بسم الله الرحمن الرحيم الأول من ربيع الثاني( ثورة التوابين ) صفحات خالدة في تاريخ الإسلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين .
الأول من شهر ربيع الثاني لسنة ستين وخمس من الهجرة الشريفة ذكرى اندلاع ثورة التوابين بقيادة الصحابي الجليل المجاهد سليمان بن صرد الخزاعي رحمه الله وبمشاركة الآلاف من المؤمنين المجاهدين بغية الوقوف بوجه الطغاة الظلمة والأخذ بثأر سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام بقتل قاتليه .
كانت الكوفة بعد واقعة كربلاءتتحسّس أكثر من غيرها ثقل الذنب ومرارة الندم، باعتبارها طرفاً مباشراً ومسؤولاً في قضية الإمام الحسين(عليه السلام) .
فهي التي ألحّت عليه بالخروج إلى أرض الثورة التي تتعطّش إلى قائدها المنتظر، ثمّ تقاعست في أحرج الظروف عن الالتزام بما وعدت به والوفاء بالعهد الذي قطعته على نفسها.
وإذا كانت الأحداث التي تلاحقت بصورة مفاجئة بُعَيد تحرّك الحسين ( ع ) من الحجاز قد حالت دون القيام بواجبها وتنفيذ مخطّطها المرسوم، فإنّ ذلك لم يكن ليُخفِّف عنها عمق المأساة؛ لأنّها افتقدت بمصرعه الشخصية الأكثر جدارة التي وضعت فيها الشيعة كلّ آمالها وطموحها لإعادة الحق وتصحيح المسار.
التحضير للثورة :
أخذ أنصار الثورة الحسينية، يجتمعون بعد مقتل
الإمام الحسين مباشرة في إطار من السرِّية التامّة، وعند الاجتماع يعقدون مناقشات أشبه ما تكون بالنقد الذاتي، وذلك لمحاسبة أنفسهم على التقصير الذي أظهروه إزاء الحسين( ع )، والتشاور على كيفية التكفير عن الذنب ,والعمل الذي يجب القيام به ..
فتزعّم التحرّك الشيعي حينئذٍ خمسة من كبار الزعماء الكوفيين المتقدّمين في السنّ، الذين ارتبطوا تاريخياً بالحركة الشيعية، وهم:
1ـ سليمان بن صُرد الخزاعي، وهو من أصحاب
الإمام علي،و شارك معه في حروبه.
2ـ المُسَيّب بن نجبه الفزاري.
3ـ عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي.
4ـ عبد الله بن وال التميمي.
5ـ رفاعة بن شدّاد البجلي.
وكلّهم من صحابة الإمام علي ومن المؤيِّدين له.
فبدؤوا يمارسون نشاطهم في الخفاء، ويبشِّرون بدعوتهم في أوساط الشيعة، بعيداً عن مراقبة السلطة وجواسيسها المنتشرين في كلّ مكان.
وشكّلوا منظمة سرّية نواتها نحو مائة معارض، ولم تلبث حتّى تحوّلت إلى معارضة شيعية كبرى تحمل اسم (التوّابين) ، منبثقة من الآية الكريمة التي أصبحت شعارهم: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقَتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيْمُ(*. . البقرة 54 .
وقرر القادة الشروع بالثورة اختاروا سليمان بن صُرد زعيماً للثورة .
أهداف الثورة
يمكن تلخيص أهداف ثورة التوّابين بالنقاط التالية:
ـ إزاحة الأُمويّين من السلطة في الكوفة وتحويلها إلى قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود الدولة.
ـ أخذ القصاص من المسؤولين ومن قتلة الإمام الحسين، سواء الأُمويّين أم المتواطئين معهم.
ـ تجسيد فكرة الاستشهاد , والإلحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس.
زيارة قبر الحسين
جمع الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي ـ الذي سُمّي أمير التوّابين ـ أنصاره في منطقة النخيلة، في الخامس من ربيع الثاني 65ه، ثمّ سار بهم إلى قبر الإمام الحسين(ع )، وكان عددهم يقارب أربعة آلاف رجل، فما أن وصلوا إلى القبر الشريف، حتّى صاحوا صيحة واحدة، فما رئي أكثر باكياً من ذلك اليوم، فترحّموا عليه، وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال، وتجديد العهد معه( ع).
معركة عين الوردة
تحرّك القائد سليمان بن صرد ـ بعد زيارة قبر الإمام الحسين( ع )، وتجديد العهد معه ـ مع جنده قاصدين الشام، فوصلوا إلى الأنبار، ومنها إلى القيارة وهيت، ثمّ إلى قرقيسيا ـ وهي بلدة على مصبّ نهر الخابور في الفرات ـ وبعدها منطقة عين الوردة.
وفي الثاني والعشرين من جمادى الأُولى 65ه، دارت في منطقة عين الوردة رحى الحرب بينهم وبين جند الشام، وأبلى التوّابون بلاءً حسناً، فكان لهم النصر أوّل الأمر، غير أنّ ابن زياد سرعان ما أمدّ جيش الشام باثني عشر ألفاً بقيادة الحصين بن نمير، ثمّ بثمانية آلاف بقيادة شرحبيل بن ذي الكلاع، فأحاطوا بالتوّابين من كلّ جانب،فدارت معركة عنيفة بين الفريقين قتل فيها اعداد كبيرة من الجانبين , واستشهد قادة الثورة ، باستثناء رفاعة بن شداد الذي أدرك عدم جدوى القتال، وكانت القيادة قد انتقلت إليه، فأصدر أوامره سرّاً إلى البقية الباقية من التوّابين بالانسحاب والتراجع ..
وتمّت عملية التراجع بنجاحٍ تام، وابتعد التوّابون المنسحبون عن ميدان المعركة، وأصبحوا في منأىً عن مطاردة الجيش الأُموي المنتصر، الذي استنكف عن محاولة اللحاق بهم.
وانتهت المعركة إلى جانب أهل الشام، بعد أن ترك التوّابون أمثلة رائعة للبطولة والفداء، التي استمدّت روحها من مواقف الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه(عليهم السلام)، والتي لها صداها في النفوس، وأثرها القوي في التاريخ الإنساني كلّه.
لا يمكن أن نقول بأنّ هذه الثورة انهزمت أو فشلت عسكرياً؛ فكانت الدماء التي سالت في عين الوردة قد روت براعم الثورات التالية وابرزها ثورة المختار .فسلام على الثوار والشهداء ,واسكنهم الله فسيح جنانه ..