من دون عقيدة لايمكن للانسان ان يعيش حياته، اذ العقيدة جزء لا يتجزأ من وجوده وحياته، ولذلك تجده يقاتل ويموت من اجل عقيدته ...
والبشرية في خط وجودها تباينت عقائدها بين الوضعية والسماوية, والسماوية تعددت بتعدد الرسالات رغم اتحادها في الاصول العامة، وليس هذا محل خلاف ... وكل ديانة تدعو الناس إلى اتباعها، وهي تعد الناس بان السعادة لا وجود لها إلا عندها، هكذا شاءت الديانات ان تدعو الناس اليها...
والناس قد اختلفت قناعاتهم في تلك الديانات ، فبينا تجد شخصا لا يعبد إلا الله تعالى، تجد آخر يعبد بقرة، أو يقدس فأرا، أو يركع لوثن.
والاسلام قد تعرض لموجة من الفتن سببت تكثر المذاهب والفرق، رغم ان النجاة تكمن في مذهب واحد.
امام هذا التعدد يقف الانسان على مفترق طرق، ليختار احدها ويسير على منهجه، وهذا يمثل احد معاقد الابتلاء والاختبار في الحياة الدنيا، وهنا لابد ان يُعمل الفرد فكره ويتأمل، حتى يصل إلى قناعة تامة بالنجاة اذا ما اتبع مذهبا ما, وليس في هذا ضير. إنما الضير يكمن في ان عملية الاختيار تواجه الكثير من العوائق التي تعمي الناس عن اختيار الحق، ومن اكبر تلك العوائق هو الإسراع في تقبل الافكار، حيث ان كثيراً من الناس يميلون إلى الراحة والدعة الفكرية والبدنية، ويحبون ان تنفتح امامهم الطرق من دون جهد يبذل، ومن ثم فإنهم يتخلصون من عناء البحث وتجشم الاستدلال بقبول أية فكرة تطرح اذا كانت منمقة ومرتشة ومؤطرة باطار جميل .
وهذا ما رأيناه في الكثير من الذين اتبعوا أدعياء المهدوية أو اليمانية، فإن عددا لا بأس به منهم لم يكونوا أميين، وإنما كانوا من اصحاب الشهادات الاكاديمية، وكانوا على قدر معتد به من التفهم والتعلم، ولكنهم كانوا من ذلك الصنف الذي يحب ان يطعم ويسقى من دون ان يحرك يداً, انهم اتبعوا تلك الحركات المنحرفة من دون روية ، ورأوا فيها خلاصهم من عذاب عصر الغيبة.
وبنوا مدن احلامهم على ظنونهم، ولو انهم اعملوا فكرهم قليلا لعرفوا الحق، ولو انهم بذلوا جهدا قليلا لتركوا الباطل ، والا فأي عقل أو عاقل يقبل ان يتبع مدع من دون دليل، أو يقبل ان يترك ما اجمعت عليه الطائفة بعلمائها وافذاذها واساطينها لكلام صعلوك لا يحسن ان يفهم كلام المعصوم!
حقا انها من الفتن التي حذرت منها الروايات الشريفة ، والتي وصفتها بعضها بان الرجل يمسي كافرا ويصبح مؤمنا ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا.
انها حالة من عدم الثبات على المبدأ، وحالة من التعجل والاسراع في تقبل الافكار فكرة بعد فكرة ، من دون روية، انها سلسلة من القرارات الخاطئة تودي بعقل الانسان وتحجره عن التفكير، والعاقبة تكون الندم، وربما ندم في وقت لا ينفع فيه الندم.
انها دعوة إلى اتخاذ التعقل في اختيار الافكار مبدأً يبني المؤمن عليه حياته ... والى اعتماد المناهج الصحيحة والثابتة والموافقة للعقل والادلة اليقينية من مصادر الدين الثابتة صراطا يسير عليه العبد، حتى يطمئن قلبه ويمشي بقدم راسخة في طريق كثرت فيه المزالق.