العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:45 AM


ومن شعره المطبوع في ديوانه ونقله ابن أبي الحديد أيضا:
يا شاهد الله علي فاشهدأني على دين النبي أحمد
من ضل في الدين فإني مهتد


بالله عليكم أنصفوا!! هل يجوز أن ينسب قائل هذه الأبيات والكلمات، إلى الكفر!!
والله إنه من الظلم والجفاء أن تنسبوا أبا طالب إلى الكفر، بعد أن يشهد الله سبحانه بأنه، على دين النبي أحمد (ص).
الشيخ عبد السلام: أولا: هذه الأشعار ونسبتها إلى أبي طالب أخبار آحاد، غير متواترة، ولا اعتبار بخبر واحد.
ثانيا: لم ينقل أحد بأن أبا طالب أقر بالإسلام وتفوه بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله. بل قالوا: ما أقر إلى أن مات.
قلت: واعجبا! إنكم جعلتم حجية التواتر وخبر الواحد حسب ميلكم ، فتارة تتمسكون بخبر الواحد وتصرون على حجيته مثل الخبر الذي رواه أبو بكر عن النبي (ص): " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " قبلتم به مع تعارضه للآيات القرآنية!!
ثم إذا كان التواتر عندكم شرط صحة الخبر، فكيف تستدلون بحديث رواه المغيرة بن شعبة الفاسق، بأن أبا طالب في ضحضاح من النار، وليس لهذا الحديث راو آخر(39).
ولا يخفى على المحقق البصير والمدقق الخبير أن أخبار الآحاد حول إيمان أبي طالب و الأشعار المنسوبة إليه لو جمعت لحصل منها التواتر المعنوي ـ أي حصل منها معنى واحد وهو إيمان ابي طالب ـ فأن كثيرا من الأمور حصل فيها التواتر عن هذا الطريق، مثل شجاعة الإمام علي (ع)، فإن أخبار الآحاد عن بطولته في الميادين وجهاده في ساحات القتال، كشفت عن شجاعته وبسالته بالتواتر.

إقرار ابي طالب (ع) بالتوحيد
وأما قولك: لم ينقل أحد أن أبا طالب أقر بالإسلام والتوحيد! فهو تحكم وباطل، فهو إعادة واه بغير أساس ودليل، لأن الإقرار لا يكون موقوفا على صيغة معينة، ولا منحصرا بتركيب واحد. بل يحصل بالنثر والشعر بأي شكل كان تركيبه إذا فهم منه الإقرار، وكان صريحا وبليغا.
والآن أنشدكم الله أيها الحاضرون!! أي إقرار أصرح وأبلغ من هذا الكلام الذي قاله أبو طالب:
يا شاهد الله علي فاشهدأني على دين النبي أحمد


وإضافة على هذا البيت وغيره من أشعاره الصريحة في إيمانه وإسلامه، فقد روى الحافظ أبو نعيم، والحافظ البيهقي أن صناديد قريش مثل أبي جهل، وعبد الله بن أبي أمية، عادوا أبا طالب في مرضه الذي توفي فيه، وكان النبي (ص) حاضرا فقال لعمه أبي طالب: يا عم قل لا إله إلا الله، حتى أشهد لك عند ربي تبارك وتعالى، فقال أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب أترجع عن ملة عبد المطلب! وما زالوا به. حتى قال:
اعلموا... أن أبا طالب على ملة عبدالمطلب ولا يرجع عنها.
فسروا وفرحوا وخرجوا من عنده، ثم اشتدت عليه سكرة الموت وكان العباس أخوه جالسا عند رأسه، فرأى شفتيه تتحركان، فأنصت له واستمع وإذا هو يقول: لا إله إلا الله. فتوجه العباس إلى النبي (ص) وقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها ـ ولم يذكر العباس كلمة التوحيد لأنه كان بعد كافرا ـ.
ولا يخفى أننا أثبتنا من قبل أن آباء النبي (ص) كلهم كانوا موحدين ومؤمنين بالله يعبدونه ولا يشركون به شيئا.
فلما قال أبو طالب في آخر ساعات حياته: اعلموا... أن أبا طالب على ملة عبد المطلب، ولا شك أن عبد المطلب كان على ملة أبيه إبراهيم مؤمنا بالله موحدا، فكذلك أبو طالب (ع).
مضافا إلى ذلك فقد تفوه ونطق بكلمة التوحيد وسمعه أخوه العباس يقول: لا إله إلا الله.
فإيمان أبي طالب ثابت عند كل منصف بعيد عن اللجاج والعناد.

موقف أبي طالب (ع) من النبي (ص)
إذا كان أبو طالب (ع) مشركا كما يزعم بعض الناس، كان من المتوقع أن يعارض النبي (ص) من حين إعلانه النبوة والرسالة، إذ جاء إليه و قال: إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك يا عم؟
فلو كان أبو طالب غير مؤمن بكلامه وغي معتقد برسالته، لكان من المفروض أن ينتصر لدين قريش ومعتقدات قومه، فينهاه عن ذلك الكلام ويوبخه ويؤنبه، بل يحبسه حتى يرجع عن كلامه أو يطرده ولا يأويه ولا يحميه كآزر عم إبراهيم الخليل (ع) فحينما سمع من الخليل كلاما يخالف دينه ودين قومه، هدده وهجره، وقد حكى الله سبحانه ذلك في كتابه الكريم سورة مريم / 43 قال حكاية عن قول إبراهيم (ع): (إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا ((قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبراهيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأََرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا)(40).
ولكن أبا طالب عليه السلام حينما سمع ابن أخيه يقول: إن الله أنبأني واستنبأني، وأمرني بإظهار أمري، فما عندك يا عم؟
أيده وأعلن نصرته له بقوله: أخرج يا بن أخي! فإنك الرفيع كعبا ، والمنيع حزبا، والأعلى أبا، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد، واجتذبه سيوف حداد، والله لنذللن لك العرب ذل البهم لحاضنها.
ثم أنشأ قائلا:
والله لن يصلوا إليك بجمعهمحتى أوسد في التراب دفينافانفذ لأمرك ما عليك مخافةوأبشر بذاك وقر منك عيوناودعوتني وزعمت أنك ناصحيفلقد صـدقت وكنت قدما أميناوعرضت دينا قد علمت بأنهمن خير أديان البرية دينالولا الملامة أو حذاري سبهلوجدتني سمحا بذاك مبينا


ذكر هذا الشعر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج 14 / 55 ط. إحياء الكتب العربية، ونقله سبط ابن الجوزي في التذكرة: 18، ط. بيروت، وتجده في ديوان أبي طالب أيضا.
ولو راجعتم ديوانه، وما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، لوجدتم أشعارا أخرى صريحة في تصديق النبي (ص)، وفي إعلان نصرته والذب عنه.
فأنصفوا أيها الحاضرون، وخاصة أنتم أيها العلماء! هل يجوز لكم أن تنسبوا قائل هذه الكلمات إلى الكفر والشرك؟!
أم إنها تنبئ عن إيمان وإسلام قائلها وأنه مؤمن حقيقي ومسلم ملتزم ومتمسك بما جاء به محمد المصطفى (ص)؟!
كما اعترف بذلك بعض أعلامكم، فقد نقل الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة / الباب الثاني والخمسون نقل من رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: وحامي النبي، ومعينه، ومحبه، أشد حبا، وكفيله، ومربيه، والمقر بنبوته، والمعترف برسالته، والمنشد في مناقبه أبياتا كثيرة، وشيخ قريش: أبو طالب.
لقائل أن يقول: إذا كانت هذه التصريحات من أبي طالب في تصديق النبي (ص) وتأييده ونصرته والدفاع عنه، فكيف نجد أكثر المؤرخين وأصحاب السير ذهبوا إلى كفره أو التوقف في إيمانه؟!
والجواب: إن الدعايات الأموية ـ خاصة في زمان معاوية ـ لعبت دورا هاما في مثل هذه الأمور، فمن سنحت له الفرصة أن يأمر بسب أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (ع) ويأمر بلعنه ولعن ولديه الحسن والحسين سبطي رسول الله (ص) وريحانتيه وحبيبه ويشتمهم على رؤوس الأشهاد وعلى منابر الإسلام والمسلمين، حتى صارت هذه المنكرات عادة جارية حتى في قنوت الصلوات وخطب الجمعات، فمن أتيحت له هكذا فرصة وقام بقلب الحقائق وتغيير الوقائع وتبديل الحق بالباطل وبالعكس، فهل يأبى من إنكار إيمان أبي طالب (ع) وبث الدعايات في أنه مات كافرا، أم يعجز من ذلك ويصعب عليه؟!
والأعجب.. أن معاوية وأباه وكذلك ابنه يزيد ورؤوس الكفر والنفاق، مع كثرة الدلائل المذكورة في تاريخهم الدالة على كفرهم وإلحادهم وعد إيمانهم، يظهرون للمسلمين بظاهر الإيمان بل يعد معاوية وابنه من أمراء المؤمنين إلى يومنا هذا، فهؤلاء مع سوابقهم في محاربة النبي (ص)، ومعاندتهم للدين، ودخولهم في الإسلام كرها بعد عام الفتح، ثم نفاقهم وشقاقهم بين المسلمين وقتالهم لأمير المؤمنين (ع)، وتحركاتهم العدوانية وأعمالهم الشيطانية على الإسلام، والقيام بالأعمال الوحشية، والتهجمات البشعة على بلاد المسلمين والناس الآمنين، ونهب أموالهم، وقتل رجالهم، وهتك أعراضهم مثل هجوم بسر بن أرطاة على الطائف واليمن والأنبار وغيرها، وهجوم الأعور بني مرة مسلم بن عقبة بجيش الشام على مدينة الرسول (ص) في واقعة الحَرّة، ونقض معاوية عهده مع الإمام الحسن (ع) وقتله بالسم، وكذلك قتله حجر بن عدي وأصحابه، وغيره من صحابة رسول الله (ص)، وقتل يزيد حسينا (ع) وسبي أهله وحريمه، وغير ذلك من الأعمال العدوانية والكفر والإلحاد المشهود منهم والمشهور عنهم في التاريخ، كل هذا وتحسبونه من أمراء المؤمنين! لعنهم الله!!
ولكن أبا طالب مع تلك المواقف المشرفة، والسوابق المشرقة التي هي أظهر من الشمس، تقولون ما آمن ومات مشركا!! أما يكون هذا وذاك من تأثير الدعايات الأموية!!

معاوية خال المؤمنين!!
الشيخ عبد السلام: لا يجوز هذه التعابير السيئة على معاوية ويزيد، ولا يجوز لعنهما فإنها من كبار خلفاء النبي (ص)، ولا سيما معاوية (رض) فانه خال المؤمنين وكاتب الوحي، ولم يقتل الحسن بن علي (رض)، بل قتلته زوجته جعدة بنت الأشعث.
قلت: من أين جاءه هذا اللقب؟ وكيف صار معاوية خال المؤمنين؟!
الشيخ عبدالسلام: لأن أم حبيبة ـ زوجة رسول الله (ص) ـ هي بنت أبي سفيان وأخت معاوية، تكون أم المؤمنين فيكون أخوها معاوية خال المؤمنين!
قلت: هل أم المؤمنين عائشة، عندكم مقامها أعلى أم أخت معاوية أم حبيبة؟
الشيخ عبدالسلام: زوجات رسول الله (ص) وإن كن كلهم أمهات المؤمنين كما هو تعبير القرآن الكريم، إلا أن عائشة تمتاز عن قريناتها وهي أفضلهن وأعلاهن مقاما(41).

لم لا يلقب محمد بن أبي بكر بخال المؤمنين؟
قلت: إذا كان معاوية خال المؤمنين لأنه أخ لإحدى زوجات النبي (ص) فجميع أخوات زوجات رسول الله (ص) خالات المؤمنين، وجميع إخوان زوجات النبي (ص) أخوال المؤمنين، فلماذا لقبتم معاوية وحده بخال المؤمنين ولم تلقبوا محمد بن أبي بكر وغيره بهذا اللقب؟!
ثم إذا كانت أخوة معاوية لزوجة النبي (ص) تعد فضيلة وشرفا فأبوة حيي بن أخطب اليهودي لصفية زوجة رسول الله (ص) يجب أن تعد له فضيلة وشرفا أيضا!!
وإنما انفرد معاوية بهذا اللقب، لأنه تزعم المنافقين والنواصب وقاد جيوش الضلال لحرب أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (ع)، وسن لعنه وسبه على منابر المسلمين!

معاوية: قاتل الإمام الحسن (ع)
وأما قتله للإمام الحسن سبط رسول الله (ص)، فهو وإن لم يكن فيه مباشرا، ولكنه كان هو السبب والمحرض في ذلك، فقد نقل أكثر المؤرخين والمحدثين منهم ابن عبد البر في الاستيعاب، والمسعودي في إثبات الوصية، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين روى بسنده عن المغيرة قال: أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث أني مزوجك بيزيد إبني، على أن تسمّي الحسن بن علي، وبعث إليها بمائة ألف درهم، فقبلت وسمت الحسن (42).
وذكر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم ابن عبدالبر في الاستيعاب ، وابن جرير الطبري في تاريخه قالوا: لما جاء معاوية نبأ وفاة الحسن بن علي (ع) كبّر سرورا، وكبّر من حوله وأظهروا الفرح!
فيا شيخ عبد السلام! بميولكم وأهوائكم تجعلون هكذا مجرم خال المؤمنين! ولا تلقبون محمد بن أبي بكر بهذا اللقب، لأنه كان ربيب علي (ع) ومن حواريه وأصحابه الصامدين وشيعته المؤمنين، ولأنه قال في أهل البيت (ع):
يا بني الزهراء أنتم عدتيوبكم في الحشر ميزاني رجحوإذا صح ولائي لكملا ابالي أي كلب قد نبح


فهو قول ابن أبي بكر وأخو عائشة أم المؤمنين، ولا شك أن أبا بكر عندكم أفضل من أبي سفيان وعائشة أعلا مقاما وأجلى رتبة من أم حبيبة. ومع ذلك لا تطلقون على محمد لقب خال المؤمنين، بل بعض العامة يلعنونه ويتبرءون منه.
ولما دخل عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج مصر فاتحين، حاصروا محمدا ومنعوا عنه الماء ولما استولوا عليه قتلوه عطشانا، ثم جعلوا جنازته في بطن حمار ميت وحرقوه، وأخبروا معاوية بذلك، فأظهر الفرح والسرور وأمر أصحابه أيضا بإظهار الفرح.
والعجب أنكم عندما تسمعون أو تقرؤون هذه الأخبار الفجيعة، لا تتألمون ولا تتأثرون لما فعل أولئك المجرمون الملعونون بمحمد بن أبي بكر، ولكن لا تطيقون أن تسمعوا لعن معاوية المجرم وحزبه الظالمين، فتدافعون عنه وتقولون لا يجوز لعنه، بل يجب احترامه لأنه خال المؤمنين!!
فلماذا هذا التناقض في الرأي والعقيدة؟!
أما يكشف هذا عن التعصب والعناد، وعن التطرف واللجاج!!

هل كان معاوية كاتبا للوحي؟
من الثابت الذي لا نقاش فيه أن معاوية أسلم بعد الفتح في العام العاشر الهجري، وقد كان إلى ذلك الزمان جل القرآن الحكيم ـ القريب للكل ـ نازلا على رسول الله (ص)، وكما ذكر المؤرخون: أن فتح مكة كان في العام الثامن الهجري و فيه أسلم أبو سفيان إلا أن معاوية اختفى وأرسل إلى أبيه كتابا يعاتبه ويؤنبه على إسلامه، ولما انتشر الإسلام في كل الجزيرة العربية وحتى في خارجها اضطر معاوية أن يسلم، وبعد إسلامه كان مهانا بين المسلمين، ينظرون إليه نظرا شزرا، فتوسط العباس بن عبد المطلب عند رسول الله (ص) أن يفوض إليه أمرا حتى يحترمه المسلمون ويتركوا تحقيره وتوهينه.
فعينه النبي (ص) كاتبا لمراسلاته، وبه لبى طلب عمه العباس(43).

دليل كفر معاوية وجواز لعنه
وأما دلائل كفر معاوية وعدم إيمانه وجواز لعنه، فهي كثيرة، ولو أردنا نقلها جميعا لاقتضى تأليف كتاب مستقل، ولكن أنقل لكم بعضها من الكتاب والسنة، ومن سيرته وسلوكه ضد الإسلام والمسلمين، منها قوله تعالى: (وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً)(44).
فقد ذكر أعلام مفسريكم مثل العلامة الثعلبي، والحافظ العلامة جلال الدين السيوطي في الدر المنثور، والفخر الرازي في تفسيره الكبير، نقلوا في ذيل الآية الشريفة روايات بطرق شتى، والمعنى واحد وهو أن رسول الله (ص) رأى في عالم الرؤيا بني أمية ينزون على منبره نزو القرود، فساءه ذلك، فنزلت الآية، فبنوا أمية هم الشجرة الملعونة في القرآن والمزيدة بالطغيان.
ولا شك أن رأسهم أبو سفيان، ومن بعده معاوية ويزيد و مروان.
والآية الثانية، الدالة على لعن بني أمية، قوله سبحانه وتعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ)(45).
ومن أكثر فسادا من معاوية حينما تولى؟ ومن أقطع منه رحما لرسول الله (ص)؟! والتاريخ يشهد عليه بذلك، وليس أحد من المؤرخين ينكر فساد معاوية في الدين وقطعه لأرحام النبي (ص).
والآية الثالثة: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الآْخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً)(46).
وهل تنكرون إيذاء معاوية للإمام علي (ع)، ولسبطي رسول الله (ص) الحسن والحسين، ولخواص صحابة النبي (ص) كعمار بن ياسر وحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي؟ ثم أما يكون إيذاء أمير المؤمنين وشبليه ريحانتي رسول الله (ص) والصحابة الأخيار، إيذاء لله ورسوله؟! فالآيات القرآنية التي تلعن الظالمين كلها تشمل معاوية.
فقد قال عز وجل: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(47).
وقال سبحانه: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(48).
وقال تعالى: (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(49).
وهل أحد من أهل العلم والإنصاف ينكر ظلم معاوية؟!

معاوية.. قاتل المؤمنين
وقال سبحانه وتعالى: (وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً)(50) وكم قتل معاوية من المؤمنين الأبرار والصحابة الأخيار؟!
أما ثبت لكم بالروايات التي نقلتها من مصادركم أنه سبب قتل الإمام الحسن سبط رسول الله (ص) بأن دس السم بواسطة زوجته جعدة بني الأشعث، إذ بعث إليها نالا وأغراها بأن يزوجها ليزيد بن معاوية، ففعلت ما أراد معاوية؟!
أما قتل حجر بن عدي صحابي رسول الله (ص) مع سبعة نفر من أصحابه المؤمنين؟ وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في الكامل: أن حجر كان من كبار صحابة النبي وفضلائهم، وقتله معاوية مع سبعة نفر من أصحابه صبرا، لأنهم امتنعوا من لعن علي بن أبي طالب والبراءة منه.
وذكر ابن عساكر، ويعقوب بن سفيان في تاريخه، والبيهقي في الدلائل، أن معاوية دفن عبد الرحمن بن حسان العنزي حيا، وكان أحد السبعة الذين قتلوا مع حجر بن عدي.
أما كان قتل عمار بن ياسر صاحب رسول الله (ص) بيد جنود معاوية وعماله في صفين؟ وقد أجمع المحدثون والعلماء أن رسول الله (ص) قال لعمار: يا عمار ! تقتلك الفئة الباغية.
هل تنكرون حديث النبي (ص) أن تنكرون قتله في صفين بأيدي عمال معاوية وجنوده؟!
أما سبب معاوية قتل الصحابي الجليل مالك الأشتر غيلة؟
أما قتل أصحابه محمد بن أبي بكر عطشانا وأحرقوا جسده؟ ولما سمع معاوية بذلك فرح وأيد عملهم.
أما كان يأمر عماله بقتل شيعة علي بن أبي طالب وأنصار أهل بيت النبوة؟
أما كان يرسل الجيوش لإبادة المؤمنين واستئصالهم ونهب أموالهم؟

غارة بسر بن أرطاة
ومن أقبح أعمال معاوية، وأشنع جرائمه بعثه بسر بن أرطاة الظالم السفاك إلى المدينة ومكة والطائف ونجران وصنعاء واليمن، وأمره بقتل الرجال وحتى الأطفال، ونهب الأموال وهتك الأعراض والنواميس، وقد نقل غارة بسر بن أرطاة على هذه البلاد كثير من المؤرخين منهم: أبو الفرج الأصفهاني، والعلامة السمهودي في تاريخ المدينة ـ وفاء الوفى، وابن خلكان، وابن عساكر، والطبري في تواريخهم،، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج2/3ـ18 ط دار احياء التراث العربي، قال في صفحة 6: دعا معاوية ـ بسر بن أرطاة ـ و كان قاسي القلب، فظّا، سفّاكا للدماء، لا رأفة عنده و لا رحمة، و أمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة و مكّة حتى ينتهي إلى اليمن، و قال له: لا تنزل على بلد أهله على طاعة عليّ، إلا بسطت عليهم لسانك، حتّى يروا أنّهم لا نجاء لهم و أنّك محيط بهم، ثم اكفف عنهم، و ادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، و اقتل شيعة عليّ حيث كانوا.
فامتثل بسر أوامر معاوية وخرج وأغار في طريقه على بلاد كثيرة، وقتل خلقا كثيرا حتى دخل بيت عبيد الله بن العباس، وكان غائبا فأخذ ولديه وهما طفلان صغيران فذبحهما، فكانت أمهما تبكي وتنشد:
ها من أحس بابني اللذين هماكالدرتين تشظى عنهما الصدفها من أحس بابني اللذين هماسمعي و قلبي فقلبي اليوم مختطف‏ها من أحس بابني اللذين همامخ العظام فمخي اليوم مزدهف‏نبئت بسرا و ما صدقت ما زعموامن قولهم و من الإفك الذي اقترفواأنحى على ودجي ابني مرهفةمشحوذة و كذاك الإثم يقترف


وقال ابن أبي الحديد في شرح‏ نهج ‏البلاغة ج2/17: وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا، وحرق قوما بالنار(51).
وهل أنتم بعد في شك وترديد في كفر معاوية ويزيد؟! وهل تتورعون بعد عن لعنهما ولعن من رضي بأفعالهما؟

معاوية يأمر بلعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام!!
من الدلائل الواضحة على كفر معاوية وأصحابه، أمره بسب الإمام علي عليه السلام ولعنه على منابر المسلمين، وإجباره الناس بهذا الذنب العظيم، فسن هذا المنكر في قنوت الصلوات وخطب الجمعات.
وهذا أمر ثابت على معاوية، سجله التاريخ وذكره المؤرخون من الشيعة والسنة وحتى غير المسلمين، حتى أنه قتل بعض المؤمنين الذين امتنعوا وأبوا ذلك، مثل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
وقد ثبت أيضا عند جميع علماء الإسلام بالتواتر أن رسول الله (ص) قال: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله.
رواه جمع غفير من أعلامكم منهم: أحمد بن حنبل في المسند والنسائي في الخصائص والثعلبي في تفسيره والفخر الرازي في تفسيره، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، وسبط ابن الجوزي في التذكرة، والشيخ القندوزي الحنفي في الينابيع، والعلامة الهمداني في مودة القربى ، والحافظ الديلمي في الفردوس، والشيخ مسلم بن حجاج في صحيحه، والعلامة محمد بن طلحة في مطالب السؤول والعلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول، والحاكم في المستدرك ، والخطيب الخوارزمي في المناقب، والمحب الطبري في الذخائر، وابن حجر في الصواعق ، وغيرهم من كبار علمائكم.
والخبر الذي رواه أيضا كثير من أعلامكم ومحدثيكم عن النبي (ص) قال: من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فعليه لعنة الله.
وابن حجر روى خبرا أعم وأشمل / في الصواعق / 143 طبع الميمنية بمصر / باب التحذير من بغضهم وسبهم / قال: وصح أنه (ص) قال: يا بني عبد المطلب! إني سألت الله لكم ثلاثا: أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم، وسألت الله يجعلكم كرماء نجباء رحماء، فلو أن رجلا صفن ـ وهو صف القدمين ـ بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقى الله وهو يبغض آل بيت محمد (ص) دخل النار.
وورد: من سب أهل بيتي فإنما يرتد عن الله والإسلام، ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة اله ومن آذاني في عترتي فقد آذى لله، إن الله حرم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم.
وروى أحمد بن حنبل في المسند وروى غيره من أعلامكم أيضا عن النبي أنه قال: من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا.
وقد ذكر ابن الأثير في الكامل وغيره من المؤرخين أن معاوية كان في قنوت الصلاة يلعن سيدنا عليا والحسن والحسين وابن عباس ومالك الأشتر.
فما تقولون بعد هذه الأخبار والأحاديث المروية في كتب محدثيكم وأعلامكم، ولا ينكرها أحد من أهل العلم؟!
وأنتم تعلمون أن من ضروريات الإسلام المتفق عليه، أن من لعن أو سب الله ورسوله (ص) فهو كافر نجس يجب قتله.
فمعاوية ومن حذى حذوه كافر نجس ملعون.
الشيخ عبد السلام: المتفق عليه، كفر من سب الله ورسوله، ومعاوية ما سب الله ورسوله، وإنما سب ولعن عليا كرم الله وجهه.
قلت: أيها الشيخ ما هذا اللف والدوران! ولماذا تغالط في الكلام والبيان؟ فلا تنس قول الله العزيز في القرآن: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)(52).
أترفض الحديث الذي نقلته الآن من كتب أعلامكم وأئمتكم، أن النبي (ص) قال: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله؟!
أرجو أن لا تنس الحديث في الليالي الماضية، والمصادر الجمة التي ذكرتها لكم من الأحاديث النبوية الشريفة التي صدرت عنه (ص) في الموضوع والظاهر أنك صرت مصداق المثل المعروف: " كلام الليل يمحوه النار ".
النواب: نرجوكم تزويدنا بالأحاديث النبوية في هذا الباب، فإن أحسن الحديث حديث رسول الله (ص).
قلت: لا أدري هل نقلت لكم رواية ابن عباس في هذا الباب، أم لا ؟ فقد روى العلامة الكنجي فقيه الحرمين، ومفتي العراقين، محدث الشام وصدر الحفاظ أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشي، الشهير بالعلامة الكنجي الشافعي، صاحب كتاب كفاية الطالب نقل في الباب العاشر / بسنده المتصل بيعقوب بن جعفر بن سليمان قال: حدثنا أبي عن أبيه قال: كنت مع أبي، عبد الله بن عباس و سعيد بن جبير يقوده، فمر على صفة زمزم فإذا قوم من أهل الشام يشتمون علي بن أبي طالب عليه السلام! فقال لسعيد: ردني إليهم، فوقف عليهم، فقال: أيكم الساب لله عز و جل؟ فقالوا: سبحان الله ما فينا أحد سب الله، فقال: أيكم الساب رسول الله (ص)؟ قالوا: ما فينا أحد سب رسول الله (ص). قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب (ع)؟ فقالوا: أما هذا فقد كان!! قال: فأشهد على رسول الله (ص) سمعته أذناي و وعاه قلبي يقول لعلي بن أبي طالب: من سبك فقد سبني و من سبني فقد سب الله و من سب الله أكبه الله على منخريه في النار(53).

لا يبغض عليا إلا كافر أو منافق
روى غفير من أعلامكم وعلمائكم عن النبي (ص) أنه قال: لا يحب عليا إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق. خرجه كثير من محدثيكم وعلمائكم الكبار منهم:
جلال الدين السيوطي في الدر المنثور، والثعلبي في تفسيره، والعلامة الهمداني في مودة القربى، وأحمد بن حنبل في المسند، وابن حجر في الصواعق ، والخوارزمي في المناقب، والعلامة ابن المغازلي في المناقب، والحافظ القندوزي في الينابيع، وابن أبي الحديد في شرح النهج، والطبراني في الأوسط، والمحب الطبري في ذخائر العقبي، والنسائي في الخصائص، والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، ومحمد بن طلحة في مطالب السئول، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة، وغير هؤلاء جمع خرجوا هذا الحديث بإسنادهم وبطرق شتى حتى كاد أن يصل حد التواتر، ومن الواضح أن مصير الكافر والمنافق إلى النار والسعير . وأنقل لكم بالناسبة ما رواه العلامة الكنجي الشافعي في آخر الباب الثالث كفاية الطالب: بسنده المتصل بموسى بن طريف عن عباية عن علي بن أبي طالب قال: أنا قسيم النار يوم القيامة، أقول: خذي ذا وذري ذا. هكذا رواه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في تاريخه، ورواه غير مرفوعا إلى النبي (ص).
ثم قال العلامة الكنجي: فإن قيل هذا سند ضعيف، قلت: قال محمد بن منصور الطوسي كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن عليا قال: أنا قسيم النار. فقال أحمد: وما تنكرون من هذا الحديث! أليس روينا أن النبي (ص) قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق؟ قلنا: بلى، قال: فأين المؤمن؟ قلنا في الجنة، قال فأين المنافق؟ قلنا في النار. قال فعلي قسيم النار، هكذا ذكره في طبقات أحمد رحمه الله.
وقال الله سبحانه: (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)(54).


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:48 AM


فمعاوية وأصحابه وأنصاره من أهل جهنم لا محالة، بل هم في الدرك الأسفل من النار.
الشيخ عبد السلام: نحن لا ننكر هذه الأخبار والأحاديث الواردة في حق سيدنا علي كرم الله وجهه، ولكن الصحابة مستثنون لأن الله سبحانه غفر لهن وأعد لهم جنات النعيم كما عاودهم في آيات من الذكر الحكيم. ولا ينكر أن معاوية (رض) كان من الصحابة المقربين لرسول الله (ص). فيجب احترامه لصحبته للنبي (ص) ولقربه منه.

الصحابة أخيار وأشرار
قلت: لقد ناقشنا الموضوع في الليالي الماضية، وأثبتنا أن كثيرا ممن أدرك النبي (ص) وحظي بصحبته ما كان أهلا لذلك، ولم يكتسب منه الدين والأخلاق الحميدة التي جاء بها، وأمر أصحابه أن يتخلقوا بها، فبقوا على جهالتهم وسيئات أخلاقهم فعصوا رسول الله (ص) وعاتبهم سبحانه في غير موضع من كتابه الحكيم. ولكي تعرفوا أن المصاحبة والصحبة مع الأخيار والأبرار ومع الأنبياء والمرسلين، لا تكون منقبة ولا شرفا وإنما الفضل والشرف في حسن الصحبة، نرجع إلى القرآن الكريم لنعرف تعبيره وتعريفه لهذه الكلمة ونعم الحكم الله سبحانه: قال: (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى)(55).
وقال: (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَ فُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ...)(56).
وقال: (... فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً)(57).
وفي الآية 38 (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ..) الخ.
وقال تعالى: (أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ...)(58).
وقال: (... كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الأَْرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى...)(59).
وقال تعالى: في سورة يوسف (الصديق) حكاية عنه (ع): (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ)(60).
فنكتشف من هذه الآيات الكريمة ونعرف بأن الصاحب يطلق على المؤمن والكافر، فلا خصوصية في الصحبة.
ومن البديهي أن الآيات الشريفة التي نزلت في مدح صحابة النبي (ص) لا تعمهم بل تخص أخيارهم، كما أن الآيات التي نزلت في ذمهم وعتابهم أيضا تخص أشرارهم ولا تشمل الأبرار منهم.
ولا ينكر أن ممن كان حول النبي (ص) من الصحابة الذين يجالسوه ويعاشروه كانوا منافقين، كما نعتقد أن بعض أصحابه الأبرار الميامين الأخيار كانوا في أعلا مراتب الإيمان واليقين بحيث ما كان مثلهم في أصحاب الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم أجمعين وكلكم تعلمون أن عبد الله بن أبي، وأبا سفيان، والحكم بن العاص ، وأبا هريرة، وثعلبة، ويزيد بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة، وحبيب بن مسلمة، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص، وبسر بن أرطاة والمغيرة بن شعبة، ومعاوية بن أبي سفيان، وذي الثدية، رأس الخوارج وأمثالهم كانوا يجالسون رسول الله (ص) ويصحبوه في السفر والحضر وفي المسجد والمنزل ويتظاهرون بالإسلام، ولكنهم كم أشعلوا نار الفتنة والشقاق وساروا في طريق الخلاف والنفاق، حتى طرد رسول الله بعضهم، ولعن آخرين، وقاطع جماعة منهم، وفضح بعضهم و شهرهم على رؤوس الأشهاد؟! وممن لعنه رسول الله (ص) معاوية وآباه وأخاه.
وكم من الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي (ص) وأصبحوا مصدق الآية الكريمة: (وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ...)(61)؟.
مضافا إلى الآيات القرآنية، توجد روايات رواها علماؤكم وأئمتكم عن النبي (ص) تؤيد ما نقول. فقد روى البخاري في صحيحه خبرين عن سهل بن سعد، وآخر عن عبد الله بن مسعود باختلاف يسير في الألفاظ، والمعنى واحد، أن رسول الله قال: أنا فرطكم على الحوض، و ليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي! فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك!!
وروى أحمد بن حنبل في المسند، والطبراني في الكبير، وأبو النصر في الإبانة، بإسنادهم عن ابن عباس عن النبي (ص) قال: أنا آخذ بحجزكم، أقول : اتقوا النار، واتقوا الحدود فإذا مت تركتكم و أنا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد أفلح، فيؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أمتي! فيقول: إنهم لم يزالوا بعدك يرتدون على أعقابهم. (وفي رواية الطبراني في الكبير) فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، مرتدين على أعقابهم.
فمما يثير العجب ويبعث الأسف في النفس، أن معاوية وابنه يزيد مع كثرة الدلائل والشواهد على كفرهما وإنكارهما للدين والوحي(62) ، تعدونها مؤمنين، بل تلقبونها بأمير المؤمنين، أي تحسبون خلافتهما شرعية، وتدافعون عنهما باليد واللسان، بل بالمال والنفس وإن كان بعض أعلامكم وافقونا في كفر معاوية وابنه وكتبوا في ذلك مثل ابن الجوزي وقد ألف كتاب " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد ".
والسيد محمد بن عقيل وقد ألف كتاب " النصائح الكافية لمن يتولى معاوية " طبع في مطبعة النجاح ببغداد سنة 1367 هجرية. ولكن تصرون إصرارا باطلا، في عدم إيمان أبي طالب (ع) وهو من السابقين في الإيمان والذب عن الإسلام والدفاع عن نبيه صلوات الله عليه وآله.
وهذا لا يكون إلا من تأثير بني أمية والنواصب والخوارج فيكم.
ولا أدري متى تزيلون عن دينكم ومذهبكم شبهات أعداء آل محمد وتأثيرات بني أمية؟! ومتى تحررون مذهبكم ودينكم من التعصبات والتقيدات المتخذة من الآباء والأسلاف؟!
لقد حان الوقت أن تفتحوا أبصاركم وتنبشوا التاريخ وكتب السير والحوادث وتفتشوا عن الحقائق المستندة بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية من الكتاب والسنة الشريفة، فتتمسكوا بالحق المبين وتلتزموا بشريعة سيد المرسلين.
أما آن لكم أن تتركوا أقاويل بني أمية ودعاياتهم وأكاذيبهم، وترجعوا إلى آل محمد وعترته، وتأخذوا دينكم وأحكامه ومعالمه من أهل بيته (ع)؟!
أما جعل النبي (ص) أهل البيت عدل القرآن بقوله: " إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي " وجعلهم مرجعا للمسلمين فيما يختلفون؟!
وأجمع آل محمد (ص) وعترته على أن أبا طالب (ع) كان من المؤمنين وارتحل من الدنيا بكمال الدين والإيمان.

دلائل أخرى على إيمان أبي طالب (ع)
وهذا أصبغ بن نباتة من الرواة الثقاة حتى عند علمائكم يروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: والله ما عبد أبي، ولا جدي عبد المطلب، ولا هاشم، ولا عبد مناف، صنما قط.
فهل من الإنصاف أن تتركوا قول أهل بيت النبوة والعترة الطاهرة، وتأخذوا بكلام أعدائهم مثل المغيرة بن شعبة الفاجر؟!
أو هل من الإنصاف أن تأولوا أشعار أبي طالب في الإسلام وفي النبي (ص)، وتصديقه لهما، وإعلانه الإيمان بهما بكل صراحة، فلا تقبلوا كل ذلك، لحديث رواه كاذب فاسق فاجر، عدو الإمام علي وعدو آل محمد (ص)؟!
وأضف على ما نقله المؤرخون من أشعار صريحة في إيمان أبي طالب، خطبته الغراء البليغة التي خطبها في خطبة أم المؤمنين خديجة الكبرى لرسول الله (ص) وذكرها عامة المؤرخين.
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج 14 / 70، ط. دار إحياء الكتب العربية: و خطبة النكاح مشهورة، خطبها أبو طالب عند نكاح محمد ص خديجة، و هي قوله: " الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، و زرع إسماعيل، و جعل لنا بلدا حراما و بيتا محجوجا، و جعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله أخي، من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا و فضلا، و حزما و عقلا، و رأيا و نبلا، و إن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل و عارية مسترجعة، و له في خديجة بنت خويلد رغبة،و لها فيه مثل ذلك، و ما أحببتم من الصداق فعلي، و له و الله بعد نبأ شائع و خطب جليل ".
بالله عليكم أنصفوا، لو وضعت هذه الخطبة أمام أي إنسان عالم غير منحاز إلى فئة، ألا يدق بأن قائلها إنسان مؤمن عالم وحكيم سحق الماديات وتوجه إلى المعنويات. والجملة الأخيرة جديرة بالتفكر والتدبر، أ فتراه يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل، ولا يؤمن به؟!
ولو كانت هذه الخطبة البليغة صادرة من أي إنسان آخر، مثلا من أبي قحافة أو الخطاب، أما كنتم تستدلون بها على إيمانه؟
ونقل العلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر / عن موفق بن أحمد ـ الخوارزمي ـ بسنده عن محمد بن كعب قال: رأى أبو طالب النبي (ص) ص يتفل في فم علي أي يدخل لعاب فمه في فم علي فقال: ما هذا يا بن أخي؟ فقال: إيمان و حكمة؟
فقال أبو طالب لعلي: يا بني! انصر ابن عمك و آزره.
أما يدل هذا الخبر على إيمان أبي طالب؟ فإنه لو لم يكن مؤمنا بالنبي، (ص) لمنعه وزجره، ولكنه أمر علي بنصرته ومؤازرته.

إسلام جعفر بأمر أبيه
وكذلك ذكر علماؤكم ومحدثوكم أن أبا طالب أمر ابنه جعفرا أن يقف بجانب النبي (ص) ويؤمن به وينصره، وذكر بعضهم أن أبا طالب دخل المسجد الحرام ومعه معه ابنه جعفر، فرأى رسول الله (ص) واقفا يصلي وعلي على يمينه يصلي معه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمك! فتقدم جعفر فوقف على يسار النبي (ص) يصلي معه، ويقلده في الركوع والسجود، فأنشد أبو طالب يقول:
إن عليا وجعفرا ثقتيعند ملم الزمان والنــوب‏لا تخذلا و انصرا ابن عمكماأخي لأمي من بينهم و أبيو الله لا أخذل النبي و لايخذله من بني ذو حسـب(63)


فهل من المعقول أن رجلا يأمر ولده بمتابعة رسول الله (ص)(64) ويأمره بنصرته وعدم خذلانه، ثم هو يخالف ذاك الرسول ولا يؤمن به؟

شواهد أخرى على إيمان أبي طالب (ع)
ذكر كبار علمائكم وجميع المؤرخين من دون استثناء، أن قريشا حين وحاصروهم محاصرة اقتصادية واجتماعية، التجأ بنو هاشم بأبي طالب، فأخذهم إلى شعب له يعرف بشعب أبي طالب، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج 14 / 65، ط. إحياء الكتب العربية: و كان سيد المحصورين في الشعب و رئيسهم و شيخهم أبو طالب بن عبد المطلب، و هو الكافل و المحامي، وقال في صفحة 64: و كان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله (ص) البيات إذا عرف مضجعه، يقيمه ليلا من منامه و يضجع ابنه عليا مكانه.
فقال له علي ليلة: يا أبت إني مقتول؟ فقال له:
اصبرن يا بني فالصبر أحجىكل حي مصيـــره لشعوبقدر الله والبلاء شديدلفداء الحبيب وابن الحبيبلفداء الأعز ذي الحسب الثاقب و الباع و الكريم النجيب‏إن تصبك المنون فالنبل تبـريفمصيب منها و غير مصيـب‏كل وحي إن تملى بعمرآخذ من مذاقها بنصيب


فأجاب علي (ع)، فقال له:
أتأمرني بالصبر في نصر أحمدووالله ما قلت الذي قلت جازعــاولكنني أحببت أن ترى نصرتيوتعلم أني لم أزل لك طائعاسأسعى لوجه الله في نصر أحمدنبي الهدى المحمود وطفلا يافعا


بالله عليكم فكروا وأنصفوا! هل يضحي أحد بابنه إلا في سبيل العقيدة؟
هل من المعقول أن أبا طالب يقدم ابنه عليا فداءا لرسول الله (ص) وهو غيره مؤمن به وبرسالته السماوية؟!
وذكر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم: سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص فقال: وقال ابن سعد... حدثني الواقدي قال: قال علي (ع): لما توفي أبو طالب. أخبرت رسول الله (ص) فبكى بكاء شديدا، ثم قال: اذهب فغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه.
فقال له العباس: يا رسول الله إنك لترجو له؟ فقال: أي والله ! إني لأرجو له وجعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته وقال علي يرثيه:
أبا طالب عصمة المستجيرو غيث المحول و نور الظلم‏لقد هد فقدك أهل الحفاظفصلى عليك ولي النعمولقاك ربــك رضوانهفقد كنت للمصطفـى خير عم


فأسألكم: أما قال الله سبحانه في كتابه:
(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ..)(65)؟.
فإذا مات أبو طالب مشركا كما تزعمون، فكيف جعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته؟!
والمشهور أن طلب الرحمة والمغفرة للمشرك حرام.
ثم كلنا نعلم أن تجهيز الميت أي تغسيله وتكفينه من سنن الإسلام، فإذا لم يكن أبو طالب مسلما، فكيف يأمر النبي (ص) عليا بتغسيله وتكفينه ومواراته؟
وهل من المعقول أن عليا (ع) وهو سيد الموحدين وإمام المتقين وأمير المؤمنين، يرثي مشركا بذاك الرثاء الذي هو جدير أن يرثى به الأنبياء والأوصياء، ولاسيما وصفه: " بنور الظلم "، وأنه " صلى عليه ولي النعم " وهو الله سبحانه وتعالى، " ولقاك ربك رضوانه.. " وهل الله عز وجل يلقي رضوانه المشركين؟!
فهذه كلها دلائل ناصعة، وبراهين ساطعة في إيمان أبي طالب.
الشيخ عبد السلام: إذا كان أبو طالب مؤمنا، فلماذا لم يعلن إيمانه مثل حمزة والعباس؟
قلت: إن إعلان حمزة إيمانه وإظهار إسلامه، وكتمان أبي طالب إيمانه وإسلامه كان عن حكمة وتدبير، فقد كان حمزة رجل الضرب والحرب، جسورا في اقتحام المعارك، فلما يظهر إيمانه ويعلن إسلامه، قويت شوكة المسلمين وكانوا مستضعفين، فإسلام حمزة بعث فيهم الروح وقوى معنوياتهم وشد عزائمهم. لكن أبا طالب كان رجل الحكمة والتدبير، وكان هو آنذاك يتزعم بني هاشم، فكانوا تحت لوائه، وحتى رسول الله (ص) كان تحت كفالته وحمايته، وكانت قريش تراعي مقامه وشخصيته لأنهم يحسبونه منهم، وعلى طريقتهم وطينهم، فكانوا يتنازلون له ويواجهونه باللين، حتى أنهم كانوا يطمعون فيه أن يسلمهم محمدا (ص) فيقضوا عليه ويقتلوه(66).
ولكن يا ترى هل تنازل أبو طالب أمام قريش في شيء مما طلبوا منه في ابن أخيه، من طرده وترك نصرته و...؟!
وأما العباس بن عبد المطلب، فإنه سبق إلى الإسلام وآمن بابن أخيه محمد (ص)، ولكن بأمر النبي (ص) كتم إيمانه أيضا، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن العباس أراد أن يهاجر مع رسول الله (ص) إلى المدينة، ولكن النبي (ص) أمره بالبقاء فيها وقال بقاؤك في مكة خير لي، فكان العباس يكتب إلى النبي (ص) أخبار مكة ويرسلها إليه حتى أخرجه المشركون كرها إلى بدر فكان من الأسرى ففدى نفسه وأطلق، ولما اقتضت الأمور وارتفعت الموانع، أعلن إسلامه وأظهر إيمانه يوم فتح خيبر.
وقال الشيخ القندوزي في ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون / تحت عنوان ذكر إسلام العباس رضي الله عنه ـ وفي الباب عناوين كثيرة ـ: قال أهل العلم بالتاريخ: إن العباس أسلم قديما يكتم إسلامه، وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي (ص): من لقي العباس فلا يقتله فانه خرج مكرها، وهو يكتب أخبار المشركين من أهل مكة إلى النبي (ص) وكان المسلمون يؤمنون به وكان يحب الهجرة إلى المدينة، لكن النبي (ص) كتب إليه: إن مقامك بمكة خير لك. ولما بشر أبو رافع ـ رق النبي (ص) ـ بإسلام العباس، أعتقه النبي (ص).
فيا ترى لو كان العباس يموت قبل إعلان وإظهار إيمانه، ما كان يتهم بالشرك؟
فأبو طالب كذلك آمن بالنبي الأمين (ص)، ولكن الحكمة وحسن التدبير اقتضت أن لا يظهر إيمانه، ليتمكن من محاماة النبي (ص) ونصرته.
ولذلك ذكر المؤرخون كلهم، منهم ابن أبي الحديد في شرح‏ نهج ‏البلاغة ج14/70 قال:
و في الحديث المشهور: أن جبرائيل (ع) قال له (ص) ليلة مات أبو طالب: " اخرج منها فقد مات ناصرك " (67).
الشيخ عبد السلام: هل اشتهر إسلام أبي طالب على عهد النبي (ص) وهل عرفه المسلمون؟
قلت: نعم اشتهر إيمان أبي طالب وإسلامه، وكل المؤمنين والمسلمين كانوا يذكرون أبا طالب بالخير ويعظمونه ويحترمونه.
الشيخ عبد السلام: كيف يمكن أن يكون أمره شائعا مشهورا في عهد رسول الله وبعد النبي (ص) بثلاثين سنة تقريبا، يكذبون على رسول الله (ص) ويضعون ويجعلون حديثا عنه، بخلاف ذلك الأمر الشائع، بحيث يخفونه على المسلمين ويغيرون الواقع والحقيقة!
قلت: ليس هذا أول قارورة كسرت في الإسلام، فإن هناك حقائق كثيرة أنكروها وحتى أحكام كانت على عهد النبي (ص) شائعة، يعمل بها المسلمون ويصدقها المؤمنون، غيرها المبتدعون وبدلها المبطلون، حتى نسيها الجيل الذي أتى بعد ذلك العهد.
الشيخ عبد السلام: إذا كان كذلك فاذكر لنا نموذجا حتى نعرف!
قلت: الشواهد لقولي كثيرة، ولكن الوقت لا يسمح أن أذكرها، وإنما أذكر نموذجا واحدا وهو حكم اتفق عليه الجمهور، ومستند إلى كتاب الله وسنة رسوله وقد عمل به المسلمون والصحابة وكان شائعا بينهم، إلا أن الخليفة الثاني حرمه ومنع المسلمين من العمل به، وهو الزواج المنقطع، والنكاح المؤقت.
فقد ذكر المحدثون والفقهاء وأصحاب التاريخ والسير: أن الزواج المؤقت كان جاريا من عهد النبي (ص) يعمل به المسلمون في عهد أبي بكر أيضا، وكذلك معمول به في شطر من خلافة عمر، ولكنه رأى بعد ذلك تحريمه، ومنع المسلمين من العمل به، فصعد المنبر وأعلن فقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أحرمهما وأعاقب عليهما. فجاء حكم عمر ناسخا لحكم الله ورسوله إلى يومنا هذا، بحيث نرى حتى بعض أهل العلم من العامة يتهجمون على الشيعة في كتبهم ويفترون عليهم بأنهم أهل البدع والضلال ويستشهدون لصدق كلامهم، بأن الشيعة يلتزمون بالزواج المؤقت ويجيزونه ويبيحونه.
فالافتراء على أبي طالب (ع) واتهامه بالكفر، وقذفه بالشرك، وتغيير واقعه في التاريخ، وتبديل حقيقته بين كثير من الناس، أنتم وأمثالكم، لم يكن بأعجب ولا أصعب، من تغيير حكم الله وتبديل سنة رسول الله (ص)، والأمر الذي عمل به أكثر الصحابة وذكره الله في كتابه بالصراحة وإذا به ينقلب حراما بحكم عمر بن الخطاب، ويعين لفعله عقابا وعذابا صارما.
والناس يقبلون منه التغيير ويمتنعون بحكمه من حكم الله سبحانه، وحتى أنتم اليوم ملتزمون بحكم الخليفة وجعل حلال الله تعالى حراما.
الشيخ عبد السلام: أتريد أن تقول أن ألوف الملايين من المسلمين الذين جاءوا بعد عمر الفاروق كلهم عملوا على خلاف حكم الله سبحانه ورجحوا كلام الخليفة على الله وسنة رسوله (ص)؟ والحال كل أهل العالم يعملون بأننا نتمسك بسنة رسول الله (ص) ونعمل بها حتى أطلقوا علينا كلمة " أهل السنة " وأطلقوا عليكم كلمة " الرافضة " لأنكم رفضتم سنة النبي (ص)(68).

نحن أهل السنة وأنتم الرافضة
قلت: رب مشهور لا أصل له، أنتم تسمون أهل مذهبكم ـ أهل السنة ـ وتسمون شيعة آل محمد (ص) ـ الرافضة ـ وليس الأمر كما تدعي بأن أهل العالم أطلقوا كلمة ـ أهل السنة ـ عليكم وكلمة الرافضة على الشيعة. فإن الأصل على عكس التسميتين ، فإنكم إذا فتحتم أعينكم وأبصرتم الحقائق بقلوبكم وعقولكم لعرفتم أن الشيعة هم في الحقيقة أتباع القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين، وغيرهم هم الذين رفضوا العمل بالقرآن والتمسك بالسنة الشريفة.
الشيخ عبد السلام: قال ـ مستهزئا ـ: أحسنت إذ سميت ألوف الملايين من المسلمين المتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله (ص) روافض. ليت شعري ما هو دليلك على هذا الادعاء؟!
قلت: أراك تأثرت من كلامي وقولي: بأننا نحن أهل السنة وأنتم الرافضة، وأنتم منذ مئات السنين تدعون هذا الأمر وتسمون ألوف الملايين من شيعة آل محمد وأهل بيته الطاهرين طول التاريخ بالرافضة، بل ترمونهم بالكفر والضلال، بغير دليل ولا برهان، بل ادعاء وافتراء واضح البطلان.
ولكني كما أثبت في طول مناقشاتي في الليالي الماضية أني لا أتكلم بغير دليل ولا أستند في حديثي بالأقاويل والأباطيل، فكذلك هذه الليلة.
وأما دليلي على أننا أتباع القرآن الحكيم وسنة سيد المرسلين فهو حديث رسول الله (ص) الذي أثبتناه في الليالي الماضية وذكرنا مصادره من كتبكم المعتبرة، وهو قوله (ص): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا. وأنتم أعرضتم عن أهل البيت وتمسكتم بغيرهم بل تمسكتم أحيانا بأعدائهم ومخالفيهم، وتركتم حكم الله الذي عمل به أصحاب رسول الله (ص) في حياته، وتمسكتم بحكم عمر الذي غير حكم الله وحرم حلاله، وكذلك ابو بكر خالف حكم الله سبحانه في عدم إعطاء خمس الغنائم لأهل البيت (ع) في صريح قوله تعالى : (وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى)(69) وكان رسول الله (ص) في حياته يعمل بهذه الآية الشريفة، وقد أثبتنا ذلك في الليالي الماضية ونقلنا لكم أقوال أعلامكم بأن أبا بكر غير حكم الخمس وتبعه وأما عمر، وأما عثمان فقد خصه لقرباه عوض قربى النبي (ص) فأعطى الخمس لمروان وأبيه وأخيه وغيرهم من بني أمية الذين طردهم رسول الله (ص) ولعنهم. وأنتم أيضا إلى اليوم تتبعون سنة أبي بكر وهي على خلاف سيرة رسول الله (ص) وسنته الشريفة.
هل اكتفيتم أم أزيدكم؟!
الشيخ عبد السلام: ما هو دليلكم من كتاب عز وجل على تشريع الزواج المؤقت، هل عندكم دليل صريح من القرآن الحكيم؟

دليلنا في تشريع الزواج المؤقت
قلت: نعم دليلنا من القرآن الكريم في تشريع الزواج المؤقت الآية الكريمة التي تصرّح وتقول: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة)(70).
هذا هو صريح حكم الله جل وعلا وما نُسخ بآية أخرى، فيكون الحكم باقياً إلى آخر الدنيا، فإنّ حلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم حلالٌ إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
الشيخ عبد السلام: كيف عرفتم أنّ هذه الآية تشير إلى الزواج المؤقت!
فإن الإستمتاع يحصل في الزواج الدائم وإيتاء الأجور هو المهر واجب فيه وفرض أيضاً؟ قلت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من فسّر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار. فلا بد في مثل هذه القضايا المشتبهة أن نراجع كتب التفسير، وأنّ مفسّريكم مثل الطبري في تفسيره ج5 والفخر الرازي في تفسيره ج 3 وغيرهما ذكروا في تفسير الآية الزواج المؤقّت وقالوا بأنّ الآية نزلت في تشريع الزواج المؤقت.
إضافةً على بيان مفسريكم في تفسير الآية الكريمة فإنكم تعلمون أنّ الله عزّ وجل في سورة النساء قد بيّن أنواع النكاح المشروع في الإسلام فقال: (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعدلوا * وأتوا النساء صدقاتهن نحلة...)(71).
وقال سبحانه في الآية 24: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة...) في هذه الآية صرّح بتشريع الاستمتاع من النساء مقابل أجر فرض بينهما، والإستمتاع هو زواج المتعة أو المؤقت.
وشرّع نوعاً ثالثاً في النكاح وهو ملك اليمين، فقال عزّ وجل: (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن مّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات...)(72).
فإذا كانت آية الاستمتاع أيضاً تتضمن الزواج والنكاح الدائم فيكون ذكر هذا الموضوع في سورة واحدة مكرراً، وهذا إلى اللغو أقرب، وحاشا كلام الله العزيز من اللغو، والله جل جلاله حكيم واللغو لا يصدر من الحكيم.
ثم أننا نجد الكلمات والتعابير في الآيتين مختلفة، ففي الآية الأولى يقول سبحانه: (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء..... وآتوا النساء صدقاتهن ) وفي الآية الثانية يقول تعالى: (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهن أجورهن). فبدّل النكاح بالاستمتاع والصداق بالأجور. كما أن المؤرّخين قد ذكروا أنّ المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يتزوجون بزواج المتعة وهو الزواج المؤقت. فإذا كانت آية المتعة – على حدّ زعمكم – تشير إلى الزواج الدائم لا المؤقت ، فما هي الآية التي عرف المسلمون منها وفهموا الزواج المؤقت؟ وعلى استناد أيّة آية من كلام الله العزيز شرّع لهم الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم زواج المتعة؟

روايات المتعة عن طريق أهل السنة
أمّا الروايات الواردة والأخبار المروية في المتعة والزواج المؤقت في كتبكم المعتبرة، من علمائكم وأعلام أمتكم، فكثيرة لا يمكن رفضها ونقضها لأنّ بعضها جاءت في الصحاح، فقد روى البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج وأحمد في المسند ج 4 ص 429 عن أبي رجاء عن عمران بن الحصين أنّه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن بحرمتها ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات، قال رجل برأيه ما يشاء.
وروى مسلم في صحيحه ج 1 ص 535 باب نكاح المتعة عن عطاء قال: قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عهد أبي بكر وعمر(73).
وروى مسلم في نفس الجزء 467 في نفس الباب وفي كتاب الحج / باب التقصير/ في العمرة / مسنداً عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله إذْ أتاه آت فقال: إنّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عمر. ورواه أحمد في المسند ج 1 ص 25 بطريق آخر باختلاف يسير في اللفظ(74).
وروى مسلم في صحيحه نفس الجزء / باب نكاح المتعة/ بسنده عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر، حتى نهى عمر عنه في شأن عمرو بن حريث(75).
وفي صحاحكم ومسانيدكم توجد أخبار وروايات كثيرة جداً في هذا الباب لا مجال لذكرها، وكلها تكشف عن عمل الصحابة بالمتعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وأوائل عهد عمر ثم نهاهم عمر عنها وتوعّد من يستمتع بالرجم(76).
إضافة على ما نقلت لكم، فإن مفسريكم قد نقلوا روايات حاصلها أنّ جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب وابن عباس وعبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير والسّدي وغيرهم كانوا يقرؤون الآية هكذا: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى.
رواها جار الله الزمخشري في الكشاف عن ابن عباس ومحمد بن جرير الطبري في تفسيره، والفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب، والثعلبي في تفسيره، ونقل العلامة النووي في شرح صحيح مسلم في باب نكاح المتعة عن القاضي عياض عن المازري أنه روى عن عبد الله بن مسعود: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى.
ويروي الفخر الرازي عن أبي بن كعب وعن ابن عباس مثله ثم قال: والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة فكان ذلك إجماعاً على صحة ما ذكرنا.
ويقول بعده بورقة: فإنّ تلك القراءة لا تدلّ إلاّ على أنّ المتعة كانت مشروعة، ونحن لا ننازع فيه.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:50 AM


الشيخ عبد السلام: نعم نتّفق معكم على أنّ المتعة كانت في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وربّما نسخها، فما دليلكم على عدم نسخها؟
قلت: أولا.. كلامكم في النسخ إدّعاء محض، ولا بد للمدّعي من إقامة الدليل لإثبات إدّعائه، فنحن نطالبكم بالدليل.
ولكن مماشاة لكم وتلبية لطلبكم أقول: دليلنا على عدم نسخها في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الروايات التي ذكرناها ولا سيّما قول عمر: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما، في بعضها: وأنا أنهى عنهما..
كما أن عمل الأصحاب وسيرتهم في خلافة أبي بكر على ذلك أيضاً.(77)
الشيخ عبد السلام: ولكن نستفيد من القرآن نسخ المتعة إذ يقول سبحانه: (إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين)(78).
فقد ذكر سبحانه في هذه الآية الكريمة سببين للحليّة وهما الزوجية وملك اليمين ونسخ المتعة لأنّها ليست تزويجاً، فلا إرث بينهما ولا نفقة ولا طلاق ولا عدّة وهذه كلها من لوازم الزوجيّة.

حكم المتعة غير منسوخ في القرآن
قلت: لا تدل هذه الآية على نسخ حكم المتعة، بل هي في حدّ الزوجية ثم هذه الآية في سورة المؤمنون وهي مكيّة، وتشريع المتعة في سورة النساء وهي مدنية، فكيف الناسخ نزل قبل المنسوخ؟!
وأما قولك: بأن المتعة ليس فيها لوازم الزوجية من الإرث والنفقة والطلاق والعدة.
فأقول: كلامك يدل على عدم اطلاعك لفقهنا وعدك مطالعتك لكتب علمائنا، فإنهم أثبتوا أنّ جميع آثار الزوجية تترتب على المتعة إلاّ ما خرج بالدليل، ولا يخفى أنّ الله سبحانه أسقط بعض شروط الزوجية ولوازمها لغرض التسهيل والتخفيف في هذا النوع من النكاح والتزويج.
ثم اعلم.. أن الإرث والنفقة ليسا من اللوازم الثابتة للزوجيّة فقد أفتى فقهاء الإسلام من الشيعة والسنة: أن الزوجة الكتابية والناشزة والتي قتلت زوجها لا ترث منه ولا تستحق النفقة. مع العلم أنّ الزوجية باقية، إذ لا يجوز لها أن تتزوّج برجل آخر، وتجب عليها عدة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيام ـ إذا توفيّ الزّوج.
وأما الطلاق في المتعة، فإن حكم الطلاق بانقضاء الأجل المسمّى والمدّة المعينة، أو بأن يهب الرجل ما تبقّى من المدة ويتنازل عن حقّه، ويجب عليها العدة وأقلّها خمسة وأربعين يوماً، والمشهور أن ترى المرأة طهرين، أمّا إذا مات الرجل قبل انقضاء الأجل المسمّى وقبل أن يهبها ما تبقى من المدّة فيجب على المرأة أن تعتد عدة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيام ـ وهي عدة المتوفّى عنها زوجها.
الشيخ عبد السلام: لقد روى بعض علمائنا روايات تصرّح بأنّ النبي (ص) نسخ حكم المتعة، فبعضها تشير بأنّ النبي (ص) نسخها عندما فتح خيبر، وبعضها تقول نسخها يوم فتح مكة، وبعضها تقول في حجة الوداع وبعضها في تبوك وبعضها في عمرة القضاء.
قلت: أولا: هذا الاختلاف الفاحش دليل قوي على وضع تلك الأخبار وكذبها، ومن الواضح أنّ غرض الواضعين والجاعلين تبرئة عمر وتنزيهه.
ثانيا: لو قايسنا هذه الأخبار مع الروايات التي نقلناها من صحاحكم ومسانيدكم ومصادر أعلامكم وجدناها واهية ضعيفة لا تعدّ شيئاً.
ثالثا: كلام عمر كما نقلناه من كتبكم المعتبرة: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) وأنا أحرّمهما، وما قال: كانتا ونسختا بل قال: أنا أحرمهما.. فلو كانت آية ناسخة لاستند بها ولو كان حديث ناسخ من النبي (ص) لاستدل به. ولكنه أسند التحريم إلى نفسه.
ونحن نجد في مصادركم وصحاحكم روايات صريحة بعدم نسخ المتعة وقد نقلنا بعضها لكم، فإنّ في القائلين بعدم النسخ نجد بعض الصحابة الكبار مثل عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي ذر وعمران بن حصين وغيرهم. وتبعهم كبار علمائكم وقالوا بعدم نسخ حكم المتعة منهم جار الله الزمخشري في الكشّاف فإنّه بعدما ينقل رواية ابن عباس يقول: آية المتعة من محكمات القرآن وما نسخت.
ومنهم مالك بن أنس فإنّه أفتى بجواز المتعة وعدم نسخها، كما نقل عنه سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح المقاصد، والعلامة برهان الدين الحنفي في كتابه الهداية، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري وغيرهم نقلوا أنه قال في موضع من كتابه: هو جائز لأنّه كان مباحاً مشروعاً واشتهر عن ابن عباس حليّتها وتبعه على ذلك أكثر أهل اليمن وأهل مكة من أصحابه، وقال في موضع آخر: هو جائز لأنّه كان مباحاً فيبقى إلى أن يظهر ناسخه. فنعرف من كلام مالك بأنّه إلى زمانه عام 179 من الهجرة ما كانت روايات النسخ، وإنّما وضعها الكاذبون الجاعلون بعد هذا الزمن وهي من وضع وجعل المتأخرين. والّذين قالوا بتحريم المتعة استندوا على كلام عمر وما استدلّوا بغير قوله: وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما، وهو دليل باطل لأنّه ليس من حق عمر التشريع فإن فإنّ الشارع هو الله العزيز الحكيم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مبيّن لأمّته ما أوحي إليه من ربّه، من أحكام الدين والشريعة.
الشيخ عبد السلام: نعم ليس من حق عمر (رض) ولا من حق غيره التشريع... ولكن قول عمر الفاروق سندٌ قوي ودليل محكم لنا في كشف الحق، فإنّه لا يحكم بشيء إلاّ على استناد ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعتب على المسلمين الحاضرين في مجلس الخليفة (رض) إذْ لم يسألوه عن دليل التحريم وإنّما قبلوا منه بغير اعتراض لما يعرفون فيه من الصدق والصلاح، فلذلك صار قوله لنا دليلاً محكماً وسنداً مقبولاً.
قلت: هذه كلها مغالطات وتوجيهات، وقد قيل حبّ الشيء يُعمي ويُصم، وأنتم من فرط حبكم لعمر تسعون في توجيه أعماله المخالفة لصميم الإسلام ونصّ القرآن، وتفسرون كلامه على خلاف ظاهره، لأنّه يصرّح: أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما . وأنتم تقولون: بأنّه لا يحكم بشيء إلاّ على استناد ما سمعه من النبي؛ وتلقون العتب على المسلمين الحاضرين في مجلسه إذْ لم يسألوه عن دليل التحريم، والرجل ليس له دليل إلاّ أنّ رأيه قد قطع بذلك. وأما قولك: بأن الحاضرين قبلوا منه بغير اعتراض فهو مخالف لما رواه أعلامكم بأنّ إبنه عبد الله كان يُفتي على خلاف رأي أبيه وكذلك جمعٌ من الصحابة والتابعين كما ذكرنا لكم. وأما قولك: بأن قول عمر دليلٌ محكم وسند مقبول لديكم، ليت شعري بأيّ نصّ شرعي من الكتاب أو السنة أصبح قول عمر دليلاً محكماً وسنداً مقبولاً؟! هذا الذي ليس فيه نص من الكتاب أو السنة، تجعلوه لأنفسكم حجّة وتلتزمون به وتتمسكون به أشد التزام وتمسك، وتعرضون عن الخبر الذي وصل حد التواتر وهو حديث الثقلين فلا تعملون بقول العترة ولا تتمسكون بهم، علماً أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال: (ما إن تمسكتم بهما – أي القرآن والعترة – لن تضلوا بعدي أبداً) فقد جعلهما صلى الله عليه وآله وسلم أماناً من التيه والضلال.

هل يجوز للمجتهد أن يخالف النص؟
الشيخ عبد السلام: إنكم تعلمون أنّ جماعة من علمائنا المحققين قالوا: أن النبيّ كان يضع الأحكام باجتهاد رأيه، فلذلك يجوز لمجتهد آخر أن ينقض حكمه إذا توصّل رأيه إلى خلاف قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك نقضه عمر وقال: أنا أحرّمهما.
قلت: ما كنت أتوقع منك هذا الكلام يا شيخ عبد السلام! فإنك لتصحيح غلطة ارتكبت غلطات، بالله عليكم هل يصح الاجتهاد مقابل النصّ؟ وهل يجوز لإنسان أن يخالف القرآن ويخالف حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزعم الاجتهاد؟ أما يكون كلام الشيخ غلواً في حق عمر وإجحافاً في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ إذْ يساوي رأي عمر برأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل يرجّحه على رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم! وكلام الشيخ خلافٌ صريحٌ لصريح القرآن الحكيم لقوله تعالى:
(قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ)(79).
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يجوز له أن يبدل حكماً من الأحكام، فكيف تجيزون لعمر؟! وعلى فرض اجتهاده فلا يجوز لمجتهد أنْ يخالف النصّ المسلّم(80).
والقائلون بأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع الأحكام باجتهاده وبرأيه كلامهم باطل وليس على أساس عقلي وعلمي بل هو مخالف لصريح القرآن الحكيم أيضاً لقوله تعالى:
(وما ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وحي يوحى)(81).
وقوله تعالى: (قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ)(82).
وكلامكم يخالف صريح كلام الله العزيز.
الشيخ عبد السلام: لا شك أنّ الخليفة (رض) حكم بصلاح المسلمين وحرّم المتعة لأنّه كما جاء في كتاب الإصابة للعسقلاني ج 3 القسم 1 / 114 عن عمر بن شبّة قال: واستمتع سلمة بن أميّة من سلمى مولاة حكيم بن أميّة بن الأوقص الأسلمي، فولدت له فجحد ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة.
فحرّم عمر (رض) المتعة حتى لا يشيع هذا الأمر ولا يتكرر، وكلنا نعلم أن الأولاد الذين جحدهم آبائهم ينكرهم المجتمع أيضاً، فيسببوا فساداً كبيراً، من أجل ذلك ولكي لا يكثر الفساد، نهى عمر عن المتعة.
قلت: ولكن هذا حاصل حتى في النكاح الدائم أيضاً فكم من رجل جحد ولده وأنكر ما ولدته زوجته فهلاّ نهى عمر عن النكاح الدائم أيضاً؟! أفهل تكليف الخليفة ومسؤوليته في قبال عمل سلمة بن أميّة وإنكاره ولده أن يحرّم حلال الله ويغيّر حكمه ويبدّل دينه؟! أم كان المفروض أن يعظ سلمة ويأمره بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يقابله بالحكمة والموعظة الحسنة فيوقظ وجدانه ويقوّي إيمانه فيشعره بالمسؤوليّة ثم يحكم بإلحاق الولد بسلمة بن أميّة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الولد للفراش) وما كان لسلمة أن ينكر العقد لأنّه كما نقرأ في الكتب أنهم كانوا يشهدون العدول على العقد في المتعة فقد روى في كنز العمال: ج 8 ص 294 عن سليمان بن يسار عن أم عبد الله ابنة أبي خثيمة: أنّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها ، فقال: إنّ العزوبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة أتمتع معها. قالت: فدللته على امرأة فشارطها وأشهدوا على ذلك عدولاً، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ثم إنه خرج ، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فأرسل إليّ فسألني: أحق ما حدّثت؟ قلت: نعم. قال: فإذا قدم فآذنيني به. فلما قدم أخبرته فأرسل إليه فقال: ما حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم مع أبي بكر فلم ينه عنه حتى قبضه الله ثم معك فلم تحدث لنا فيه نهياً. فقال عمر : أما والذي نفسي بيده: لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك، بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح. وأخرجه ابن جرير أيضاً. وأما قولك: إن الخليفة حكم بصلاح المسلمين، فإن الله ورسوله أعرف بصلاح الخلائق، والخالق أعلم بمصالح مخلوقه ولا شك أنّ الله سبحانه وتعالى شرّع المتعة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم سنّها لحكمة حكيمة ومصلحة عظيمة للمؤمنين ولكن عمر نقضها. وقد جاء في الخبر كما في شرح معاني الآثار للطحاوي / كتاب النكاح / باب نكاح المتعة / روى بسنده عن عطاء عن ابن عباس قال: ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها هذه الأمة، ولولا نهي عمر بن الخطاب عنها ما زنى إلاّ شقي. وروى الثعلبي والطبري في تفسيريهما وأحمد في المسند في تفسير آية المتعة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي. فتحريم عمر للزواج المؤقت لم يقلل الفساد وإنّ أثر نهيه المتعة كان بعكس ما تقولون، وبخلاف ما تزعمون.
ولنترك هذا البحث الذي جاء استطرادا، لأن البحث كان حول إيمان أبي طالب (ع) فقلنا: إنه كان مؤمنا ومات مؤمنا إلا أن أعداء الإمام علي (ع) أرادوا تنقيصه والحط من كرامته وشخصيته، فوصموا أباه ـ شيخ بني هاشم وكافل النبي وحاميه (ص) ـ بوصمة الكفر والشرك، وأشاعوه بعد النبي (ص) بوضع حديث افتروه على رسول الله (ص) وهو حديث الضحضاح. فخبر عدم إيمان أبي طالب (ع) إن هو إلا من أكاذيب بني أمية وأباطيلهم، وشيوع الخبر جاء بتبليغ منهم بحيث غطى على خبر إيمانه، فقلبوا الحقيقة وغيروا الواقع حتى التبس الحق على المسلمين.فلما وصل حديثنا إلى هذا المكان، استبعد الشيخ عبدالسلام ذلك، وقال: لا يمكن لأحد أن يقلب الحقيقة ويغير الواقع الذي كان شائعا في عهد النبي (ص) فيبد له بحيث يلتبس الأمر على المسلمين، فينكروا الحقيقة ويقولوا بغير الواقع.
فقلنا: إن هذا ليس بأول قارورة كسرت في الإسلام.
فطلب مثالا ليكون مصداقا آخر وشاهد على كلامنا، فمثلنا بتحريم عمر متعة الحج ومتعة النساء، فصرح قائلا: متعتان كانت على عهد رسول الله وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما. والشاهد تمسكهم بقول عمر وتركهم سنة النبي (ص)، فثبت بأن الحكومة والقوة تلعب دورا هاما في إخفاء الواقع ونشر الأكاذيب ولبس الحق، وإشاعة الباطل باسم الحق، ولا يخفى في هذه الأمور دور الدعايات والأحاديث الزائفة المجعولة بواسطة رجال ممن عرفوا بصحبة رسول الله (ص)، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم فلا أطيل الكلام في الموضوع أكثر من هذا، ومن أراد من الحاضرين أن يتعمق أكثر ويحقق الموضوع ويبحث فيه أكثر مما قلنا فليراجع الكتب المعتبرة عند العامة من أعلامهم، مثل السيوطي، وأبي القاسم البلخي، ومحمد بن إسحاق، وابن سعد الكاتب، وابن قتيبة، والواقدي، والشوكاني والتلمساني، والقرطبي، والبرزنجي والشعراني، والسبحمي، وأبي جعفر الاسكافي، وغيرهم من علماء العامة الذين اعترفوا في كتبهم بإيمان أبي طالب (ع). وقد كتب بعضهم رسالة مستقلة في الموضوع.

الكعبة مولد الإمام علي عليه السلام
وأما الفضيلة الأخرى التي امتاز بها الإمام علي (ع) وتعد من فضائله الخاصة به، إذ لم يحدث مثله لأحد قبله ولا بعده، ألا وهو مولده في وسط بيت الله الحرام في الكعبة المشرفة، وقد حدث ذلك بإرادة الله سبحانه وبدعوة منه لفاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين (ع) إذ انشق لها ركن البيت لما استجارت به تطلب من الله تعالى أن يسهل عليها الولادة، فدخلت في الكعبة وعاد الركن فالتأم والتصق. إنما حدث ذلك لكي لا يقول أحد أن ولادة علي بن أبي طالب داخل الكعبة كانت عند صدفة وليس فيها كرامة له (ع).
وكما في بعض الأخبار المروية أن فاطمة بنت أسد بقيت في الكعبة ثلاثة أيام ضيفة على ربها، فصار الناس يتحدثون في المجالس والنوادي عن هذا الحادث الخارق والأمر الغريب، وفي اليوم الثالث عند اجتماع الناس وتزاحمهم في المسجد الحرام، وإذا بالركن ينشق ثانيا، وتخرج فاطمة بنت أسد وعلى يديها ولدها الكريم علي (ع)، ويعد علماء الإسلام شيعة وسنة هذه الفضيلة من خصائص أمير المؤمنين، وقد قال الحاكم في المستدرك، والعلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة / الفصل الأول ص 14:
ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه وهي فضيلة خصه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاء لمرتبته وإظهار لتكريمه(83).

اسم " علي " عليه السلام نزل من عند الله تعالى
والفضيلة الأخرى التي امتاز بها الإمام علي (ع) على سائر الصحابة إن اسمه الشريف جاء له من عند الله تبارك وتعالى من عالم الغيب.
الشيخ عبد السلام: إن هذا الكلام غريب جدا، أ فهل كان أبو طالب نبيا يوحى إليه، حتى نقول بأن اسم ابنه نزل أو جاء من عند الله؟! إن هذا إلا أقاويل الشيعة يختلقونها من فرط حبهم لسيدنا علي كرم الله وجهه، وليس لهذا الاسم ربط بعالم الغيب، بل اختاره أبو طالب لولده.
قلت: ليس كلامي بغريب، وإنما استغربته لأنك لا تعتق بولاية الإمام علي (ع). فإنك تظن أن هذا الاسم جعل على الإمام علي (ع) حين ولادته، وليس كذلك، فإن الله تعالى قد ذكر في جميع الكتب السماوية اسمي محمد وعلي عليهما الصلاة والسلام بصفة النبوة والإمامة، وإن هذين الاسمين المباركين كتبهما الله عز وجل وجعلهما على السماوات والأرضين وعلى أبواب الجنة وعلى العرش العظيم، قبل أن يخلق آدم أبا البشر بآلاف السنين، فلا يختص بزمن أبي طالب (ع).
الشيخ عبد السلام: أليس هذا الكلام غلوا في حق علي كرم الله وجهه؟ فقد قارنتموه بسيد المرسلين (ص) وذكرتم اسمه مع اسم النبي (ص) مكتوبا في عالم الملكوت وحتى على العرش العظيم. نعم اسم رسول اله (ص) كوجوده ونفسه فوق كل شيء وليس له قرين، ولكنكم بالتمسك بخبر ضعيف، غير معتبر تحتجون علينا، بل وتجعلوه سندا مقبولا ودليلا معقولا لفتة فقهائكم فيفتون بوجوب ذكر علي بعد اسم النبي (ص) في الأذان.
فتبسمت ضاحكا من قوله، وقلت: لا يا أخي إنني غير مغال حق أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين، ابن عم الرسول وزوج البتول وسيف الله المسلول وأسد الله الغالب مظهر العجائب والغرائب وصاحب الفضائل والمناقب الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.
نحن ما قارنا اسمه مع اسم رسول الله (ص)، ولا نحن سجلنا اسمه مع اسم النبي (ص) في السماوات والعرش العظيم، بل الله عز وجل هو قارن اسم وليه علي بن أبي طالب مع اسمه واسم نبيه (ص) وكتب اسمه مقارنا لاسمه العزيز واسم حبيبه على أبواب الجنان كما ورد في روايات أعلامكم وعلمائكم بإسنادهم لا بأسانيد ضعيفة زعمت، وقد أثبتوا تلك الروايات ونقلوها في مصادركم المعتبرة لدى كبار علمائكم وأعلام محدثيكم الذين لو ضعفتهم فقد ضعفت مذهبك، فليس ولا لأي واحد منكم الخضوع لمقامهم والتسليم لآرائهم وقبول ما رووا في مسانيدهم وتصانيفهم.
الشيخ عبد السلام: لو تتفضل بذكر بعض تلك الروايات التي نقلها كبار علمائنا وأعلام محدثينا.
قلت: روى الطبري في تفسيره وابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام علي (ع)، وروى العلامة الكنجي القرشي الشافعي في كفاية الطالب / باب 62، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، والعلامة القندوزي في الينابيع / باب 56 حديث 52 نقلا من ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري، رووا بأسانيدهم على أبي هريرة ـ مع اختلاف يسير في الألفاظ واتحاد المعنى ـ عن رسول الله (ص) قال: مكتوب على ساق العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعلي بن أبي طالب.
وروى جلال الدين السيوطي في الخصائص الكبرى: ج1/10، وفي الدر المنثور في أوائل سورة الإسراء، نقلا عن ابن عساكر وابن عدي انهما رويا عن أنس بن مالك عن النبي (ص) قال: ليلة أسري بي إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله (ص)، أيدته بعلي.
وروى القندوزي في الينابيع باب / 56، نقلا عن ذخائر العقبى للطبري عن أبي الحمراء عن النبي (ص) قال: ليلة أسري بي على السماء، نظرت إلى الساق الأيمن من العرش فرأيت مكتوبا محمد رسول الله، أيدته بعلي ونصرته به، وقال : أخرجه الملا في سيرته.
وروى القندوزي أيضا في الباب نقلا عن ذخائر العقبى للطبري عن أبي الحمراء عن النبي (ص) قال: ليلة أسري بي إلى السماء، نظرت إلى الساق الأيمن من العرش فرأيت مكتوبا محمد رسول الله، أيدته بعلي ونصرته به، وقال: أخرجه الملا في سيرته.
وروى القندوزي أيضا في الباب نقلا عن كتاب " المناقب السبعون " الحديث التاسع عشر / عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (ص): مكتوب على باب الجنة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام، محمد رسول الله، وعلي أخوه، قال رواه ابن المغازلي.
أقول: رواه أحمد في المناقب، والعلامة الهمداني في كتابه مودة القربى / المودة السادسة، والخطيب الخوارزمي في المناقب، وابن شيرويه في الفردوس ، كلهم عن جابر بن عبد الله الأنصاري، كما مر وتذكرت حديثا جميلا مناسبا لموضوع الحوار، أخرجه العلامة الهمداني الشافعي في مودة القربى / المودة الثامنة / عن علي (ع) انه قال له النبي (ص): إني رأيت اسمك مقرونا باسمي في أربعة مواطن:
1ـ فلما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرة بها لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي وزيره.
2ـ ولما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت عليها إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي، محمد صفوتي من خلقي أيدته بعلي وزيره و نصرته به.
3ـ ولما انتهيت إلى عرش رب العالمين فوجدت مكتوبا على قوائمه إني أنا لا إله إلا الله أنا محمد حبيبي من خلقي أيدته بعلي وزيره و نصرته به.
وروى الثعلبي في تفسيره ـ كشف البيان ـ والطبري في تفسيره في تفسير الآية 62 من سورة الأنفال: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ) عن أبي هريرة وعن ابن عباس أنها نزلت في علي. ثم رووا عن النبي (ص): رأيت مكتوبا على العرش: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، محمد عبدي ورسولي أيدته ونصرته بعلي بن أبي طالب.
أخرجه القندوزي أيضا في الينابيع الباب الثالث والعشرون عن أبي نعيم الحافظ عن أبي هريرة، وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس حبر الأمة، قال القندوزي: وروى عن أنس بن مالك نحوه، ثم نقل عن كتاب الشفاء: روى ابن قانع القاضي عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله (ص): لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي.
وروى المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم 89 بسنده عن ابن عباس قال: سئل النبي (ص) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه. قال: سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي، فتاب عليه(84).
وأخرجه عنه القندوزي في الينابيع / الباب الرابع والعشرون.
أكتفي بهذا المقدار من الروايات والأخبار وأظن أن الشيخ استوفى جوابه: بأن الله تعالى قرن اسم وليه علي بن أبي طالب باسمه واسم حبيبه ونبيه، لا نحن، والخبر ليس بضعيف ولا عن طريق واحد بل وصل إلينا من طرق شتى، ونقله علماء المسلمين من السنة والشيعة.
وأما كلامك يا شيخ: بأنه هل كان أبو طالب نبيا يوحي إليه؟
فأقول: الوحي لا يلازم النبوة، فقد أوحى الله تعالى إلى أم موسى وما كانت في مقام النبوة، والله سبحانه يصرح في ذلك بقوله عز وجل:
(وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(85).
وربما أوحى الله تعالى إلى غير الإنسان كما في قوله سبحانه:
(وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ)(86).
ومما لا شك فيه أن الوحي له مراتب فالمرتبة الأعلى والأقوى منها تحصل للأنبياء، والأدنى منها تحصل لغير الأنبياء بإرادة الله القادر المنان.
كما نستفيد من كلام الله تعالى، أن أوامره إلى عباده وهدايتهم لمقاصده، لا تنحصر بطريق الوحي، فإنه قادر أن يبلغها لمن يريد بأي طريق شاء، ولو بخلق النداء والصوت، كما حدث ذلك لمريم ابنة عمران، فقد قال سبحانه: (فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا * فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)(87).
فكما إن الله عز وجل بلغ مراده إلى أم موسى بالوحي، وإلى أم عيسى بالنداء، فقد بلغ أبا طالب أيضا بأنه انتخب اسم علي واشتقه من اسمه الأعلى لوليد الكعبة، فسماه عليا.
ولا نقول بأن الوحي الذي كان ينزل على رسول الله (ص) نزل على أبي طالب ولا نعتقد نبوته، وإنما نقول بأن الله تعالى نبه أبا طالب وبلغه إما بالنداء أو بمشاهدته لوحا مكتوبا أن يسمي ولده بالاسم المشتق من اسم الله العلي الأعلى، فيسميه عليا وقد فعل أبو طالب ذلك، ولم ننفرد نحن بهذا القول، بل وافقنا فيه بعض أعلامكم أيضا.
روى العلامة الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى / المودة الثامنة، ونقل عنه الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون: عن العباس بن عبد المطلب (رض) قال: لما ولدت فاطمة بنت أسد عليا سمته باسم أبيها أسد، ولم يرض أبو طالب بهذا الاسم فقال: هلم حتى نعلو [ جبل ] أبا قبيس ليلا وندعو خالق الخضراء لعله ينبئنا في اسمه، فلما أمسيا خرجا وصعدا أبا قبيس ودعيا الله تعالى، فأنشأ أبو طالب شعرا:
يا رب هذا الغسق الدجىوالقمر المنبلج الـمـضي‏بين لنا من أمرك الخفيما ذا ترى في اسم ذا الصبي


فإذا خشخشة من السماء، فرفع أبو طالب طرفه فإذا لوح مثل زبرجد أخضر فيه أربعة أسطر فأخذه بكلتي يديه وضمه إلى صدره ضما شديدا فإذا مكتوب:
يا أهل بيت المصطفى النبيخصصتما بالولد الزكيإن اسمه من شامخ العليعلي اشتق من العلي


فسر أبو طالب سرورا عظيما وخر ساجدا لله تبارك وتعالى وعق [عنه] بعشر من الإبل، وكان اللوح معلقا في بيت الله الحرام يفخر به بنو هاشم على قريش حتى غلب الحجاج بن الزبير، انتهى كلام العلامة الهمداني.
أقول: وهذه الرواية عطف على ما شبق وتدل على أن أبا طالب كان مؤمنا بالله موحدا له سبحانه متوجها إليه في مهامه وحوائجه.
وأما قولك يا شيخ: بأن فقهاء الشيعة يفتون بوجوب ذكر علي (ع) في الأذان، فهو كذب وافتراء، ولو كنت صادقا فاذكر لنا فتوى واحدة من فقهائنا.
نعم نحن نذكر اسم الإمام علي (ع) ونشهد له بالولاية والإمامة، بقصد الندب وإجهارا بالحق، لأنا نعرف مندوبية ذلك ومطلوبية ذكر اسم علي بالولاية والإمامة بعد النبي (ص)، نعرفه مما ذكرنا من الروايات في كتبكم المعتبرة والتي مرت مع ذكر المصادر الكثيرة، بأن الله عز وجل قرن اسم علي (ع) مع اسم النبي (ص)، وذكر عليا بعد ذكر حبيبه ورسوله محمد (ص) حتى في عرشه العظيم وعلى أبواب الجنان قبل أن يخلق الأرض والسماوات.
ونكتفي بهذا ونرجع إلى صلب الموضوع في الحوار وهو ذكر أمهات الفضائل والأصول الثابتة لعلي (ع).

زهد الإمام علي (ع) وتقواه
والفضيلة الثانية التي امتاز بها ولا يساويه أحد فيها فضيلة الزهد والتقوى. وأجمع علماء الإسلام عامة، وجمهور المحدثين وأصحاب السيرة والتاريخ بأن علي بن أبي طالب كان أزهد الناس بعد رسول الله (ص) وأورعهم واتقاهم، حتى أن العلامة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة نقل قول الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما علمنا أحدا كان في هذه الأمة بعد النبي (ص) أزهد من علي بن أبي طالب(88).
ونقل أعلام محدثيكم في كتبهم عن الأحنف بن قيس قال: دخلت على علي بن أبي طالب وقت إفطاره إذ دعا بجراب مختوم فيه سويق الشعير.
فقلت: يا أمير المؤمنين لم أعهدك بخيلا فكيف ختمت على هذا الشعير؟!
فقال: لم أختمه بخلا ولكن خفت أن يلينه الحسن أو الحسين بسمن أو زيت.
قلت: هما حرام عليك؟ قال: لا ولكن يجب على الأئمة أن يغتذوا بغذاء ضعفاء الناس وأفقرهم ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكرا وتواضعا(89).
ونقل المحدثون عن سويد بن غفلة وغيره، قال: دخلت على علي ابن أبي طالب في الكوفة فرأيت بين يديه رغيف من شعير وقدح من لبن، والرغيف يابس تارة يكسره بيده وتارة بركبتيه، فشق علي ذلك.
فعاتبت جارية له يقال لها فضة فقلت: أ ما ترحمين هذا الشيخ وتنخلين له هذا الشعير، أما ترين نشارته على وجهه وما يعاني منه؟!
فقالت: إنه عهد إلينا أن لا ننخل له طعاما قط. فالتفت علي إلي وقال: ما تقولها لها؟ فأخبرته وقلت: يا أمير المؤمنين ارفق بنفسك.
فقال: ويحك يا سويد ما شبع رسول الله (ص) من خبز بر ثلاثا حتى لقي الله، ولا نخل له طعام قط، يا بن غفلة! ذلك أحرى أن يذل النفس ويقتدي بي المؤمنون، وألحق برسول الله (ص)(90).
ونقل العلامة القندوزي في الينابيع / الباب الحادي والخمسون / قال: أخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي عن عدي بن ثابت قال: أوتي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بفالوذج فأبى أن يأكل منه وقال: إنه شيء لم يأكل منه رسول الله (ص) فلا أحب آن آكل منه(91).
وفي الخبر المروي عن أهل البيت (ع) أن الإمام علي (ع) في الليلة التي ضرب فيها بسيف ابن ملجم لعنه الله، كان ضيفا عند ابنته زينب الكبرى (ع) فقدمت له الفطور في طبق فيه قرصان من خبز الشعير، وقصعة فيها اللبن الحامض، وقليل من الملح، فلما نظر الإمام إلى فطوره عاتب ابنته قائلا: بنية! متى رأيت أباك يجلس على مائدة فيها إدامان؟ ارفعي اللبن فإن في الملح كفاية، ثم أكل قرصا واحدا مع الملح وحمد الله تعالى. ثم قال: في حلال الدنيا حساب وفي حرامها عذاب وعقاب(92).

زهده في ملبسه
لقد وصف المحدثون والمؤرخون ملبوس الإمام علي (ع) فقالوا: كان كرباسا خشنا غليظا ورخيصا، بعض قدره بثلاث دراهم، وبعض بخمسة دراهم، وكان لباسه مرقعا تارة بجلد وتارة بالليف، ونقل سبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس، عن الزمخشري إنه روى في كتابه ربيع الأبرار، عن أبي النوار أنه قال: والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها و قد قيل لي: ألا تستبدلها، فقلت للقائل: ويحك أعزب! فعند الصباح يحمد القوم السرى.
ونقل أكثر أصحاب السيرة والتاريخ من أعلامكم، منهم محمد ابن طلحة في كتابه مطالب السئول / الفصل السابع / قال: ومنها ـ أي من قضايا زهده (ع) ـ أنه خرج إلى الناس يوما و عليه إزار مرقوع، فعوتب في لبسه، فقال: يخشع القلب بلبسه، و يقتدي به المؤمن إذا رآه علي(93)، قال: وقد اشترى يوما ثوبين غليظين فخير بشر ـ وهو خادمه ـ فيهما فأخذ واحدا و لبس هو الآخر.




من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:51 AM


نعم هكذا عاش سلام الله عليه، يأكل الخبز الشعير اليابس ويؤكل الفقراء واليتامى البر بالعسل والتمر بالزيت، وكان يلبس الخشن، ويلبس الأرامل واليتامى والمعوزين ملابس فاخرة، أثمن مما كان يلبس هو (ع). وكان يقول: يجب على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم في الأكل والملبس.

ضرار بن ضرمة يصف عليا (ع)
نقل المحدثون من أعلامكم كابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والحافظ أبي نعيم في حلية الأولياء ج1/84، والعلامة الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف: 8 ومحمد بن طلحة في مطالب السؤول / الفصل السابع، والعلامة نور الدين بن صباغ المالكي في الفصول المهمة 128، والقندوزي في الينابيع: باب 51، وسبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس آخر الباب، وغير هؤلاء من علمائكم والخبر مشهور عن ضرار بن ضمرة الضبائي قال في مجلس معاوية: أشهد بالله لقد رأيت علي بن أبي طالب في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين، و يقول: يا دنيا غري غيري،أبي تعرضت؟ أم إلي تشوقت؟ هيهات هيهات، طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير و خطرك كبير وعيشك حقير، آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق فبكى معاوية، وقال: رحم الله أبا حسن كان و الله كذلك(94).
بالله عليكم أنصفوا من من الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء، هكذا عامل الدنيا وزهرتها وتغاضى عن زينتها وزخرفها؟!

الزهد عطية الله تعالى لعلي عليه السلام
روى كثير من علمائكم المحدثين، منهم العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / باب 46 / بإسناده إلى عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي بن أبي طالب: إن الله قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إلى الله منها، الزهد في الدنيا، و جعلك لا تنال من الدنيا شيئا و لا تنال الدنيا منك شيئا، و وهب لك حب المساكين فرضوا بك إماما و رضيت بهم أتباعا، فطوبى لمن أحبك و صدق فيك، و ويل لمن أبغضك و كذب عليك فأما الذين أحبوك و صدقوا فيك، فهم جيرانك في دارك و رفقاؤك في قصرك و أما الذين أبغضوك و كذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة (95). " ثم قال هذا حديث حسن ".

علي عليه السلام إمام المتقين
أما في التقوى فهو سيد المتقين والممتاز بأعلى درجات اليقين والإنسان كلما ازداد يقينا ازداد تقوى، وهو الذي اشتهر عنه الخبر كما نقله كثير من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم منهم محمد بن طلحة العدوي النصيبي في كتابه مطالب السؤول / الفصل السابع قال: وقد كان علي (ع) منطويا على يقين لا غاية لمداه ولا نهاية لمنتهاه وقد صرح بذلك تصريحا مبينا فقال (ع): لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، فكانت عبادته إلى الغاية القصوى تبعا ليقينه وطاعته في الذروة العليا لمتانة دينه.
وقد لقبه الله ورسوله (ص) بإمام المتقين، كما روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج9/170، الخبر الحادي عشر من الأحاديث التي ذكرها في فضائل الإمام علي (ع). ورواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء والعلامة الهمداني في كتابه مودة القربى والعلامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / باب 54 عن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله (ص): يا أنس اسكب لي وضوءا فتوضأ ثم قام وصلى ركعتين ثم قال (ص): يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب هو أمير المؤمنين وإمام المتقين و سيد المسلمين و قائد الغر المحجلين و خاتم الوصيين. قد وردت الرواية بألفاظ مختلفة وأنا أنقلها كما يخطر ببالي.
قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار و كتمته إذ جاء علي (ع) فقال (ص): من هذا يا أنس؟ قلت: علي بن أبي طالب، فقام النبي (ص) مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه و يمسح عرق علي بوجهه فقال علي: يا رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي قبل. قال: و ما يمنعني و أنت تؤدي عني و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال (ص): مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين، رواه عن الحافظ أبي نعيم في الحلية.
وقال محمد بن طلحة في كتابه مطالب السؤول / آخر الفصل الرابع / أما حصول صفة التقوى له فقد أثبتها رسول الله (ص) بأبلغ الطرق وأعلاها فإنه قال له يوما: مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين. ثم قال: إذا وصفه بكونه إمام أهل التقوى كان مقدما عليهم بزيادة تقواه.
وروى الحاكم في المستدرك: ج3/138، والشيخان مسلم والبخاري في صحيحيهما عن النبي (ص) قال: أوحي إلي في علي أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين (96).
وروى العلامة الكنجي في كفاية الطالب / باب 45 بسنده عن عبد الله بن أسعد بن زرارة قال: قال رسول الله (ص): لما أسري بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه من ذهب يتلألأ، فأوحى الله إلي و أمرني في علي بثلاث خصال: بأنه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين(97).
وروى أحمد في المسند أن رسول الله (ص) يوما خاطب عليا، فقال: يا علي! النظر إلى وجهك عبادة، إنك إمام المتقين، من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله.
من الواضح أن وصف النبي (ص) أحدا وإعطائه اللقب ومدحه للشخص يفرق عن سائر الناس، فربما وصف الناس ملكا وسلطانا بما لا يليق فيغالون في الوصف والمدح، كمدح كثير من المؤرخين لكثير من الوزراء والأمراء والسلاطين، ولكن رسول الله (ص) منزه من التملق والمغالاة في مدح الأشخاص، ولا يقول إلا حقا، ولا يصف إلا واقعا، بل في مثل هذه القضايا فهو (ص) (ما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(98).
ولا سيما في هذا الأمر، إذ يؤكد فيقول: ليلة أسري بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه من ذهب يتلألأ، فأوحى الله إلي و أمرني في علي بثلاث خصال: بأنه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين. فهذه خصائص عظيمة ومقامات كريمة خص الله تعالى بها وليه علي بن أبي طالب على لسان خاتم أنبيائه وسيد رسله، وبعد وصف رب العالمين وبيانه المبين لأمير المؤمنين سلام الله عليه لا يسع المسلمين إلا الخضوع أمامه والخشوع له والتسليم لأمره.
الشيخ عبد السلام: كل ما قلته من مناقب وفضائل سيدنا علي كرم الله وجهه فهو قليل من كثير ونحن نعرف أكثر مما قلتم حتى أن معاوية (رض) قال فيه: عقمت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب.
قلت: فكما أنه (ص) قد امتاز بنسبه ونورانية خلقته من حيث الورع والتقوى، فهو مقدم على الجميع من هذه الجهة أيضا.
وقد قال الله الحكيم في كتابه الكريم: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ)(99).
فإذا كان أهل التقوى أكرم العباد عند الله تبارك وتعالى، فما بالكم بإمام المتقين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)؟
وهنا قد خطر شيء في بالي وهو السؤال التالي: هل يحتمل في إمام المتقين أن يتبع الهوى ويعصي ربه لأجل الدنيا؟
الشيخ عبد السلام: لا يحتمل ذلك في سيدنا علي كرم الله وجهه، كيف وهو الذي طلق الدنيا ثلاثا، كما ذكرتم فيما نقلتم من ضرار بن ضمرة، فمقام سيدنا علي كرم الله وجهه أجل من أن ينسب إليه ذلك.
قلت: فعلى ذلك كانت أعمال الإمام علي (ع) من حركاته وسكناته وقيامه وقعوده وتكلمه وسكوته وموافقته ومخالفته وحربه وسلمه، كلها لله تعالى وإحقاقا للحق.
الشيخ عبد السلام: نعم هكذا كان سيدنا علي كرم الله وجهه.

فاقضوا أيها المنصفون!!
قلت: إذا كان كذلك، يجب أن تفكروا في عدم مبايعة الإمام علي (ع) لأبي بكر في أول الأمر، بل اعترض على خلافته اعتراضا شديدا.
والمفروض أن المتقي ولا سيما إمام المتقين، لا يترك الحق ولا يعارضه، وحديث رسول الله (ص) الذي نقلته لكم في بعض الليالي الماضية إذ قال (ص): علي مع الحق والحق مع علي حيثما دار.
فإذا كانت خلافة أبي بكر حقا! فلماذا وكيف لا يبايعه الإمام علي (ع)؟
بل عارضه بشدة، حتى انتهى الأمر إلى اقتحام دار فاطمة وعلي، وآل الهجوم إلى قتل الجنين ـ محسن ـ ووفاة السيدة فاطمة (ع) و....
[ وقد ذكرنا ذلك بالتفصيل في الليلة الماضية، مع ذكر المصادر من كتبكم ] وإذا كانت خلافة أبي بكر باطلا وخلافا، فلماذا أنتم تتمسكون بالباطل على يومنا هذا؟
الشيخ عبد السلام: إني أتعجب من كلام الشيعة حيث يقولون: سيدنا علي كرم الله وجهه لم يبايع أبا بكر (رض)، فقد ذكر المؤرخون كلهم حتى مؤرخيكم: بأن سيدنا علي كرم الله وجهه بايع أبا بكر بعد وفاة فاطمة الزهراء، ولم يخالف الإجماع.
قلت: العجب في كلامك هذا، وكأنك نسيت حديثنا وحوارنا في الليالي الماضية، حيث أثبتنا انه (ع) أجبر وأكره على البيعة، فعدم رغبته وعدم مطاوعته في بيعة أبي بكر دليل على بطلان خلافته، ثم أنت تعترف بأنه (ع) ما بايع إلا بعد وفاة الزهراء سيدة النساء (ع)، وصرح أعلامكم كالبخاري ومسلم وغيرهما أن وفاتها كانت بعد وفاة النبي (ص) بستة أشهر، فهل في هذه المدة كان علي (ع) تاركا للحق وسالكا غير سبيل المتقين؟!
الشيخ عبد السلام: لقد كان سيدنا علي كرم الله وجهه أعرف من غيره بتكليفه ولا يجوز لنا أن نتدخل في خلافات الصحابة ونجدد قضايا مرت عليها الدهور والقرون!!
قلت: إن هذا الكلام انهزام من الواقع والحق وليس بجواب مرضي في الحوار، لأن تلك الخلافات تمسنا أيضا. إذ يجب على كل مسلم بل كل إنسان أن يبحث عن الحقائق، ويلتزم بالحق، ويعتنقه، ويصدق الواقع المعلوم، ويبتعد عن المكذوب الموهوم.
الشيخ عبد السلام: إذا أردت بهذا الاستدلال والبرهان أن تبين أن أبا بكر (رض) كان باطلا وخلافته كانت غير مشروعة ومناقضة لدين الله فلماذا سكت وسكن الإمام علي كرم الله وجهه! بل كان عليه أن ينهض ويثور على الخليفة وأنصاره، ويسترجع حقه ويبطل الباطل، وهو ذلك الشجاع الذي لا تأخذه في الله لومة لائم.

سكوت بعض الأنبياء واعتزالهم عن أممهم
قلت: نحن نعتقد بأن الأنبياء والأوصياء يعملون في المجتمع ويتعاملون مع أممهم على أساس الأوامر التي يتلقونها من الله عز وجل، لذلك لا نعترض عليهم ولا ننتقد أعمالهم بأنهم سكتوا أو لماذا لم يقاتلوا أو لماذا تكلموا؟!
وإذا راجعنا تاريخ الأنبياء، نجد كثيرا منهم كانوا مغلوبين مقهورين او مهجورين ومنعزلين، فهذا القرآن الحكيم يحدثنا عن نوح وهو من أولي العزم وشيخ الأنبياء: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر)(100).
ويحدثنا عن اعتزال ابراهيم الخليل لقومه قائلا:( وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي)(101).
الشيخ عبد السلام: أظن أنه (ع) اعتزل عنهم فلبا لا جسما.[ فهو وإن كان مخالفا لهم قلبا، ولكنه كان يعيش بينهم ويشاركهم ].
قلت: ولكن لو راجعت التفاسير لوجدت أن أكثر المفسرين قالوا: بأنه (ع) فارقهم بجسمه أيضا وابتعد عنهم، فالفخر الرازي في تفسيره الكبير: ج5/809 قال: الاعتزال للشيء هو التباعد عنه، والمراد إني أفارقكم في المكان وأفارقكم في طريقتكم.
وذكر أرباب السير والتاريخ أن ابراهيم هاجر من بابل، وسكن الجبال مدة سبعة أعوام الأصنام، ثم رجع إليهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وأن يتركوا عبادة الأصنام، ثم جرى ما جرى حتى ألقوه في النار، فجعلها الله سبحانه بردا وسلاما.
ويحدثنا القرآن الحكيم عن فرار موسى بن عمران وخروجه من بلده خائفا، فيقول: (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(102).
ويحدثنا الله تعالى في كتابه عن مخالفة قوم موسى لأخيه وخليفته هارون، وأنهم عبدوا العجل الذي صنعه السامري، فلما عاد إليهم موسى ورأى انقلابهم وكفرهم وسكوت هارون على أفعالهم المخالفة للدين وللشريعة الإلهية، عاتبه على ذلك، كما نفهم من قول الله سبحانه: (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَْعْداءَ)(103).

تشابه أمر علي عليه السلام بهارون
فكما أن هارون كان خليفة أخيه موسى بن عمران في قومه، ولكنهم لن يأخذوا بقوله وخالفوه وتوجهوا إلى العجل الذي صنعه السامري لهم فعبدوه، ولما منعهم هارون من ذلك، وقال لهم: هذا شرك وكفر بالله عز وجل، هاجموه وكادوا يقتلوه ، ولما لم يجد أعوانا وأنصارا سكن وسكت وتركهم في غيهم وطغيانهم يعمهون.
كذلك أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي (ع) ـ الذي شبهه النبي (ص) بهارون في حديث المنزلة وقد ذكرناه في الليالي السالفة مع المصادر والمعتبرة عندكم ـ لما رأى القوم بعد رسول الله (ص) انقلبوا على أعقابهم وتركوا الحق وخالفوا أمر ربهم فوعظهم وأرشدهم، ولكنهم هاجموه وكادوا يقتلونه، فسكت وسكن وتحمل وصبر.
وذكر كبار علمائكم: أن عمر وأصحابه لما جاءوا بعلي (ع) إلى المسجد، وطلبوا منه البيعة، وهددوه بالقتل إن لم يبايع، نظر إلى قبر رسول الله (ص) وأشار إليه مخاطبا: يا (ابن أم القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني)(104).
ثم إن سيرة خاتم النبيين (ص) خير دليل لنا، وهو (ص) كتم رسالته في مكة عشر ثم أعلنها ثلاث سنين لا يطالب أهلها إلا بكلمة التوحيد، هاتفا: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وسكت عن سائر عاداتهم الجاهلية، ومع ذلك هجموا عليه الدار وأرادوا قتله، ففر منهم مهاجرا إلى يثرب، لأنه لم يكن له أنصار في مكة يتمكنون من حمايته والذب عنه. وقد قيل:
الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين.
والأعجب من هذا انه (ص) حتى عندما أصبح مقتدرا وحاكما ما تمكن من تغيير ما كان يرى تغييره لازما.
الشيخ عبد السلام: هذا كلام غريب وأمر عجيب! كيف عجز رسول الله (ص) من تغيير ما كان يلزم تغييره؟!
قلت: هذا الأمر العجيب الغريب عندكم قد نقله بعض كبار أعلامكم منهم أحمد بن حنبل في المسند، والعلامة الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: قال لي رسول الله (ص): يا عائشة! لو لا أن قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض و جعلت لها بابين: بابا شرقيا و بابا غربيا، و زدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة(105).
فإذا كان رسول الله (ص) لا يقدم على مثل ذلك الأمر المهم رعاية لبعض المصالح، فكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو تلميذ النبي (ص)، والمتعلم منه، فهو (ع) رعاية لبعض الجهات الدينية العامة والمصالح الإسلامية الهامة سكت وسكن وصبر وتحمل كل ما أوردوه عليه من الظلم والجفاء، بسبب البغضاء والشحناء التي كانت مكتومة في صدورهم ومكنونة في قلوبهم، وقد كان النبي (ص) يعلم ذلك فيخبر عليا في حياته ويبكي على غربته ومظلوميته، كما روى الخوارزمي في مناقبه والعلامة الفقيه ابن المغازلي أيضا في مناقبه: أن النبي (ص) يوما نظر إلى علي (ع) فبكى، فقال له: ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليك؟ قال (ص): ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا. قال (ع): فما أصنع يا رسول الله؟ قال: تصبر ، فيعطيك ربك أجر الصابرين(106).

لماذا قعد علي عليه السلام ولم يطالب بحقه؟
إن عليا (ع) كان متفانيا في الله سبحانه، فلا يريد شيئا لنفسه و لا يطلب المصالح الشخصية، بل أثبت في حياته وسلوكه أنه (ع) كان وراء المصالح العامة، وكان يبتغي مرضات الله تعالى بالحفاظ على الدين، وإبقاء شريعة سيد المرسلين، و لا يخفى أن الإسلام في ذلك الوقت كان بعد جديدا ولم ينفذ في قلوب كثير من معتنقيه، فكانوا مسلمين بألسنتهم ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، لذا كان الإمام علي (ع) يخشى من حرب تقع بين المسلمين إذا جرد السيف لمطالبة حقه بالخلافة التي كانت له لا لغيره، أو مطالبة فدك لفاطمة الزهراء (ع) أو مطالبة إرثها من أبيها رسول الله (ص)، الذي منعها أبو بكر بحجة الحديث الذي افتراه على النبي (ص): " نحن معاشر الأنبياء لا نورث "!
فسكت علي (ع) وسكن لكي لا تقع حرب داخلية، لأنه كان يرى في المطالبة بحقه في تلك الظروف الزمنية زوال الدين وإفناء الإسلام لو وقعت حرب بين المسلمين. وقد كان أكثرهم ينتظرون الفرصة حتى يرتدوا إلى الكفر.
لذلك جاء في روايات أهل البيت والعترة الطاهرة (ع) أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما رجعت من المسجد بعدما خطبت خطبتها العظيمة وألقت الحجج على خصومها، خاطبت أبا الحسن (ع) وهو جالس في البيت فقالت: يا بن أبي طالب... اشتملت شملة الجنين، و قعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، وخانك ريش الأعزل! هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي و بلغة ابني، لقد أجهر في خصامي، و ألفيته الألدّ في كلامي... الخ.
فأجابها علي (ع): نهنهي عن نفسك يا ابنة الصفوة، و بقية النبوّة، فما ونيت عن ديني، و لا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البُلْغةَ، فرزقك مضمون، و كفيلك مأمون، و ما أعدّ لك أفضل ممّا قطع عنك.
قالوا: فبينما علي (ع) يكلمها ويهدؤها وإذا بصوت المؤذن ارتفع ، فقال لها علي (ع): يا بنت رسول الله! إذا تحبين أن يبقى هذا الصوت مرتفعا ويخلد ذكر أبيك رسول الله (ص) فاحتسبي الله واصبري.
فقالت: حسبي الله. وأمسكت.
فضحى علي (ع) بحقه وحق زوجته فاطمة وسكت عن المغتصبين، حفظا للدين وشريعة سيد المرسلين من الضياع والانهيار.

أسباب قعود علي (ع)
نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج1 / 307، ط. إحياء الكتب العربية عن المدائني عن عبدالله بن جنادة، ونقله غير ابن أبي الحديد أيضا، أنه (ع) خطب في أول إمارته وخلافته بالمدينة المنورة:
فحمد الله وأثنى عليه، و ذكر النبي وصلى عليه ثم قال: أما بعد ، فإنه لما قبض الله نبيه (ص)، قلنا: نحن أهله و ورثته و عترته و أولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، و لا يطمع في حقنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الإمرة لغيرنا و صرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، و يتعزز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، و خشنت الصدور و جزعت النفوس، و ايمُ الله لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين، و أن يعود الكفر و يبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه... الخ.
ونقل ابن أبي الحديد أيضا بعد هذه الخطبة في صفحة 308 تحت عنوان : خطبته عند مسيره للبصرة، قال: و روى الكلبي أنه لما أراد علي (ع) المسير إلى البصرة، قام فخطب الناس، فقال بعد أن حمد الله و صلى على رسوله (ص): إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر و دفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين و سفك دمائهم، و الدين يمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن، و يعكسه أقل خلف... الخ.
ولعلي (ع) في نهج البلاغة كتاب إلى أهل مصر، بعثه مع مالك الأشتر رحمه الله تعالى، جاء فيه:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً (ص) نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَ مُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ، فَلَمَّا مَضَى (ص)، تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي وَ لا يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ (ص) عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَ لا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ (ص)، فَمَا رَاعَنِي إِلا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلانٍ يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ بِيَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلامِ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ (ص)، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإسْلامَ وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ وَ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ وَ اطْمَأَنَّ الدِّينُ وَ تَنَهْنَهَ.
ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 6 / 94، ط. إحياء الكتب العربي تحت عنوان: خطبة الامام علي (ع) بعد مقتل محمد بن أبي بكر، قال: و روى إبراهيم ـ صاحب كتاب الغارات ـ عن رجاله عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: خطب الامام علي (ع) بعد فتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر. فنقل خطبة بليغة ذكر فيها وقائع أليمة وقعت بعد وفاة النبي (ص)، وذكر بعض ما كتبه لأهل مصر الذي نقلته لكم قبل هذا، وأشار في خطبته إلى الشورى التي أمر بها عمر بن الخطاب، وخرج بالنتيجة قائلا:
فصرفوا الولاية إلى عثمان و أخرجوني منها... ثم قالوا: هلم فبايع و إلا جاهدناك، فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا، فقال قائلهم: يا ابن أبي طالب، إنك على هذا الأمر لحريص، فقلت: أنتم أحرص مني و أبعد أينا أحرص؟ أنا الذي طلبت ميراثي و حقي الذي جعلني الله و رسوله أولى به، أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه و تحولون بيني و بينه! فبهتوا، و الله لا يهدي القوم الظالمين.
فيحصل من هذه الكلمات والجملات أنه (ع) قعد عن حقه وسكت، رعاية لما هو أهم، إذ أنه كان يعلم بأن المنافقين وأعداء الدين يترصدون ويتربصون ليوقعوا بالمسلمين ويقضوا على الدين، وإذا كان الإمام علي (ع) يقوم بمطالبة حقه ويجرد الصمصام، لاغتنم المنافقون واليهود والنصارى الفرصة وقضوا على الإسلام. لذلك صبر وتحمل وسكت على حقه وتنازل.
بعدما احتج عليهم وأثبت حقه في الأشهر الست التي ما بايع فيها كما في كتب أعلامكم، فكان (ع) يتكلم مع رؤوس المهاجرين والأنصار ويستدل على حقوقه المغصوبة بالآيات البينات والسنن الواضحات والأمور الظاهرات، فبعد ما بين لهم الحق وأتم عليهم الحجج بايع مكرها لا طائعا فصبر على أمر من العلقم وأحر من الجمر، كما أشار إلى حاله في الخطبة الشقشقية المروية في نهج البلاغة وهي معروفة قال (ع):
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنْ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حتى إذا مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى عمر من بعده... الخ.
ولا أطيل عليكم أكثر من هذا، إنما ذكرت لكم بعض كلماته وخطبه (ع) لنعرف آلامه القلبية من تلك الأحداث ثم نعرف علل قعوده وسكوته عن حقه.

هل الخطبة الشقشقية للإمام علي عليه السلام
الشيخ عبد السلام: أولا: ليس في هذه الخطبة ما يدل على تألمات سيدنا علي كرم الله وجهه.
ثانيا: المشهور أن هذه الخطبة من إنشاء الشريف الرضي، ألحقها بخطب أمير المؤمنين وليست من إنشاء سيدنا علي، وقد ثبت في التاريخ أنه ما كان ناقما على خلافة الخلفاء الراشدين قبله بل كان راضيا منهم ومن منجزاتهم.
قلت: كلام الشيخ ينبعث من إفراطه في حب الخلفاء والتعصب لهم، وإلا فإن تألمات الإمام علي (ع) واضحة في غير الخطبة الشقشقية أيضا وه لا تخفى على كل من تابع الأحداث والقضايا التي وقعت وحدثت بعد رسول الله (ص)، ولا سيما على المتتبع لخطب الإمام وكتبه وكلماته واحتجاجاته مع مناوئيه وخصمائه.
وأما كلامك بأن هذه الخطبة من إنشاء السيد الرضي (رضوان الله تعالى عليه)، فهو افتراء منك على ذلك السيد الزاهد العابد الورع التقي، فإنه أجل وأورع من أن يضع خطبة وينسبها إلى سيد الأوصياء (ع)، فإن هذا الكلام بعيد عن الإنصاف، وبعيد من أهل التحقيق، ولقد تعبت أسلافك، وهم تبعوا المعاندين المتعصبين، وإلا لو كنت تطالع كتب أعلامكم وتحقق عن الخطبة في تصانيف علمائكم لوجدت اعترافهم وتصريحهم بأنها من خطب الإمام علي (ع) لا محالة.
والشارحون لنهج البلاغة من علمائكم مثل ابن أبي الحديد، والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، والشيخ محمد الخضرمي في كتاب محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية صفحة 27 وغيرهم قد صرحوا أن الخطبة الشقشقية من بيان الإمام علي (ع) وردوا القائلين بأنها من إنشاء الشريف الرضي، وهم بعض المعاندين والمتعصبين من المتأخرين، وإلا فأكثر من أربعين عالم من الفريقين الشيعة والسنة شرحوا كتاب نهج البلاغة وكلهم أذعنوا بأن الخطبة الشقشقية أيضا من كلام الإمام علي (ع) لأنها على نسق خطبه الأخرى، إذ بيانه (ع) يمتاز ببلاغة منفردة تخصه ولا يمكن لأحد أن يشابهه ويقلده فيها حتى الشريف الرضي على ما كان يتمتع به من الأدب الرفيع والفصاحة والبلاغة في التكلم والكتابة، فهو عاجز أن ينسج مثل الخطبة الشقشقية، وهذا ليس كلامي وإنما هو كلام علمائكم الكبار مثل الشيخ محمد عبده والعلامة ابن أبي الحديد فإنه نقل في آخر شرحه على الخطبة الشقشقية في الجزء الأول، عن المصدق بن شبيب أنه قال لابن الخشاب وهو من أساتيذ هذا الفن: إن كثيرا من الناس يقولون إنها من كلام الرضي رحمه الله تعالى، فقال: أنى للرضيّ و لغير الرضيّ هذا النفس و هذا الأسلوب ! قد وقفنا على رسائل الرضي و عرفنا طريقته و فنه في الكلام المنثور، و ما يقع مع هذا الكلام في خل و لا خمر.

الخطبة الشقشقية كانت قبل مولد الرضيّ
وبغض النظر عن البلاغة الخاصة بكلام الإمام علي (ع) والمقايسات التي أشار إليها ابن الخشاب وغيره، فإن كثيرا من علماء الفريقين قالوا: إنهم وجدوا هذه الخطبة في الكتب المنشرة قبل أن يولد الشريف الرضي وقبل أن يولد أبوه أبو أحمد النقيب ـ نقيب الطالبيين ـ، فقد نقل ابن أبي الحديد في آخر شرحه للخطبة، عن الشيخ عبدالله بن أحمد المعروف بابن الخشاب أنه قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة، و لقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، و أعرف خطوط من هو من العلماء و أهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي.
ثم قال ابن أبي الحديد: و قد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة و كان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة و وجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية و هو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف و كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى و مات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجودا. انتهى.
وقال كمال الدين ابن ميثم البحراني الحكيم المحقق في كتابه شرح نهج البلاغة في الخطبة: إني وجدت هذه الخطبة في كتاب الإنصاف لابن قبه، وهو متوفى قبل أن يولد الشريف الرضي.
ووجدتها أيضا بخط الوزير ابن فرات، كان قد كتبها في ميلاد الرضي بستين سنة.
فالدلائل والبينات قائمة على أن الخطبة كانت في الكتب والمصنفات قبل أن يولد الشريف الرضي رحمه الله تعالى، ولكن المعاندين المتعصبين خلقوا هذه الفرية بأن الشقشقية من كلام الشريف الرضي، حتى يجدوا لأنفسهم مفرا من الجواب.
وعلى فرض صحة كلامهم، فلو فروا وأعرضوا عن قبول الخطبة ومحتواها من هذا الطريق، فما يصنعون مع سائر الخطب التي تعرض فيها أمير المؤمنين (ع) أيضا إلى الحوادث والوقائع التي أحدثوها في الإسلام، فيشكو فيها الإمام علي (ع)، وبيدي ظلامته، ويفشي مكنون صدره وآلام قلبه من سوء سلوك القوم وظلمهم له ولأهل بيت المصطفى (ص)؟
وقد أشرنا إلى بعضها في المجالس السالفة، ومع ذلك فالشيخ عبد السلام ـ سلمه الله ـ يقول: ما كان علي ناقما من خلافة الراشدين قبله، وكان راضيا على ما أنجزوا، ولا أعلم كيف عرف رضاه وهو (ع) كان في كل فرصة ومناسبة يعرب عن سخطه من عمل القوم؟ ويقول: إنهم أخروه عن مقامه وهو أولى بالنبي (ص) من غيره، كما في الخطبة المرقمة 190 في شرح ابن أبي الحديد. قال: وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفِظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (ص) أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّهِ وَ لا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَ لَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأبْطَالُ وَ تَتَأَخَّرُ الأقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِيَ اللَّهُ بِهَا.
وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي، وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي وَ لَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ (ص) وَ الْمَلائِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ الدَّارُ وَ الأفْنِيَةُ مَلأ يَهْبِطُ وَ مَلأ يَعْرُجُ وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَ مَيِّتاً؟!
ثم قال: فَوَالَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ.
ليت شعري ما يقول الشيخ وأتباعه في هذه الخطبة وأمثالها؟ وبأي بيان تريدون أن يفشي الإمام علي (ع) سخطه وعدم رضاه في خلافة أبي بكر والذين تقدموا عليه وأخروه؟
فحق الإمام علي (ع) واضح ولائح، وفضله وعلوه على غيره ظاهر باهر، ولا يمكن إخفاؤه بالكلمات (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)(107).
الشيخ عبد السلام: إني أؤجل جوابي إلى الليلة المقبلة إن شاء الله والآن نختم المجلس فقد طال بنا وتعب الحاضرون. فتواعدنا وخرجوا.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:54 AM


المجلس العاشر
ليلة الأحد ـ الثالث من شعبان المعظم 1345 هجرية


اجتمع القوم أول الليل ـ وكان صاحب البيت قد استعد للاحتفال بذكرى ميلاد الإمام أبي عبد الله الحسين (ع) سبط رسول الله (ص) الذي يصادف ذلك اليوم فهيأ الفواكه والحلويات، وبعد تناولها، بدأ حضرة النواب عبد القيوم خان وقال:
أيها العلماء! اسمحوا لي بطرح سؤال قبل أن تدخلوا في موضوع الليلة الماضية، والسؤال موجه لسماحة السيد وأطلب منه الجواب.
قلت: أنا على أتم الاستعداد لذلك.

سؤال: حول علم عمر
النواب: اجتمع في بيتي صباح هذا اليوم كثير من الأصدقاء والأقرباء، وكان بعضهم ممن لازم حضور مجالس البحث والحوار في كل الليالي الماضية، وشرعوا بالحديث عن المناقشات والموضوعات التي طرحت فيها، وأبدوا آراءهم في النتائج الحاصلة منها، وكانت الصحف والمجلات التي نقلت تلك الأبحاث والمناظرات موجودة عندهم يراجعونها عند الضرورة، وكان كلام الحاضرين يدور حول المواضيع المطروحة. وإذا بولدي (عبدالعزيز) ـ وهو طالب في إحدى المدارس الإسلامية ـ يقول: إن أستاذنا المعلم ـ قبل أيام ـ تكلم خلال الدرس عن الصحابة الذين برزوا وامتازوا في علم الفقه فذكر الخليفة عمر، والإمام علي كرم الله وجهه، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وعكرمة، وزيد بن ثابت (رضي الله عنهم) وقال بأن عمر بن الخطاب كان أبرزهم في علم الدين وأفقههم في أحكام الشرع المبين. حتى أن علي بن أبي طالب الذي اشتهر بعلمه وفقهه كان في بعض المسائل يتحير فيراجع الفاروق عمر بن الخطاب ويحصل على الجواب.
قال النواب: والجدير بالذكر أن أهل مجلسنا الحاضرين في داري كلهم أيدوا ما نقله ولدي عن معلمه، وقالوا بأن علماءنا أيضا يقولون بذلك، وهو ثابت عند كل المسلمين.
ولكني بقيت ساكتا متوقفا في الموضوع، لأني جاهل وليس لي علم بالتاريخ والسيرة حتى أعرف صحة مقال المعلم أو خطئه. لذلك وعدت ولدي والحاضرين أن أطرح هذا الموضوع هذه الليلة في مجلسنا هذا، لكي نستفيد من محضر العلماء الحاضرين لاسيما سماحة السيد المعظم.
أفيدونا! جزاكم الله خير جزاء المحسنين.
قلت: كلام هذا المعلم يثير تعجبي، ولكن العوام لا يؤاخذون في مثل هذه الأمور، لأنهم غالبا يسلكون طريق الإفراط والتفريط، وهذا المعلم الجاهل سلك سبيل الغلو والإفراط، لأنه ادعى ما لم يقله أحد من علمائكم، حتى أن ابن حزم لما ذكر في بعض مقالاته هذا الأمر المخالف للواقع، خطأه كبار علمائكم وردوا عليه مقالته، والجدير بالذكر أن عمر بن الخطاب هو أيضا ما ادعى هذا الأمر في حياته، وربما لم يرض من أحد أن يقول ذلك.
نعم ذكر أكثر المؤرخين سياسة عمر، وإرادته وفطنته، ولكنهم لم يذكروا فقهه وعلمه بأحكام الدين، بل ذكروا أنه جهل كثيرا من المسائل التي طرحت عليه وعجز عن الجواب، فراجع فيها ابن مسعود أو الإمام علي بن أبي طالب (ع) بالمدينة المنورة.
وقد قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أن عبدالله بن مسعود كان من فقهاء المدينة، وكان عمر بن الخطاب يصحبه معه ولا يفارقه ليرجع إلى رأيه في المسائل الفقهية.
الشيخ عبدالسلام: كأنك تريد أن تقول بأن عمر الفاروق (رض) ما كان يعلم المسائل الفقهية والأحكام الشرعية فيحتاج إلى ابن مسعود أو الإمام علي (رضي الله عنهما)، وهذا ما لم نسمعه من قبل اليوم.
قلت: أيها الشيخ لا تهرج ولا تغالط، فإني ما قلت بأن عمر ما كان يعلم المسائل الفقهية، وإنما قلت إنه في كثير من المسائل كان يراجع الإمام علي (ع) أو ابن مسعود أو ابن عباس، لأنه كان يجهلها.
نعم أقول ولا أنكر ما قلت: أن عمر بن الخطاب كان يجهل كثيرا من المسائل والأحكام الدينية، وهذا ليس من عندي بل ذكره كبار أعلامكم، والجدير بالذكر ما رواه علماؤكم في الكتب المعتبرة والمصادر المنتشرة، عن اعتراف الخليفة بذلك في قضايا جديرة ومناسبات كثيرة.
الشيخ عبدالسلام: لو سمحت...اذكر لنا من تلك القضايا حتى نعرفها.

كل الناس افقه من عمر حتى ربات الحجال
لقد ذكر كثير من علمائكم وأعلام محدثيكم ومفسريكم بطرق شتى وألفاظ مختلفة والمعنى واحد، أن الخليفة عمر صعد المنبر في المسجد وخطب فقال: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي (ص) إلا ارتجعت ذلك منها، فردت عليه امرأة قائلة: ما جعل الله لك ذلك، إنه تعالى قال في سورة النساء: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا)(1)؟
فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر، حتى ربات الحجال! ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟!
هذا نص ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج1 / 182، ط إحياء الكتب العربية، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور: ج2 /133 وابن كثير في تفسيره: ج1 / 368، والزمخشري في تفسير الكشاف: ج1/ 357، والنيسابوري في غرائب القرآن: ج1 / في تفسير الآية الكريمة، والقرطبي في تفسيره: ج5 / 99، وابن ماجه في السنن: ج1، والسندي في حاشية السنن: ج1/583، والبيهقي في السنن: ج7 / 233، والقسطلاني في إرشاد الساري: ج8 / 57، والمتقي في كنز العمال: ج8 298، والحاكم النيسابوري في المستدرك: ج2 /177، والباقلاني في التمهيد/199، والعجلوني في كشف الخفاء: ج1 / 270، والشوكاني في فتح القدير: ج1 / 407، والذهبي في تلخيص المستدرك، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، وابن الأثير في النهاية، وغيرهم رووا بأسانيدهم عن طرق متعددة هذا الخبر وإن كانت ألفاظ بعضهم مختلفة، ولكنهم متفقون في المعنى.
فتحصّل من الخبر أنّ عمر كان جاهلا حتى بالأحكام المنصوصة في القرآن الحكيم.
الشيخ عبدالسلام: كلامكم مردود، فإن الخليفة عمر(رض) كان عارفا بكتاب الله العزيز وكان
حافظا لكثير من القرآن. وإنما أراد من كلامه حمل الناس على العمل والالتزام بسنة رسول الله(ص).
قلت: يا شيخ... لقد اجتهد الخليفة فأخطأ، وقد اعترف بخطئه ، وتراجع عن قوله، وإن إصرارك لتصحيح خطأ الخليفة ذنب لا يغفر لأن الخليفة قد أخطأ .. جاهلا بالآية الكريمة، ولما ردت عليه المرأة، قبل منها، وتريد أنت تصحيح الخطأ بعد ما علمت أنه مخالف لكتاب الله عز وجل.
ولا يخفى أن جهل الخليفة بكلام الله عز وجل لم ينحصر في هذا المورد، بل هناك مورد آخر،
نقله أيضا كبار أعلامكم، ورواه كل المؤرخين من غير استثناء.

إنكار عمر موت رسول الله(ص)
اتفق أصحاب الحديث والتاريخ أن رسول الله(ص) لما توفي أنكر عمر موته، وكان يحلف بأن النبي (ص) ما مات ولا يموت، فلو كان عمر يحفظ القرآن أو يتفكر فيه، ما أنكر موت رسول الله (ص) لقوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون)(2).
وقوله سبحانه: ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)(3).
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج2 / 40، ط دار إحياء الكتب العربية: وروى جميع أصحاب السيرة أن رسول الله (ص) لما توفي كان أبو بكر في منزله في السنح، فقام عمر بن الخطاب فقال: ما مات رسول الله صلى الله عليه ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته، لا أسمع رجلا يقول: مات رسول الله إلا ضربته بسيفي.
فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول الله (ص) وقال: بأبي وأمي! طبت حيا وميتا، ثم خرج
والناس حول عمر، وهو يقول لهم: إنه لم يمت ويحلف، فقال له: أيها الحالف، على رسلك! ثم قال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله تعالى: (أنك ميت وإنهم ميتون)(4).
وقال عز وجل: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)(5).
قال عمر: فوالله ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض، وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه قد مات.
فإذا كان عمر تاليا لكتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار ، عارفا لرموز القرآن وتعاليمه، ما أنكر موت النبي (ص) جازما بحيث يحلف عليه ويهدد من خالفه في معتقده بالسيف!!
وأما جهله وعدم معرفته بأحكام الله سبحانه فمذكور أيضا في كتب أعلامكم. ولقد اشتهر عنه في ذلك قضايا كثيرة لم ينكرها أحد من علمائكم، وأنا أذكر بعضها لينكشف الواقع للحاضرين.

لولا علي لهلك عمر

(1) الزناة الخمسة
روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين قال: في خلافة عمر بن الخطاب، جاؤا بخمسة رجال زنوا بامرأة وقد ثبت عليهم ذلك. فأمر الخليفة برجمهم جميعا. فأخذوهم لتنفيذ الحكم، فلقيهم الإمام علي بن أبي طالب وأمر بردهم، وحضر معهم عند الخليفة وسأله هل أمرت برجمهم جميعا؟ فقال عمر: نعم فقد ثبت عليهم الزنا ، فالذنب الواحد يقتضي حكما واحدا.
فقال علي: ولكن حكم كل واحد من هؤلاء الرجال يختلف عن حكم صاحبه.
قال عمر: فاحكم فيهم بحكم الله فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: علي أعلمكم، وعلي أقضاكم.
فحكم الإمام علي (ع) بضرب عنق أحدهم، ورجم الآخر، وحد الثالث وضرب الرابع نصف الحد، وعزر الخامس.
فتعجب عمر واستغرب فقال: كيف ذلك يا أبا الحسن؟!
فقال الإمام علي: أما الأول: فكان ذميا، زنى بمسلمة فخرج عن ذمته، والثاني: محصن فرجمناه، وأما الثالث: فغير محصن فضربناه الحد، والرابع: عبد مملوك فحده نصف، وأما الخامس: فمغلوب على عقله فعزرناه.
فقال عمر: لولا علي لهلك عمر، لا عشت في أمة لست فيها يا أبا الحسن!

(2) الزانية الحامل
ذكر كثير من أعلامكم منهم: أحمد في المسند، والبخاري في الصحيح، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، والقندوزي في الينابيع / باب الرابع عشر / عن مناقب الخوارزمي، والفخر الرازي في الأربعين/ 466، والمحب الطبري في الرياض ج2/ 196 وفي ذخائر العقبى/ 80، والخطيب الخوارزمي في المناقب / 48، ومحمد بن طلحة العدوي النصيبي في مطالب السئول / الفصل السادس، والعلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / آخر باب 59 ـ والنص للأخير ـ قال: روى أن امرأة أقرت بالزنا، وكانت حاملا فأمر عمر برجمها، فقال علي (ع) إن كان لك سلطان عليها فلا سلطان لك على ما في بطنها. فترك عمر رجمها(6).

(3) المجنونة التي زنت
وكذلك روى أحمد في المسند، والمحب الطبري في ذخائر العقبى / 81 وفي الرياض / 196، والقندوزي في الينابيع / باب14، وابن حجر في فتح الباري: ج12 /101، وأبو داود في السنن: ج2 /227، وسبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان [ فصل في قول عمر بن الخطاب: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن]، وابن ماجه في السنن : ج2 /227، والمناوي في فيض القدير: ج4/ 357، والحاكم في المستدرك: ج2 /59، والقسطلاني في إرشاد الساري: ج10/9، والبيهقي في السنن: ج6 / 264، والبخاري في صحيحه باب لا يرجم المجنون والمجنونة، هؤلاء وغيرهم من كبار أعلامكم رووا بأسانيدهم من طرق شتى قالوا: أتى عمر (رض) بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا ليرجموها فرآهم الإمام علي (ع) في الطريق، فقال: ما شأن هذه؟ فأخبروه فأخلى سبيلها، ثم جاء إلى عمر فقال له: لم رددتها؟ فقال (ع): لأنها معتوهة آل فلان، وقد قال رسول الله (ص): رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق.
فقال عمر: لولا علي لهلك عمر(7).
ولقد ذكر ابن السمان في كتابه [الموافقة] روايات كثيرة من هذا القبيل فيها قد أخطأ عمر في الحكم، حتى وجدت في بعض الكتب قريبا من مائة قضية من هذا القبيل، ولكن ما نقلناه من كتب الأعلام يكفي لإثبات المرام.
وإنما نقلت هذه الروايات، تبيانا للحق وكشفا للحقيقة، حتى يعرف حضرة النواب وابنه عبدالعزيز وذلك المعلم الذي زعم كذبا وادعى باطلا، ويعرف الذين أيدوا مقال المعلم الجاهل وصدقوه عن جهلهم، ويعرف الحاضرون أجمع، بأن الخليفة عمر بن الخطاب ربما كان عارفا بالسياسة وإدارة البلاد وتسيير العباد، ولكن ما كان عالما بالفقه والأحكام الدينية وما كان عارفا بدقائق كلام الله العزيز وحقائق كتابه المجيد(8).
ولقد اتفق جل علماء الإسلام أو كلهم، وثبت بالدلائل الواضحة والشواهد اللائحة أن أمير المؤمنين (ع)أعلم أصحاب رسول الله (ص) وأقضاهم وأعرفهم بالفقه وأحكام الدين. وصرح بهذا الرأي كثير من علماء السنة وأعلامهم، منهم: العلامة نور الدين بن صباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة / الفصل الثالث في ذكر شيء من علومه قال: فمنها علم الفقه الذي وهو مرجع الأنام ومنبع الحلال والحرام، فقد كان علي مطلعا على غوامض أحكام الإسلام، منقادا له جامحه بزمامه، مشهودا له فيه بعلو محله ومقامه. ولهذا خصه رسول الله (ص) بعلم القضاء، كما نقله الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمة الله عليه في كتابه المصابيح، مرويا عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) لما خصص جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة خصص عليا بعلم القضاء، فقال صلى الله عليه وسلم: وأقضاهم علي (ع).
وروى هذا الحديث أيضا محمد بن طلحة العدوي في كتابه مطالب السئول / الفصل السادس / قال: ومن ذلك ـ أي الأحاديث الواردة في علم الإمام علي ـ ما نقله القاضي الإمام أبو محمد الحسين ابن مسعود البغوي: أن رسول الله (ص) خصص جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة وخصص عليا بعلم القضاء. فقال: وأقضاهم علي (ع).
قال محمد بن طلحة: وقد صدع بالحديث بمنطوقه وصرح بمفهومه أن أنواع العلم وأقسامه قد
جمعها رسول الله (ص) لعلي (ع) دون غيره. وبعد تفصيل الحديث والخبر قال في أواخر الصفحة: فالنبي (ص) قد أخبر بثبوت هذه الصفة العالية لعلي (ع) مع زيادة فيها على غيره بصيغة (أفعل التفضيل) ولا يتصف بها إلا بعد أن يكون كامل العقل، صحيح التمييز، جيد الفطنة، بعيدا عن السهو والغفلة، يتوصل بفطنته إلى وضوح ما أشكل وفصل ما أعضل، ذا عدالة تحجزه أن يحوم حول حمى المحارم، ومروة تحمله على محاسن الشيم ومجانبة الدنايا، صادق اللهجة ظاهر الأمانة، عفيفا على المحظورات ، مأمونا في السخط والرضا، عارفا بالكتاب والسنة، والاختلاف، والقياس ولغة العرب بحيث يقدم المحكم على المتشابه والخاص على العام والمبين على المجمل والناسخ على المنسوخ... وبعد تفصيل وشرح مبسط للعلوم اللازمة للقضاء، قال: فظهر لك أيدك الله تعالى أن رسول الله (ص) حيث وصف عليا (ع) بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلا فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوعة الأقسام فرعا وأصلا ، وكفى بذلك دلالة لمن خص بهدية الهداية قولا وفعلا على ارتقاء علي (ع) في مناهج معارج العلوم إلى المقام الأعلى... الخ.
والجدير بالذكر أن عمر بن الخطاب ـ الذي يحسبه الجاهلون المتعصبون أمثال ذاك المعلم ومؤيديه بأنه أفقه وأعلم من الإمام علي (ع) قد أعلن كرات ومرات وقال: لولا علي لهلك عمر، أو بعبارات أخرى تتضمن نفس المعنى، حتى أن كبار علمائكم قالوا: أن عمر في سبعين موضع حينما عجز عن الفصل والقضاء راجع علي بن أبي طالب، ولما حكم في القضية وبين الدلائل الشرعية والعقلية في حكمه وقضائه، قال عمر: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.
ولقد قال أحمد بن حنبل في المسند، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى كما نقل عنهما الحافظ القندوزي في ينابيع المودة / باب 56، وكذلك في كتاب الرياض النضرة للطبري أيضا: ج2/195، رووا أن معاوية قال: إن عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيء أخذ من علي بن أبي طالب.
ونقل أبو الحجاج البلوي في كتابه " الف باء " ج1 / 222 قال: لما وصل معاوية خبر قتل علي (ع)، قال: لقد ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب.
وهكذا يروى عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان عمر(رض) يتعوذ من معضلة ليس لها أبوالحسن(9).
وقال أبو عبدالله محمد بن علي الترمذي في شرح " الفتح المبين ": كانت الصحابة (رضي الله عنهم) يرجعون إليه ـ أي إلى علي(ع) ـ في أحكام الكتاب ويأخذون عنه الفتاوي، كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدة مواطن: لولا علي لهلك عمر.
وقال النبي (ص): أعلم أمتي علي بن أبي طالب.
فتحصل من كتب التاريخ والسير أن عمر بن الخطاب كان ضعيفا في الفقه وعلم الأحكام، لذلك كان في أغلب القضايا يراجع من حضره من الصحابة العارفين بالفقه وأحكام الشريعة. وربما اشتبه في المسائل الدينية والأحكام الشرعية التي كان يعرفها أكثر المسلمين، فكان الحاضرون ينبهونه ويرشدونه إلى الصواب.
الشيخ عبد السلام: لا نسمح لك أن تتكلم هكذا على خليفة المسلمين وتنسب إليه الجهل والاشتباه،نحن لا نتحمل منكم هذا التجاسر، ولا شك أن كلامكم بعيد عن الصواب، وقائله مفتر كذاب!!
قلت: على مهلك يا شيخ! قف عند حدك ولا تهرج، تريد بهذا الكلام أن تحرك أحاسيس الحاضرين من أهل السنة، ولكنهم عرفوا في الليالي السالفة والمناقشات الماضية بأني لا أتكلم بغير دليل وبرهان، وهذه المرة كالمرات الأخرى، إنما قلت ما قلت من كتب كبار علمائكم ومسانيد أعلامكم، فإن كان في كلامي تجاسر على عمر فليس مني بل من علمائكم، وإن كان الكلام بعيدا عن الصواب، وقائله مفتر كذاب ـ كما زعمت ـ فقائله بعض أعلامكم وأئمتكم.
الشيخ عبدالسلام: هذا الكلام غير مقبول، ولا أظن قائله إلا أحد المردودين غير المعتبرين لدى عامة أهل السنة، والجدير أنك لما تنقل خبرا في إثبات كلامك، تقول: نقله أعلامكم وأئمتكم، ولم تذكر اسم القائل، فنراه ليس من أعلامنا وأئمتنا، بل هو كتاب سني غير معتبر، ولا يعتمد أعلامنا على كتابه، لذلك أنا لا أقبل منك نقل الرواية والخبر في هذا الموضوع إلا من الأئمة الأعلام الذين نرجع إليهم في أمور ديننا، كأصحاب الصحاح والمسانيد أو السنن التي نعتمد عليها.
قلت: لقد أسهبت في البيان وذربت باللسان وقضيت خلاف الحق والوجدان، وأنا أترك التحكيم للحاضرين لاسيما أهل العلم والإيمان، ولكي تعرف زيف كلامك وتعلم صدق مقالي، أذكر لكم من الكتب التي تقبلونها وتعتمدون عليها في أمور الدين والمذهب من الصحاح والمسانيد المعتبرة لديكم، أذكر اشتباها واحدا من عشرات الإشتباهات التي ارتكبها الخليفة عمر بن الخطاب مضافا إلى ما مر، واكتفى بذلك رعاية للوقت.

عمر: لا يعرف التيمم وأحكامه!!
جاء في صحيح مسلم / باب التيمم، وذكره أيضا الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين، وأحمد بن حنبل في مسنده ج4 / 265 و 319، والبيهقي في السنن: ج1 / 209، وأبو داود في السنن: ج1 / 53، وابن ماجه في السنن: ج1 / 200، والنسائي في السنن: ج1 / 59 إلى 61، هؤلاء كلهم عندكم من الأئمة والأعلام المعتمد عليهم في مسائل الحلال والحرام وجميع أحكام الإسلام، وذكر أيضا جمع كثير من علمائكم الكرام غير هؤلاء ذكروا بأسانيدهم عن طرق كثيرة رووا بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، وأنقله من صحيح مسلم / كتاب الطهارة / في باب التيمم / روى بسنده عن عبدالرحمن بن أبزي: إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء. فقال: لا تصل.
فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء. أما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب ـ وفي صحيح النسائي / باب التيمم: فتمرغت في التراب ـ فصليت.
فقال النبي (ص): إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك.
فقال عمر: اتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به.
فمن هذا الخبر يظهر زيف كلام ذلك المعلم الجاهل وبطلان زعمه ومدعاه بأن عمر أحد الفقهاء الكبار، إذ كيف يمكن لفقيه لازم صحبة النبي (ص) طيلة أعوام، وسمع منه (ص) أحكام الإسلام، وتلا كلام الله العزيز في القرآن حيث يقول: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا)(10).
فيفتي بترك الصلاة الواجبة، عند فقدان الماء!!
هل يصح أن يقال لهكذا مفتي أنه فقيه أو عالم بأحكام الدين؟! والجدير بالذكر، أن مسألة التيمم من المسائل المبتلى بها في المسلمين، فلذا يعرفها حتى عوام المسلمين والسوقيين منهم الملتزمين بالصلاة والعبادة، فكيف بأصحاب رسول الله (ص)؟ وكيف بحاكم المسلمين؟!
ليس لأحد أن يقول بأن عمر كان متعمدا في فتواه بترك الصلاة، أو كان يقصد تبديل حكم الله والإخلال أو التغيير في دين الله سبحانه، ولكن لنا أن نقول: بأنه ما كانت له الإحاطة الكافية بجميع أحكام الدين ومسائل الشرع المبين، وكم فرق بينه وبين من كان محيطا بجميع مسائل الإسلام وأحكام العبادات والحلال والحرام، وكان سريع الجواب حتى في جزئيات الأحكام، ولا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا؟!
الشيخ عبد السلام: ما كان أحد غير رسول الله (ص) يتصف بصفة أنه لا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا.
قلت: نعم بعد رسول الله (ص) ما كان أحد من الصحابة يتصف بهذه الصفة العظمى، إلا باب علمه ووارث مقامه علي بن أبي طالب (ع) ولذلك خاطب النبي (ص) أصحابه قائلا: أعلمكم علي.

إحاطة الإمام علي (ع) بالعلوم
روى العلامة موفق بن أحمد الخوارزمي في كتابه المناقب بأن يوما سأل الخليفة عمر بن الخطاب، الإمام علي بن أبي طالب (ع) رآه يجيب سريعا على كل ما يسأل بغير تأن وتفكر. فقال: يا علي كيف تجيب على المسائل سريعا بالبداهة من غير تفكر؟!
فبسط علي (ع) كفه وسأله: كم عدد أصابع الكف؟ فأجاب عمر سريعا من غير تأخير: خمسة.
فقال له علي: كيف أسرعت في الجواب من غير تفكير؟
فأجاب عمر: إنه واضح، لا يحتاج إلى تفكير.
فقال علي (ع): اعلم أن كل شيء عندي واضح بهذا الوضوح فلا أحتاج إلى تفكير في جواب أي سؤال(11).

اعتراف معاوية وإقراره بعلم الإمام علي عليه السلام
لقد تذكرت الآن خبرا أنقله للحاضرين الكرام من باب:
وفضائل شهد العدو بذكرهاوالفضل ما شهدت به الأعداء
نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وابن حجر في الصواعق المحرقة / 107 طبع المطبعة الميمنية بمصر / قال: وأخرج أحمد [بن حنبل]: أن رجلا سأل معاوية عن مسئلة، فقال: إسأل عنها عليا فهو أعلم.
فقال: يا أمير المؤمنين! جوابك فيها أحب إلي من جواب علي.
قال: بئسما قلت، لقد كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يعزه بالعلم عزا، ولقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه، قال ابن
حجر: وأخرجه آخرون بنحوه(12).

عجز عمر في حل المعضلات وخضوعه لعلي عليه السلام
نقل جمع من أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلامة نور الدين المالكي في كتابه الفصول المهمة / 18 في القسم الثالث من الفصل الأول / ونسب الكلام المرموز إلى رجل مجهول. ولكن العلامة الكنجي الشافعي روى بإسناده في كتاب كفاية الطالب / الباب السابع والخمسون عن حذيفة بن اليمان أنه لقي عمر بن الخطاب فقال له عمر: كيف أصبحت يا ابن اليمان؟ فقال: كيف تريدني أصبح؟! أصبحت والله أكره الحق ، وأحب الفتنة، وأشهد بما لم أره، وأحفظ غير المخلوق، وأصلي على غير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء. فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك.
فبينا هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب، فرأى الغضب في وجهه، فقال: ما أغضبك ياعمر؟!
فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أكره الحق، فقال (ع): صدق يكره الموت وهو حق.
فقال: يقول: وأحب الفتنة، قال (ع): صدق، يحب المال والولد ، وقد قال الله تعالى:(أنما أموالكم وأولادكم فتنة)(13). فقال: يا علي يقول: وأشهد بما لم أره. فقال (ع) صدق ، يشهد الله بالوحدانية والموت والبعث والقيامة والجنة والنار والصراط ولم ير ذلك كله. فقال: يا علي وقد قال: إنني أحفظ غير المخلوق قال (ع): صدق، يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق، قال: ويقول: أصلي على غير وضوء. فقال(ع): صدق ، يصلي على ابن عمي رسول الله (ص)على غير وضوء، وهي جائزة.
فقال: يا أبا الحسن قد قال: أكبر من ذلك، فقال (ع): وما هو ؟
قال: قال إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء. قال (ع): صدق ، له زوجة، وتعالى الله عن الزوجة والولد.
فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب.
ثم قال العلامة الكنجي: هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السير.
وقد روى العلماء أخبارا كثيرة وقضايا عسيرة من هذا القبيل كانت تحدث في خلافة الشيخين أبي بكر وعمر، فكانا يعجزان عن حلها وفهمها فكانا يرجعان بها إلى الإمام علي (ع) فيعطيهم الجواب، لا سيما المسائل التي كان يطرحها علماء اليهود والنصارى والماديون، فكانت معضلات علمية ومشكلات كلامية لم يتمكن أحد من الصحابة ردها والإجابة عليها بالصواب إلا سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، ولقد روى أكثر أعلامكم وكبار علمائكم في كتبهم بعض تلك القضايا منهم: البخاري ومسلم في الصحيحين، والنيسابوري في التفسير، وابن المغازلي في المناقب، ومحمد بن طلحة العدوي في الباب الرابع من كتابه مطالب السئول،والحميدي في الجمع بين الصحيحين، وأحمد بن حنبل في المسند، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: ص 18 وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب / 337، طبع حيدر آباد، وفي الإصابة ج2 / 509، طبع مصر، والقاضي روزبهان في إبطال الباطل، والمحب الطبري في الرياض النضرة: ج2 / 194، وابن الأثير الجزري المتوفي سنة 360 هجرية في أسد الغابة: ج4 / 22، وابن قتيبة المتوفي سنة 276 هجرية في كتابه تأويل مختلف الحديث: 201 ـ 202 طبع مصر، وابن عبدالبر القرطبي في الإستيعاب ج2/ 474 و ج3 / 39، وابن كثير في تاريخه ج7 / 359، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 66، والسيد مؤمن الشبلنجي في نور الأبصار: ص 73، والعلامة السمهودي في جواهر العقدين، والحاج أحمد أفندي في هداية المرتاب / 146 و 152، والشيخ محمد الصبان في إسعاف الراغبين: ص 152، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الحواس في الباب السادس، وابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة، والمولى علي القوشجي في شرح التجريد: ص 407، والخوارزمي في المناقب / 48 و 60، وابن حجر في الصواعق المحرقة: ص 107 طبع المطبعة الميمنية بمصر، والعلامة ابن قيم الجوزية في كتاب الطرق الحكمية / 47 و 53، تجد في هذه المصادر قضايا عسيرة ومشاكل كثيرة راجع فيها الشيخان أيام خلافتهما،عليا (ع) وهو حكم فيها ، وخاصة عمر بن الخطاب، فقد كان يقول عبارته المشهورة بعد كل معضلة حلها الإمام علي (ع): أعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو الحسن، ويقول في بعضها الآخر: لولا علي لهلك عمر. وقوله: كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب.
ولقد تحصل من هذه الأخبار أنهم كانوا يحتاجون إلى الإمام علي (ع) لحل القضايا والحكم فيها، وكانوا يحتاجون إلى رأيه وقضائه في فصل النزاع والتخاصم، وبحكم العقل ونظر العقلاء فإن الأعلم مقدم على غيره وهو أحق أن يتبع، وقال الله سبحانه: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)(14) ؟
وقال عز وجل: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)(15).
فهل كان من الحق والإنصاف أن يتقدموا على الأعلم والأفضل والأحق وأن يؤخروا من قدمه الله تعالى وفضله على غيره؟!

الإمام علي (ع) وخلافة من سبقوه
الشيخ عبدالسلام: لا ينكر أحد فضائل ومناقب سيدنا علي كرم الله وجهه إلا معاند متعصب أو جاهل متعنت، ولكن ثبت عند أهل العلم والتحقيق أيضا بأن علي رضي بخلافة الراشدين وسلم الأمر إليهم وبايعهم بالطوع والرغبة، فليس لنا بعد ذلك ولا يضح منا أن نجدد ذكر الحوادث التي تبعث الإختلاف بين المسلمين وتشب نار الفرقة والنزاع بين المؤمنين.
أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتحد مع بعض ونتبع الواقع ونخضع للتاريخ؟
فلا ينكر أحد من لأهل العلم والإطلاع أن الخلافة ثبتت لأبي بكر ، وبعده استقرت لعمر بن الخطاب وبعده تعين عثمان بن عفان لها. فمع تسليمنا وخضوعنا لمقام سيدنا علي كرم الله وجهه وتفوقه العلمي والعملي وقرابته من رسول الله (ص) وجهاده، ندعوكم أن تخضعوا أيضا لخلافة الراشدين قبل الإمام علي حتى نحسبكم مثل أحد المذاهب الأربعة المؤيدة من قبل عامة المسلمين.
وقلت: بأننا لا ننكر تفوق سيدنا علي كرم الله وجهه في العلم والعمل ولكن أضنكم تصدقوني بأن أبا بكر(رض) كان أولى بالخلافة لكبر سنه، وكثرة تجاربه، وعلمه بالسياسة، وإدارة الأمور، ولوجود هذه الإمتيازات فيه أجمعوا على خلافته، فإن سيدنا علي كرم الله وجهه كان حينذاك شابا غير محنك في أمور السياسة والإدارة، وحتى من بعد وفاة رسول الله(ص) بخمسة وعشرين عام لما بايعوه بالخلافة لم يستقر له الأمر لعدم سياسته وحدثت في أيامه حروب طاحنة بين المسلمين فسفكت الدماء وزهقت النفوس، كل ذلك بسبب خطئه في الإدارة والسياسة.
قلت: لقد خلطت الحابل بالنابل، وضربت السليم بالسقيم، فلابد لي أن أميز بين كلامك، وأضع كل جملة في موضعها وأجيبك عليها.

مثل مناسب ولا مناقشة في الأمثال
أولا:
لقد جاء في الأمثال: أن عجوزا طلبت من ولدها ـ وكان سارقا ـ أن يأتي لها بكفن من كسب حلال.
فجاء الولد وهو شاب قوي إلى بياع الأكفان ـ وكان شيخا ضعيفا ـ قريبا من بيت العجوز، فأخذ منه كفنا ولم يعطه الثمن، ولما أراد أن يذهب، طالبه صاحب الكفن بالثمن، فقال السارق: ليس عندي ثمنه وأريد منك أن تحله لي.
فقال الشيخ: لا أحله. إما أن تعطي الثمن أو ترد الكفن!
فغضب السارق وأخذ بتلابيب الشيخ وضربه حتى سقط على الأرض وبدأ يركله برجله، ويسحقه بأقدامه، ويقول هبني الثمن وحلل الكفن وإلا قتلتك!!
فقال الشيخ بصوت منخفض ـ وهو تحت أقدام السارق ـ: وهبتك الثمن وحللت الكفن.
فقال السارق: لا أقبل. إلا أن تصيح بصوت رفيع، تسمعك أمي في بيتها.
فصاح الشيخ بكل صوته: وهبتك الثمن وحللت الكفن.
فتركه وجاء إلى أمه العجوز وأعطاها الكفن.
وقال لها: يا أماه سمعت صوت الشيخ يقول: حللت الكفن!
قالت: نعم يا ولدي.. جزاك الله خيرا!!
أقول: فلو درت العجوز بصنيع ولدها الظالم بالشيخ المظلوم، هل كانت تؤيده وتقول له: جزاك الله خيرا؟!
إن كلامك بأن عليا (ع) كان راضيا بخلافة الراشدين قبله، وأنه بايعهم بالطوع والرغبة، فقد تكرر ونحن أجبنا عليه من قبل بالإجابات القانعة المستندة إلى كتبكم وتواريخكم، بأنهم أجبروه على البيعة بحرق بابه، وإسقاط ولده المحسن، وإيذاء زوجته وهي سيدة نساء العالمين، وإخراجه من البيت حاسرا قد جردوا السيف على رأسه، وهددوه بالقتل إن لم يبايع؛ وما إلى ذلك من حوادث أليمة وفجائع عظيمة.
فلو تظاهر الإمام علي (ع) بالرضا فإنما كان رضاه مثل رضا الشيخ بياع الأكفان، عن كره وإجبار لا كما تزعمون عن طوع ورغبة. فكيف رضي وهو (ع) إلى آخر عمره كان يشتكي من أعمالهم ويتذمر؟
وكما نرى في خطبه وكلماته وكتبه في نهج البلاغة، كان كلما وجد فرصة مناسبة يبدي ظلامته ويقول: صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى. فأين هذا الكلام من الرضا؟
ثانيا: قلتم: أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتحد مع بعض..؟ كما قلتم قبله، ولا يصح منا أن نجدد ذكر الحوادث التي تبعث الإختلاف والفرقة بين المسلمين.
فأقول: نحن في طول التاريخ كنا نراعي جانب الإتحاد، وكنا نحذر من الفرقة والإختلاف، ونبتعد عن التخاصم والنزاع، ولو راجعتم التاريخ ومررتم بالإحداث لأذعنتم لقولي، ولقد مضى في أبحاثنا أن الإمام علي (ع) إنما سكت وسكن مدة خمس وعشرين سنة ـ مدة حكومة الثلاثة قبله ـ حذرا من الاختلاف والفرقة بين الأمة ولقد تحمل عليه السلام ما لو نزل على صم الصخور لتصدعت وصارت هباء منثورا.
وكذلك الإمام المجتبى الحسن السبط سلام الله عليه، إنما هادن معاوية ليوحد بين المسلمين ويحسم النزاع والتخاصم، ولكن معاوية سحق شروط الإمام الحسن (ع) التي كان قد وقع عليها. وبعده أيضا كانت الشيعة في كل عصر وزمان دعاة الإتحاد والائتلاف، وأنتم كنتم تعملون بالعكس والخلاف، وذلك بتصدير الفتاوي ضد الشيعة، والإفتراء عليهم، واتهامهم بالكفر، وتسميتهم بالرافضة، وإباحة أموالهم ودمائهم وأعراضهم و....، ومن باب الدفاع عن النفس كنا نرد عليكم ونثبت بالمنطق والدليل بأننا مؤمنون ومسلمون ولسنا بكافرين ومشركين.

كان هذا

كتاب

ليالي بيشاور

تأليف
سلطان الواعظين
السيد محمد الموسوي الشيرازي





من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
التعديل الأخير تم بواسطة زكي الياسري ; 14-01-2010 الساعة 06:02 AM.

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليالي بيشاور, الرافضه, الرد على الروافض, ابو بكر, اسلام, اهل السنه و الجماعه, muslim shia sunna, عمر, عبدة القبور



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:49 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية