إنّ المرأة يصيبها ما يصيب الرجل في المُلمات، فهي ليست بمعزلٍ عن طوارق الأيام وحوادثها، كما أن أنوثتها لا تعني تقوقعها على ذاتها حتى وإن كانت تقوم الليل وتصوم النهار، بل إن عدداً غير قليل من النساء ممن يوصفن بالتقوى كان لهنّ دور كبير في الحياة اليومية، وبعضهن غيَّرن وجه التاريخ، لأنَّ المرأة في واقعها مدرسة لصناعة الأجيال، وهذه الحقيقة نلمسها بوضوح من خلال تتبع سيَر النساء اللواتي حضرن واقعة كربلاء عام 61 هـ وشهدن مصرع سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وقد وضعنا البحاثة الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي في جانب من الصورة من خلال كتاب "معجم أنصار الحسين (عليه السلام).. النساء" في جزئه الأول، وفي الجزء الثاني الذي صدر حديثاً (نهاية 1431 هـ = 2010 م) عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 398 صفحة من القطع الوزيري، يفتح لنا نوافذ على جوانب من الصورة، مما يجعلنا منبهرين أمام عظمة الإسلام الذي فتح مغاليق الأبواب أمام حرية المرأة، لتأخذ موقعها الفاعل في الشؤون الحياتية المختلفة.
• نقلة معرفية:
لأن المرأة هي الحاضنة للبشرية، فإنها حلقة الوصل بين المجتمعات، بل أن عدداً غير قليل من الحروب التاريخية والصراعات القبلة والعرقية والدينية وأمثالها أطفأتها زيجة بين المتخاصمين، فالمصاهرة عامل مساعد على إطفاء نار الأحقاد، على أن الهجرات التي وقعت في التاريخ الإسلامي من الدول الإسلامية باتجاه الخارج سببتها حروب مذهبية كانت عاملاً من عوامل انتشار الإسلام، وفي الوقت نفسه من دوافع المصاهرة والمعاشرة، وبالطبع فإن الهجرة تترك هي الأخرى أثراً سلبياً، وبخاصة عندما يصبح المسلمون في بلدان بعيدة عن العاصمة الإسلامية عرضة لحروب دينية، تجبرهم على تغيير هويتهم الدينية تحت حد القتل، كما حصل في الأندلس وغيرها من الدول الأوروبية أثناء الحروب الصليبية.
ومن محاسن البحث الذي أجراه المحقق الكرباسي لبيان هوية وشخصية نساء كربلاء، أنه اكتشف أموراً جديدة كانت غائبة عن الآخرين، بل أستطيع الجزم أنه تفرد في اكتشاف ما لم يقع عليه علماء الإسلام خلال أربعة عشر قرناً، فقد اكتشف وجود أُسر كاملة في أميركا وبعض الدول الاسكندنافية تعود في جذورها إلى أسر عربية، وبعض الأسر تنتسب إلى أهل البيت (عليهم السلام)، وجاء هذا الاكتشاف من خلال البحث عن شخصية شاه زنان، وهي زوجة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، فمن طبيعة البحث الذي يقدمه الشيخ الكرباسي في هذا المعجم أنه يذكر نسب المرأة المعنية من الأب والأم، ولما كانت معظم الأقوال تذهب أن شاه زنان هي ابنة الملك الساساني يزدجرد، لكن الأقلام توقفت عن ذكر نسب أمها، وحين لم يهتدِ المؤلف إلى النسب من كتب السير والتاريخ التي تزخر بها المكتبة العربية والإسلامية، فإنه استعان بالمشجرات الأجنبية، واستطاع بعد جهد جهيد أن يصل إلى نسب زوجة الإمام الحسين (عليه السلام) من أمها، عبر مشجرة أميركية تعود بجذورها إلى ما قبل العهد الإسلامي وحتى يومنا هذا.
والمفاجأة في هذا الاكتشاف أن بعض المشجرات الغربية تحكي عن نسب هاشمي لبعض الأسر، والمفاجأة الأخرى أن أسماء الجدود تتحول إلى أسماء عربية كلما اقتربنا بالمشجرة إلى القرون الهجرية الأولى، مما يعني أن هذه الأسر تعود بجذورها إلى قبائل عربية وقريشية، لكن تقلبات الأحوال والأزمان أبعدت أجدادهم خارج حدود الدولة الإسلامية آنذاك، فالحديث ليس عن هجرات قريبة في القرن الرابع عشر الهجري أو الذي قبله، وإنما عن هجرات في القرون الهجرية الأولى، وبذلك أستطيع القول أن الفقيه الشيخ محمد صادق الكرباسي هو أول باحث إسلامي يسترشد بمشجرات النسب في الدوائر الأميركية والأوروبية، لاستحصال معلومات في علم الرجال لشخصيات إسلامية فضلاً عن شخصيات غير إسلامية، وهو بذلك يفتح الطريق أمام علماء الحديث والرجال للاستعانة بالمشجرات الغربية ومصرف المعلومات لدى الآخر، لسد الفجوات في المعلومات الناقصة لبعض الشخصيات نساءً ورجالاً، ولاسيما وأن المشجرات الغربية تتحرى شجرة النسب من الأم والأب عمودياً وأفقياً، وبالطبع هذا لا يمنع من البحث والتحقيق والتثبت.
• مقدمة نسائية:
يعتبر الحديث عن دور للمرأة في النهضة الحسينية وفي عموم الحركة الإسلامية عبر التاريخ، حديث عن حقيقة قائمة، فصحيح أن القتل والقتال كُتبا على الرجال دون النساء، ولكن التفصيل الذي أورده المؤلف في هذا الجزء وفي الجزء الأول عن نساء حضرن كربلاء، يحكي عن عظيم أفعالهن التي وصلت إلينا بعد أربعة عشر قرناً.
والنساء اللواتي جاء ذكرهن في الجزء الثاني هن: أم أحمد بن عقيل الهاشمي، أم الحسن بنت علي الهاشمیة، أم قاسم بن محمد الطیار، أم محمد بن أبی سعید الهاشمي، خلیلة والدة عبد الله الهاشمي، الخوصاء بنت عمرو الهصائیة، سکینة بنت الحسین الهاشمیة، سکینة بنت علي الهاشمیة، سلافة مربیة الإمام السجاد، سلمى بنت حجر الکندیة، سلمى أم رافع القبطیة، شاه زنان بنت یزدجر الساسانیة، صافیة (أم فاطمة) الزنجیة، صفیة بنت علي الهاشمیة، الصهباء بنت عباد الثعلبیة، عاتکة بنت الحسین الهاشمیة، عاتکة بنت زید العدویة، عاتکة بنت مسلم الهاشمیة، غزالة أم عبد الله أمة السجاد (عليه السلام)، فاطمة بنت علي الهاشمیة، فاطمة بنت الحسن الهاشمیة، وفاطمة الصغرى بنت الحسین الهاشمیة.
ومن محاسن الصدف أن المقدمة الأجنبية التي تميزت بها أجزاء دائرة المعارف الحسينية في آخر كل جزء من أجزاء الموسوعة التي بلغت حتى يومنا هذا 64 مجلداً، جاءت هذه المرة أنثوية كتبتها البروفيسورة سيدة زينب البنغالية الأستاذة في جامعة بنغلاديش، حيث قدمت للكتاب وباللغة البنغالية، ورأت أن: "الإمام الذي تدور هذه الموسوعة حول معارفه وشخصيته وآفاق نهضته، هو أحد هذه القِمَم التي أخذت طريقها إلى الجلاء في أعلى صورها، في عالمٍ لم يعد للخفاء وطمس الحقائق مبررٌ ولا موجب، فكانت هذه الموسوعة إحدى معالم هذا الظهور، والتي أخذت على عاتقها بيان عظمة هذا الإمام الذي لا يمكن الإحاطة بكل جوانبه إلا بدراسة متواصلة ومتأصلة"، مؤكدة أن اتساع حجم الموسوعة الحسينية "يدل على أمرين: الأول: سعة أفق هذا الإمام العظيم، بحيث لا يحصر بعامل الزمان ولا بحدود المكان، بل ضربت أطناب خيمته في جذور التاريخ وعلى مساحة الفضاء المفتوح، ليسع كله ولا يستثني قومية ولا ملّة، بل ولا يقتصر على دين أو مذهب.. الثاني: قدرة سماحة المؤلف وتمكّنه من الموضوع والإحاطة بالأهداف السامية التي وضعها الإمام الحسين (عليه السلام)، لتظهر جلية في مشروع موسوعة مترامية الأطراف ومتعددة الجوانب والأبواب".