|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 02:15 PM
الاولى: قصّة أصحاب الأخدود
، ففي سورة البروج تستهلّ السورة بالقَسَم الإلهيّ أربع مرات «وَالسَّماءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ* وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ* وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» وهذا الإبتداء بمثابة توثيق للواقعة والحادثة التي يريد الإخبار عنها، وفي هذا منهجا ودرساً قرآنيّاً يحثّ على توثيق الحادثة أولًا، ثمّ الخوض في تفاصيلها ورسم أحداثها، ثمّ تذكر السورة الخبر الذي وقع القَسَم الإلهيّ على وقوعه بابتداء لفظة «قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ»، وهو أسلوب رثاء وندبة وعزاء، نظير قول الراثي «قُتل الحسين عطشاناً» .. كما أنّ توصيفهم بأصحاب الأخدود بيان لكيفيّة القتل التي جَرت عليهم، فتواصل السورة تصوير مسرح الحدث إستثارة للعواطف وتهييجها بوصف الأخدود «النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ»، وهو بيان لشدّة سُعرة النّار التي أُجّجت لإحراقهم، وهو ترسيم لبشاعة الجناية وفظاعتها ..
ثم يتابع القرآن الكريم «إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ» وهو بيان لقطة أخرى من مسرح عمليات الحادثة التي أوقعها الظالمون على المؤمنين من إرعابهم وتهديدهم بإجلاسهم على شفير الأخدود المتأجّج أوّلًا لأجل ممارسة الضغط عليهم للتخلّي عن مبادئهم التي يتمسكون بها؛ وفيه بيان لشدّة صلابة المؤمنين مع هذا الإرعاب المتوجّه عليهم، ثمّ تتابع السورة «وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ» وهذا بيان يجسّد فوران الشفقة الإلهيّة على الظُلامة والتلهّف على ما يُفعل بالمؤمنين ..
ثمّ تتلو السورة «وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» لتبيّن براءة المؤمنين لتركيز شدّة الظلامة .. ومن جهة أخرى تبيّن شدّة صلابة المؤمنين وصمودهم وعلوّ مبدئهم، ثمّ يبدأ الباري تعالى بتهديد الظالمين والتنديد بهم من موقع المالك للسموات والأرض والشاهد المراقب لكلّ الأمور، ثمّ يقول تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ* .... إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ» فيسطّر تعالى قاعدة وسنّة إلهيّة عامّة وهي الوقوف بصف المظلومين والمواجهة قبال الظالمين، وهو بذلك يربّي المسلمين والمؤمنين عَبر القرآن الكريم؛ يربّيهم على التضامن مع المظلومين والنفرة والتنديد بالظالمين عبر التاريخ، ويُعلّمهم أن لا يتخاذلوا باللامبالاة؛ ولا يتقاعسوا بذريعة أنّ هذه الأحداث والوقائع غابرة في التاريخ .. بل يحثّ على التضامن والوقوف في صفّ كلّ مظلوم من أول تاريخ البشريّة إلى آخرها، والتنديد بكلّ طاغوت وظالم، وهذا الجوّ القرآنيّ نراه لا يكتفي من المسلم والقارئ للسورة بالتعاطف وإثارة الأحاسيس تجاه المظلوم، بل يستحثّهما على النفور من الظالم والتنديد به وإن كان زمانه قد مضى في غابر التاريخ، كلّ ذلك لتطهير الإنسان من الذوبان في مسيرة الظالمين، وانجذاباً له مع مبادئ المظلومين .. فنرى السورة تضمّ إلى إقامة الندبة والرثاء على أصحاب الأخدود والتنديد بقاتليهم، تضم إلى ذلك «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ* فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ* وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُحِيطٌ» فتُذكّر قارئ السورة بمسيرة بقيّة ظلامات الظالمين من عصابة جنود فرعون وثمود الذين جَنوا على الأنبياء والصالحين ..
فالسورة ابتدأت بالقَسم على تأكيد وقوع الفادحة وتحسّر في ندبتهم ورثائهم وإظهار العزاء عليهم، وبيان لعظم التنكيل بالمؤمنين وبراءة المؤمنين عن الجرم، ثمّ تَوعُّد على الإنتقام بتصوير ملي بالعبارات المتحركة بُغية إثارة العواطف والأحاسيس الجياشة.
ثمّ إنّ ههنا إلفاتة مهمّة إلى بعض الأمور:
الأوّل:
وهي إنّ هذه السورة حيث كانت في أسلوب أدب الرثاء والندبة والعزاء وإقامة المأتم على أصحاب الأخدود، فلابدّ أن يكون قراءة هذه السورة في كيفيّة التجويد بنحو من التصوير البيانيّ والطور الإيقاعيّ المناسب لجوّ معاني هذه السورة، وهذه الكيفية هي المعروفة بطَوْر الرثاء والنوح، وقد تقرّر في علم التجويد أخيراً ضرورة التصوير والترسيم البيانيّ لجوّ معاني الكلام .. فلا يصحّ قراءة القرآن على وتيرة واحدة، بل آيات البشارة بالجنّة والثواب والنعيم تُقرأ بنحو الابتهاج والفرح .. وآيات الإنذار والوعيد تقرأ بكيفيّة الخوف والقشعريرة ..
وآيات التشريع والأحكام تُقرأ بكيفية التبيين والتعليم .. وآيات الحكمة والمعارف والموعظة تُقرأ بنحو الطَور الصوتيّ المناسب لجوّ الموعظة والحكمة، فمن ذلك نستخلص أنّ النوح والترديد الرثائيّ من ألحان القراءة القرآنيّة لهذه السور المتضمنّة للمراثي.
الثاني:
أشار الكثير من المفسّرين إلى أنّ القرآن قد نزل على أسلوب أمثال ومواعظ وحكم وإنذار وبشارة وأحكام ومعارف وأخبار وأنباء و... ولم يشيروا إلى وجود أسلوب وأدب الرثاء والندبة في القرآن الكريم مع أنّه من الفصول المهمّة في الأدب والأسلوب القرآنيّ، حيث سنذكر نموذجاً من بعض قائمة المَراثي والندبة في السور القرآنية.
الثالث:
أنّ اشتمال الكتاب العزيز في العديد من السور القرآنيّة على المراثي والندبة والعزاء، وهو قرآن يُتلى كلّ صباح ومساء وفي كلّ آن وزمان، وهو عهد اللَّه تعالى إلى خلقه اللازم عليهم أن يتعاهدوه بالقراءة والتدبر كلّ يوم، ولاسيّما في شهر رمضان الذي هو ربيع القرآن، فيقضي ذلك دعوة القرآن لإقامة الرثاء والندبة والعزاء على ظلامات المظلومين وروّاد الإصلاح الإلهيّ في البشريّة، في كلّ يوم فضلًا عن كلّ أسبوع، وفضلًا عن كلّ شهر وكلّ موسم وكلّ سنة بنحو راتب ودائم، في كلّ قراءة للقرآن وترتيل.
فإذا كانت سُنّة القرآن ذلك في ظلامات المظلومين مثل أصحاب الأخدود، وأتباع الأنبياء .. فما ظنّك ببضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وريحانة خاتم الأنبياء وسيّد شباب أهل الجنة لاسيّما مع افتراض أمر القرآن بمودّتهم والحزن لمصابهم كما تقدّم في النمط السابق؟
|
|
|
|
|