وهو من الادوار المهمة التي يمكن أن نجد معالمها في شخصية الزهراءـ عليها السلام ـ بصورتها الكاملة، ونفهم من خلاله جانباً آخر من أدوار المرأة في الحياة الانسانية، هو دور التكامل الفردي في الحركة نحو الله سبحانه وتعالى.
لقد اراد الله تبارك وتعالى لهذا الانسان أن يتحرك باتجاه الكمالات المطلقة، التي يتصف بها الله سبحانه وتعالى. وبطبيعة الحال لا يمكن للانسان أن يصل إلى ذلك الكمال المطلق،
وإنما أُريد له أن يتحرك باتجاه ذلك الكمال، باتجاه العلم لأجل أن يكون في صراط العلم الالهي الكامل، وأُريد له أن يتحرك باتجاه الجود وفي طريق الاحسان والخير، وباتجاه كل ما يوصله للكمالات الالهية من خلال الخلوص في العبودية لله سبحانه وتعالى، كما يبيّن ذلك القرآن الكريم: ( وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة)(1).
هذا الامر هو الذي يعبر عن هذه المسيرة في حركة الانسان نحو التكامل، وعندما نأتي إلى الزهراءـ عليها السلام ـ نجد فيما نجد من صفاتها هذه الخصيصة، وهذا الامر الذي اكدت عليه الآيات الشريفة التي وردت في سورة الدهر، عندما تحدّثت عن أُولئك العباد الابرار الذين وصلوا إلى اعلى درجات التكامل، في حركة العبودية لله تعالى، والتقوى والارتباط بالله سبحانه وتعالى، فالزهراءـ عليها السلام ـ مثلت ايضاً المحور في هذه الحركة التي تحدث عنها القرآن الكريم.
هذا التحرك في طريق التكامل هو من الامور ذات العلاقة بدور المرأة في الحياة، فكما أن الرجل لابد له أن يتحول في حركته إلى عبد صالح مخلص في عبوديته لله سبحانه وتعالى، وأن يتصف بالدرجات الكمالية العالية من التقوى والصلاح والعلم والتواضع والصبر والاحسان والجود والبذل والعطاء،
إلى غير ذلك من الدرجات العالية التي دعا إليها الإسلام في مسيرة كمالات الانسان، وجهاد النفس والرقي نحو الله تعالى، كذلك أُريد للمرأة في أدوارها أن تسلك هذا الطريق وأن تتكامل في هذا الجانب ، لأن قابليتها في الرقي والكمال والوصول إلى الله تعالى قابلية كاملة، ومؤهلاتها في ذلك مؤهلات كاملة.
ولعل تركيز القرآن الكريم في هذا الجانب فيما يتعلق بالسيدة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام، وكذلك بالنسبة إلى السيدة مريم ـ عليها السلام ـ عندما يخاطبها القرآن: ( يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين)(2)، رغم أنها ـ عليها السلام ـ كانت من القانتين والساجدين والراكعين وكذلك الحال مع السيدة آسية زوجة فرعون في إخلاصها وإقبالها على الله تعالى، وفي
_
___________________________
(1) البيّنة: 5.
(2) آل عمران: 43.
نظرتها إلى الحياة الآخرة، وطلبها في أن يبني الله لها بيتاً في الجنة، وينجيها من غرور السلطان وزخارف هذه الدنيا التي كانت تحيط بها من كل جانب ومكان، باعتبارها امرأة أعظم ملوك العالم فرعون الذي كان يملك الدنيا، مع كل ذلك تنازلت عن هذه الزخارف والبهارج وجميع اللذات وجعلت هدفها ينحصر في أن يكون لها بيت في الجنة وأن ينجيها الله من فرعون وعمله.
هذا الامر حينما يركز عليه القرآن الكريم، يركز عليه ليعطي للمرأة هذا الدور أي الاهتمام بهذا الجانب في حركتها الانسانية، إذ إن المرأة في حركتها الانسانية يمكنها ـ كما يمكن للرجل ـ أن تأخذ من شهوات هذه الدنيا وزينتها ما تشاء في الحدود الشرعية: ( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق قل
هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقوم يعلمون)(1)، وهو امر أحله الله تبارك وتعالى لعباده من الرجال والنساء، ولكن الاستغراق في هذه اللذات وهذه الشهوات، والاستغراق في زينة الحياة الدنيا، بحيث يمثّل ذلك الهموم الاجتماعية العامة للوسط النسوي، هو مما لا يريده الله تعالى لهذه المرأة.
ومن الطبيعي أن نحفظ في حركة المرأة التوازن بين اشباع هذه الحاجات والرغبات، بما يحفظ للمجتمع حيويته وقدرته على الحركة، والحذر من السقوط في مستنقع هذه الشهوات والرغبات، والاستغراق في الزينات بحيث تتحول ـ في حالة السقوط ـ كل هذه القضايا إلى هموم في اوساطنا الاجتماعية والفردية واوساط المرأة.
ونجد في مجتمعاتنا الحاضرة ـ مع الاسف ـ الكثير من الرجال الذين وقعوا في هذا المستنقع، كما وقعت فيه الكثير من النساء بحيث صارت قضية الزينة والزخارف الدنيوية هي القضية الاولى التي تتحدث عنها النساء، وتتداولها المجتمعات الخاصة بهن مثلاً، أو ما يشبه ذلك من الاسراف في مجالس الاستقبال أو حفلات الزواج.
والشيء المهم الذي لابد أن ننتبه إليه، وتنتبه إليه المرأة في موضوع دورها الكبير في هذا المجال، هو أن النصوص الشريفة التي وردت تتحدث عن الزهراءـ عليها السلام ـ في حياتها الخاصة الفردية، وفي لبسها واكلها وشربها، وفي زهدها بهذه الامور والزينات، أُريد منها إعطاء هذا التوجيه الخاص في حركة المرأة ودورها في الحياة.
الدور الثالث : الدور السیاسي للمرأة
الخاص الذي يمكن أن تقوم به المرأة في المجتمع الاسلامي، فلقد أُريد من المرأة أن تدخل العمل السياسي، وتمارس هذا الدور المهم في الاعمال السياسية وفي المجتمعات الانسانية. المرأة في هذا المجال كالرجل، تتحمل المسؤوليات الخاصة في خدمة المجتمع والتضحية من أجله، والجهاد في سبيل الله تعالى وفي
البذل والعطاء إلى حد الاستشهاد في سبيل الله تعالى، فلابد للمرأة أن تقوم بهذا الدور أداءاً للواجب والتكليف، حسب القانون الالهي والاحكام الشرعية التي وضعها الشارع المقدس لها، وهو من الادوار التي فتحت أمام المرأة في حركتها.
إن تضحية الزهراءـ عليها السلام ـ كانت من اجل نصرة امامة الامام علي ، وترسيخ مبدأ الولاية، والدفاع عن هذا الحق الذي أُريد له أن يثبت في التاريخ ويستمر، وإن لم يحصل ـ ـ على موقعه المطلوب منذ اليوم الأول، فنجد الزهراء ـ عليها السلام ـ تبادر إلى هذا الدور، وتنهض به بأفضل ما يمكن أن يؤديه الإنسان، في ظرف حساس يمكن لنا أن نقول إنه لم يكن من الممكن لغير الزهراءـ عليها السلام ـ أن يقوم فيه.
ومع وقفة عند هذه النصوص الواردة عن النبي ـ ـ في الزهراء، مثل قوله: (( إن الله يغضب لغضب فاطمة))، يتبين لنا أن الله سبحانه وتعالى قدّر في قضائه وقدره، أن فاطمة الزهراءـ عليها السلام ـ
سوف تمر بأوضاع سياسية واجتماعية تثار فيها الزهراء، وتغضب لله تعالى لا لنفسها، ولذلك يغضب الله تعالى لغضبها ويرضى سبحانه وتعالى لرضاها عليها السلام.
وعلى خطى الزهراء ـ عليها السلام ـ كان دور المرأة في الثورة الحسينية، باعتبار أن الثورة الحسينية ـ كما هو معروف ـ مثلت القمة في التضحية والفداء والبذل والعطاء في حركة الانسان السياسية والاجتماعية. وقد شاركت المرأة الرجل مشاركة فعالة في كل الأدوار التي قام بها في الثورة الحسينية،
وكان لهذا الدور خمسة أبعاد هي: البعد القتالي، والبعد السياسي، والبعد الاعلامي، والبعد الانساني، والبعد الاخلاقي والمعنوي العام، وهي ابعاد رئيسية ومهمة نهضت بها المرأة في هذه الثورة الخالدة.
إذن المرأة يمكنها في تفاصيل حياتنا الفعلية الحاضرة أن تقوم بالكثير من الادوار الهامة، في هذه المعركة الجهادية وفي صراعنا الذي نخوضه كمسلمين ضد الطغيان والكفر العالمي، وضد الاستكبار والاستبداد.
فيمكن للمرأة أن تساهم مساهمة فعالة وحقيقية في الفعاليات الجهادية طبقاً للاحكام الشرعية، وضمن المواصفات الشرعية التي حددتها الشريعة الاسلامية المقدسة، مع ملاحظة أن قسماً من هذه الاعمال يتحملها الرجل وحده، في حين أن هناك اعمالاً تتحملها المرأة وحدها، واعمال اخرى يتحملها الاثنان.
الدور الرابع : دور المرأة في الاسرة
إن النظرية الاسلامية في فهمها للمجتمع الانساني ورؤيتها لتركيبته العامة، ترى أن اللبنة الاساسية في هذا البناء الاجتماعي والتي تشكل الوحدة المركزية فيه هي الأسرة.
النظرية الاسلامية ترى أن الاسرة تمثل وحدة رئيسية ومركزية في بناء المجتمع، ولا يمكن أن يبنى المجتمع الصالح ويتكامل دون أن تبنى الاسرة الصالحة، ومن هنا نجد أن الإسلام طالما أكد على اهمية دور الاسرة في المجتمع، على خلاف رؤية المجتمعات والحضارة الغربية، التي لا ترى للاسرة مثل هذا الدور المهم في بناء المجتمع وقوته وتكامله.
فالاسلام يرى أن قوة الاسرة وصلاح الاسرة وتماسكها وتكاملها واتصافها بالمواصفات المطلوبة، هي التي تمكنها من أن تحول المجتمع إلى مجتمع صالح متكامل. ولا شك أن الزوجة الام تمثل الركن الرئيس في الاسرة وبنائها، إن لم نقل الركن الاهم في هذا البناء من الناحية الداخلية والذاتية. ولعل هذا هو السر في التركيز الخاص على شخصية الزهراء ـ عليها السلام ـ في تفاصيل دورها في الاسرة.
وفي هذا المجال أود أن انبّه لنقطة مهمة جداً في شخصية الزهراءـ عليها السلام ـ لم توجد في غيرها من النساء الصالحات اللاتي تحدث عنهن القرآن الكريم، وتحدث عنهن الرسول الاكرم ،
من قبيل آسية ومريم بنت عمران ـ عليها السلام ـ التي لم تحصل لها ظروف اسرة كاملة، كما لم تحصل لآسيا زوجة فرعون ظروف اسرة كاملة وصالحة في حركتها، حيث كانت زوجة لكن لم يكن لها اولاد، وكانت زوجة لكنها زوجة لطاغية، ولم تكن قادرة على أن تعبر عن تلك العلاقة القوية في إحكام الاسرة وعلاقات الاسرة وبنائها.
وأما خديجةـ عليها السلام ـ فقد كان لها دور الاسرة، فهي زوجة لرسول الله ـ ـ وأم لذريته; لأنها أم الزهراء ـ عليها السلام ـ فهي تشبهها من هذه الناحية ، ولكن الزهراءـ عليها السلام ـ امتازت على أمها خديجة بالأدوار الاخرى التي مارستها في حياتها، والتي استطاعت أن تحفظ في شخصيتها قضية الموازنة بين هذه الادوار، والموازنة غاية في الأهمية بالنسبة لحركة المرأة.
فبعض النسوة قد يوفقن لأن ينهضن بدور مهم في الجانب الاول، أو في الجانب الثاني في العبادة وفي جهاد النفس والقيام بالاعمال الصالحة، ثم الوصول إلى الكمالات العالية، وقد يكون لهن دور مهم في الجانب الثالث، في الرعاية المنزلية وفي ترتيب وضع الاسرة وجعلها اسرة قوية صالحة،
والبعض منهن يكون دورهن الكبير في موضوع التضحية والفداء، لكن الجمع بين كل هذه الادوار، وايجاد حالة الموازنة بين هذه الاعمال وهذه الادوار هي قضية هامة جداً، وفي فهمنا للدور الكامل للمرأة أنه كلما تمكنت المرأة من أن تقترب في صورتها النموذجية، التي تكون الزهراءـ عليها السلام ـ فيها قدوتها وأسوة لها في هذه
الحركة التكاملية، تمكنت من أن تقترب من حالة المحافظة على هذه الموازنة، بمعنى أن تكون لها مساهمة فعالة في كل هذه الادوار، وتكون المرأة في صورتها أقرب إلى الكمال نحو الزهراء عليها السلام، وكلما ابتعدت عن هذه الموازنة كانت بعيدة عن حالة الكمال.
أقول ربما لا تتهيأ للمرأة فرص أن تمارس الدور الرابع (دور الأسرة); لأن هذا الدور من الأمور التي لا تكون دائماً في اختيار المرأة، فربما لا تتزوج المرأة، أو تتزوج ولا يكون لها أولاد، وربما لسبب ما لا يكون الزواج ناجحاً، وغير ذلك مما يمكن ألاّ يكون في اختيار المرأة وقدرتها، ولذلك فأنا اشير إلى الحالة الغالبة،
وهي أن المرأة عندما تكون في دور الاسرة، يكون أمامها فرص أُخرى مهيأة، كما كان الامر بالنسبة للزهراءـ عليها السلام، فهي ربة بيت تطحن الحنطة في بيتها وتنظف البيت، وهي في نفس الوقت المرأة العالمة الفاضلة التي كانت قادرة على تعليم الناس، فلم تطلب مثلاً جارية لتدبير امور المنزل، لتقول مثلاً أريد أن اتفرغ للعلم والتعليم، وإنما عبرت عن هذا الجانب في كمالها في حفظ الموازنة بين ادارة البيت والعلم ، وكما عبرت عن ذلك في عبادتها وزهدها وتواضعها، وفي مساهماتها في العمل الاجتماعي والسياسي العام.
ربما لا تتهيأ فرصة للعمل الاجتماعي لبعض النساء، أو لا تتهيأ لها فرصة للعمل الجهادي، فيكون الاهتمام في الجانب الاجتماعي أو في العمل الثقافي أو العمل العبادي حسب الفرص المتاحة لها. المهم للمرأة أن تسعى لاستثمار الفرصة الحاصلة من خلال الإمكانات الموجودة، وأن تواكب في حركتها التكاملية هذه الفرص، وتوازن بين هذه الأدوار الأربعة التي ذكرتها؛ لأجل أن تكون امرأة كاملة في هذه الحركة.
_________________
السلام على الشيب الخضيب
السلام على الجسم السليب
السلام على الخد التريب
العجل العجل العجل الغوث الغوث الغوث
ادركنا يامولانا ياصاحب الزمان
امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء
كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى ابائه في هذه الساعة وكل ساعة وليا وحافظا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا وترزقنا راءفته ورحمته برحمتك ياارحم الراحمين
نسالكم الدعاء --------------------------------------- مقتبس مضاف اليه