من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة» [مستدرك الحاكم: 2، 56]
6- كراهته للعظمة
من الصفات البارزة في شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كراهته الشديدة للعظمة والأنانية
فقد روى ابن عباس قال: «مشيت خلف رسول الله (ص) لأنظر هل يكره أن أمشي وراءه أو يحبّ ذلك، ق
ال: فالتمسني بيده وألحقني به حتى مشيت بجنبه، ثمّ تخلّفت مرّة ثانية، فالتمسني بيده فألحقني به فعرفت أنّه يكره ذلك» [تاريخ بغداد: 12، 91]
وكان يكره أن يستقبل بالتعظيم والتبجيل، وكان يقول لأصحابه: «لا تقوموا ـ لي ـ كما تقوم الأعاجم يعظّم بعضهم بعضاً» [صحيح أبي داود: 2 ، 224]
وهكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينفر ويمجّ جميع ألوان التعظيم، ويرى أنّه لا يحسن إلا لله تعالى خالق الكون وواهب الحياة.
7- الفصاحة والبلاغة
من الصفات البارزة في شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أنه كان أمير البيان وسيد البلغاء والفصحاء الذي أذهلت بلاغته رواد الحكمة والبيان فجوامع كلماته،
وبدائع حكمه كانت من أرقى مراتب البلاغة، ليس فيها تعقيد ولا غموض ولا التواء، قد رصّعت بجواهر البلاغة.
قال الغزالي: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتكلم بجوامع الكلم، لا فضول ولا تقصير، يتبع كلامه بعضه بعضاً، يحفظه سامعه ويعيه»
[إحياء العلوم: 2 ، 367]
وقد استطاع صلوات الله عليه بسموّ بلاغته أن يحتلّ العواطف، ويسيطر على النفوس،
وأنّ الكثيرين ممّن آمنوا به قد جلبهم روعة بيانه وصدق دعوته، وقد اُثر عنه القول:
«أنا أفصح من نطق بالضاد، ونشأتُ في بني سعد» [السيرة النبوية، ابن هشام: 1، 176]
وقال له بعض أصحابه: «ما أفصحك يا رسول الله، وما رأينا مَن هو أفضح منك»
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «وما يمنعني من ذلك، وبلساني نزل القرآن، وبلسان عربي مبين» [بحار الأنوار: 6 ، 230]
لقد نزل القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو من آيات الله تعالى، لا يدرك البشر مجاراته،
ولا يدركون عظيم اُسلوبه، وجزالة بيانه، وروعة نظمه، وكان معجزته الخالدة على امتداد الزمن.
لقد كانت البلاغة بما فيها من مفهوم رائع وشامل من خصائص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)،
واُثر عنه القول: «اُوتيت جوامع الكلم»، واختصرت لي الحكمة اختصاراً.
السياسة الرشيدة
وتميّز الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بسياسته الرشيدة التي لم يشاهد مثلها في جميع فترات التأريخ، فقد ساس ذلك المجتمع الجاهلي بلطفه وسموّ أخلاقه،
واحتمل جفوتهم واعتداءهم عليه، وصبر على ما عاناه من صنوف الخطوب والتنكيل منهم حتى استجابوا لدعوته،
وآمنوا بقيمه وأهدافه وشكّل منهم جيشاً متسلّحاً بالإيمان، فجعلوا يقاتلون آباءهم وإخوانهم عن رضى وإيمان،
حتى أقاموا الدولة الإسلامية العظمى التي سيطرت على معظم أنحاء العالم، وصارت القوّة الوحيدة في الأرض التي لا تقهر،
كلّ ذلك ببركة سياسة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي بنيت على العدل الخالص، والحقّ المحض