ورد على لسان زوجة البليونير الأميركي بيل غيتس كيف أنها تحرص على ثقافة الاعتدال في تربية أبنائها إلى حد التقشف، حتى إن مصروفهم لا يتيح لهم تناول «الهامبورجر» إن كان سعره مرتفعاً، فلما سُئلت عن سبب التقتير وثروة أبيهم تبلغ 60 بليون دولار، تبرع بنصفها للأعمال الخيرية، أجابت الأم والزوجة الحكيمة: «لأن الأموال المطلقة مثل السلطة المطلقة، كلتاهما مفسدة»، محذّرة من أن الأبناء الذين يتربون على ثقافة الإنفاق والتبذير وعدم الشعور بالحاجة، غالباً ما يقعون في براثن المخدرات والفشل . غير أن هناك وجهاً آخر لهذا الحرص، ويتجه إلى وعي غيتس وزوجته بأهمية العمل وقدسيته في استكمال المسيرة الناجحة بلا توقف، وهو ما يحاولان غرسه في عقول أبنائهما، حتى لا يدمروا ما بناه الأب بجهده وتعبه، على حد قول مسز غيتس.
طبعاً إذا استوعبت أن هذه المرأة تبرع زوجها بثلاثين بليون دولار، في حين أن ابنه لا يملك ثمن جلسته مع أصدقائه في مطعم على حسابه، لأنه ببساطة «يا دوب يدفع ثمن أكله». هذه المعلومة وحدها وللأمانة عصية على الفهم العربي تحديداً، فمع صدور قائمة الأثرياء العرب الأخيرة، ومع ازدحامها بالأسماء السعودية، التي لا يصل أعلى رقم فيها إلى الثلاثين بليون دولار المتبقية بعد توزيع غيتس ثروته على المحتاجين، مع هذه القائمة أعطني اسماً فيها يكون صاحبه مقتنعاً بأن سياسة مصروف ابنه لا ينبغي أن تكفيه إلاّ لوجبات المطاعم السريعة أو تكاد! اسماً واحداً إذا ناقشته وجدته مؤمناً بأن المال المطلق مثل السلطة المطلقة، كلتاهما مفسدة، فإذا نظرت من شق بيته على أهله وهم بداخله، رأيت أن تنظيره ملحق بتطبيقه. يعني قول وفعل!
حين سئل وارن بافيت عن سيارته موديل «لنكولن» القديمة وبيته الذي لم يغادره منذ أربعين عاماً، فبماذا أجاب؟ البيت ويلبي جميع حاجاتي، والسيارة وتنقلني حيث أريد، فلم التغيير؟ فهل تبتسم لجوابه؟ لن ألومك، ولكن سأذكّرك بعدد سياراتنا الفارهة وأصحابها وراء مقودهم ينظرون إليك من طرف خفي ومتعال، وكأن الصك بملكية الشارع في درج سياراتهم عوضاً عن استمارة المركبة التي لا تزال باسم الشركة، لأن بقية أقساطها لم تسدد بعد. وكي يكون المرء عربياً وواقعياً، فلن أقترح أن نكون مثل وارن بافيت، ولكن أن يكون وارن بافيت مثلنا! أمّا هذه المرة فأنا من يبتسم، خصوصاً مع تسلم أول اسم في قائمة الأثرياء السعوديين لطائرته الجامبو ذات الدورين. ترى ما رأيه في سياسة غيتس وبافيت؟
ولأن اللوحة سريالية، فماذا لو قلبناها وعاش غيتس بأبنائه المتقشِّفين في حيّينا الشرقي والخليجي على وجه الدقة؟
وبعد مضيهم السنوات يتنقلون وسط ناسنا وأهلنا، يشربون حكاياتنا، ويأكلون على وقع تحليلاتنا للإنسان وتقويمه، بعد هذه التجربة الثقافية التحوّلية، علينا إعادة السؤال على مسز غيتس.
ولنتخيل الصورة كالآتي: أولاً وجه السيدة لن يكون على حاله بأي حال! فشفتاها الرقيقتان اللتان كانتا لا تتحرّجان من الخروج بهما وهي في بلادهم ستكونان أول بوابتها للتغيير الجذري، فالأكيد أن حجمهما سيتورم وهي في بلادنا كما سيتضخم مصروف أبنائها. أمّا سلة الشعارات عن الأموال المرسلة والسلطات المطلقة و «الهامبورجر» العادي، فيا ليتها تستبدلها بالحديث عن الصفقات الوطنية والمشاريع العملاقة وأرقام الاقتصادات، ولا تنسى في الطريق أن تعرِّج على الفساد وضميرها الحي في وجوب محاربته، والتشهير بأهله، أو أي كلمتين تراهما لزوم تزيين الإطار.
بالمختصر المفيد، لا ثقافة مسز غيتس ثقافتنا، ولا ثقافتنا ثقافة مسز غيتس، وإن حاولنا تقليد النموذج الأنجح، فلن ننجح، فاحتقارنا ومعاملتنا غير الإنسانية لكل محتاج وماله قليل لن يسمحا لأبنائنا بأن يحيوا الحياة بإمكانات مادية متواضعة، فكل يوم سيصادفهم موقف يفت في عضدهم، ويزيد عقدهم النفسية، ذلك لأن نوعية تعاملنا مع الإنسان إنما يتحكّم فيها مظهره الخارجي في المقام الأول، وكل من يقاوم هذه الثقافة الاستنزافية فإنما يقف في وجه مجتمع بأسره، ولا أملك إلاّ أن أحيّيه، ولكن هل يكون أهله على قناعته نفسها؟ ثم والسؤال: ماذا عن استمراريته؟
أنها تحرص على ثقافة الاعتدال في تربية أبنائها إلى حد التقشف، حتى إن مصروفهم لا يتيح لهم تناول «الهامبورجر»
يقولون ما لا يفعلون هه.. قرأت ذات مره
ان غيتس كان في مطعم وصادف ان ولده
كذلك في نفس المطعم
عندما جاء النادل لأخد الحساب غيتس
اعطاه بقشيش 5 دولارات، فستغرب النادل
وقال كيف ان ولد غيتس اعطاه 500 دولار
منذ دقائق كبقشيش والوالد 5 فقط!!
على كل حال موضوع توجيهي قيم شكراً
وتحيه طيبه