ص): خاصف النعل، فنظرنا فلم نر أحدا إلا عليا، فقلتِ: يا رسول الله، ما أرى إلا عليا. فقال: هو ذاك. فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك.
فقالت أم سلمة: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟!
فقالت: إنما أخرج للإصلاح بين الناس، و أرجو فيه الأجر إن شاء الله.
فقالت: أنت و رأيك، فانصرفت عائشة عنها.
أقول: فاعلموا أيها الحاضرون! عن عائشة ما كانت ناسية مكانة الإمام علي (ع) عند رسول الله (ص) ومنزلته منه، بل خرجت عالمة عامدة، ذاكرة للحق ، داعية للباطل، عازمة على الحرب والفتنة. وهدفها وغرضها إفساد الأمر على أبي الحسن أمير المؤمنين (سلام الله عليه)، وهي تعلم أنه أحق الناس بالأمر وأولاهم بالخلافة للنص الأخير الذي ذكرتها به أم سلمة (سلام الله عليها).
فإن حديث خاصف النعل الذي رواه كثير من أعلامكم بطرق عديدة صريح في تعيين رسول الله (ص) عليا للخلافة والإمامة.
لذلك نحن نعتقد بدليل هذا الحديث وعشرات الأحاديث الصحيحة من نوعه وبأدلة ثابتة من الكتاب الحكيم، بأن عليا (ع) هو الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله (ص)، وهو خليفته بلا فصل، ولكن مناوئيه وحاسديه غصبوا مقامه وأخروه بدسائس سياسية ومؤامرة شيطانية وعينوا أبا بكر للخلافة من غير نص ولا إجماع، فإن النزاع كان قائما في السقيفة من جراء ذلك جراء ذلك الانتصاب، وكلنا يعلم بأن سيد الخزرج سعد بن عبادة كان مخالفا لخلافة أبي بكر إلى آخر عمره وتبعه كثير من قومه. وكذلك الهاشميون كانوا مخالفين، وبعد خلافة أبي بكر جاء عمر بن الخطاب بانتصاب وتعيين من أبي بكر، فلا إجماع ولا شورى! وقد سبق أن بينا مخالفة طلحة وجمع آخر من الصحابة لتعيين عمر وانتصابه للخلافة، وأما عمر فقد أبدع طريقا آخر لتعيين خليفته ، إذ عين ستة نفر من الصحابة فيهم علي (ع) وعثمان، وأمر أن يختاروا من بينهم أحدهم ، فإذا لم يتم الوفاق على أحد منهم خلال ثلاثة أيام، أصدر حكم إعدامهم وقتلهم!! وقد آل الأمر إلى عثمان.
فنحن نعتقد أن هذه الطرق المتناقضة في تعيين الخلفاء الثلاثة، قبل الإمام علي (ع)، كلها طرق غير مشروعة ما سنها الله ولا رسوله لأنا لو فرضنا بأن النبي (ص) قال: " لا تجتمع أمتي على خطأ " فلم يلحظ إجماع الأمة في هذه الطرق الثلاثة، ولكن خلافة الإمام علي (ع) امتازت بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة.
الشيخ عبد السلام: لا شك أن الإجماع حصل على خلافة أبي بكر بالتدريج، ونحن نقبل بأن الإجماع ما حصل في السقيفة ولكن بعدها دخل الناس كلهم في طاعة أبي بكر (رض) وحتى الهاشميين بما فيهم علي والعباس بايعوا بعد وفاة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها).
قلت: أولا.. فاطمة الزهراء (ع) وهي سيدة نساء المسلمين بإجماع الأمة، ما بايعت لابي بكر بل ماتت وهي ساخطة وناقمة عليه كما مر في المجالس السابقة، كما وقد أيضا في المجالس السابقة بأن سيد الخزرج سعد بن عبادة ما بايع أبا بكر إلى أن قتل غيلة. وهذا يكفي لبطلان الإجماع الذي تدعونه.
ثانيا: لقد أثبتنا في المجالس السالفة أن بيعة كثير من المسلمين في المدينة كانت بالجبر والإكراه لا عن الطوع والرضا، وهذا خلاف شرط صحة الإجماع.
ثم لو فرضنا تصحيح خلافة أبي بكر بالإجماع المزعوم، فكيف تصححون خلافة عمر الذي عينه أبو بكر بوصية منه كتبها عثمان؟!
الشيخ عبد السلام: بديهي بأن قول أبي بكر في تعيين عمر بن الخطاب بالخلافة أيضا مستند على إجماع الأمة،لأنهم اجمعوا على طاعته وقبول رأيه، وكان من رأيه تعيين عمر للخلافة بعده.
قلت: أولا.. إن كان كذلك، فلماذا ما أطعتم رسول الله (ص) في تعيين خليفته، وهو قد عين عليا وصرح به مرات وكرات من يوم الإنذار إلى يوم الغدير وما بعده، ولكنكم ترفضونه بحجة أن اختيار الخليفة وانتخابه من حق الأمة وأن نصوص النبي (ص) في علي بن أبي طالب كانت إرشادية، هذا مع أنه (ص) كان دائما يحذر الناس من مخالفة أمره ومخالفة الإمام علي (ع)، حتى أننا نرى في بعض الأحاديث المروية عنه (ص) في كتبكم، يصرح بأن مخالفة علي كفر، وبغضه نفاق، وطاعته إيمان.
ثانيا: بأي دليل عقلي أو نقلي تقولون بأن قول الفرد المنصوب بالإجماع، لا سيما في تعيين خليفته، يكون قوله لازما وماضيا على الناس! فإن هذا الأمر يخالف سيرة أهل العالم لا سيما العقلاء منهم. ولكي تعرفوا ذلك فطالعوا الكتب المدونة في قوانين الدول والانتخابات.
ثالثا: إن كان كلامكم صحيحا، فلماذا لم يعمل عمر بن الخطاب على ما خطه أبو بكر، بل قام بإبداع طريقة جديدة تخالف مبنى وأساس خلافته وخلافة أبي بكر من قبله. فإن الشورى الذي شكله عمر من ستة أفراد، لا يشابه مجالس الشورى البشرية، ولا يشابه الإنتخابات الجمهورية، بل أقرب ما يكون إلى الاستبداد والديكتاتورية.
وهنا شاط الشيخ عبد السلام ولاح الغضب في وجهه فصاح:
نحن لا نسمح لكم بهذا الكلام، والمس من شخصية الفاروق، إلا أن تأتوننا بدليل وبرهان.
قلت: ما ذكره المؤرخون في وصية عمر لأبي طلحة الأنصاري في تشكيل ورجحان الكفة التي فيها عبد الرحمن بن عوف دليل ساطع وبرهان لامع على ما قلنا ، لأنه كان يعرف أن عبد الرحمن بن عوف يميل إلى عثمان وأن سعد بن أبي وقاص حاقد على أبي الحسن وحاسد له، فلا يميل إلى جانبه (ع)، فضمن عمر خلافة عثمان بهذه السياسة والكياسة وسماها شورى وما هي بشورى(28)!

شورى أم دكتاتورية!!
ولنا أن نعترض على حكم عمر وتفويضه الأمر النهائي إلى عبد الرحمن بن عوف، ونتساءل: بأي ملاك وعلى أي استناد شرعي وعرفي وعقلي ونظري يكون رأي ابن عوف مقدما على رأي الآخرين وأصوب؟ وكيف يكون رأي الثلاثة الذين فيهم ابن عوف نافذا، والثلاثة الأخرى إن لم توافق فمصيرهم القتل والإعدام؟!
ومن دواعي التعجب والاستغراب، تقديم رأي عبد الرحمن بن عوف على رأي أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع) في مثل هذا الأمر، مع روايتهم حديث رسول الله (ص): علي مع الحق والحق مع علي.
وقوله (ص): علي فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل.
وقد روى الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء، والطبراني في الأوسط، وابن عساكر في تاريخه، والعلامة الكنجي في كفاية الطالب، والمحب الطبري في الرياض النضرة، والحمويني في فرائد السمطين، وابن أبي الحديد في شرح النهج، والسيوطي في الدر المنثور، عن ابن عباس، وسلمان، وابي ذر ، وحذيفة، أن النبي (ص) قال: ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنه أول من يصافحني يوم القيامة، و هو الصديق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق و الباطل و هو يعسوب المؤمنين(29).
وقال (ص) في حديث مشهور لعمار بن ياسر ـ ونقلته لكم بإسناده وذكرت مصادره من كتبكم في الليالي الماضية ـ قال (ص): يا عمار! إن سلك الناس كلهم واديا و سلك علي وحده واديا، فاتبع عليا و خل عن الناس، يا عمار! علي لا يردك عن هدى، و لا يدلك على ردى يا عمار! طاعة علي طاعتي، و طاعتي طاعة الله.
مع هذا كله يقدم عمر عبد الرحمن بن عوف على الإمام علي (ع) ويقدم رأيه على رأي أمير المؤمنين سلام الله عليه، وهذا من الفحش الظلم في حق الإمام أبي الحسن (ع).
كل عاقل منصف، له أدنى إلمام بأمور الدولة والسياسة، يعرف سريرة عمر وغرضه من هذا الأمر، وهو الإطاحة بعلي (ع) وخذلانه والسعي لتنزيل مقامه الشامخ، ومكانه العلي.
وكل من له إطلاع وباع في كتب الرجال والأصحاب من قبيل الإصابة والاستيعاب، وحلية الأولياء وأمثالها، يعرف جيدا أن عليا (ع) لا يقاس بعبد الرحمن ، وأعلا من سائر أعضاء الشورى في الفضل والمناقب وفي المنزلة والمقام، وأنتم أيها الحاضرون!
راجعوا كتب الحديث والتواريخ والمناقب وطالعوها وأنصفوا وفكروا ثم احكموا في رأي عمر وتعيينه عبد الرحمن حكما في الشورى، وترجيح رأيه على الآخرين بما فيهم علي بن أبي طالب (ع)!
والله ما كانت الشورى العمرية إلا لعبة سياسية ومؤامرة تحزبية من مناوئي الإمام علي (ع) ومخالفيه، ليحرموه عن حقه ويبعدوه من مقامه للمرة الثالثة!!
فالخلفاء " الراشدون عندكم " نالوا الخلافة وتوصلوا إليها بأربعة طرق، كل واحد منهم وصل إلى الخلافة بشكل خاص وطريقة تخصه، فلا ندري أي طريقة منها وأي شكل من الأشكال مراد الله سبحانه ومقتضى شريعته ودينه! فإن تعينوا شكلا واحدا، فالأشكال الأخرى باطلة، وإن تقولوا: كل هذه الطرق والأشكال صحيحة وشرعية، نعرف أنكم لا تلتزمون لتعيين الخليفة والحاكم الشرعي، بطريق ثابت وقانون معين معلوم.
وأنتم الحاضرون ولا سيما العلماء الكرام، إذا تركتم التعصب والانحياز إلى مذهب أسلافكم ومعتقد آبائكم، ونظرتم إلى الحوادث والقضايا بعين الإنصاف والعدالة، وبنظر التحقيق والدلالة، لعرفتم أن الحق غير ما تلتزمون به وتعتقدونه.
الشيخ عبد السلام: نعم ولكن لو أمعنا النظر وتعمقنا في الموضوع على أساس بيانكم وغرار كلامكم، فإن خلافة سيدنا علي بن أبي طالب تتزلزل أيضا، لأن الناس نصبوه للخلافة وبايعوه هم الذين بايعوا من قبله من الخلفاء الثلاثة الراشدين ، ولا فرق بينه وبينهم.

خلافة الإمام علي عليه السلام منصوصة
قلت: هذا الإشكال يرد على من يعتقد بأن خلافة الإمام علي (ع) ومشروعيتها لإجماع الناس في المدينة بعد مقتل عثمان على خلافة الإمام وبيعتهم له، ولكنا نعتقد بالدليل والبرهان أن خلافة الإمام علي (ع) منصوصة من الله سبحانه بالأحاديث المكررة من رسول الله (ص)، وهو الخليفة الشرعي بعد رسول الله (ص) مباشرة وإن غصبوا حقه وأزالوه عن مقامه طيلة سنين عديدة. وحيث لم يجد أعوانا وأنصارا لإحقاق حقه، أمسى جليس الدار صابرا محتسبا، حتى أجمع الناس على بيعته بعد مقتل عثمان وألحوا وأصروا عليه، فقبل منهم البيعة وتعهد إدارة أمور المسلمين.
وقد بينا في المجالس السابقة وذكرنا لكم النصوص المروية في كتبكم ومسانيدكم المعتبرة، في تعيين النبي (ص) عليا خليفته على الأمة، وإن نسيتم حديثنا في موضوع الغدير وإمامة علي (ع) وخلافته، فراجعوا الصحف والمجلات التي نشرت حوارنا ومجالسنا السابقة، فقد استدللنا وأثبتنا ولاية علي (ع) وخلافته الشرعية بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وإضافة إلى تواترها في كتب الشيعة فقد ذكرنا عشرات المصادر لها من كتب أعلامكم ومسانيد علمائكم، فالأحاديث التي ذكرناها في إثبات ولاية الإمام علي (ع) وخلافته متفق عليها وصحيحة بإجماع الشيعة والسنة.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:42 AM


ولكن لا يوجد حتى حديث واحد متفق على صحته بين الفريقين في ولاية وخلافة الثلاثة قبل الإمام علي (ع)، أو في خلافة أحد الأمويين والعباسيين.
الشيخ عبد السلام: لقد ورد عندنا عن رسول الله (ص) أنه قال: أبو بكر خليفتي في أمتي.
قلت: أولا... هذا الحديث غير مقبول عندنا ولم يروه أحد من علماء الشيعة، فضار غير متفق عليه.
ثانيا: لقد ذكرنا أقوال بعض أعلامكم في بطلان الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر ومناقبه، وإضافة على ما مضى أنقل لكم قول أحد كبار علمائكم ومشاهير أعلامكم، وهو الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي صاحب كتاب القاموس في اللغة، قال في كتابه " سفر السعادة ": إن ما ورد في فضائل أبي بكر، فهي من المفتريات التي يهد بديهة العقل بكذبها.

خلافة علي (ع) أقرب إلى الإجماع من خلافة غيره
ولا يخفى على من تدبر في تاريخ الخلافة، أن خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) كانت أقرب إلى الإجماع من خلافة الثلاثة قبله، والذين استولوا على الخلافة بعده من الأمويين والعباسيين.
فقد بينا عدم تحقق الإجماع في الخلفاء الذين تولوا الأمر قبل الإمام علي (ع) وكذلك الذين جاءوا بعده، فلم يتحقق إجماع الأمة لأحدهم، والتاريخ يشهد على ذلك ولكن تحقق للإمام علي (ع) ما يقرب من الإجماع، فإن الذين بايعوه بعد مقتل عثمان كانوا عامة أهل المدينة إلا من شذ، وهم أقل من عدد الأصابع، وإضافة على أهل المدينة، فقد بايعه جمع كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا يتوبون عن أهل بلادهم وقومهم، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة، فقد بايعه جمع كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا ينوبون عن أهل بلادهم وقومهم، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة المنورة، ليعزلوا عثمان عن الخلافة، أو يصلحوه ويصلحوا شأنه ودولته. فلما قتل عثمان، أجمعوا على بيعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
ولا يخفى أن المجتمعين يومئذ في المدينة المنورة، والذين أجمعوا على بيعة الإمام علي (ع)، كانوا زعماء القوم وأهل الحل والعقد في أمصارهم وشيوخ أهل بلدانهم.
والجدير بالذكر، أننا مع تحقق هذا الأمر ـ الذي كان أقرب شيء إلى الإجماع ـ لم نجعله دليلا على خلافة الإمام علي (ع).
وإنما الدليل الثابت عندنا والبرهان المثبت لخلافة مولانا وسيدنا الإمام علي (ع) هو النص الإلهي في القرآن الحكيم وصريح حديث النبي الكريم (ص)، وهو مطابق لسيرة جميع الرسل والأنبياء الذين كانوا يعينون أوصياءهم وخلفاءهم بأمر الله سبحانه.
ثالثا: قلتم لا فرق بين أبي الحسن أمير المؤمنين وبين الخلفاء قبله. فلا أدري هل تنطقون بهذا الكلام عن جهل أو تجاهل؟ لأن الأدلة العقلية والنقلية والشواهد التاريخية والحسية كلها قائمة على أن عليا (ع) يمتاز عن الخلفاء بل عن كل البشر. فلا يقاس به أحد.

امتيازات الإمام علي (ع)
كل من يطالع تاريخ حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من حين ولادته في بطن الكعبة، إلى استشهاده في سبيل الله في حال العبادة والصلاة في وسط المحراب في مسجد الكوفة، وينظر بنظر التحقيق والتدقيق في جهاده ومواقفه، وفي خطبه وكلماته، وفي حركاته وسكناته، وفي خوضه الحوادث وانزوائه...، لا يشك في أنه (ع) كان شخصية متميزة وفريدة ومن نوادر التاريخ وأعظم نوابغ البشر، لذلك نرى جميع المسلمين وأكثر أعلامكم وكبار علمائكم إلا من شد ـ وهم من الخوارج والنواصب من الأمويين والبكريين ـ قالوا: بأفضليته ممن سواه بعد رسول الله (ص)، وذلك استنادا إلى الحديث الشريف المروي عن النبي (ص) في حقه أنقله لكم مضافا إلى ما رويته من كتب أعلامكم في الليالي الماضية في فضائله ومناقبه (ع).
روى أحمد بن حنبل في مسنده، والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب، والعلامة الهمداني في مودة القربى، والحافظ أبو بكر البيهقي في السنن وغيرهم عن طرق شتى وعبارات متفاوتة في الألفاظ والمعنى واحد، عن النبي (ص) قال: علي أعلمكم وأفضلكم وأقضاكم والراد عليه كالراد علي، والراد كالراد على الله، وهو على حد الشرك بالله.
وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة / بعد ذكره أقوال المشاهير تحت عنوان (القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة، في الإمامة والتفضيل ) قال: و أما نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون، من تفضيله (ع) و قد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل و هل المراد به الأكثر ثوابا أو الأجمع لمزايا الفضل و الخلال الحميدة؟ و بينا أنه (ع) أفضل على التفسيرين معا.
وهنا ارتفع صوت المؤذن لصلاة العشاء، وبعد الفراغ من الصلاة، شربنا الشاي، وتناولنا الفاكهة، ثم شرعنا في الحديث:

أصول الفضل والكمال
قلت: تعقيبا لكلام ابن أبي الحديد، أطرح عليكم هذا السؤال: ما هي رؤوس الفضل وأصول الكمال عندكم؟؟
الشيخ عبدالسلام: ـ بعد أن أطرق برأسه مليا، رفعها وقال ـ: هي كثيرة ولكن أهمها بعد الإيمان بالله وبرسوله، النسب الطاهر وطيب المولد والمنبت ، والعلم والتقوى.
قلت: أحسنت يا شيخ، فلنبحث في هذه الأمور التي أشرت إليها ونحن نوافقكم على أن هذه من أمهات الفضائل والكمالات البشرية. ولا ننكر أن بعض الصحابة كانت فيهم خصائص وخصال حميدة، ولكن من كان جامعا لهذه الصفات الثلاثة التي أشرتم إليها بأنها أمهات الفضائل وأصول الكمال، فهو أفضلهم وأكملهم، وبحكم العقل والعقلاء يكون أحق بالخلافة من سائر الصحابة.

طهارة نسب ومولد الإمام علي (ع)
أما في النسب والمولد فلا يشك أحد بأن الإمام علي (ع) أشرف الصحابة في النسب، وأفضلهم في المولد والمنبت، لأنه يساوي النبي الأكرم (ص) في ذلك (30)، فأما النسب فواضح، وأما المنبت فقد ذكر المؤرخون كلهم أن النبي (ص) بعد وفاة جده عبد المطلب، انتقل إلى بيت أبي طالب وكان عمره الشريف يومئذ ثمان سنين، فتكفله عمه ورعاه أتم وأجمل رعاية.
فكما حارت العقول في شخصية النبي (ص) وحقيقته، بهرت العقول أيضا في شخصية علي وحقيقته، حتى أن المتعصبين من أعلامكم مثل علاء الدين القوشجي، والجاحظ وهو يعد من النواصب، وسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، وغيرهم قالوا: إننا حيارى ولا ندري كيف نفسر كلام علي بن أبي طالب إذ يقول: نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد.
وقال (ع) أيضا في الخطبة الثانية من نهج البلاغة:
لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (ص) مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي‏ءُ الْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ، الآْنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ(31).
واعلموا أن اعتقاد كثير من كبار علماء السنة وأعلامهم في الإمام (ع) هو كذلك.
فقد روى العلامة الهمداني في كتابه مودة القربى / المودة السابعة عن أبي وائل عن ابن عمر (رض) قال: كنا إذا عددنا أصحاب النبي (ص) قلنا أبو بكر وعمر وعثمان. فقال [له] رجل: يا أبا عبدالرحمن، فعلي ما هو؟ قال: علي من أهل البيت لا يقاس به أحد هو مع رسول الله (ص) في درجته.
وروى العلامة الهمداني أيضا عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي عن التفضيل فقال: أبو بكر وعمر وعثمان، ثم سكت. فقلت: يا أبت أين علي بن أبي طالب؟ فقال هو من أهل البيت، لا يقاس به هؤلاء.
أقول والذي يدل على أن هؤلاء وغيرهم من الصحابة لا يقاسون به، أنه (ع) كرسول الله (ص) خلق في عالم الأنوار قبل أن يظهر في عالم الأكدار، والفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض.

النبي (ص) وعلي (ع) من نور واحد
روى جماعة من الأعلام والحفاظ من علمائكم، منهم أحمد بن حنبل في المسند، والشيخ محمد بن طلحة العدوي القرشي في كتاب مطالب السئول، والحافظ ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم 130 / بسنده عن النبي (ص) قال : كنت أنا و علي نورا بين يدي الله من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله تعالى آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل في نور واحد حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففي النبوة وفي علي الخلافة.
وقد فتح العلامة الهمداني باب في كتابه مودة القربى بعنوان / المودة الثامنة في أن رسول (ص) وعليا من نور واحد، وأعطي علي من الخصال ما لم يعط أحد من العالمين.
فنقل أخبار كثيرة عن رسول الله (ص) بطرق شتى، منها ما رواه عن عثمان بن عفان عن النبي (ص) قال: خلقت أنا و علي نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله تعالى آدم ركب ذلك النور في صلبه، فلم يزل شيئا واحدا حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففي النبوة وفي علي الوصية.
وروى أيضا عن علي (ع) قال: قال رسول الله (ص): يا علي! خلقني الله وخلقك من نوره، فلما خلق آدم (ع) أودع ذلك النور في صلبه، فلم نزل أنا وأنت شيئا واحدا ثم افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففي النبوة وفي علي الوصية والإمامة.
ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج9 / 171 ط. دار إحياء التراث / الخبر الرابع عشر: " كنت أنا و علي نورا بين يدي الله قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر آلاف عام، فلما خلق آدم قسم ذلك فيه وجعله جزءين، جزء أنا و جزء علي " قال ابن أبي الحديد: رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل علي (ع)، وذكره صاحب كتاب الفردوس، وزاد فيه: ثم " انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب، فكان لي النبوة ولعلي الوصية ".
وروى الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودة في الباب الأول روايات كثيرة في الموضوع عن جمع الفوائد، ومناقب ابن المغازلي وعن الفردوس للدليمي وفرائد السمطين للحمويني ومناقب الخوارزمي نعم روى المؤيد الخوارزمي في الفصل الرابع من كتابه المناقب وأيضا في الفصل الرابع من كتابه مقتل الحسين (ع) روايات شتى في الموضوع.
وكذلك روى في الموضوع سبط ابن الجوزي في التذكرة / 50 ط. مؤسسة أهل البيت بيروت، وابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة، والعلامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب / الباب 87 نقل عن محدث الشام ابن عساكر وعن محدث العراق وعن معجم الطبراني بإسنادهم بطرق شتى وعنوانه (الباب السابع والثمانون: في أن عليا خلق من نور النبي (ص)) وحيث أن الروايات في الموضوع منقولة بألفاظ شتى وكلمات مختلفة والمعنى واحد، فأقول: ربما صارت الروايات من رسول الله (ص) في بيان هذا الموضوع كرات ومرات عديدة لأهميته.

أجداد الإمام علي (ع) وآباؤه مؤمنون
ولقد ثبت أن أجداد الإمام علي (ع) كلهم كانوا مؤمنين ولم يشركوا بالله طرفة عين، فأن الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة التي حملته وتناقلته هي الأصلاب والأرحام التي حملت رسول الله (ص) وقد طهرها الباري عز وجل من درن الشرك وأقذار الجاهلية، فهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميس بن نبت بن سلامان بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله بن تارخ بن تاحور بن شاروع بن أرغو بن تالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوه بن بارد بن مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ابي البشر(ع) هؤلاء كلهم كانوا مؤمنين بالله تعالى، يعبدونه ولا يشركون به شيئا.
الشيخ عبد السلام: ولكن القرآن الحكيم يصرح بخلاف هذا الكلام، فقد قال تعالى في سورة الأنعام آية 74: (وَ إِذْ قالَ إبراهيم لابيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

آزر عم إبراهيم (ع)
قلت: كلام الشيخ واصل إليه من أسلافه، وهم لما رأوا نسب شيوخهم وزعمائهم من الصحابة ينتهي إلى الكفر والشرك، أرادوا دفع هذا النقص ورفع العيب عنهم، فتفوهوا بهذا الكلام وعابوا على خير الأنام، وقال بأن آزر أبا إبراهيم الخليل كان يعبد صنما، وكلكم تعلمون أن علماء الأنساب أجمعوا على أن والد إبراهيم الخليل (ع) كان تارخ، وآزر كان عمه.
الشيخ عبد السلام ـ متعجبا ـ: إنكم تقابلون القرآن الحكيم بكلام علما الأنساب!! فإن الله سبحانه يصرح بأن آزر أبا إبراهيم كان يعبد الأصنام ونحن نأخذ بظاهر القرآن ونترك قول من خالفه، لأن الظاهر نص وخلافه اجتهاد.
قلت: نحن لا نجتهد في مقابل النص، وإنما نقابل النص بالنص ونستخرج المعنى المعقول المفهوم من النصين، فإن القرآن في كثير من الأمور يفسر بعضه بعضا. وما اشتبه علينا تفسيره فنرجع به إلى قول العترة الهادية الذين عينهم رسول الله (ص) لذلك إذ قال: إني تارك فكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
وهم قالوا بأن آزر كان عم إبراهيم الخليل، فلما توفي تارخ والد إبراهيم، تزوجت أمه بآزر، فكان إبراهيم يناديه بالأب، وهو شيء شائع في العرف.
الشيخ عبدالسلام: نحن لا نترك ظاهر الآية الشريفة: (وَ إِذْ قالَ إبراهيم لأبيهِ آزَرَ) إلا أن تأتوا بآية من القرآن الحكيم تفسر كلمة الأب بالعم، وهذا لا يوجد في القرآن.
قلت: لا تنفي ذلك، لأن علمك ناقص بمفاهيم القرآن الحكيم، وما تجهله من هذا الكتاب العظيم أكثر مما تعلمه.
ولكي يتضح لك أن كلمة الأب جاءت بمعنى العم في القرآن الحكيم، فراجع سورة البقرة / الآية 133 في قوله تعالى: (إِذْ قال(32) لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إبراهيم وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً).
الشاهد والدليل في الآية " إسماعيل " لأنه كان عم يعقوب وإسحاق هو أبو يعقوب. ولكن أولاد يعقوب عدوا إسماعيل أبا ليعقوب في عداد أبويه إبراهيم وإسحاق.

دليل آخر
وعندنا دليل آخر من القرآن الحكيم في أن آباء النبي (ص) كلهم كانوا مؤمنين بالله يسجدون له وحده ويعبدونه إلها واحدا وهو قوله تعالى مخاطبا لنبيه (ص): (وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(33) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع لمودة / الباب الثاني / وغيره أيضا من علمائكم رووا عن ابن عباس حبر الأمة وهو من تعلمون مقامه من المفسرين ، قال: أي تقلبه (ص) من أصلاب الموحدين، نبي إلى نبي، حتى أخرجه الله من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم.
وروى العلامة القندوزي حديثا آخر في الباب ورواه أيضا جمع من علمائكم منهم الثعلبي في تفسيره، عن رسول الله (ص) قال: أهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام المطهرة حتى أخرجني من بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قط.
وفي رواية أخرى قال (ص): لم يدنسني بدنس الجاهلية.
وروى القندوزي أيضا في الباب الثاني قال: وفي كتاب أبكار الأفكار للشيخ صلاح الدين بن زين الدين الشهير بابن الصلاح (قدس سره) قال جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) سألت رسول الله (ص) عن أول شيء خلقه الله تعالى، قال (ص): هو نور نبيك يا جابر ـ والرواية مفصلة وطويلة لا مجال لذكرها كلها، وجاء في آخرها : وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب، ومن طاهر إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد المطلب، ومنه أوصله الله إلى رحم أمي آمنة، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين، ومبعوثا إلى كافة الناس أجمعين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين، هذا كان بدء خلق نبيك يا جابر.
ثم قال القندوزي: وفي شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر روى الحديث المذكور عن جابر بن عبد الله أيضا إلى آخره.
فقوله (ص): وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب، ومن طاهر إلى طاهر، دليل على أنهم كانوا مؤمنين بالله وموحدين له. فبرأهم الله تعالى من الكفر والشرك، إذ يقول الله سبحانه: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(34).
وكذلك روى القندوزي في الباب الثاني من ينابيع المودة عن ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال: ما ولدني في سفاح الجاهلية شيء وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام.
وفي نهج البلاغة / خطبة رقم 94 يصف بها الأنبياء الكرام لا سيما خاتمهم وسيدهم، فقال:... فاستودعهم في أفضل مستودع و أقرهم في خير مستقر. تناسختهم [ تناسلتهم ] كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام... حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد (ص) فأخرجه من أفضل المعادن منبتا، و أعز الأرومات مغرسا، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه و انتجب منها أمناءه.
ولو أردنا جمع الأخبار والروايات الواردة عن طرقنا وطرقكم لبلغ مجلدا ضخما، ولكن في المنقول كفاية لمن أراد الهداية واتباع الحق، فإن الحق الذي يظهر من هذه الروايات والآيات يدل على أن آباء النبي (ص) وأجداده كانوا موحدين لله سبحانه مؤمنين به عز وجل، ومنه يثبت هذا الأمر لعلي بن ابي طالب (ع) أيضا، لأنهما صلوات الله عليهما وآلهما من شجرة واحدة ونور واحد، كما تواتر عن طرق الشيعة ورواه أيضا كثير من أعلامكم وكبار علمائكم أن النبي (ص) قال: أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى.
وقال (ص): خلقت أنا وعلي من نور واحد.. الخ، وقد ذكر بعض مصادره من كتب أعلامكم.
فبحكم العقل ورأي العقلاء، فإن علي بن أبي طالب (ع) أحق من غيره بخلافة النبي (ص) لأنه أقرب الناس إليه في المقام والمنزلة، مع هذه المشابهات والمقارنات بينهما عليهما السلام(35).
الشيخ عبد السلام: إذا أثبتم بهذه الأدلة أن آباء النبي (ص) من عبد الله إلى آدم كلهم كانوا مؤمنين بالله سبحانه فيتعين ذلك فيه ويكون من خصائصه، فلا تشمل الأدلة والد علي كرم الله وجهه، فقد ثبت أن أبا طالب مات مشركا ولم يؤمن بالله سبحانه.

إيمان ابي طالب عليه السلام
قلت: نعم.. لقد اختلف المؤرخون في إيمان أبي طالب (ع) ولكن المحقق المنصف يعرف إن القول بكفر أبي طالب وشركه صادر من أعداء الإمام علي (ع) ومناوئيه من الخوارج والنواصب، أرادوا بذلك الحط من كرامة الإمام علي (ع)، وتنزيل مقامه المنيع، وتقليل شأنه الرفيع.
ثم إن بعض الأعلام قد نقلوا هذا الخبر من غير تحقيق وتدبر، وتناقله آخرون من كتاب إلى كتاب بغير تعمق وتفكر، حتى آل اليوم إليكم، وأنتم تنقلونه وترسلونه إرسال المسلمات، ولو كنتم تتدبرون في الأخبار، وتنقلون الروايات بعد التحقيق، مما تفوهتم بهذا الكلام، وما قلتم إن أبا طالب (ع) مات مشركا إذ أن جمهور علماء الشيعة وأهل البيت (ع) الذين جعلهم النبي (ص) أعلام الهداية وعدل القرآن الحكيم، وكذلك كثير من أعلامكم مثل ابن أبي الحديد، وجلال الدين السيوطي، وأبي القاسم البلخي، والعلامة أبي جعفر الإسكافي، وآخرين من أعلام المعتزلة، والعلامة الهمداني الشافعي، وابن الأثير، وغيره ذهبوا إلى أن أبا طالب عليه السلام أسلم في حياته واعتنق الدين الحنيف ومات مؤمنا، بل اعتقاد الشيعة في أبي طالب (ع) انه آمن بالنبي (ص) في أول الأمر، وأما إيمانه بالله سبحانه كان فطريا ولم يكفر بالله طرفة عين، وكما في الأخبار المروية عن أعلام العترة وأهل البيت (ع) ، أنه لم يعبد صنما قط، وكان على دين إبراهيم الخليل (ع) وهو يعد من أوصيائه.
وأما قول أعلامكم ومؤرخيكم وعلمائكم المحققين منهم أنه أسلم، فقد قال ابن الأثير في كتاب جامع الأصول: وما أسلم من أعمام النبي غير حمزة والعباس وأبي طالب عند أهل البيت (ع).
ومن الواضح أن إجماع أهل البيت (ع) مقبول عند المسلمين ولا يحق لمؤمن أن يرده، لأن النبي (ص) جعلهم عدل القرآن، وارجع إليهم المسلمين في الأمور التي يختلفون فيها، وجعل قولهم الفصل والحجة والحق، وقال (ص): ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا. فجعل كلام الله وأهل البيت أمانا من التيه والضلال.
وعلى القاعدة المشهورة: أهل البيت أدرى بما في البيت، فهم أعلم بحال آبائهم وتاريخ حياة أسلافهم.
فالغرابة والعجب منكم إذ تتركون قول أهل البيت الطيبين (ع)، وتتركون قول أمير المؤمنين وسيد الصديقين والصادقين الذي شهد الله ورسوله بصدقه وتقواه، ثم تأخذون كلام المغيرة بن شعبة الفاجر وتصدقون بني أمية والخوارج والنواصب، المخالفين والمناوئين للإمام علي (ع)، الذين دعاهم الحقد والحسد، إلى جعل الأخبار والروايات الموضوعة، للحط من كرامة الإمام علي (ع) وتصغير شخصيته العظيمة، وللأسف إنكم تتمسكون بتلك الأخبار الموضوعة من غير تدبر وتحقيق، وترسلونها إرسال المسلمات، وتؤكدون على صحتها بغير علم أتاكم.
قال ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة ج14/65، ط دار إحياء التراث العربي:
و اختلف الناس في إيمان أبي طالب، فقالت الإمامية و أكثر الزيدية: ما مات إلا مسلما. و قال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي و أبو جعفر الإسكافي و غيرهما.
أقول: والمشهور عندنا أنه ما تظاهر بالإسلام بل أخفى ذلك ليتمكن من نصرة رسول الله (ص) والذب عنه، فإن المشركين من أهل مكة وقريش، كانوا يراعون ذمته ويقفون عند حدهم إذا نظروا إليه، فكانوا يهابون، ويعظمون جانبه إذ كانوا يحسبوه منهم.
الشيخ عبد السلام: أما سمعتم الحديث المروي عن النبي (ص) في عمه أنه قال: إن أبا طالب في ضحضاح من نار.
قلت: هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث المروية في كتبكم، موضوع وكذب وافتراء على النبي الكريم (ص). فلا يخفى على المحقق البصير، والمنصف الخبير، أن هذا الحديث وما شاكله مجعول وموضوع افتراه أعداء محمد وآل محمد (ع)، وذلك في عهد الأمويين وخاصة معاوية بن أبي سفيان الذي خصص أموالا طائلة لهذا الغرض الإلحادي. ولو عرفتم راوي هذا الخبر وفسقه وفجوره، ما شككتم في كذبه وافترائه وعدم صحة أخباره.
فإن الراوي هو المغيرة بن شعبة، من ألد أعداء الإمام علي (ع) وهو الذي اتهم بالزنا في البصرة وشهد عليه ثلاثة من الشهود عند عمر، ولما أراد الرابع أداء الشهادة، قاطعه عمر بجملة فأبى الرابع من أدائها، فخلص المغيرة، وأقام الحد على الشهود(36).
ثم نجد في رواته، عبد الملك بن عمير، وعبد العزيز الراوردي، وسفيان الثوري، الذين عدهم علماؤكم المتخصصين بعلم الرجال في الجرح والتعديل، مثل الذهبي في ميزان الاعتدال: ج2/ عدهم من الضعفاء ورد رواياتهم، بل عد سفيان الثوري من المدلسين الكذابين.
فلا أدري كيف تعتمدون على رواية أولئك الكذابين الوضاعين؟!

الدلائل والشواهد على إيمان أبي طالب عليه السلام
أما الدلائل المثبتة لإيمان أبي طالب (ع) فكثيرة، ولا ينكرها إلا من كان في قلبه مرض، منها:
1ـ قول النبي (ص): أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بسبابته والوسطى منضمتين مرفوعين، نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج14/69، ط دار إحياء الكتب العربية ومن الواضح انه (ص) لم يقصد بحديثه الشريف كل من يكفل يتيما، فإنا نجد بعض الكافلين للأيتام لا يستحقون ذلك المقام وهو جوار سيد الأنام في الجنة، لأنهم على جنب كفالتهم لليتيم يعملون المعاصي الكبيرة، والذنوب العظيمة، التي يستحقون بها جهنم لا محالة.
ولكنه صلوات الله عليه قصد بحديثه الشريف جده عبد المطلب، وعمه أبا طالب، الذين قاما بأمره، وتكفلاه، وربياه صغيرا، حتى أنه صلوات الله عليه كان يعرف في مكة بيتيم ابي طالب، بعد وفاة جده عبد المطلب، فقد تكفل أبو طالب رسول الله (ص) وكان في الثامنة من العمر، وكان يفضله على أولاده ويقيه بهم.
2ـ حديث مشهور بين الشيعة والسنة ورواه القاضي الشوكاني أيضا في الحديث القدسي، أنه قال (ص): نزل علي جبرئيل فقال: إن الله يقرئك السلام ويقول: إني حرمت النار على صلب أنزلك و بطن حملك و حجر كفلك(37).

لأبي طالب عليه السلام حق على كل مسلم
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج14 / 83 و84، ط دار إحياء التراث العربي: و لم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب، فإني أعلم أنه لولاه لما قامت للإسلام دعامة، و أعلم أن حقه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة، فكتبت:
ولو لا أبو طالب وابـنـهلما مثل الدين شخصا فقامافذاك بمكة آوى وحامىوهذا بيثرب جس الحماماتكفل عبد مناف بأمرو أودى فكان علي تمامافقل في ثبير مضى بعدماقضى ما قضاه و أبقى شمامافلله ذا فاتحا للهدىو لله ذا للمعالي ختاماو ما ضر مجد أبي طالبجهول لغا أو بصير تعامىكما لا يضر إياة الصبــاح من ظن ضوء النهار الظلاما


أشعار أبي طالب عليه السلام في الإسلام
وأدل دليل على إيمان أبي طالب (ع) أشعاره الصريحة بتصديق النبي ودين الإسلام، المطبوعة في ديوانه وفي كثير من كتب التاريخ والأدب، وقد نقل بعضها ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة ج14/71ـ81 ط دار إحياء الكتاب العربي، منها ميميته المشهورة:
يرجون منا خطة دون نيلهاضراب و طعن بالوشيج المقوم‏يرجون أن نسخى بقتل محمدو لم تختضب سمر العوالي من الدم‏كذبتم و بيت الله حتى تفلقواجماجم تلقى بالحطيم وزمزموتقطع أرحام وتنسى حليلةحليلا و يغشى محرم بعد محرم‏على ما مضى من مقتكم و عقوقكموغشيانكم في أمركم كل مأثموظلم نبي جاء يدعـو إلى الهدىوأمر أتى من عند ذي العرش قيـم(38)


وإليكم أيضا قصيدته اللامية الشهيرة والتي ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج وذكرها كثيرة من الأعلام وهي مطبوعة في ديوانه أنقل إلى مسامعكم بعضها:
أعوذ برب البيت من كل طاعنعلينا بسوء أو يلوح بباطلومن فاجر يغتابنا بمغيبةومن ملحق في الدين ما لم نحاول‏كذبتم و بيت الله نبزى محمدولما نطاعن دونه ونناضلوننصره حتى نصرع دونهونذهل عن وأبنائنا الحلائلوابيض يستسقى الغمام بوجههثمال اليتامى عصمـة للأرامل‏يلوذ بــه الهلاك من آل هاشمفهم عنده في نعمة وفواضل‏لعمري لقد كلفت وجدا بأحمدوأحببته حب الحبيب المواصلوجدت بنفسي دونه فحميتهودافعت عنه بالذرى والكواهل‏فلا زال للدنيا جمالا لأهلهاوشينا لمن عادى وزين المحافلوأيده رب العباد بنصرهوأظهر دينا حقه غير باطل


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليالي بيشاور, الرافضه, الرد على الروافض, ابو بكر, اسلام, اهل السنه و الجماعه, muslim shia sunna, عمر, عبدة القبور



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 04:31 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية