المخلص المنتظر وضبابية الصورة
مريم الناصري
المخلَص المنتظر فكرة انسانية بامتيازتجتمع عليها الديانات السماوية مع اختلاف المسميات والتجليات كما ان المعتقدات والديانات غير السماوية
بعضها قام اصلا على افكار ورؤى اصلاحية جاءت لتقويم الأنحراف الفكري والأعتلال الأخلاقي في المجتمع البشري كما حصل فيما جاء به بوذا من قوانين أخلاقية والتزامات ترويضية روحية...وهي أي فكرة المصلح والمخلص بالتالي, لها انسجام طبيعي مع رغبة الانسان الأبدية الأزلية في ارتقاء سلم الكمال وصولاً الى بناء متكامل لمدينته الفضلى القائمة على بسط العدل والمساواة بين ابناء آدم وشيوع الفضائل وانحسار الفساد بأشكاله المختلفة على أساس أن الفساد ماهو الاَ نتيجة طبيعية لغياب العدالة واعتداء البشر على بعضهم البعض بسبب الفوضى التي تحكم العلاقات بين الناس وموازين القوة والضعف التي تمد الجسد الأنساني بأصناف مختلفة للجشع والاستبداد بالاخر.
المسلمون بشكل عام يؤمنون بفكرة المهدي بكثير من تفاصيلها الا أن المسلمين الشيعة أختصوا بتفاصيل لاتوجد عند غيرهم كما أن المهدي عليه السلام ومشروعه المرتقب يأخذ حيزا كبيرا في الفكر الشيعي منذ بداية الغيبة الصغرى مرورا بوفاة آخر النواب الأربعة وبداية الغيبة الكبرى واستمرارها الى يومنا هذا..... وليس مستغربا أن يعطي الفكر الشيعي للمصلح وانتظاره, هذا الاهتمام وهذه المساحة الواسعة لأن التشيع أصلا قام وارتكز على تعديل الخلل الذي بدأ بالظهور بعد رحيل الرسول الأكرم محمد(ص) وتجلى واضحا بتنحية ومقتل خليفته علي بن أبي طالب(ع)ومن ثم التصدي العنيف والجائر لثورة المصحح الأول الحسين بن علي (ع)والسعي لأخماد نهضته الأصلاحية في حادثة الطف المعروفة.
والمصلح المنتظر هو بلا شك تجسيد لهذا التطلع والعطش البشري لكل ماهو مثالي وجميل وبينما الأعناق مشرئبة لذاك اليوم المنشود يحز في النفس ان تُستباح الفكرة بين فينة واخرى وعلى ايدٍ ساذجة حينا و مغرضة احيانا ويصبح الأمر وكأنه معبر مباح ومتاح لكل العابرين من المعتوهين والمشبوهين والمدسوسين, وبما انها فكرة روحانية بحتة , للمظلومين والمضطهدين فيها النصيب الأكبر بأعتبار انها جاءت لأنقاذهم هم وتخليصهم من أعباء الجور والأضطهاد .من هنا فكلما قام قائم اجتمع حوله قوم من البسطاء والمأخودين بقدسية الفكرة دون تدبر وتبصر ,بالطبع لايخلو الأمر من طالبي وجاهة أو مال يحشرون انفسهم في مناسبات كهذه املاَ بالحصول على مايبغون والنتيجة هي ضياع اكثر للبسطاء من الناس وتشتت اعمق والسبب يكمن في أن فكرة المهدي المنتظر احيطت بهالة من القدسية وأضاف لها الخيال الساذج الكثير من الحكايا والقصص مما أضفى عليها رهبة وغموضا جعل منها منطقةً حراما يصعب الحديث عنها أو النقاش حولها عدا بعض البحوث الجريئة لكنها-أي البحوث- على أي حال تخصصية متاحة لفهم شريحة معينة من الناس وليس عمومهم
رغم ان الفكرة تهم الجميع دون استثناء.
مايَقال ويَروى حول المهدي(ع) بين الناس أشبه بصورمن صنع الخيال الشعبي وأنه يخرج شاهرا سيفه ليقتل ويفتك من اجل اصلاح الأعوج من الأمور وعليه فهو بحاجة لمقاتلين يسندون دعوته ...فهو اذن مقاتل لا محالة.... بيد أنه لا دليل هناك على أنه سيشيع مبادئه الحقة تحت سطوة السيف وجبروت العنف بالرغم من ان استخدام القوة ليس مستبعدا الا ان القوة لها تجليات متباينة لا أحد يعرف مدياتها او اشكالها !
ان ترك قضية المهدي المنتظر دون بحوث علمية مبسطة ودراسات تَطرح في العلن لتثقيف الناس عالمين ومتعلمين وصولا الى تكوين رؤية متكاملة او شبه متكاملة للمصلح وتحديد الملامح المنطقية لنهضته المرتقبة كي يتسنى لجميع الناس معرفة معقولة لفكرة هذا المنقذ الذي يخرج آخر الزمان ليزيح الغبار عن مبادئ الحق والعدل ويملأ الأرض قسطا وعدلا ...يجعلها نهبا للنوايا المشبوهة ...ولا أكثر عندنا من وسائل التثقيف العام فالناس مازالوا يجلون منابر الجمعة ومازال ايضا منبر الخطابة الحسينية نابضا ومسموعا عند الناس.... ان فكرة المهدي المنتظر عليه السلام اذا لم تأخذ حيزها الوافي من الشرح والتنوير ستبقى خطرا يهدد تفكير الأجيال كلما نهض ممسوس أو تآمر مغرض أو مأجور.