شبكة النبأ: ربما لا يعرف كثيرون، دور الاحترام – على وجه الدقة- في تطوير المواهب والمهارات والامور التي تتعلق بالابداع عموما، ولهذا لم تُعطَ هذه القيمة المركزية، جل الاهتمام المطلوب بها من لدن معظم مكونات المجتمع، والسبب يعود دائما، الى عدم وجود التقدير الصحيح لاهميتها، وقدرتها على صنع المجتمع الخلاق.
لنتخيَّل معا طفلا في مبتدَأ الحياة، يقوم بصناعة شيء ما، دمية أو أي شيء آخر، ويأتي فرِحاً ويعرضها على أبيه أو أخيه الاكبر، إن الطفل مبهور بما عملت يداه من صنعة، وجاء لأبيه وأخيه لكي يتأكد فعلا هل هو ماهر، هل هو موهوب، وهل صنع ما يستحق الاعجاب؟!، ولنتصور الآن رد فعله على تفاعل الاب او الاخ معه، فإذ وجد الطفل الاحترام لما بذله من مهارة وجهد في انجازه لدميته، سوف يتأكد أنه موهوب فعلا ويمتلك مهارات جيدة وكثيرة، وسوف يُقبل على صناعة اشياء أخرى، والاهم من هذا كله، سيثق بنفسه وقدراته، وسوف يلازمه التفكير بصناعة اشياء جديدة، ثم الاهم من هذا وذاك أن هذا الشعور بالثقة والموهبة والمهارة سوف يلازمه ويكبر معه، وسوف يحصل المجتمع على رجل ماهر موهوب مبدع، ينزع الى الانتاج الافضل من خلال استثماره لقدراته وموهبته.
ويمكننا الآن أن نعكس الحالة أعلاه تماما، فماذا سيحدث إذا تمَّ تقريع الطفل من لدن ابيه واخيه، وتم اهمالة، ولم يتم احترام جهده ومبادرته لصناعة الدمية او غيرها، تُرى ما الذي سيحصل؟، إن الذي سيحصل واضح جدا، سيُصاب الطفل بصدمة، وسيشعر بعدم احترام الآخرين لما يقوم به، وسوف تهتز ثقته بنفسه وقدراته ومهاراته، وقد لا يفكر اطلاقا في إعادة المحاولة، وسوف يتلبسه شعور بالفشل مستديم، لذا من الواضح انه سيفقد مهاراته، وسوف تتراجع موهبته، وسوف ينكفئ ويغوص في عالم الجمود والكسل الفكري والعملي، وبالتالي موت الموهبة والمهارة وخسارة فادحة للمجتمع، فضلا عن الانحراف في مسارات اللهو وتدمير الوقت في اعمال مدمرة بدورها للفرد والمجتمع، وهكذا ستكون حصيلة فقدان قيمة الاحترام للجهد البشري، هي فقدان للموهبة والمهارة، مع فقدان فرص مؤكدة للتطور والتقدم للمجتمع ككل.
إن هذا الرأي المطروح في هذا الصدد، لم يأت وليد التخيلات، او تضخيم الامر، أو مجافاة للواقع، بل على العكس ان الواقع يؤكد دونما شك، بأن عدم احترام الموهبة يقتلها، وأن إهمال المهارة يدمرها، وأن مجتمعا لا يتحلى بقيمة الاحترام ولا يعرف مردوداتها سلبا وايجابا، إنما هو شعب يجهل النتائج الكبرى لقيمة الاحترام.
من هنا قدم لنا المفكر الانساني الغربي (هوارد غارنر) في كتابه ذائع الصيت (خمسة عقول من اجل المستقبل)، قدم لنا العقل المحترِم كأحد أهم العقول التي يحتاجها العالم البشري مستقبلا اذا ما اراد الاستمرار في حياة تليق بكرامة الانسان، نظرا للقيمة الاساسية التي يتمتع بها الاحترام في تطوير الفرد والمجتمع ودفعهما الى امام، نحو حياة اكثر اشراقا واتزانا، لذا يرى هوارد غاردنر، ما معناه أن العالم اذا لم يجد طريقه الى الاحترام المتبادَل، فإن كثيرا من الانظمة الحياتية المتماسكة قد تؤول الى الانهيار، وأن العيش في هذا الكوكب بسلام وتطور قد يصبح امرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا.
لذا ينبغي أن يبدأ الاحترام من البيت (المحيط العائلي) وهو المحيط الاول الذي تترعرع فيه مواهب ومهارات وقدرات الطفل، ثم المدرسة والاهمية الكبيرة التي ينبغي ان توليها ادارات المدارس لنشر مبدأ احترام المهارات من لدن الكادر التدريسي والطلبة فيما بينهم ايضا، وهكذا صعودا الى دوائر العمل الاخرى، فأينما يوجد الاحترام توجد الموهبة السليمة والمهارة المصقولة القابلة للتطور.
ولن تغيب قيمة الاحترام او تضعف، إلا في البلدان المتخلفة، أما البلدان المتطورة، فإن تعي قيمة الاحترام وتتمسك بها وتطورها نحو الافضل، من اجل حياة افضل دائما.